مختصر خطبتي الحرمين 1 جمادى الأولى 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

العُمرُ أنفاسٌ معدودة، وأوقاتٌ محدودة، وضياعُ الوقتِ إضاعةٌ للعُمر، وإهدارُ الأوقات إهلاكٌ للنفوس. وهذا الضياعُ والإهدارُ ينعكِسُ على الإنسان أمراضًا في النفس، وضجَرًا في الحياة، وسُوءًا في الأخلاق والسلوك، واضطِرابًا في العلاقات، وضعفًا في التحصيل، وضياعًا للمسؤوليات. ومن أجل هذا؛ فإن من توفيقِ الله لعبدِه أن يفتَحَ له أبوابَ الخير، ويُيسِّر له سُبُلُ البِرِّ، ويُبارِكَ له في عُمره، فيستعمِلَه في طاعة الله، ويُوفِّقَه لعملِ الصالِحات.
ومن الخُذلان: أن يضيعَ على المرء عُمرُه، فيسلُكَ مسالِكَ الإثم، ويسيرَ في دُروبِ الشرِّ، ويلهَثَ وراءَ المُتَع، يُضيِّعُ الأيام بما لا ينفَع...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الإعلام الجديد .. بين الواقع والمأمول"، والتي تحدَّث فيها عن الإعلام الجديد وهو المُتجسِّد في مواقع التواصُل الاجتماعيِّ، والمُدوَّنات، والشبَكات، وغير ذلك، وقد ذكر فضيلتُه العديدَ من المنافِع والمضارِّ، مُوجِّهًا نصائِحَه لعموم المُستخدِمين لتلك المواقِع بتقوَى الله ومُراقبته في السرِّ والعلَن، مُنبِّهًا إلى خطورةِ إشاعَة الفاحشة والمُجاهَرة بالمعاصِي والمُنكَرات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -، واغتنِمُوا نفائِسَ الأوقات.. وتفكَّرُوا في العِبَر والمثُلات؛ فقد أخبرَتكم بما أخذَت من الديار، وما أعفَت من الآثار.

 

وأضاف الشيخ: العُمرُ أنفاسٌ معدودة، وأوقاتٌ محدودة، وضياعُ الوقتِ إضاعةٌ للعُمر، وإهدارُ الأوقات إهلاكٌ للنفوس. وهذا الضياعُ والإهدارُ ينعكِسُ على الإنسان أمراضًا في النفس، وضجَرًا في الحياة، وسُوءًا في الأخلاق والسلوك، واضطِرابًا في العلاقات، وضعفًا في التحصيل، وضياعًا للمسؤوليات.

 

وقال حفظه الله: ومن أجل هذا؛ فإن من توفيقِ الله لعبدِه أن يفتَحَ له أبوابَ الخير، ويُيسِّر له سُبُلُ البِرِّ، ويُبارِكَ له في عُمره، فيستعمِلَه في طاعة الله، ويُوفِّقَه لعملِ الصالِحات. ومن الخُذلان: أن يضيعَ على المرء عُمرُه، فيسلُكَ مسالِكَ الإثم، ويسيرَ في دُروبِ الشرِّ، ويلهَثَ وراءَ المُتَع، يُضيِّعُ الأيام بما لا ينفَع.

 

وأضاف سماحته: ومما ابتُلِيَ به أهلُ هذا العصر: ما عُرِف بالإعلام الجديد؛ من شبَكَات المعلومات، ومواقِع التواصُل الاجتماعيِّ، وغُرف المُحادَثات، والمُدوَّنات، والحسابات الشخصيَّة، والمُنتدَيات والمواقِع.

 

وأضاف الشيخ: أما الإعلامُ التقليديِّ، فقد وصَفُوه بالإعلام الساكِن؛ لأنه من طرفٍ واحدٍ، لا يشترِكُ فيه المُتلقِّي بحديثٍ ولا حِوار، ولا إبداءِ رأيٍ، ولا تسجِيلِ موقِفٍ. أما الإعلامُ الجديد بكل تقنيَّاته وأدواتِه، فهو إعلامٌ حيٌّ، يشترِكُ فيه المُرسِلُ والمُستقبِل في الحديثِ والرأي والحِوار.

 

وقال وفقه الله: الإعلامُ الجديد لهُ آثارُه كبيرة، وتأثيراتُه البالِغة على سُلُوك الناسِ وعاداتهم، وإحداثِ أنواعٍ من التغيير الاجتماعيِّ إيجابًا وسلبًا، ونفعًا وضرًّا. إعلامٌ خطيرٌ، تجاوَزَ الحدودَ الجُغرافيَّة، وتواصَلَ الناسُ فيه من جميعِ أصقاعِ الدنيا أقطارًا وقارَّات، هبَطَ بين أجزاء العالَم وغيَّر معالِمَه، تقارَبَت معه المسافاتُ الزمانيَّة والمكانيَّة. لقد أصبحَ دورُه مُتعاظِمًا في حياة الأفراد والأُسَر، والمُجتمَعات والشعوب، مُحدِثًا طفرَاتٍ واسِعة في عالَم الاتصال والتواصُل. يتواصَلُون مع أقرانِهم وغير أقرانِهم، ومعارِفِهم وغير معارِفِهم، داخِليًّا وخارجيًّا، يتبادَلُون الأسرار والمعلومات والثقافات، ومُمارَسَةَ ما لا ينحصِرُ من النشاطات والفعاليَّات مع من يعرِفُون ومن لا يعرِفون.

 

وأكَّد فضيلته: أن من التواصِي بالحق والتناصُح في الخير: النظرَ في هذا كلِّه، في استِجلابِ الإيجابيَّات والإفادَة منها، والاستِزادَة من منافَعِها، وحفظِ الوقتِ والعُمر للتوظيفِ النافِع. والنظر في السلبيَّات لاجتِنابِها والتحذيرِ منها؛ حِفظًا للنفس، ونُصحًا للأمة، وقيامًا بالمسؤوليَّات.

 

وأضاف الشيخ: ومن إيجابيَّات هذه الوسائِل ومنافِعها وفوائِدها: إقامةُ العلاقات الطيبة بين الأفراد والمجموعات، من الأقارِب والأصدقاء، وأصحابِ المِهَن والحِرَف والتخصُّصات، وتبادُلُ المعلومات النافِعة في كلماتٍ وملفَّاتٍ ورسائِل، وإيجادُ مُجتمعٍ مُتوادٍّ مُتعاطِفٍ مُتواصِلٍ في الخير. مع ما يحصُلُ من توفير الوقتِ والجُهد والمال، وسُرعة التواصُل والإنجاز، بل هو وسيلةٌ فعَّالةٌ في التعلُّم والتعليم، والدعوة إلى الله، والتوجيه والإرشاد، والتعاوُنُ على البرِّ والتقوى، والتناهِي عن الإثمِ والعُدوان.

 

وقال حفظه الله: لقد فتَحَ الإعلامُ الجديد آفاقًا جديدةً واسِعةً؛ ليُعبِّرَ بها المرءُ عن ذاتِه وشخصيَّتِه، والتفاعُلِ مع ما حولَه من قضايا وأحداثٍ، بطُرقٍ مُختلِفة، وأسالِيبَ مُتجدِّدة، قد لا يُدرِكُها أو يستوعِبُها جيلُ الآباء والكِبار.

 

هذه الوسائِلُ قرَّبَت البعيد، ومهَّدَت الطرقَ أمام المُبدِعين، وسهَّلَت نقلَ المعلومات، وبناءَ الأفكار، وتطويرَ المهارات، وصَقلَ الملَكَات، وإشباعَ الحاجات، وإثباتَ الذات، وزرعَ الثقةِ في النفوس. في هذه الوسائِلِ والأدوات تيسيرٌ للمعلومات وتوفيرُها ومُتعتُها، ينتقِلُ فيها المُتلقِّي من المُتابَعةِ إلى المُشارَكَة الفاعِلَة، في كل الموادِّ والأدوات. كل ذلك يتمُّ إذا كان هذا التعامُلُ بوعيٍ ونُضجٍ وحُسن تدبيرٍ.

 

وأشار الشيخ إلى أن المُستخدِم المُوفَّق الذي يصِلُ به رحِمًا، ويُعلِّمُ جاهِلاً، وينشُرُ معروفًا، ويُنكِرُ مُنكَرًا، ويدعُو إلى سُنَّة، وينشُرُ فوائِد؛ بل إنها وسيلةٌ لكل مسؤولٍ ليُفيدَ منها في معرفة جوانِب القُصور في مسؤوليَّته وإدارتِه، والتواصُل مع ذوِي العلاقة من مُوظَّفين ومُراجِعين ومُحتاجِين لمزيدٍ من المُراجَعة والتطوير، واتِّخاذ الإجراءات المُلائِمة، والقرارات الصائِبة. على أن ما في هذه المواقِع والمُدوَّنات والشبَكَات من معلوماتٍ ومُحتَوَيات تبقَى بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التوثيقِ والتثبُّت؛ فالعلمُ الصحيحُ والمعلوماتُ الصادِقة تُؤخَذُ من أهلِها، بعد دراسةٍ وأناةٍ وحُسن مُعالَجة.

 

وحذر فضيلته من سلبياتها فقال: أما سلبيَّاتُ هذه الأدوات، فهي مع الأسف كثيرةٌ وكثيرةٌ؛ من الأفكار الهدَّامة، والجُرأةِ المُهلِكة على الأصول والثوابِت، وضعفِ الرَّقابَة، والخُلُوِّ من الضوابِط والمعايِير في الكلامِ والكتابةِ والصورة، مع ما تحتوِيه من موادَّ مُحرَّمةٍ فاضِحة، تستهدِفُ جميعَ الطبقات والفِئات، مما يُورِثُ الانحِلالَ الأخلاقيَّ، وفسادَ الفِطَر، ونزعَ الحياء، وقتلَ الغَيرَة. ناهِيكُم بضياع الأوقات، واستِنزافِ الجُهود، والانعِزال عن الأُسرة والمُجتمع. كما قد يُسبِّبُ جفافًا في التعامُل، وجفاءً في التواصُل، وخَذَلاً في الترابُط الأُسريِّ، والعلاقات الاجتماعيَّة.

 

وأضاف الشيخ: ثم ناهِيكُم بما قد يُبتلَى به المُتصفِّح من الوقوع في الفتن والمعاصِي، والانزِلاقِ مع خطواتِ الشيطان، (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21]. مع ما يحصُلُ من ترويجِ الإشاعات، وإشاعَة الفَحشاء، والدعوة إلى المُنكَر، واتِّهام الأبرياء، والتدخُّل فيما لا يعنِي من أحوال الناس وخُصوصيَّاتهم، وتتبُّع عورات الناس، ومن تتبَّعَ عوراتِ الناسِ تتبَّعَ الله عورتَه حتى يفضَحَه في بيتِه.

 

ولاسيَّما حينما تُستخدمُ الأسماءُ الوهميَّة، والحروفُ الرمزيَّة؛ ليكون من ورائِها القذفُ والتشهيرُ وقالَةُ السوء، والخوضُ في الأعراض، وافتِعالُ الخُصومات مع المشاهِير وغير المشاهِير في ميادين العلم، والسياسة، والاقتِصاد، والإدارة، والفِكر، وغيرها، بقصدِ الإفساد، ونزعِ الهَيبَة من الأفراد والمسؤولين. والتزوير في البرامِج والصُّور، وتوظيفِ الكلامِ والموادِّ بما يضُرُّ ويُورِثُ البَلبَلَةَ والتشويشَ، فلا حُقوقَ مُصانَة، ولا شخصيَّات مُحترَمة، ولا حُرمةَ للمُجتمع.

 

وقال وفقه الله: وإذا كان الأمرُ كذلك، وكانت هذه هي المنافِعُ والمضارُّ. فعلى المُستخدِم أن يتَّقِيَ الله - عز وجل -، وأن يستحضِرَ النيَّةَ الصالِحةَ المُصلِحةَ، ويستشعِرَ مُراقَبَةَ الله - عز وجل - في سمعِه وبصرِه ولسانِه وجَنانِه، وليستخدِم ذلك كلَّه في الخير والصلاح والإصلاح، والتقرُّب إلى الله، وجمع الكلمة، وزَرع المحبَّة، وحُسن التعامُل، وحُسن الظنِّ، ونشر الصحيح من القول، والصالِح من العمل، والتثبُّت فيما يقولُ وينشُر. وليجتنِبِ الحرام من الغِيبَة، وفُحش القول، والبَذاء، والبُعد عن الدخول في النيَّات والمقاصِد والخُصوصيَّات، وبَذل النُّصح والتوجيه والإرشاد المبنيِّ على العلمِ والإيمانِ والإخلاصِ. وفي كلمةٍ جامعةٍ: عليه أن يعرِفَ المنافِعَ، ويستزيدَ منها وينشُرَها. ويعرِفَ المضارَّ فيجتنِبَها، ويحذَرَها ويُحذِّرَ منها.

 

وأضاف الشيخ: ومن أعظم سلبيَّات هذه الوسائِل والأدوات وأضرارها: المُجاهرةُ بالذنوبِ والمعاصِي والفُحش والبَذاء، حتى ولو لم يظهَر اسمُ المُستخدِم، أو تُعرف شخصيَّتُه. فهو مُجاهِرٌ مُشيعٌ لفاحشةٍ، وناشِرٌ لمعاصٍ، (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 108].

 

وقد تكونُ المُجاهَرةُ بالإثم أعظمَ من فِعلِه؛ ذلكم لأن مقصودَ المنعِ من المُجاهَرة تعظيمُ الذنبِ، وعدمُ الاستِخفاف به أو التهاوُن فيه، لما في المُجاهَرة من دعوةِ الناسِ إلى الفُجور، وتسهيلِ الإثم، وتكثيرِ سَواد أصحابِ المعاصِي، وتقوِيةِ هل المُنكَرات.

 

وقال حفظه الله: وفي الحديث المُتَّفق على صحَّته: "كلُّ أمَّتي مُعافَى إلا المُجاهِرين، وإن من المُجاهَرة أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملاً، ثم يُصبِحُ وقد ستَرَه الله عليه، فيقولُ: يا فُلان! عمِلتُ البارحةَ كذا وكذا. وقد باتَ يستُرُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشِفُ سِترَ الله عليه". وهل تأمَّلتُم - رحِمَكم الله - معنى رفعِ العافية عن المُجاهِر - نسألُ الله العافية -؟!

 

وأكد فضيلته: أن رفعَها -كما قال أهلُ العلم -: يشملُ الدنيا والآخرة، وإن من رفعِ العافية عن المُجاهِر أن يفضَحَه الله في الدنيا والآخرة، وبخاصَّةٍ إذا كان ينشُرُ باسمٍ مُستعار، أو رُموزٍ مُبهَمة. فيفضَحه الله بزلَّةٍ منه، أو ببعضِ من يعرِفُه أو يُشارِكُه مُنكَراته. ومن رفعِ العافية: أن يطبَعَ الله على قلبِه، فيألَفَ المعاصِي، فتصيرَ له عادةً وديدَنًا، لا يُبالِي بحُرُمات الله ومحارِمِه.

 

وأضاف سماحته: ومن رفع العافية في الآخرة: ما جاء عند البخاري من حديث عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يُدنِي المُؤمن، فيضعُ عليه كنَفَه وسِترَه، فيقول: أتعرِفُ ذنبَ كذا؟ أتعرِفُ ذنبَ كذا؟ فيقول: نعم أيْ ربِّ! حتى إذا قرَّرَه بذنبِه، ورأى نفسَه أنه هلَك، قال الله: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم. فيُعطَى كتابَ حسناتِه». ويُخشَى - عباد الله -، يُخشَى أن هذا المُهاجِر يفوتُه هذا السِّترُ والعفوُ في الآخرة.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته بالحرص على الاستعمال النافع المفيد فقال: ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وليتَّقِ اللهَ المُتعامِلُون مع هذه الوسائِل والأدوات، أفرادًا ومجموعاتٍ ومُدوَّنات ومواقِع وحسابات، وليتواصَوا بالحقِّ، وليتواصَوا بالصبر، وليتعاوَنُوا على البرِّ والتقوى، ولا يتعاوَنُوا على الإثمِ والعُدوان. وحسنًا لو أنشأوا مجموعاتٍ فاعِلةٍ هادِفةٍ للترشيدِ والتوعية، في حُسن استِخدامِ هذه الأدوات والتقنيَّات، وتأصِيلِ القِيَم، وحُسن استِثمار فوائِدِها الدينيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة، والتحذير من مضارِّها وسلبيَّاتها.

 

 

المدينة النبوية:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "كيف ينال العبد رضا الله؟"، والتي تحدَّث فيها عن رضا الله تعالى وكيف يناله العبد؛ حيث ذكر بعضَ الأعمال الصالحة التي بسببها يصِلُ العبدُ إلى مرضاة الله تعالى، في ضوء كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

واستهل الشيخ خطبته بالوصية بتقوى الله تعالى فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

وأضاف الشيخ: رِضا الله هو أعلَى المطالِب وأعظمُها؛ بل هو غايةُ مطلَب سُكَّان الجِنان؛ قال الله تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72]، فلا أحبَّ ولا أكرَمَ ولا أكبرَ من رِضوان الله؛ بل هو الأمنيةُ الجليلة التي من أجلِها بكَت عيونُ الخاشِعِين، وتقرَّحَت قلوبُ الصالِحين، وانتفَضَت الأقدامُ في جوف الليل.

 

وقال حفظه الله: هذا الرِّضا جعلَه الله فوقَ الجنة، زيادةً على الجنَّة؛ قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقولُ لأهل الجنة: يا أهل الجنة! يقولون: لبَّيكَ ربَّنا وسعدَيك. فيقول: هل رضيتُم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضَى وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقِك. فيقول: أنا أُعطيكُم أفضلَ من ذلك، قالوا: يا ربِّ! وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم أبدًا".

 

وقال وفقه الله: طلبُ مرضاة الله عليها مدارُ حياة الأنبياء والصالِحين؛ فموسَى - عليه السلام - يُسارِعُ إلى ما يُرضِي الله، فيقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]. وسُليمانُ - عليه السلام- يشكُرُ ربَّه بالعمل في رِضاه: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل: 19].

 

وقال حفظه الله: ونرَى هذا الأدبَ الرفيعَ من صاحبِ الأدب العظيم رسولِنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهو يتأدَّبُ في الألفاظ مع ربِّه وقتَ الحُزن ابتِغاءَ مرضاتِه، عندما مات ولدُه: "تدمعُ العين، ويحزنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا ما يرضَى ربُّنا، واللهِ يا إبراهيمُ إنا بك لمحزُونون". الهدفُ الأسمَى لرسولِنا -صلى الله عليه وسلم - طلبُ مرضاة الله، وحياتُه تدورُ حول إرضاء الله؛ يسألُ ربَّه أن يُوفِّقَه إلى العمل الذي يُرضِيه - سبحانه - فيقول: "أسألُك من العمل ما ترضَى"، ويقول: "وأرضِنا وارضَ عنَّا".

 

وأضاف الشيخ: والحياةُ - عباد الله - في ظلِّ هذا الهدف وتربيةُ النفس عليه يجمعُ الدنيا والدين، ويُؤسِّسُ لتنميةٍ شاملةٍ، ونجاحٍ مُستمرٍّ لجميع مشروعاتنا وأعمالنا، حين نجعلُ هدفَنا الأعلى رِضوان الله. ولا يستوِي من طلبَ رِضوانَ الله ومن باءَ بسَخَطِه، في مسيرة الحياة ونمائِها، وفي المآل والمصير. فمن طلبَ رِضا الله يتَّبِعُ أوامِرَه ويتجنَّبُ نواهِيَه، يسلُكُ سبيلَ الأبرار، يعملُ عملَ من يراه ربُّه ويُبصِرُه، فيُقبِلُ على طاعة ربِّه، ويُسخِّرُ في سبيلِه دُنياه، ويُعمِّرُ الأرضَ بإتقانٍ وإحسانٍ، قال تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ)[آل عمران: 162].

 

وقال وفقه الله: قانونٌ عادِل، لا يستوِي من يتَّبِعُ رِضوانَ الله مع من يبُوءُ بغضبِ الله؛ فمن اختارَ الشرَّ سبيلاً خالَفَ أمرَ الله، وانتهَكَ حُرُماته، وتضرَّرَت الأرضُ بشُؤم معصيتِه وعاقبتِها، وباءَ بسخَط الله. يسعَى المؤمنون لطلبِ مرضاة الله بإخلاصِ العمل له - سبحانه - الذي يرفعُ قيمةَ العمل، ويُحسِّنُ فُرصَ الإنجاز، ويُقوِّي كفاءَةَ الإنتاج؛ قال تعالى: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل: 19- 21].

 

وأكد فضيلته أن السعي في طلبِ مرضاةِ الله علامةُ الصدقِ مع الله، وهو الذي ينفعُ يوم القيامة؛ قال الله: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119]. نالَ الصادِقون هذه المزِيَّة السنيَّة؛ لأن أفعالَهم صدَّقَت أقوالَهم. فما قيمةُ صلاح الظاهِر من أجل أن يراهُ الناس فيحمَدُونه، فإذا خلا بنفسِه بارَزَ اللهَ بمُخالفَة أمرِه.

 

وبيّن سماحته أن تقديم رِضا الله على ما سِواه سلامةٌ من خِصال النِّفاق؛ قال الله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 62]، فمن طلبَ رِضا الله فعليه أن ينخلِعَ من النِّفاق والتمرُّد على أوامِر الله.

 

وأضاف الشيخ: الولاءُ والبراءُ أساسُ رِضوان الله، وهو: أن يُحبَّ المسلمُ لله، ويُحبَّ من أحبَّ الله وأحبَّ دينَه، ويُبغِضَ من أبغَضَ اللهَ ومن حارَبَ دينَه، يُوالِي المؤمنين وينصُرُهم، يكرَه المُنافقين ويُبغِضُهم.

 

وبيّن فضيلته أن من شكَرَ اللهَ بقلبِه وجوارِحِه نالَ رِضاه؛ قال الله تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7]، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليرضَى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمَدَه عليها، أو يشرَبَ الشَّربةَ فيحمَدَه عليها". والرُّكَّعُ السُّجُود الوضَّاءةُ وجوههم بالوضوء، والمُشرقةُ بنور الصلاة يفوزون برِضا ربِّهم.

 

وقال حفظه الله: ومن تركَ شهَوَاته لله، وقدَّم رِضا مولاه على هواه نالَ الرِّضا، وتحقَّق له ما تمنَّاه.. وأما ذِكرُ الله فهو أرضَى الأعمال لله، وإن الذاكِرَ يجِدُ الرِّضا في نفسِه، والطُّمأنينة في صدرِه، والسعادةَ في قلبِه.

 

وأضاف الشيخ: وللكلمة الطيبة جلالٌ في معناها، وجمالٌ في مبناها، وأثرٌ بالِغٌ في النفوس، يرفعُك الله بها من حيث لا تحتسِب؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبدَ ليتكلَّم بالكلمة من رِضوان الله لا يُلقِي لها بالاً، يرفعُه الله بها درجات".

 

وقال وفقه الله: وهل ينسَى المُسلمُ أقصرَ الطرق للرِّضا وأقواها وأعظمَها وأجلَّها وأجملَها؟! إنه رِضا الوالدَين، وأبلغُ من هذا: أن رِضا الأم والأبِ مُقترِنٌ برِضا الربِّ؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رِضا الربِّ في رِضا الوالِد، وسخَطُ الربِّ في سخَطِ الوالِد". وقال: "رِضا الله في رِضا الوالدَين، وسخَطُ الله في سخَطِ الوالدَين".

 

وأكد الشيخ أن من رضِيَ الله عنه نالَ السعادةَ والطُّمأنينة؛ قال الله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة: 119]، نالَ السعادة وقرَّت عينُه بمرضاة ربِّه، فلن يسلُك سبيلاً إلا سهَّلَه الله له، ولن يقرَعَ بابًا من الخير إلا فتَحَه الله له، وبارَكَ له فيه. وإذا رضِيَ الله عن العبد قبِلَ اليسيرَ من عملِه ونمَّاه، وغفَرَ الكثيرَ من زلَلِه ومحاه. ومن رضِيَ الله عنه نالَ الشفاعةَ يوم القيامة.

 

وحذّر الشيخ من فهم خاطئ فقال: يُخطِئُ من يظنُّ أن للفقر والغِنى علاقةٌ بالرِّضا أو السَّخَط، فالله - عز وجل - يُعطِي المالَ للمؤمن والكافِر؛ قال الله تعالى: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء: 20]، فتضييقُ الرِّزق ليس دليلاً على السُّخط، والغِنى لا يعنِي الرِّضا. فهذا قارُون أُوتِيَ المال الكثير والكُنوز، ولم يكُن ذلك دليلاً على رِضا الله، فقد خسَفَ الله به وبدارِه الأرض؛ قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر: 15، 16]. ومن الآفاتِ -عباد الله-: حبُّ الظهور بالعمل، وابتِغاءُ مرضاة الناس.

 

وختم الشيخ خطبته محذرًا من أخطر الآفات فقال: وأخطرُ من هذا: التِماسُ رِضا الناس بسَخَطِ الله، ومُسايَرَةُ الناس على ضلالِهم وفِسقِهم، وقد يرتكِبُ مُحرَّمًا خوفًا من الناس، وقد يقعُدُ في مجلسٍ مُنكرٍ حتى لا يُغضِبَ قريبًا أو صديقًا، أو يترُكُ فريضةً حرَجًا من كلامِهم؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن التمَسَ رِضا الناس بسَخَطِ الله سخِطَ اللهُ عليه وأسخَطَ عليه الناس".

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life