اقتباس
تمُرُّ بنا هذه الذكريات والمسلمون اليوم أكثرَ ما كانوا حملاً للسلاح، وبذلاً للأرواح، ولكن على بعضِهم .. والصائمُ يقتلُ صائمًا، والمُصلِّيان يقتتِلان، وكلٌّ منهما يُريد الفردوسَ بدمِ صاحبِه! في مشهدٍ فوضويٍّ يجعلُنا نشهدُ موسِمًا للانكِسارات والانتِكاسات.. تحوَّل معنى التحرير عند بعضِهم إلى استِلابِ أرضِ إخوانهم المُسلمين التي بها مساجِدُهم وبيوتُهم وأسواقُهم .. وصارَ القتلُ عند الكثيرين منهم تسليةً ومُتعةً، وفي أحوالٍ منه لأسبابٍ لا تستدعِي العتَبَ ولو باللسان.
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "رمضان وغزوة بدر .. والخوارج المُعاصِرون"، والتي تحدَّث فيها عن ذكرى غزوة بدر والتي دارَت أحداثُها في مثلِ هذه الأيام منذ قرونٍ، مع بيان أخلاق الحرب التي علَّمنا إياها نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - بالقول والفعل، مُقارنًا ذلك بأفعال الخوارِج والخارِجين على أحكام الكتاب المبين، وسُنَّة سيدِ المُرسلين - صلى الله عليه وسلم -، مُوجِّهًا نصائِحَه لعموم المسلمين بتوخِّي الحذر من الدعوات المُشوَّهة، مُحذِّرًا الشباب بصفةٍ خاصةٍ من الانجرافِ خلف راياتٍ عُمِّيَّةٍ.
وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله - عز وجل – والحرص على بذل مزيد من الاجتهاد في طاعة الله في رمضان، قائلاً: شهرُ رمضان المُبارَك فرصةٌ لمن كان في حياتِه مُقصِّرًا ليلحَق، ولمن استحقَّ بذنبِه النارَ ليُعتَق، ولمن كان في طاعاته متأخرًا ليكون الأسبَق.. ومن أدركَه شهرُ رمضان ولم يُغفَر له فأبعَدَه الله!
وأشار الشيخ إلى أنه في مثلِ هذه الأيام من رمضان، وقبل ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائةٍ وألفٍ من السنين .. حدثَت غزوةُ بدرٍ الكُبرى، والتي سمَّاها الله: (يوم الفُرقان) .. وهي أولُ مُواجهةٍ عسكريةٍ في الإسلام. تبِعَتها مغازٍ وحروب، فرضَها نُشوءُ الدولة المُسلمة الحديثة وكثرة مُناوِئيها.
وأوضح الشيخ أنه منذ ذلك الحين نشأَت مبادئُ حربٍ لم تُعرف في مبادِئ الأمم السابقة، ولم تُعهد في سُلوك المُحارِبين، امتزجَ الحزمُ فيها بالرحمة، حتى قال أحدُ المُستشرقين: "كان المُسلمون أرحمَ غُزاةٍ عرفَهم التاريخ".
وأضاف فضيلته: كان القتالُ في مُواجهة من حمَلَ السلاحَ فحسب، وكانت أُولَى الخُطوات بعد التمكين: تأمين الناس، ووضعَ المظالِم والآصار عنهم، وعدمَ إكراه الناس على الدخول في الإسلام..
وقارن فضيلته في ثنايا خطبته بين واقعنا المر وواقع السلف الصالح، قائلاً: تمُرُّ بنا هذه الذكريات والأمةُ مُثقلةٌ بالآلام، مُثخنَةٌ بالجِراح .. تمُرُّ بنا هذه الذكريات والمسلمون اليوم أكثرَ ما كانوا حملاً للسلاح، وبذلاً للأرواح، ولكن على بعضِهم .. والصائمُ يقتلُ صائمًا، والمُصلِّيان يقتتِلان، وكلٌّ منهما يُريد الفردوسَ بدمِ صاحبِه! في مشهدٍ فوضويٍّ يجعلُنا نشهدُ موسِمًا للانكِسارات والانتِكاسات.
وأضاف الشيخ: تُطيفُ بنا ذكرى معركة بدرٍ وأخلاق المُسلمين في حروبهم .. وكثيرٌ من بلاد المُسلمين اليوم بها احتِراق، وبأيدِي كثيرٍ منهم أسلِحةٌ وحِراب. وعلى رغمِ احتِلال بعضِ ديارِهم وتشتِيتِ أهلِها، إلا أن السلاحَ مُوجَّهٌ لإخوانهم.
وشكا فضيلته متألمًا ممن ألبَسُوا جريمةَ انتِهاك الأعراض لباسَ السَّبيِ، والمسبِيَّات هنَّ نساءٌ مُسلماتٌ من ذُرِّيَّة مُسلمين، في هوَسٍ مجنونٍ يستبيحُون ذلك باسمِ الله وشرعِه، وهمُ الذين أساؤوا للدين على نحوٍ عجزَ أعداؤُه أن يبلُغوا ما بلغَ أولئك في الإساءة، في أعمالٍ قد تفوقُ ما عمِلَته جيوشٌ مُتوحِّشةٌ سطَّرَت أخبارَها كتبُ التاريخ.
ونادِي الشيخ كل من لحِقَ بالغُلاة أن استعتِب ما دامَت روحُك في جسدِك، ولم يُختَم بعدُ عملُك، وإياك أن يُريقَ سلاحُك دمَ مُسلمٍ أو تتخوَّضَ في فتنٍ أنت منها في عافيةٍ.
وأوضح فضيلته أن العالَم يتفهَّمُ أن تنتفِضَ عشائرُ على من سفَكَ دماءَها، واعتقلَ بنِيها، واعتدَى على بعضِ نسائِها، وهجَّر المسلمين السنَّةَ من ديارِهم، ولم يترُك حاكمُهم لهم في القوس منزَع .. فابتلاهُم في دينِهم وأعراضهم، ودمائِهم وأموالهم.
وأضاف الشيخ أن الغُلُوّ والخروج لوثةٌ قديمةٌ، وعلَّةٌ مُزمِنةٌ في التاريخ القديم قبل وضع مناهِج التعليم، وقبل تأسيسِ بلادِنا. بل إن أكثرَ حمَلَته نشأوا ودرَسُوا في بلادٍ تحكمُها العلمانية، وتتحكَّمُ في مناهِج تعليمِها.
وختم فضيلته الخطبة داعيًا المسلمين عامَّة! وخصوصًا من لهم جِوارٌ مع البلاد المُضطربة: بأن يكونوا على قدرٍ من الوعي والمسؤولية .. فإن الحالة التي تمُرُّ بها المنطقةُ العربية لا تتحمَّلُ تصدُّعًا في الصفِّ الداخليِّ .. في لحظةٍ تمُرُّ بها المنطقةُ بإرهاصاتٍ خطيرةٍ يُرادُ منها أن تتغيَّر حُدودُها وسياستُها، وتحالُفاتها، في توجيهٍ لمصيرٍ مُظلِم، وأن يكُفُّوا عن التهييج والتأليب، ويطَّرِحوا الإثارة.
ووجه نداء لكل من ولاَّه الله أمرًا في بلادِ المُسلمين، قائلاً: إن الشياطين التي تبغِي خطفَ شُعوبِكم كُثُر .. وبالعدل تقطَعون الطريقَ على كل مُصطاد .. وبتأدِيةِ الحقوق يخنَسُ كلُّ مُتربِّصٍ .. وبإصلاحِ الفاسِد من الأحوال ينتهِي عُذرُ كلُّ ناعِقٍ.
ودعا الشيخ من منبَر الكعبة المُشرَّفة .. وفي جُمعةٍ من رمضان دعوات صادقة لرجال الأمن الذين يُرابِطون في الثُّغور، وفي داخل البلاد، خصوصًا في هذا القَيظ وهم صائِمون .. جزاكم الله عن الصائمين والقائمين والمُعتمِرين خيرًا، وأثابَكم عن المُتهجِّدين والتالِين كتابَ الله والآمنِين خيرَ الجزاء.
المدينة النبوية:
من جانبه ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "رمضان .. وتهذيب الأخلاق"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما ينبغي أن يستفيدَه منه المُسلم؛ إذ الواجبُ أن تتربَّى النفوسُ في هذا الشهر على حُسن الخُلُق، والتأسِّي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حُسن تعامُله مع الناس، وعدم إيذائِه لهم، وأن يجتنِبَ المسلم الفُحشَ وسوء الأخلاق قولاً أو فعلاً.
وبيّن الشيخ أن من دروس هذا الشهر الكريم: أنه مدرسةٌ تربويةٌ تُربِّي المُسلمَ على المبادِئ الفُضلَى، والأخلاق العُظمَى، والمسالِك المُثلَى؛ لتُقيمَ مُجمعًا إسلاميًّا راقيًا في أخلاقِه وسُلوكِه وتعامُلاتِه.
وأضاف الشيخ: فمن شهر الصوم يجبُ أن يتربَّى المُسلمُ على ضبطِ النفس، وعلى التحكُّم في جُموحِها؛ لتنأَى عن كل خُلُقٍ رَذيلٍ، ومسلَكٍ مَشينٍ. فيكونُ المُسلمُ بذلك في كل أحوالِه على صِفةٍ عالِيةٍ من الرِّفقِ واللِّين والسَّماحَة والعفوِ، بعيدًا عن العُنف بأشكالِه القوليِّ أو الفعليِّ، مُجانِبًا الفُحشَ بمُختلَف صُوره، مهما كانت الدوافِع، ومهما تعدَّدَت أساليبُ الاستِفزاز له..
وبيّن الشيخ أن تشريعات الإسلام - ومنها فريضة الصوم في هذا الشهر العظيم - يجبُ أن تبنِيَ في نفوسِنا ومُجتمعاتنا كلَّ فعلٍ جميلٍ، وكلَّ خُلُقٍ نبيلٍ. ولهذا فسَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - البرَّ بأنه «حُسن الخُلُق»؛ كما رواه مسلم..
وحث الشيخ على أن يكون هذا الشهر مُربِّيًا في نفوسِنا في كل الأزمان والأوقات حُسن الطِّباع، وجميلَ الأخلاق، وطِيبَ التعامُل؛ مُمتثِلين وصيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح - الذي رواه الترمذي -: «اتقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ». مستدلاً بأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من صفاتِه العظيمة في كل وقتٍ وحينٍ: أنه لم يكن فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا.
وبيّن الشيخ أن بالتزام مكارم الأخلاق يسعدُ الأفراد، وتأمنُ المُجتمعات، وتطمئنُّ النفوسُ. فلا غرْوَ؛ فحُسن الأخلاق قاعدةُ الأمن والأمان للمُجتمعات، وسيِّئُها أصلُ الشُّرور والشقاء في المُجتمع..
وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن شهر رمضان شهرُ الجُود والكرَم؛ فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كان أجودَ الناس، "وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريل فيعرِضُ عليه القرآن، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الرِّيحِ المُرسَلة".
وأوصى في ختام خطبته أن يكون جوادًا بالخيرات والطاعات التي تُقرِّبه إلى ربِّ الأرض والسماوات، قائلاً: كُن جوادًا كريمًا مُحسِنًا في قولِك وفعلِك وسُلوكِك .. كُن مُحسِنًا بأنواع الإحسان القوليِّ والفعليِّ...
التعليقات