اقتباس
وأكد الحذيفي أن من ألِف هذه الطريقة، قلّ إنتاجه، وتعطل في دراسته وفي حياته، وأنه كثيراً ما ينقطع الشباب في الدراسة بهذه الطريقة، ويعتري صاحبها أمراض بدنية نفسية، وتسيء أخلاق المستمرئين لها، ويقلّ صبرهم وتحملهم، ويظهر الخلل في أداء وظائفهم، ويقوى تسلط الشياطين عليهم؛ لأن الشيطان ينال من الإنسان في الليل ما لا يقدر عليه في النهار.
أوضح الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لا يمكن أن يتحقق في الأمة الإسلامية معنى الجسد الواحد وهي لا تعرف المساواة، كما أنها لا يمكن أن تبلغ درجة الرفعة والتمكين والفلاح إذا كانت تفرح وبعضها يبكي بفقدان ما فرحت به، وتشبع وجارها جائع، وتروى وقريبها ظمآن، وتلبس وشريكها في الدين عريان.
وقال في خطبة الجمعة أمس في المسجد الحرام: "إنه في خضم هذه الحياة وصروفها، وتهافت أهلها في جمع حطامها هم أحوج ما يكونون فيها إلى التقارب لا التباعد، والتعاون لا التخاذل، والنصرة للإسلام وأن تقرب بينهم الأخلاق قبل المصالح؛ فالناس يفتقرون إلى تعاطف القلوب وتوادها قبل أن تحكمها لغة أو أرض أو جنس أو لون".
وأضاف "إنهم بأوضح عبارة بحاجة ملحة إذا ما عطس أحدهم بالمشرق أن يشمته أخوه في المغرب وإذا مرض فقيرهم عاده غنيهم، وإذا ظلم ضعيفهم نصره قويهم فتلكم -عباد الله- هي المواساة التي تنشدها كل أمة تدرك قيمتها، وتعض بالنواجذ على أس اجتماعها، وجعلها لحمة واحدة لا تتفتت أبدًا؛ فالمواساة شعور عاطفي نبيل ينبئ عن صفاء معدن المتصف به، وإن أي مجتمع يتوافر فيه هذا الشعور ليحق له أن يكون جسدًا واحدًا يتناوب التعاطف والتواد والتراحم على رعايته ليصبح في مأمن من الغوائل والأثرة التي تقطع ذلكم الجسد إلى أشلاء شذر مذر".
وشدد على أن بلادة القلوب عن المواساة تعد محنة ماحقة تحترق في سعيرها الفضائل، ويوأد في ترابها التواد والتعاطف، والخاسر دون شك هو مجموع الأمة أفرادًا وجماعات، فالمجتمع الموجب هو من استوى على سوقه روح المواساة، وإلا فهو مجتمع سالب صرف، مبينًا أنه لا مانع من توطين النفس وقصرها على حب الفضائل والشعور العاطفي تجاه الآخرين بسد الخلل وستر الزلل وقبول العلل ومد يد الخير لمن مد للخير يده، وإعطاء السائل وابتداء العفيف الذي لا يسأل الناس إلحافًا.
وقال: "إن من الغلط الفاحش قصر مفهوم المواساة على الجانب المالي أو القدرة عليه فحسب، بل هي شعور قلبي قبل أن يترجم إلى مال وإحساس عاطفي، قبل أن يمتد إلى الجوارح، ثم إن من المواساة ما لا يفتقر إلى المال، فالمسح على رأس اليتيم لا مال فيه، واتباع الجنائز لا مال فيه، وعيادة المريض لا مال فيها، والتبسم في وجه أخيك المسلم لا مال فيه، وتعزية المصاب لا مال فيها، وغير ذلكم كثير من أبواب المواساة التي تفتقر إلى القلب الحي النابض بالشعور تجاه الآخرين المدرك عاقبة المواساة، وأنها سائق ودليل إلى جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر".
ورأى أن من العجب أن يكون في أمة الرحمة قساة قد طمسوا مفهوم المواساة من معاجمهم حتى ماتت قلوبهم، فلا يئنون لمتألم، ولا يتوجعون لمستصرخ، ولا يحنون على بائس؛ قد قست قلوبهم وغلظت أكبادهم، في حين أن الواجب على الأمة المسلمة ألا تعظم الدنيا ودينارها ودرهمها وتغفل عن يتيمها وذي المتربة فيها حتى لا تستعبدها معاني الانحراف في النظرة إلى المال والحياة والعاطفة تجاه الغير؛ لأن مثل ذلكم كفيل في أن يكنز الغني مالاً فيكنز الفقير عداوة، فلا يأخذ القوي حينئذ بيد الضعيف، ولا يشد المقتدر من أسر العاجز، فيضيع الضعفاء المعوزون وسط الزحام، ثم تسحقهم أقدام القسوة والتغافل المقيت، لافتًا إلى أن أمةً هذه حالها لا يمكن أن تغلب عدوها؛ لأنها لم تستطع قبل ذلك أن تغلب هواها وشهوات نفسها.
وحث الشيخ سعود الشريم المسلمين على المبادرة إلى إذكاء مفهوم المواساة في مجتمعاتهم بالتوجيه والقدوة من خلال العمل التطوعي والخيري فردًا وجماعة وعبر الأوقاف والوصايا والجمعيات التعاونية، وقال: لتكن الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، ولنستحضر كل حين أن من منحنا البسمة قادر على أن ينزعها منا، ومن وهبنا المال قادر على ألا يبارك لنا فيه".
وأشار إلى أن إيجاد المواساة خير معين على النوائب وعلى كفكفة الدموع فيها ودفع الغصة عنها؛ ليتم رص بنيان المجتمع ورقع فتوقه وزيادة ثلمته لحمة واتحادًا وتعاضدًا، والمرء في حياته ليس مبرأً من الشكوى؛ إذ هي من سمات الحياة وعيشها، غير أن هذه الشكوى تحتاج إلى صاحب مروءة يواسي ذا الشكوى، ومع هذا كله فإن المرء المبتلى مأمور إذا عزّ وجود المواسي أن يثق بالله رب العالمين، فهو سبحانه رب المواسين، وأرحم الراحمين، وأنه ربما أخذ منك لأجل أن يعطيك، ومنعك ليحميك من ضرر ما منعك عنه، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فإنها رفعة في الدرجات وتكفير للسيئات، وإن من عجز عن مواساتك بماله فلن يبخل عليك بلسانه فيسليك بلفظه، أو يتوجع لك بقلبه، فتشعر أنك لست في الهم وحدك، وأن هناك من يبكي لبكائك ويحزن لحزنك.
المدينة النبوية:
من جانبه حذّر إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي الشباب من خطورة السهر ليلاً والنوم نهاراً باعتبارها من أكثر العادات الضارة، ولأنها تغيّر طباع من اعتادها.
وأكد الحذيفي أن من ألِف هذه الطريقة، قلّ إنتاجه، وتعطل في دراسته وفي حياته، وأنه كثيراً ما ينقطع الشباب في الدراسة بهذه الطريقة، ويعتري صاحبها أمراض بدنية نفسية، وتسيء أخلاق المستمرئين لها، ويقلّ صبرهم وتحملهم، ويظهر الخلل في أداء وظائفهم، ويقوى تسلط الشياطين عليهم؛ لأن الشيطان ينال من الإنسان في الليل ما لا يقدر عليه في النهار.
وأكد الحذيفي في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد النبوي الشريف أن الشباب بحاجة شديدة إلى ما يحفظ دينهم وأخلاقهم، ويحفظ مستقبل حياتهم، وسعادتهم، مبيناً أن كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، تتأثر بما قبلها، وأن أضرّ شيء على المسلم وعلى الشباب خاصة، تتبع المواقع الضارة في الإنترنت التي تهدم الأخلاق الإسلامية، والتأثر بذلك، وقراءة كتب الإلحاد والفساد، وصحبة الأشرار أصحاب الشهوات والموبقات، وقضاء الأوقات مع مسلسلات الفضائيات التي تصد عن الخير وتزين الشر والمحرمات.
ودعا خطيب المسجد النبوي الناس إلى التفكّر في الحياة الدنيا وأخذ العبرة من المصير الذي آلت إليه الأمم السابقة، مبيناً أن الباري -سبحانه وتعالى- جعل هذه الدار الدنيا دار عمل، لكلٍ فيها أجل، وجعل الآخرة دار جزاء على ما كان في هذه الدار من الأعمال، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وحذّر الحذيفي من الانغماس في الشهوات والملذات، والابتعاد عن العبادات والطاعات، مورداً قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
وأوصى الحذيفي باتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهديه القويم، وعدم الركون إلى الحياة الدنيا ونعيمها الزائل، مستدلاً بما رواه أنس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ: هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟! هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ: هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟! هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ".
التعليقات