عناصر الخطبة
1/ الحب لأمر الدنيا زائل 2/محبة المسلم تابعة لمحبة الله ورسوله 3/محبة النبي شرط في الإيمان 4/علامة صدق محبة الله ورسولهاهداف الخطبة
1/بيان أن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان 2/ بيان أن كل محبة في غير الله زائلة 3/الترغيب في تجريد المحبة والبغض للهاقتباس
فمحبة الله ومحبة رسوله الصادقة تتجلى في فعل طاعة الله وطاعة رسوله, وترك مخالفة الله ومخالفة رسوله, رجاء ثواب الله وخوف عقابه، تتجلى في محبة أعمال البر والخير والدعوة لها بصدق وإخلاص، تتجلى في أن ينعم العبد بالطاعة ويستلذ بالعبادة, ويرتفع بها عن مستوى الكلف والمشاق إلى مستوى المتعة بها واللذة والأنس، تتجلى في ألا يحب العبد بقلبه من الناس إلا من كان طائعاً لطاعته وأن لا يبغض إلا من كان عاصياً لمعصيته...
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه المبين: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68]. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله القائل: "إنّ آل فلان ليسوا لي بأولياء, إن وليي الله وصالح المؤمنين" صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأخوة المسلمون: لقد أكرم الله تعالى أمة محمد بالإسلام, ورضيه لها ديناً وأتم عليها نعمه به, أكرمها بالإسلام وأمرها بالاهتداء بهديه والأخذ بما جاء به؛ ليتحقق لها كماله وتسعد بما وعد أهله في الدنيا وفي الآخرة (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس:62-64].
وإن مما جاء به الإسلام وأمرنا بالأخذ به بقوة، الحب في الله والبغض من أجل الله لا لدينا زائلة، أو أغراض وأهواء سافلة أو غايات ومقاصد دنيئة، فهو لهذا حب أو بغض محرم في دين الله, وممقوت عند الله وزائل لا ثبات له ولا قرار أبداً، ولا جرم فمن أحب في غير الله زالت محبته بزوال ما أحب فيه، من أحب امرئً لسلطانه أو لماله زالت محبته بزوال السلطان أو بزوال المال، يقول سبحانه وتعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67] ويقول: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [العنكبوت:25].
وإذا كان الأمر والدين هكذا فعلى المسلم أن يسعى فيما يثبت ويدوم، وعلى المسلم أن يحب ما أحب الله، وأن يبغض ما أبغض الله، والله سبحانه يحب الإيمان ويكره الكفر والفسوق والعصيان، على المسلم أن تكون محبته دائماً تابعة لمحبة الله ورسوله، وأن يقدم محبته لله ولرسوله على محبته للنفس والولد والمال وكل شيء، يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) [التوبة:24] ويقول الله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) [الأحزاب:6] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" ويقول فيما رواه البخاري لما قال له عمر –رضي الله عنه-: "لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي" قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسي" فقال: "أنت أحب إليّ من نفسي"، فقال: "الآن يا عمر".
فيا أيها الأخوة المؤمنون: لنتق الله ولنحقق إسلامنا بمحبة الله ومحبة رسوله، محبة صادقة منبعثة من القلوب, ومتبلوراً فيها تبلوراً ظاهراً تأويل قول الله سبحانه الذي ما هو إلا اختبار لمن ادعى محبته (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31].
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
فمحبة الله ومحبة رسوله الصادقة تتجلى في فعل طاعة الله وطاعة رسوله, وترك مخالفة الله ومخالفة رسوله, رجاء ثواب الله وخوف عقابه، تتجلى في محبة أعمال البر والخير والدعوة لها بصدق وإخلاص، تتجلى في أن ينعم العبد بالطاعة ويستلذ بالعبادة, ويرتفع بها عن مستوى الكلف والمشاق إلى مستوى المتعة بها واللذة والأنس، تتجلى في ألا يحب العبد بقلبه من الناس إلا من كان طائعاً لطاعته وأن لا يبغض إلا من كان عاصياً لمعصيته، تتجلى في أن تلتقي روح المرء ومشاعره مع روح ومشاعر فاعلي الخير من المسلمين في أي صقع من أصقاع الدنيا أو حقب من أحقابها، كأنها تقول لهم: هنيئاً يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً.
وبهذا بمحبة المؤمنين لربهم ولنبيهم محبة صادقة وبتحابهم فيما بينهم محبة صادقة, والتقائهم على طاعة ربهم وتبرئهم ممن ليسوا على دينهم وبغضهم لهم, وأقل شيء بالقلوب التي لا يملكها إلا علام الغيوب يتم لهم ما وعدوا به من عز وعلو في الدنيا ونعيم مقيم في الآخرة, وبدونه يكون ما أنذروا منه في قوله سبحانه: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات