عناصر الخطبة
1/من مشاهد القيامة مجيء الله تعالى 2/من يرى الله عند مجيئه؟ 3/العلامة التي يعرف المؤمنون بها ربهم يوم القيامة 4/سؤال الله تعالى للرسل والأمم 5/المناجاة بين الله وبين عبده المؤمن 6/الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة.اقتباس
إن بيننا وبين الله موعد جدير بالتأمل والتفكر، أخبرنا الله عنه فيه كتابه، وحدث به نبيه -صلى الله عليه وسلم-، يوم نلاقي فيه الله؛ فماذا سيحدث بيننا وبين ربنا؟. سنحشر جميعاً يوم القيامة، ثم سيأتي الله -تعالى- للقائنا، يجيء الله تعالى للفصل بين...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة: إن بيننا وبين الله موعداً جديراً بالتأمل والتفكر، حدثنا الله عنه فيه كتابه، وحدثنا عنه نبيه -صلى الله عليه وسلم-، يوم نلاقي فيه الله، فماذا سيحدث بيننا وبين ربنا -تعالى-؟.
سنحشر جميعاً يوم القيامة، ثم سيأتي الله -تعالى- للقائنا، يجيء الله -تعالى- للفصل بين الخلائق، وأدلة مجيء الله -عز وجل- في القرآن والسنة متوافرة، قال الله -تعالى-: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)[البقرة: 210]، وقال: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)[الفجر: 21، 22]، وإذا جاء العظيم -سبحانه- فليس مجيؤه كمجيء ملك، ولا أعظم ملك؛ لأنه ملك الملوك، فإذا جاء ملك الملوك انخلعت القلوب، وتزلزلت أفئدة الناس، إتيان الله -تعالى- إتيانٌ عظيم، عند ذلك يبلس المفلسون المجرمون، ويسقط في أيديهم.
السماوات والأرض قد أظلمت، ليس هناك شمس ولا قمر ينير، ولا نجوم تضيء، كلها قد كسفت، وطمست، والناس في ظلمة عظيمة، فإذا جاء الله أشرقت الأرض بنور ربها، قال الله -عز وجل-: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)[الزمر: 69، 70].
تنشق السماء على غلظها وصلابتها، فتسمع الخلائق لانشقاقها صوتاً عظيماً فظيعاً، ثم ينظرون إلى الملائكة هابطين من السماء يحيطون بأرض المحشر، وجمع الخلائق فيها بصعيد واحد، وأهل السماء أكثر من أهل الأرض أضعافاً مضاعفة، يتقاطرون من أقطار السماوات إلى أرض المحشر، يحيطونهم إحاطة بعد إحاطة.
الخلق يفزعون إلى الملائكة، كلما جاء فوج يسألونهم: أفيكم ربنا، أفيكم ربنا؟ وهكذا حتى يأتي الله -تعالى- مع الفوج الأخير من الملائكة، يأتي الله ليجازي كل عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وتشرق الأرض، ويبرز الرحمن لفصل القضاء بين الخلق، يأتيهم الله عز وجل بنفسه سبحانه و-تعالى-، يأتيهم ليفصل بينهم، ولا يفصل بينهم إلا هو -عز وجل-.
عباد الله: فإذا جاء الرب العظيم؛ فمن الذي يراه؟ أخبرنا الله عن ذلك فقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[البقرة: 223]، وقال عن أهل الإيمان: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 46]، اللقاء حتم ولا بد، يراه أهل المحشر، ثم يحجب عن الكفار، فيشعرون بأشد الحسرة والندم أن حجبوا عن ربهم، (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)[المطففين: 15]، وأما المؤمنون فإن وجوههم يومئذٍ مسرورة مشرقة، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: 22، 23]، تنظر إلى وجه الكريم -سبحانه-.
أيها الناس: إن النظر إلى الله -تعالى- ورؤيته يكون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون قالوا: نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم. حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس، فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي؛ ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه؛ فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا"(رواه البخاري).
فإذا حصل المجيء، وحصل النزول، وحصلت الرؤية، حصل اللقاء، فعند ذلك يحصل الكلام، يكلمهم الله -عز وجل-، من تفاصيل ذلكم اللقاء الكلام الذي يكون بيننا وبين الله -عز وجل-.
فيسأل الله الرسل، ويسأل المرسل إليهم، فيسأل الرسل هل بلغتم رسالاتي؟ هل أديتم الأمانة التي كلفتم بها من الوحي؟ أم قصرتم ولم تبلغوا؟ فيشهدون أنهم قد بلغوا جميعاً، يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ماذا أجبتم؟ يقول الله: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)[الأعراف: 6- 7]، الخطاب إلى الرسل، والخطاب إلى الأمم، ماذا أجابت الأمم؟ ستسأل -يا عبد الله- ما أجبت نبيك محمداً -صلى الله عليه وسلم- حين دعاك لكل ما أمرت به؟ ماذا أجبته؟ هل سمعت وأطعت أم لا؟.
وفي تلك المسائل والكلام والحوار الذي يحصل تُسأل الملائكة أيضاً: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)[سبأ: 40- 41]، وما أكثر الذين يذهبون إلى العرافين والكهان الذين معهم الجن ويصدقونهم.
ويدور سؤال وجواب بين الله وبين عيسى، (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[المائدة: 116 – 117].
وبالإضافة للكلام مع الأنبياء والكلام مع أهل المحشر جميعاً سيكون هناك كلام شخصي، فردي مع كل واحد منا بشخصه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ --صلى الله عليه وسلم--: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينطر أشأم مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لم يجد فبكلمة طيبة"(متفق عليه).
والكلام الذي يكون من الله معنا والناس جموع هائلة وحشود، كل الخلق، كيف يسمعونه؟! وهنالك القريب، وهنالك البعيد، يقول النبي --صلى الله عليه وسلم--: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب".
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، ومن تبعه، وبعد:
أيها المؤمنون: ويكون هناك مناجاة بين الله وبين عبده المؤمن، مناجاة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته"(متفق عليه)
ويكون هناك كلام من الله مع بعض خلقه بخصوصهم، تشريفاً لهم وإظهاراً لمكانتهم، ومن أمثلة ذلك ما ورد في الصحيح: "يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين -إلى النار وواحد إلى الجنة- فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
وكلام أيضاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة يقول الله -تعالى- لنبيه: "يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطى، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي"، النبي المشفق أول ما يتذكر وينادي ويناجي لمصلحة أمته -صلى الله عليه وسلم-، "فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل".
عباد الله: وبعض الناس سيحرمون من كلام الله معهم، الكلام الذي يدل على الرضا والسرور، ويوبخون بكلام الحساب، والتشديد عليهم، وقد وردت أصناف من هؤلاء في الأحاديث، منها:
قوله -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي، وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك"(رواه البخاري).
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ"، قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرارٍ، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل إزاره، والمنان، والمُنَفِّقُ سلعته بالحلف الكاذب"(رواه مسلم).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ"(رواه مسلم).
فعلى المسلم أن يستعد للقاء الله -تعالى-، ولنحذر أن نكون من أهل غضبه وسخطه.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، حيث قال في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
التعليقات