عناصر الخطبة
1/ أخطاء يقع فيها المسلمون في شهر رمضان 2/ نماذج لأخطاء في الطعام والصلاة وتضييع الأوقات3/ الحث على اغتنام رمضان وتصحيح المسار 4/ وصايا للأئمة في صلاة القيام.اهداف الخطبة
اقتباس
هُنَاكَ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُفَطِّرَاتِ الْحِسِّيَّةِ ثُمَّ هُوَ يُطْلِقُ لِنَفْسِهِ الْعَنَانَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، فَيَنْظُرُ الْحَرَامَ وَيَسْمَعُ الْحَرَامَ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ الْحَرَامَ!!! تَسَكُّعٌ فِي الأَسْوَاقِ! وَنَظَرٌ لِلنِّسَاءِ! وَتَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَوَاقِعِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيِّةِ! وَإِطْلاقٌ لِلِّسَانِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ! فَأَيْنَ الصَّوْمُ عِنْدَ هَؤُلاءِ؟ وَمَاذَا اسْتَفَادُوا مِنْ رَمَضَانَ؟.. يَجْعَلُ الشَّهْرَ كُلَّهُ لَعِبَاً وَلَهْوَاً، فَتَجِدُهُمْ يَنَامُونَ فِي النَّهَارِ وَيْسَهَرُونَ فِي اللَّيْلِ عَلَى اللَّعِبِ وَهَذَا تَقْصِيرٌ وَاضِحٌ! بَلْ رُبَّمَا لَعِبُوا أَلْعَابَاً مُحَرَّمَةً، بِحُجَّةِ إِمْضَاءِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُمْ صَائِمُونَ! فَأَيْنَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؟ وَأَيْنَ صَلاةُ التَّرَاوِيحِ؟ وَأَيْنَ الْمُسَابَقَةُ لِلْخَيْرَاتِ؟!
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي فَاضَلَ بَيْنَ الأَزْمَان، وَجَعَلَ سَيَّدَ الشُّهُورِ رَمَضَان، وَوَفَّقَ لاغْتِنَامِهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَالإِيمَان، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُه، وَمِنْ مَسَاوِئِ أَعْمَالِنا وَأَسْتَغْفِرُه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا ًكَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَدَاوِمُوا عَلَى طَاعَتِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُتُورَ! فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ وَلَوْ كَانَ قَلِيلاً، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَلَى الْقَانِتِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَالْقُنُوتُ هُوَ دَوَامُ الطَّاعَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ وَمُوَافِقَاً لِهَدْيِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ مِنَ العِبَادَات.
وَإِنَّ عِبَادَةَ الصَّوْمِ كَغَيْرِهَا تَقَعُ فِيهَا مُخَالَفَاتٌ، بِسَبَبِ الْجَهْلِ، وَالتَّقْلِيدِ الأَعْمَى، وَغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْ هَدْيِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! وَهَذَا قَدْ يُؤَدِّي بِالْمُخَالِفِ إِلَى خَسَارَةِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ تَنْبِيهَاتٌ عَلَى بَعْضِ أَخْطَاءِ الصَّائِمِينَ وَالْقَائِمِينَ، أَرْجُو اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ تَكُونَ تَذْكِيرَاً لِي وَلِإِخْوَانِي، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].
فَمِنْ أَعْظَمِ الْمُخَالَفَاتِ: الْفِطْرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضُبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْراً فَقَالَا لِي: اصْعَدْ! حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالَ: هَذَا عُواءُ أَهْلِ النَّارِ! ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا! فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُوْنَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ" (رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ: الإِكْثَارُ مِنَ السَّهَرِ، حَتَّى صَارَ اللَّيْلُ نَهَارَاً وَالنَّهَارُ لَيْلاً، يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَضْيِيْعُ الْوَاجِبَاتِ وَأَعْظَمُهَا الصَّلاةُ، فَلا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ يُصَلِّيهَا فِي الْبَيْتِ دُونَ الْمَسْجِدِ وَهَذَا حَرَامٌ وَإِثْمٌ، بَلْ إِنَّ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِغَيْرٍ عُذْرٍ كُفْرٌ أَكْبَرُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَتْ لا تُجْمَعُ إِلَى مَا بَعْدَهَا! فَأَيُّ صِيَامٍ عِنْدَ هَذَا الشَّخْصِ وَأَمْثَالِهِ؟!
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُضِيعُ وَظِيفَتَهُ بِسَبَبِ سَهَرِهِ فَلا يُدَاوِمُ، أَوْ يَأْتِي مُتَأَخِّرَاً! وَمِنْهُمْ مَنْ يُضِيعُ وَاجِبَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الأَهْلِ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلادِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَهَذَا أَمْرٌ لا يَجُوزُ!
وَمِنَ الأَخْطَاءِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ تَابُوا وَصَلَّوا وَصَامُوا فَإِذَا انْقَضَى عَادُوا إِلَى تَرْكِ الصَّلاةِ وَفِعْلِ الْمَعَاصِي. فَهَؤُلاءِ بِئْسَ الْقَوْمُ. لِأَنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَبَّ الشُّهُورِ وَاحِدٌ؟ وَأَنَّ الْمَعَاصِيَ حَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ؟ وَأَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؟ فَلْيَتُوبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى تَوْبَةً نَصُوحَاً.
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّحُورِ، إِمَّا بِتَرْكِهِ أَوْ بِتَعْجِيلِهِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، وَهَذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِرْمَانُ الْبَرَكَةِ وَمُخَالَفَةُ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ، وَرُبَّمَا وَافَاهُ الْفَجْرُ وَهُوَ نَائِمٌ فَتَفُوتُهُ صَلاةُ الْفَجْرِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: مَنْ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ حَتَّى يَنْتَهِي الْمُؤَذِّنُ مِنَ الأَذَانِ، ظَانَّاً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ الإِمْسَاكُ مُبَاشَرَةً بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ، لَكِنْ جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِيمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ إِنَاءُ الْمَاءِ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ وَسَمِعَ الأَذَانَ أَنْ يَشْرَبَهُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلا يَجُوزُ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي السُّحُورِ: فَيُلْزِمُ النَّاسَ الإِمْسَاكَ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحُجَّةِ الاحْتَيِاطِ لِلصَّوْمِ وُيُسَمُّونَهَا: "إِمْسَاكِيَّةَ رَمْضَان" فَيُوجِبُونَ عَلَى النَّاسِ تَرْكَ السُّحُورِ، فَهَذِهِ بِدْعَةٌ وَضَلالَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)[البقرة: 187]، وَمِنْ آفَاتِهَا الظَّاهِرَةِ تَحْرِيمُ الطَّعَامِ عَلَى النَّاسِ فِي وَقْتٍ أَبَاحَهُ اللهُ فِيهِ، وَرُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى تَرْكِ السُّحُورِ مِنْ أَصْلِهِ إِذَا تَأَخَّرَ النَّاسُ فِي إِعْدَادِهِ.
مِنَ الأَخْطَاءِ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُفَطِّرَاتِ الْحِسِّيَّةِ ثُمَّ هُوَ يُطْلِقُ لِنَفْسِهِ الْعَنَانَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، فَيَنْظُرُ الْحَرَامَ وَيَسْمَعُ الْحَرَامَ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ الْحَرَامَ!!! تَسَكُّعٌ فِي الأَسْوَاقِ! وَنَظَرٌ لِلنِّسَاءِ! وَتَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَوَاقِعِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيِّةِ! وَإِطْلاقٌ لِلِّسَانِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ! فَأَيْنَ الصَّوْمُ عِنْدَ هَؤُلاءِ؟ وَمَاذَا اسْتَفَادُوا مِنْ رَمَضَانَ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ).
وَمِنَ الأَخْطَاءِ فِي رَمَضَانَ: الإِكْثَارُ مِنَ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَاللَّهْوُ بِالْمُبَاحَاتِ لاسِيَّمَا لِلشَّبَابِ وَالأَطْفَالِ جِائِزٌ، وَلَكِنَّ الْخَطَأَ هُنَا فِيمَنْ يَجْعَلُ الشَّهْرَ كُلَّهُ لَعِبَاً وَلَهْوَاً، فَتَجِدُهُمْ يَنَامُونَ فِي النَّهَارِ وَيْسَهَرُونَ فِي اللَّيْلِ عَلَى اللَّعِبِ وَهَذَا تَقْصِيرٌ وَاضِحٌ! بَلْ رُبَّمَا لَعِبُوا أَلْعَابَاً مُحَرَّمَةً، بِحُجَّةِ إِمْضَاءِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُمْ صَائِمُونَ! فَأَيْنَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؟ وَأَيْنَ صَلاةُ التَّرَاوِيحِ؟ وَأَيْنَ الْمُسَابَقَةُ لِلْخَيْرَاتِ؟!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ فِيهَا النِّسَاءُ خُصُوصَاً: الاشْتِغَالُ بِطَبْخِ أَلْوَانِ الطَّعَامِ وَصُنْعِ الْحَلَوِيِّاتِ ، وَتَضْيِيعُ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، بَلْ رُبَّمَا ضَيَّعَتْ فَرْضَ الصَّلاةِ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ وَقْتِهِ الْفَاضِلِ، وَهَذَا لا يَنْبَغِي! وَعَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُعِينُوا النِّسَاءَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلاةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، ذِي الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً!
أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ الأَخْطَاءِ فِي رَمَضَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرَاوِيح:
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَصْلاً، أَوْ يُصَلِّي بَعْضَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ وَلا ضَرُورَةٍ، وَهَذَا قَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ فَضَيلَةً هُوَ فِي أَشَدِّ الْحَاجِةِ إِلَيْهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ جِدَّاً فِي رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ! حَتَّى رُبَّمَا قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ بِحُجَّةِ التَّخْفِيفِ عَلَى النَّاسِ. وَهَذَا إِخْلالٌ واَضِحٌ؛ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَلَيْسَ هُنَاكَ تَثْقِيلٌ مِنَ الأَصْلِ، وَهَدْيُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَمَنْ بَعْدَهُمْ التَّطْوِيلُ فِي التَّرَاويِحِ!
فَعَلَى الأَئِمَّةِ -وَفَّقَهُمُ اللهُ- أَنْ يُلاحِظُوا هَذَا وَلا يَجْعَلُوا صَلاةَ التَّرَاوِيحِ مَلْعَبَةً لِلسُّفَهَاءِ أَوْ حَسْبَ أَهْوَاءِ الْمُصَلِّينَ، أَوْ أَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى تَكْثِيرِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُمْ وَلَوْ خَفَّفُوا تَخْفِيفَاً زَائِدَاً! وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا التَّطْوِيلَ الزَّائِدَ بَلْ يُرَاعُونَ النَّاسَ مِنْ غَيْرِ إِخْلالٍ بِطُولِ الصَّلاةِ وَلا إِشْقَاقٍ عَلَى الْمُصَلِّينَ!
وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَئِمَّةِ أَيْضَاً: أَنَّ بَعْضَهُمْ يُسْرِعُ فِي الْقِرَاءَةِ إِسْرَاعَاً زَائِدَاً لِكَيْ يَخْتِمَ فِي رَمَضَانَ، وَرُبَّمَا أَسْرَعَ إِسْرَاعاً يُضَيِّعُ بِسَبَبِهِ بَعْضَ وَاجِبَاتِ الصَّلاةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيَشُقُّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنْ كِبَارِ السِّنِّ أَوِ الْعَجَزَةِ!
وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَقَرَأُ مِنَ الْخَتْمَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كَالْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، فَيُضَيِّعُ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْمُفَصَّلِ، بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ رُبَّمَا قَفَزَ بَعْضَ السُّوَرِ لِكَيْ يَقْرَأَ فِي نِهَايَةِ رَمَضَانَ آخِرَ الْمُصْحَفِ! أَوْ رُبَّمَا قَرَأَ الْخَتْمَةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ ثُمَّ يُكْمِلُ بَعْضَهَا فِي التَّرَاوِيحِ، وَفِي آخِرِ رَمَضَانَ يَدْعُو دُعَاءَ الْخَتْمَةِ الذِي هُوَ لَيْسَ مَشْرُوعَاً مِنْ أَصْلِهِ وَلا دَلِيلَ عَلَيْهِ! فَلْيَتَّقِ اللهَ الإِمَامُ فَإِنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى صَلاتِهِ وَصَلاةِ مَنْ خَلْفَهُ!
وَمِنَ الأَخْطَاءِ: الإِطَالَةُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ! وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلْهَدْيِ الْوَاجِبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف: 55].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ بَعْضُ الْمُخَالَفَاتِ التِي يَنْبَغِي عَلَيْنَا جَمِيعَاً التَّعَاوُنُ عَلَى إِزَالَتِهَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَمِنْ إِخْوَانِنَا، وَأَنْ نَتَنَاصَحَ بِالْحِكْمَةِ وَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَلا نَجْعَلَ هَذِهِ الأَخْطَاءَ وَسَيلَةً فِي عَيْبِ بَعْضِنَا الْبَعْض.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّءَ الأَخْلاقِ لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْت.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.
التعليقات