مختصر خطبتي الحرمين الجمعة 03 صفر 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ولِمَكانة العَقل السَّامِيَة، خَصَّهُ الله -سبحانه- بالتّكريم والتّشريف، والمقام العليِّ المنيف، وصَانَهُ وَوَقاه بالشرع الحنيف، عن الزَّيغ والجنوح والتَّحريف، وتعظيم الباري عن التشبيه والتمثيل والتكييف، ولذلك حَرَّم الشرع كُلَّ ما يُخِلُّ بِالعَقل ويُبَدِّده، أو يُتْلِفه ويفْسِدُهُ، وإذا غَاب العقل، سَقط التكليف، لأن الله -سبحانه- إذا أخَذَ ما أوْهَبْ، أسْقط مَا أوْجَب.

 

 

 

 

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله – عزوجل - امتِثَالاً وتَحْقِيقاً، فتقواه –سبحانه- هي النُّور المبين لِمَن رَام فلاحًا وتَوفِيقَا، والعُرْوَة الوثقى للرَّاجِين اعتصامًا بالله وثِيقَا، وبَها يَنْهَجُ أولو الألباب للأمجاد سبِيلاً وطريقا ?وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً?.

 

وقال في خطبة الجمعة التي القاها اليوم بالمسجد الحرام، أيها المسلمون: مِن معاقد القول المؤكَّدَة، وعَزَائِمه المُقرَّرَة المُوَطَّدَة، أنَّ مِنَنَ الباري –سُبْحانه- على عِبَادِه عظيمة مُتَرَادِفة، هَتَّانة مُتَوَافِدَة، ظاهرة وخَفِيَّة، جَلِيَّة وسَنِيَّة، في الإنسان والآفاق، وإنها لدَالَّة على عظمة الحكيم الخلاق، امْتَنَّ بها –تبارك وتعالى- سَبيلاً لِطَاعَتِه وقُرُبَاتِه، وبلاغًا لِجَنَانه ومَرْضاته، وفْقَ أحْكَم شريعَةٍ وأكْمَلِها، وأسْنَاها وأفْضَلِهَا، وأزكاها وأجْمَلِها، فلا اسْتِغْناءَ عَنْ مُفَصَّلِها بِمُجْمَلِها ?وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا?، ومِن فيض تلك النِّعم، نِعمَةٌ نَبُوء بِشُكْرِها وحَمْدِها، ونَنُوء بِحَصْرِها وحَدِّها، ومَاهِيتها وكُنْهِها، تلكم يا رعاكم الله نِعْمة العَقْلِ والإدْرَاك، والنُّهى وما أدْرَاك، إحدى المِنَنِ الرَّبَّانِيَّة، والخَصَائِص الإِنْسَانِيَّة، فالعقل جوهر الإنسان السَّطُوع، ومعدنه النَّفِيس اللَّموع، بالعَقْل تفَتَّقت المَلَكَات عن رَوَائع الحَضارات والتَّقْنِيَةِ الدَّقيقة، وأبْحَرَ بِها في أثْبَاج الكشوفاتِ والمَجَرَّاتِ السَّحِيقة، كَلاَّ، بَل هو الذي هَدَى الأفْئدَة والأبْصَار للإيقان بِالخالِق المُتَعَال، وأرْشدَها لِمَعَاقِدِ الحَقِّ والجلال، وزَمَّهَا عَن مَهَاوي الإلحاد والضَّلال، ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً?، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العَقل هو أكبر المَعَاني وأعظَم الحواسِّ نَفْعًا، وبه يُدْخَلُ في التّكليف، وهو شرط في صِحّة التَّصَرُّفاتِ وأدَاء العِبَادَات"، وقال الإمام القرطبي في مُتَعَلَّقِ التّكريم: "والصَّحِيح الذي يُعَوَّل عليه، أنَّ التَّفضيل، إنما كانَ بِالعقل الذي هو عُمْدة التّكليف، وبه يُعْرَفُ الله، ويُفهم كلامه، ويُوصِل إلى نعِيمه وتصديق رُسله، إلاَّ أنه لَمَّا لم يَنْهض بكُلِّ المُرَاد من العبد، بُعِثت الرُّسل وأنْزِلت الكُتب"، وفيه قيل: "ما أُعْطي أحد شيْئًا أفضل من عقْلٍ يَهْديه إلى هدى، ويصُدُّه عن رَدَى". وقال الإمام الشاطبي رحمه الله: "وقد جاءت الشريعة بحفظ العقل من جهتي الوجود والعدم".

 

وأضاف فضيلته يقول أيها المؤمنون: ولِمَكانة العَقل السَّامِيَة، خَصَّهُ الله -سبحانه- بالتّكريم والتّشريف، والمقام العليِّ المنيف، وصَانَهُ وَوَقاه بالشرع الحنيف، عن الزَّيغ والجنوح والتَّحريف، وتعظيم الباري عن التشبيه والتمثيل والتكييف، ولذلك حَرَّم الشرع كُلَّ ما يُخِلُّ بِالعَقل ويُبَدِّده، أو يُتْلِفه ويفْسِدُهُ، وإذا غَاب العقل، سَقط التكليف، لأن الله -سبحانه- إذا أخَذَ ما أوْهَبْ، أسْقط مَا أوْجَب.

 

وأردف قائلا معاشر المسلمين: وقد انْقسَم النَّاس في شأن العقل إلى قسْمين: غَالٍ فيه مُعتقِد، وجَافٍ عنه مُنْتَقِد، فالأول جعل العقل أصْلاً كُلِّيًّا أوَّلِيًّا يُسْتغنى به عن الشرع، والثَّاني أعرَض عن العَقل وعابه وقطع أسْبابه، وكلاهما، انحرف وزَل، وما اهتدَى فيمَا به استدَل، وخِيارهم وسُعَدَاؤُهم أهل السُّنَّة المنصِفون المُتوسِّطون، المُعْتدِلون المقسِطون، يستدِلُّون بالعقل بإطباق، ولكن دون إطلاق، بل في منهجيَّة تضبط مِسْبَاره، ويُحَدِّد وفق الشرع مَسَاره، موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، قال تعالى: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، وأمَّا الذين هَجروا عقولهم وغَيَّبوها، عن معرفة الحقِّ واستبصار الهِدَاية، فَأُرْكسوا في بيدَاء الغواية، نَعَى المولى عليهم حالهم، قال تعالى:(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).

 

وأوضح معالي السديس أن لِبِنَاء العَقل الرَّاجح الوقَّاد، والرَّأي الحصيف النَّقاد، والمجتمع الرَّصين المُتَوادّ، نَهَى صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم إمَّعَة سَبَهْلَلاَ، فعن حُذِيفة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تكونوا إمَّعَة: تقولون إنْ أحْسَن النَّاس أحْسَنَّا، وإن ظلموا ظلَمْنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحْسَن الناس أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا" أخرجه الترمذي بإسناد حسن، والإمَّعَة: ضعيف الرَّأي: الذي يقول لكل أحَدٍ أنا مَعَك، ومَرْمَاه صلى الله عليه وسلم؛ كلَّما كَمُلَ عَقْل المَرْء وَتَمّ، كان إحرَازه للفلاح أشمل وأعمّ.

 

ومضى إمام وخطيب المسجد الحرام يقول: فَيَا إخوة الإسلام، كَيْف بنَا حِيَال مَنْ أسْلَسُوا أرْسَان عُقولِهم لكلِّ نَاعِقٍ بالشَّائعات، عَبْرَ الشّبكات، وأنَاخُوا مَطَايَا أهْوَائهم لأوَّل نَبْأةٍ مِنَ التَّغريدات، فَهَاموا بها في مَجَاهِل الضَّلالات والتَّحْلِيلات، ومَضَارِب التَّهَوُّكاتِ والافترَاءات في قرصنة عقلية عجيبة واختطاف فكري رهيب يتولى كبره ويضرم أواره الشبكات العنكبوتية والمواقع الأخطبوطية ومن وراءها من الأجندات المشبوهة -فوا أسَفاه على فئام حتى ممن يُظنُّ أنهم من أهل الخير والصلاح- ألْغَوْا عُقولهم دُون الهَرْطقاتِ وتفْنِيدِها، وَوَأدُوا ألْبَابَهم دُونَ نَقْدِها وتبْدِيدِها، يُلْقِمون عُقولهم الغَضَّة، النَّظريات الفاسِدَة، والأفكار الطائشة، والآراء الهزيلة السَّخيفة، فآضُوا للبَاطِلِ أجْنَادَا، وفي المُجْتمعاتِ -عِيَاذًا بالله- فُسَّادَا، ولِلرُّموزِ الأطواد حُسَّادَا، وعلى البُرَآء الأخْيَارِ ألْسِنَةً حِدَادَا، ولِلفِتَنِ العَمْيَاء إضْرَامًا وإيقَادَا، وآخرون هَرَعُوا لِتَعاطِي المُسْكرات والمُخدّرَات القاتلة، التي تُبيدُ العَقْلَ والأموال الطائلة، وهنا نذكر بالاعتزاز والإشادة تلك الضربات الاستباقية المعهودة، والإنجازات والنجاحات الأمنية المشهودة لرجال أمننا الأشاوس في القضاء على آفة المخدرات ومروجيها التي تستهدف أمننا وشبابنا وبلادنا الشماء، فيا أمَّة الإسلام أين العقول والنُّهى والأحلام، أين الحصَافة والرَّزانة في الألباب والإحكام، حين تبنى على التغريدات المواقف والأحكام، حَتَّام تَضْرَى الأجْيال على النّزَق والرّعونة، شأن الطَّغَام، ويْح المُقَلِّدين العَمِين، دون تَفَكُّر يَهْدي ويُبِين، والحاجة ملحة إلى وضع ميثاق شرف قيمي يضبط مسار الإعلام الجديد دون أن يقضي على ما بقي من دين الأمة وعقولها وأمنها ووحدتها وأعراضها وهنا يُذكر فيُشكر من سخَّر واستثمر هذه المواقع لما يثبِّت على الدين ويعين على جمع الكلمة ووحدة الصف ويعزِّز الأمن وينشر العلم ويرسِّخ محكمات الشريعة وثوابت الملة ويقضي على الجدل والمراء وما يسبب الإثارة والبلبلة للرأي العام، والله المستعان.

 

وأكد الشيخ السديس أن الظُّلم والطُّغيان في فلسطين وبلاد الشَّام وأراكان، من الطُّغمة المُدَمِّرَة، ومَا مُرُوج الأحوال في بعض المُجْتَمعاتِ المُتَذَمِّرَة، إِلاَّ نَتِيجة العقول الحائرة، والحُجُور البَائرة؛ عقول تقدِّر فتزِلُّ وتخْطِئ، وتدَبِّر فَتَمِين وتُبْطِئ. إنَّه لَعَجِيبٌ جدُّ عجيبٍ يا أمّة الإسلام أن يُغْفِل المسلم شأن عَقْلِه كُلَّ الإغفال، ويُهْمِلَه غاية الإهمال، فلا ينشط لإيقادِه ونُشْدَانه، ولا يَأْسَى بِتَبَعِيَّتِه أو فُقْدَانه، فيما هو يَغْلُو في مَلَذَّات المال والجَسَدْ، دُون ارْعِوَاءٍ أو رَشد!!

 

وخاطب الشيخ السديس أمة الإسلام بالقول: لَنْ تَخْطُوَ الأُمم والمُجْتمعات، شَطْر العِزَّة والمجد ورفيع الدَّرجات، ولَن تَنْعَتِق مِمَّا هِي فيه من الفِتن والمعتكَرَات، وزرِيِّ الاحترَابات، إلاَّ بِذوي الألباب الحصِيفة السديدَة، والنُّهى المكينة الرشيدَة، الذين استَوْقَدُوا لِبِنَاءِ أوطانِهم: مَواهِبَهم وأذْهانَهم، واسْتَنْفَرُوا للإبدَاع حَوَاسَّهم وأبْدَانَهم، وللإخْلاص والطُّهر: مَشَاعرهم ووُجْدَانهم، وحسبنا يا عباد الله أن تسلم لنا عقيدتنا وعقولنا ونعوذ بالله أن نتنازل عن شيء من ثوابت ديننا أو أن نرضي أحدًا من الناس كائناً من كان بما يسخط ربنا أو أن تُختطف عقولنا وفهومنا إلى ما يخالف سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وأضاف: وبعد أيها المسلمون فللهِ ثم للهِ كم يَسْتبيك العَاقِلُ الأحْوَذي، الحكيم اللَّوْذعِي، قَدْ تُوِّج بالفهم والزَّكانة، وحُسْن التَّدْبير والفَطانة، حَصُفَ عَقْلُه، وعَذُب قوله ونقلُهُ، وتَنَوَّر -ونِعِمَّ هو- بِنُور الاستِقَامةِ والدِّيَانة، فكشف بفضل الله عوازب المعضلات، وجَلَّى مُسَتَّرَاتِ المُضْلِعَات، وألِيَّة لا حِنْثَ يَعْرُوها أنَّ الحُكم على مِقْدَار النُّبْل، وجمال السُّلوك، وبَهَاء التَّدَيّن إنَّمَا يَرْجع لِمِسْبَارٍ مُنْصِفٍ أمين، لا يُخْطِئ ولا يَمِين، ألا وهو: جزالة العقل، ومَتَانة النُّهْيَةِ وأصالة الفكر. وفَّقَ الله الجَميع لِبَدَائع العُقول، وتَلَقَّى أعمالنا وأقوالنا بالرِّضا والقبول، (فبَشِّر عِبَاد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).

 

وبين إمام و خطيب المسجد الحرام أن مِن حِفظ الإسلام للعقل، والسُّمو به في أزكى المعارج، محاربته للوثات العقدية والإلحادية والشركية والبدعية ومجانبته للخُرافة والأوهام، التي الْتَاثَتْ بِعقول فئام من الناس، فَأوْبَقَتْهم أرِقَّاء الوهم والحَذَر، وأسارى الخوف والضرر، وتلك الظنون والتّخرُّصات والمحدثات، ونحوها من السِّحر والشعوذات أو أضغاث الأحلام والمنامات التي استخفّت بكثير من العقول في المجتمعات، وتروج لها اليوم بعض الفضائيات وشبكات المعلومات، متى انْسَلَّت للأمّةِ أوْهَنَتْها ووأدَتْها، قال سبحانه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).

 

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إنه لِبِنَاء الأُمم على العقول الرَّواجح، والأخْلاقِ السَّواجع، والمَقَاصِد النَّواجِح، لَزِم احْتِضان النَّاشئة، والعِنَاية بِمَغَارِسها، حَتَّى يَتِم -في غَوَارِب العَقل- رَائعُ اكْتِهالِها، وفي متون الحكمةِ بديعُ اكتِمالها، وأن نكون لذلك مُتَطلِّعين، وفيه بحقٍّ مُتَضلِّعين، ولا أنْفع في ذلك ولا أكْرَم، ولا أجْدَى ولا أعظم مِنَ الإكْبَاب على هَدْي الوَحْيين الشريفَيْن، فإنَّهما يُزَكِّيَانِ العقول والخوَاطر، ويُدِرَّانِ مِن صَوَادِق الرَّأي ومُحْكم الفِكر، الرِّهام والمواطر، والتزام حسن الظن بالمسلمين وإصلاح النوايا والسرائر، ذاك الرَّجاء والأمل، ومن الله نسْتلهِم التوفيق والسَّداد لأزكى العمل.

 

وفي المدنية المنورة حمد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي الله تعالى العزيز الغفور, العليم بذات الصدور, الذي أسبغ علينا النعم, ودفع عن من شاء الشرور والنقم, موصياً المسلمين بتقوى الله في السر والعلن, والعمل لرضاه, ومجانبة المعاصي .

 

وقال فضيلته :" إن هذه الأمة صلح أولها بالزهد واليقين وهلك أخرها بالحرص والأمل ، فالزهد الواجب هو كف النفس عن المحرمات, وسلامة المسلم عن أموال الناس ودماءهم, وتوقي المفاسد المحرمة, والحذر من المشتبهات, وإعطاء الحقوق للخلق المتعلقة بالذمم والأمانات, وأن ما زاد على ذلك فهو إحسان وفضل, وخير وبر, وطهر وزكاة, مرغّبٌ فيه شرعاً, يعظم الله به الأجر والثواب, ويرفع به الدرجات, ويدفع به الله عن العبد خزي الدنيا ومصارع السوء, ويحسن به العاقبة, قال تعالى : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ? وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .

 

وبيّن فضيلته أن الفلاح منزلة ينالها العبد برحمة الله تبارك وتعالى, حيث وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه بها, فقال عز وجل : (( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون )) .

 

وأضاف يقول :" إن سخاوة النفس, وسلامة الصدر, وحسن السريرة, وطيب السجايا, تلائم الزهد وتألفه, وتكون معه وهذه الخصال ونحوها أو واحدة منها مع صحة العقيدة تدخل صاحبها الجنات بسلام, لما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال, قلت يارسول الله أي الناس خير؟ قال: أي مؤمن مخموم القلب صدوق اللسان, قلنا يا رسول الله, صدوق اللسان نعرفه, فما مخموم القلب قال : التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا غش ولا بغي ولا حسد " . رواه ابن ماجة بإسناد صحيح

 

وتطرق فضيلته إلى انغماس كثير من الناس في حب الشهوات من الحياة الدنيا, وأثرها على القلب, والتغاضي عن المحرمات, مشيراً إلى أن الحرص على جمع الدنيا من حلال وحرام هو من أدواء القلوب, وأسباب الهلكة, ومحق الرزق, وقال :" إن الحرص هنا يلائمه ويوافقه ويؤاخيه ويكون معه البخل والشح" , لافتاً النظر إلى أن البخل من الخصال الذميمة التي يبغضها الله تعالى, كما جاء في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " السخي قريب من الله, قريب من الناس, قريب من الجنة, بعيد من النار, والبخيل بعيد من الله, بعيد من الناس, بعيد من الجنة, قريب من النار, ولجاهل سخي أقرب إلى الله من عابد بخيل ". رواه الترمذي

 

وعرّف فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي صفة البخل بأنها منعُ الزكاة, والنفقات الواجبة, وحرمان السائل والضيف, والإمساك عن أبواب الخير من فضل الله, قال تعالى :(( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )) .

 

وقال الشيخ علي الحذيفي :" إن الشح شرُّ من البخل, فهو الحرص على أموال الناس, وحقوقهم والسعي في تحصيلها وضمها إلى اليد, ظلماً وعدواناً وبغياً وتكالباً على الدنيا الزائلة الغراء, وحسداً واستخفافاً من عذاب الله عز وجل وعقوبته, وعدم الخوف منه جل وعلا, ونسياناً للعواقب الوخيمة التي تنتظر الشحيح " , مستشهداً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حذر فيه من الشح : ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, وإياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم, حملهم أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( شر ما في الرجل شح هالع, جبن خالع) رواه أحمد وأبو داوود .

 

وشدد فضيلته على أن الأمل يضعف معه العمل, وينسي عن الآخرة, وأن الهوى يصد عن الحق, محذراً من شهوات الغي في البطون والفروج, داعياً إلى تعظيم شعائر الله ولزوم حدوده, وحفظ حقوق المسلمين, وحقوق الجار, لأن اليوم عمل واجتهاد , وغداً حساب وجزاء , لقوله تعالى :(( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ )) .

 

المصدر: واس

 

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life