مختصر الربا

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-05-27 - 1445/11/19
التصنيفات:

 

عدنان علي سعيد باصليب

 

مقدمة:

لقد حرم الله تبارك وتعالى على نفسه الظلم، وجعَله بين عباده محرمًا، فقد روى مسلم عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا"، وهو من موانع محبة الله للعبد، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57]، وقد ذيل الله تعالى الكثير من الآيات التي تنهى عن العديد من الصفات التي تعتبر ذنوبًا وآثامًا حرَّمها الله، بقوله: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾، كما أن الله تبارك وتعالى قد وصف العديد من تلك الصفات بأنها ظلم كالشرك والكفر، والصد عن سبيل الله، وأكل أموال اليتامى والكذب وغيرها، ومن ذلك الربا، فقد ذيَّل الله تبارك وتعالى آيات الربا في سورة البقرة بقوله: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]، ويفهم من ذلك أن أخذ الربا وإعطاءه ظلم.

 

وما كان إيذان الله تعالى لمتعاطي الربا بالحرب من الله ورسوله، إلا تحذيرًا شديد اللهجة واضح العبارة، على أن عواقب الربا وخيمة؛ لأن عاقبة الظلم وخيمة، "والظلم ظلمات يوم القيامة"، ويجب علينا أن نقرأ نصوص التحذير من الربا جنبًا إلى جنب مع نصوص التحذير من الظلم.

 

1- التعريف:

الربا في اللغة: هو الفضل والزيادة والنمو، وفي لسان العرب يقالُ: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوًّا ورِباءً زاد ونما.

 

يقول تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، ويقول: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39].

 

والربا: هو الزيادة الخالية من العوض المشروطة في دَيْنٍ أو قرض أو بيعِ، مما يجري فيه الربا، وهذه والزيادة إما أن تكون مالًا محسوسًا، أو مالًا غير محسوس؛ مثل المنفعة، أو أجلًا (مدة زمنية)، ويرجع ذلك إلى نوع المعاملة والتبادل، وبناءً عليه ينقسم الربا إلى:

 

2- أنواع الربا:

ينقسم الربا إلى نوعين رئيسيين:

أ‌- ربا الديون (ربا القروض)، وهو الربا الذين يكون سببه الزيادة على مبلغ دَيْنٍ، ويسمى الربا الجلي، أو ربا النسيئة (الأجل)؛ لأنه مقابل الأجل، أو ربا الجاهلية، أو ربا القرآن، أي الذي ورد تحريمه في القرآن الكريم، وهي الصورة التي كان يمارسها العرب في الجاهلية، وهو الزيادة التي يتقاضاها الدائن من المدين مقابل الأجل، سواء كانت الزيادة مشروطة قبل ترتُّب الدَّين في ذمَّة المدين؛ كالزيادة في القرض، أو بعد ترتُّب الدين في ذمة المدين، سواء كان الدين دين قرض، أو بيع أو عوض متلف إلى غير ذلك من الديون، وهذه الصورة هي ما كان يمارسه أهل الجاهلية؛ حيث يكون لرجل على آخر دينٌ، فإذا حلَّ الأجل قال له: أتقضي أم تُربي، أو زدني في الدين، أزدك في الأجل.

 

مثال توضيحي رقم 1: الزيادة في دين ثابت في الذمة نتيجة البيع الآجل:

باع زيدٌ على عمروٍ سيارة بثمن مؤجل يدفعه بعد سنة، كانت نتيجة هذه المعاملة أن أصبح عمرو مدينًا لزيد، وزيد دائنًا لعمرو بقيمة السيارة، بعد سنة استحق الدين على عمرو لصالح زيد، فجاء زيد لاستيفاء دينه من عمر، إلا أن عمر لم يكن يملك المال لسداد ما عليه من دَين، فطلب من زيد أن يمهله سنة أخرى، فوافق زيد بشرط أن يزيد في قيمة الدين المستحق مقابل التأجيل.

 

مثال توضيحي رقم 2: الزيادة في دين سوف يثبت في الذمة نتيجة القرض:

أراد عمر أن يشتري سيارة، لكنه لم يكن يملِك المال الكافي لذلك، فذهب إلى صديقه زيد، وطلب منه أن يقرضه مبلغًا من المال؛ ليشتري السيارة على أن يسدده له بعد سنة، فوافق زيد بشرط أن يرد له المبلغ بزيادة مقابل الأجل.

 

وقد جاءت الأدلة متوافرة في تحريم ربا الديون والقروض؛ يقول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 275 - 280].

 

وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130]، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ( .. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضعه من ربانا، ربا العباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله)؛ رواه مسلم وغيره، وقد اشتهر عن العباس رضي الله عنه أنه كان يقرض بالربا.

 

ويجري ربا القرض في أي شيء يمكن أن يكون موصوفًا في الذمة وليس منحصرًا في النقود فقط، فيمكن أن يكون محل الإقراض أي سلعة من السلع المثلية الموصوفة وصفًا منضبطًا أو منفعةً موصوفة وصفًا منضبطًا، فيجب على المقترض ردُّ المثل دونما زيادة، فلا يجوز أن يكون الاستيفاء مشروطًا بزيادة، سواء في الوصف أو القدر، وهناك قاعدة شرعية تقول: "كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا".

ب‌- ربا البيوع، ويسمى ربا السنة أي الذي جاء تحريمه بالسنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مِثْلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد، فقد أربَى الآخذ والمعطي فيه سواء)، وحديث عُبادة بن الصامت: (فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبِيعُوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)، وروى أبو داود عن عُبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب تِبْرُها وعَيْنها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبُرُّ بالبرّ مُدْيٌ بمُدْيٍ، والشعير بالشعير مدْي بمُدْي، والتمر بالتمر مُدْيٌ بمُدْيٍ، والملحُ بالملح مُدْيٌ بمُدْيٍ، فمن زاد أو ازداد فقد أرْبَى، ولا بأس يبيع الذهب بالفضة والفضةُ، أكثرهما يدًا بيد، وأما نَسِيئة فلا، ولا بأس ببيع البرِّ بالشعير، والشعيرُ أكثرهما يدًا بيد، وأما نسِيئة فلا).

 

نصت الأحاديث على ستة أصناف من الموجودات التي كانت محل غالب تداولات المجتمع الاقتصادي في ذلك الزمان، وكل صنف يمثل جنسًا، وهي: جنس الذهب، وجنس الفضة، وجنس البر، وجنس الشعير، وجنس التمر، وجنس الملح، كما نصت الأحاديث على أن تداول وتبادل كل جنس بجنسه، يلزمه توافر شرطين، التماثل في القدر والتقابض في مجلس العقد، فإذا أردنا أن نبادل ذهبًا بذهب أو فضة بفضة، أو تمرًا بتمر، أو شعيرًا بشعير، اشترط في هذا التبادل تساوي القدر والتقابض في مجلس العقد.

 

مثال توضيحي:

• 100 جرام ذهب سبيكة يجب أن تباع بـ 100 جرام ذهب، سواء كان مشغولًا أم لا، والتسليم حالًا في مجلس العقد.

 

• 1 كيلو تمر جديد قطف الموسم يجب أن يباع بـ 1 كيلو تمر، سواء كان قديمًا قطف الموسم الماضي، أم جديدًا، والتسليم حالًا في مجلس العقد.

 

• وهكذا بقية الأجناس.

كما نصت على أنه عند اختلاف الأجناس بعضها عن بعض، فلا يشترط فيها سوى التقابض، لكن هذا يصدق فيما لو كان التبادل داخل المجموعة الواحدة، وقد قسم العلماء هذه الأصناف الستة من حيث العلة، ووفقًا لجوهر كل صنف من الأصناف إلى مجموعتين:

الأولى: مجموعة الأثمان وتضم الذهب والفضة.

الثانية: ومجموعة الطعام وتضم البر والشعير والتمر والملح.

 

فلو كان التبادل داخل مجموعة المعادن - أي بين الذهب والفضة - فلا يشترط فيه سوى التقابض، وكذا لو كان التبادل داخل أجناس المجموعة الثانية كتمر بشعير أو ملح بتمر، ونحو ذلك، فلا يشترط فيه سوى التقابض.

 

أما الحكم في حال كان التبادل بين جنسين من مجموعتين مختلفتين، أو من خارجهما أصلًا؛ كالبر بالذهب أو التمر بالفضة، أو الذهب بأواني الذهب، والحديد أو بالحيوانات وغيرها مما يصلح للتبادل، فإنها تبقى على الأصل، وهو الجواز لعموم قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275]، وفي الواقع إن الحكم عن هذه الحال يعرف بالعمل الممارس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن الشروط كافة ترتفع عندما يتم التبادل بين جنسين من مجموعتين مختلفتين، أو من خارجهما كذهب بتمر، أو فضة بشعير، ونحو ذلك، فيجوز البيع نساءً؛ أي: مؤجلًا وحالًا، وليس بينهما معيارٌ موحد يمكن معه معرفة التماثل، فلا يشترط فيها التماثل وهكذا، ويمكن إيضاح تلك المبادلات في المصفوفة التالية:

الجنس
مجموعة المعادن (الأثمان)
مجموعة الطعام
الذهب
الفضة
البر
الشعير
التمر
الملح
الذهب
تماثل وتقابض
تقابض
بدون شروط
بدون شروط
بدون شروط
بدون شروط
الفضة
تقابض
تماثل وتقابض
بدون شروط
بدون شروط
بدون شروط
بدون شروط
البر
بدون شروط
بدون شروط
تماثل وتقابض
تقابض
تقابض
تقابض
الشعير
بدون شروط
بدون شروط
تقابض
تماثل وتقابض
تقابض
تقابض
التمر
بدون شروط
بدون شروط
تقابض
تقابض
تماثل وتقابض
تقابض
الملح
بدون شروط
بدون شروط
تقابض
تقابض
تقابض
تماثل وتقابض
جدول رقم (1)

مصفوفة الصرف (تبادل الأموال التي يجري فيها الربا)

وَفقًا للشروط الشرعية

3-هل ينحصر الربا في تبادل هذه الأصناف المنصوص عليها أم يتعداها إلى غيرها؟

ذكرنا سابقًا أن العلماء قسموا الأصناف الستة في مجموعتين، وفقًا لجوهر كل صنف منها، وبناءً على ذلك التقسيم، ذكروا أن المجموعة الأولى؛ أي: مجموعة الذهب والفضة، يمكن أن يلحظ فيها علة واحدة، وهي كونها أثمانًا؛ أي: نقودًا؛ حيث كانت هي وسيط التبادل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: (الدينار الذهبي والدرهم الفضي)، وهذه الصفة لوحظ أنها صفة مضطردة - أي متكررة وموجودة في جنسي المجموعة - ومستقرة - أي بنفس القوة والأثر - وبالتالي تصلح أن تكون علة للحكم، إذا وجدت في شيء آخر، وجد الحكم، وبالتالي قاسوا عليها النقود الورقية، في عصرنا الحاضر، واعتبروا أن كل عملة بلد جنس، فكما أن الذهب جنس والفضة جنس، فالريال جنس والدولار جنس، والإسترليني جنس، وهكذا، لكنها جميعًا تدخل في نطاق المجموعة الأولى، وهي مجموعة الأثمان.

 

أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة الطعام المكيل الموزون؛ أي: الطعام الذي يُقدَّر بالكيل أو الوزن، فكل طعام يعرف قدره بالكيل أو الوزن، يدخل ضمن المجموعة الثانية مجوعة الطعام، فيدخل بذلك الرز مثلًا.

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life