اقتباس
مِن عُرَرِ المَنْهج العقلاني، ردِّ أحاديث الآحاد الصحيحة التي تلقَّتْها الأمة بالقبول، وذاك الرَّدُّ شُنْعَةٌ صريحة، والطَّعن والتَّشكيك في عُظماء الرِّجال، جهابذة التخريج والتوثيق، والتثبّت والتدْقيق، والتضعيف والتصحِيح، والتعديل والتنقيح وهُمْ مَنْ هُمْلله دَرَّهم في الورع والحِفظ والدِّيانة، والضبط والأمانة، وما ذاك إلاَّمَئنَّة على تعظيمهم للنُّصوص وتوقِيرها، وإجلالهم لها وتقديرِها، ويَنْسَلِ كفي ذلك، ما كان عليه مِن الإمام مالك، من تبجيل الهدي الشريف، فلا يُحدِّث إلاَّ في أجمل حُلَّته، وأكمل هَيْبته تعظيمًا للنَّصِّ النبويِّ وتكريما..
ملتقى الخطباء: دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس المسلمين إلى تقوى الله عزوجل في السر والعلن وإتباع أوامره واجتناب نواهيه ابتغاء مرضاته عزوجل . جاء ذلك في خطبة الجمعة، التي ألقاها بالمسجد الحرام حيث قال إنه " على حِين فترَةٍ من الرُّسل، هَبَّتِ النَّسَائم النَّدِيَّة، للرِّسالة الغرَّاء الإسلامِيَّة، بتشريعَاتها السَّنِيَّة الرَّبانيَّة، فاعْتَنَقتْها فِطَر أمم الأرض السَّوِيَّة، دُون تأبِّ أوِ الْتِياثِ طويَّة، إلى أن خَلَفت خُلُوفٌ انْبَجَسَتْ عَنهم قضِيَّة عَقدِيَّة وأيُّ قضِيَّة، طاشت لها النُّهى وطارَت، وأفلَتْ شُهُب الدُّجَا وغارت، وفي عصرنا الرَّاهن، وتحديدًا أواننا هذا، اسْتأنَفَت رَواجها، ومَجَّت مِلْحَها وأُجَاجها، فألهَبَت من غيرَةِ المسلم ضرَامها، والأناة والرَّويَّة دونها، هيهات مَرَامُها؛ لأنها في الدِّين أبْتر مِن الحُسَام الوَالِجْ، وفي الهَدْيِ الشريف أنْكى وقْعًا مِنَ السَّهم الزَّالِجْ.
وأوضح أن هذه هي قضِيَّة تحكيم العَقْل بَيْن يَدَي صحِيح النَّقل، والاجترَاء على مُقَدَّس النُّصوص، بِمَحْضِ الآرَاء والأهواء ذات النُّكوص، فشاهَتِ الفهوم، وتمَرَّدت الحلوم، وصُوِّبت تلقاء الحقِّ الرُّجوم، وشخصَت حِيالها بالعُبوس والوجوم عِيَاذًا بالله، كما نقلت وكالة واس.
وأضاف فضيلته قائلا :" وهذه القضِيَّة التي تشبَّع بها كثير من المشارب، وانْسَاق خَلْفها فئام فأركسوا في حَمْأة الغياهِب، قد حَسَمها الإسلام، وجلاَّهَا أيَّما تجْلِيةٍ أسَاطينُه الأفذاذ الأعلام، قال تبارك وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله" فهذه الآية الكريمة أصل في اسْتِئخار العقل بين يدي نور النقل، كما هي أصل عظيم في وجوب تعظيم النَّصِّ الشرعِي كتابًا وسُنَّة، والانقِياد لهما عملاً وتحكيما، وخُضوعًا وتسْلِيمَا، قال الإمام ابن تيميَّة النِّحرير، قولاً غاية في التأصِيل والتَّحرير: قال : "فكان من الأصول المُتَّفقِ عليها بين الصَّحابة والتَّابعين، أنه لايُقبل من أحَدٍ أن يُعَارِض القرآن رَأيه ولاذَوْقه، ولا معقوله ولا قياسَه ولا وجْدَه"، قال جل اسمه: (ذَلِكَ وَمَن ْيُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، ومَا تعظيمها، إلاَّ إجلالُها بالتّحاكم والإذعان لها، ومن أكد تلك الشعائر الكتاب والسُّنّة: النور والضياء في الدّجنَة، وذلك دَيْدَن أهل الإيمان، وسَمْتُ أهل الرِّضوان.
وأشار فضيلته إلى أنه في هذا العصر والأوان استقى أقوام كثيرًا من المَزَالّ، مِن مشارب أهل الزَّيغ والضلال، فَتَكاءدُوا قبول الأحاديث النبويَّة، التي يَرُدُّها – بزعمهم - الواقع المَحْسوس، أو يَمُجُّها هوى عقلِهم المَنْكوس، أو تتعارض والطبّ الحديث المدروس وتتمانع وكرامة النُّفوس؛ لأنها بزعمهم المطموس تُجَمِّدُ تَحَرُّر العقل الوقاد وإشراقه، وتُصَفِّدُ الفكر المُبْدِع دون انطلاقه، وتلك هي قاصِمة الظّهر، ورزيَّة الدَّهر، حيث يُمَجِّدُون العَقل، ويقدِّمونه على صَحِيح النَّقل، وهي لوثة اعتزالِيَّة استشراقية، تَتَمدَّح المنهج العقلاني في التعامل مع النُّصوص الشرعِيَّة، وتؤوِّلها وفق الظُّروف التاريخية والاجتماعِية، والواقعِيَّة، بما يَفتح بابًا لأهل الأهواء لِبثِّ سُمومهم، وسُخْفِ حُلومهم، قال تعالى: ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّلا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) تسليم الاستجابة والإخلاص، والصِّدْق والخلاص، الخلاص مِن نوَازع الهوى، ونَزغات الرَّدى.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه " مِن عُرَرِ المَنْهج العقلاني، ردِّ أحاديث الآحاد الصحيحة التي تلقَّتْها الأمة بالقبول، وذاك الرَّدُّ شُنْعَةٌ صريحة، والطَّعن والتَّشكيك في عُظماء الرِّجال، جهابذة التخريج والتوثيق، والتثبّت والتدْقيق، والتضعيف والتصحِيح، والتعديل والتنقيح وهُمْ مَنْ هُمْلله دَرَّهم في الورع والحِفظ والدِّيانة، والضبط والأمانة، وما ذاك إلاَّمَئنَّة على تعظيمهم للنُّصوص وتوقِيرها، وإجلالهم لها وتقديرِها، ويَنْسَلِ كفي ذلك، ما كان عليه مِن الإمام مالك، من تبجيل الهدي الشريف، فلا يُحدِّث إلاَّ في أجمل حُلَّته، وأكمل هَيْبته تعظيمًا للنَّصِّ النبويِّ وتكريما.
وتساءل الشيخ الدكتور السديس قائلا: ًفيا أمَّة الإسلام ويا أحِبَّتنا الكرام : " أيُّ نائبة تلك التي تصِيب الأمَّة، حِين تُهاجِم مَصْدَرَي هدَايتِها وسَعَادَتها وعِزَّتِها، في عَمْدٍ وإصْرَار، وتُقَدِّم أضاليل عقول البَشر، على قول المُرْسل بالحق والبِشر، أين الخضوع الوجدَاني التام لِنصوص سيّد الأنام، عليه الصلاة والسلام".
وأضاف قائلا : "ربَّاه ربَّاه إنه الخُلُق المَنْكور، والقول المَدْحور، والرأي النَّزِق المَحقور، الذي سَفْسَط لإشبَاع رَغبَات العقل المُمَارِي، لا لإشباع أشواق القلب المُتَأَلِّهِ السَّاري، وأيم الحق مَن جَنفَ بإيمَانه دُون التَّعظيم والإذعان، والتسليم والامتنان لِمُقدَّس النُّصوص، فقد باء بالخور والنَّصب، وترَدَّى من شاهق في المهلكة والعطب،والجناية والتّبّ، وسوء المنقلب، فعلى الأمّة جمعاء شَدَّ ركابها صوب هذه الفاقرة، فاقرة التَّعَقْلُنِ حِيال النصوص لصَدِّ زخارِها وأتيِّها، ودحر عتِيِّها وأَبِيِّها، نصرة لدين الله وحفظًا لشرعه - سبحانه - ( إِنَّ الَّذِين َيُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ) .
وأكدّ فضيلته وجوب تعظيم النّصوص، وتجميله بالإيمان على وجه العموم والخصوص، يكن شأنكم في قوّة، كالبنيان المرصوص، مشيرا إلى أن الإسلام كان ولا يزال جلِيًّا في نصوصه، مبهرًا في قواعده وأحكامه، ومن عُمِّي عليه منه شيء، فلأجل رغباته وأهوائه التي صدّته دون الحق وصَفائه، ونور الهدى وضيائه، وإن الذين يتقدَّمون بعقولهم الضّحِلة، وآرائهم المَحلة بين يدي تنزيل رب العالمين، وهدي سيد المرسلين، قد جنحوا عن أهم مبادئ الإسلام وحقائقه، وأعظم معالمه ودقائقه: ألا وهي الاستسلام والإذعان، لشرعة الملك الدّيان،وممـا زاد الطين بلة، والداء علة، ما تتقاذفه وسائل التواصل الاجتماعي والتقانات من تطاول على الثوابت والنقليات والغيبيات للإغراق في الماديات والعقليات.
وشدّد الدكتور السديس ـ في ختام خطبته ـ على أنه لابُدّ أن تُربَّى الأجيال والمجتمعات على تعظيم النصوص قولاً واعتقادَا، وعملاً وانقيادَا، علميًا وخُلُقيًّا واجتماعِيًّا، لأنه مِلاك الحِفاظ على الهويّة الإسلامية، والحصن المكين دون تسلل لصوص النصوص ذوي الأفكار السلولِية، شطر ديار المسلمين الأبيّة، وبذلك تعِزّ الأمة وترقى، وتبلغ مِن المَجد أسمى مرقى.
المدينة النبوية:
من جانبه قال إمام وخطيب المسجد النبوي، بالمدينة المنورة الشيخ علي الحذيفي، في خطبة الجمعة أمس، إن على المسلمين أن يذكروا نعمة القرآن الكريم الذي جعله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين يهدي لكل خير ويحذر من كل شر وأن يعظموا عنايتهم بهذا الكتاب العزيز وبذل كل جهد وتسخير كل طاقة في تعلمه وتعليمه وتدبره والعمل به، مشيرا إلى أنه مهما قام المسلم به من عمل يؤدي به حقوق القرآن عليه، ويوفي به شكر نعم كتاب الله عز وجل، فهو مقصرا ضعيفا، ولكن الله عز وجل يرحم ويتفضل ويقبل القليل ويثيب بالجزيل .
وأكد أن الله تعالى عظم القرآن الكريم، ورفع مكانه ومنزلته كما هو أهله وكما يستحق بالأوصاف بكل جميل وأكثر الله تعالى من ذكر هذا الكتاب العزيز وجعله في أعز مكانه موصوفا بأفضل وأجل الصفات ليعلم الناس عظمة هذا القرآن الكريم، وقدر نعمة كلام الله على العباد فعلى المسلم أن يعلم ويعرف عظمة القرآن الكريم ومنزلته في قلبه وأن يدرك تمام الإدراك حقائق فضائله وعموم خيره وبركاته ونفعه .
وأوضح الشيخ علي الحذيفي، أن أعظم النعم من الله تعالى على عباده الإيمان والقرآن، وأن فضل كلام الله عز وجل على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأن الله تبارك وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه الحق والحق هو الثابت الذي لا يتغير ولا يبطله شيء ولا يلحقه نقص، فقد فصل الله تعالى فيه كل شيء وحفظه من الزيادة والنقصان قال تعالى "وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي، أن كثرة أسماء القرآن الكريم وصفاته العظمى، تدل عل تعدد المعاني الجليلة له وكثرتها وأن الملائكة الكرام والأنبياء والمرسلين يعظمون القرآن الكريم، ويعرفون فضله ومكانته لعلمهم بفضائله، ولما سمعت الجن هذا القرآن أمنوا به وعظموه ودعوا إليه من ورائهم من أقوامهم قال تعالى "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ".
وأوضح الشيخ علي الحذيفي، أن الله سبحانه وتعالي قد أيد سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، بالمعجزات الكثيرة التي يؤمن على مثلها الناس، ولكن أعظم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، هي القرآن العظيم، فالقرآن المجيد هو المعجزة العظمى في كل زمان باقية إلى يوم القيامة وإعجاز القرآن الكريم في نظمه وبلاغته وفي تشريعاته وشمول أحكامه وعدله ورحمته وحكمته ووفائه بحاجة البشر وأبدية بقائه بلا زيادة ولا نقصان وتأثيره العظيم على القلوب قال تعالى "قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا".
وقال الشيخ على الحذيفي في ختام خطبته، لو أن المكلفين اعتنوا بالقرآن كعناية السلف الصالح تعلما وتعليما وتطبيقا، لكان حال المسلمين اليوم أحسن حال ولكانوا في عز يسرهم ويسوء عدوهم.
المصدر: واس
التعليقات