مجالات تربية الشباب (4) التربية الأسرية والاجتماعية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مفهوم التربية الأسرية والاجتماعية السوية وأهميتها. 2/أساليب التربية الأسرية والاجتماعية النافعة. 3/أثر التربية الأسرية والاجتماعية على سلوك الشباب. 4/محاذير في التربية الأسرية والاجتماعية وآثارها السلبية.

اقتباس

إِنَّمَا نَقْصِدُ بِالتَّرْبِيَةِ الْأُسَرِيَّةِ وَالْمُجْتَمَعِيَّةِ هُنَا: كَيْفِيَّةَ تَعَامُلِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمُحِيطِينَ بِالشَّبَابِ وَتَوْجِيهَهُمْ لَهُ، بِهَدَفِ تَنْشِئَتِهِ تَنْشِئَةً إِسْلَامِيَّةً سَوِيَّةً، فَتَكُونُ الْأُسْرَةُ هِيَ الْمِحْضَنَ الْأَوَّلَ لِأَبْنَائِهَا وَأَوَّلَ مُؤَثِّرٍ فِيهِمْ، ثُمَّ الْمُجْتَمَعُ هُوَ الْمِحْضَنُ الثَّانِي وَالْأَكْبَرُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الشَّبَابَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ هُمْ مُسْتَقْبَلُهَا الَّذِي تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ، وَعِمَادُهَا الَّذِي تَرْتَكِزُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اهْتَمَّتِ الْأَمَةُ بِشَبَابِهَا وَاحْتَضَنَتْهُ أُسْرَتُهُ وَاعْتَنَى بِهِ مُجْتَمَعُهُ، كَانَ مُسْتَقْبَلُ تِلْكَ الْأُمَّةِ مُشْرِقًا، وَكَانَ شَبَابُهَا نِعْمَ السَّاعِدَ الْقَوِيَّ لَهَا، وَإِنْ أَهْمَلَتْهُ الْأُمَّةُ مُتَمَثِّلَةً فِي الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وَتَهَاوَنَتْ فِي إِعْدَادِهِ صَارَ شَبَابُهَا هُمْ مِعْوَلَ هَدْمِهَا وَأُسَّ خَرَابِهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّمَا نَقْصِدُ بِالتَّرْبِيَةِ الْأُسَرِيَّةِ وَالْمُجْتَمَعِيَّةِ هُنَا: كَيْفِيَّةَ تَعَامُلِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمُحِيطِينَ بِالشَّبَابِ وَتَوْجِيهَهُمْ لَهُ، بِهَدَفِ تَنْشِئَتِهِ تَنْشِئَةً إِسْلَامِيَّةً سَوِيَّةً، فَتَكُونُ الْأُسْرَةُ هِيَ الْمِحْضَنَ الْأَوَّلَ لِأَبْنَائِهَا وَأَوَّلَ مُؤَثِّرٍ فِيهِمْ، ثُمَّ الْمُجْتَمَعُ هُوَ الْمِحْضَنُ الثَّانِي وَالْأَكْبَرُ لِلشَّبَابِ يُعَزِّزُ دَوْرَ الْأُسْرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالطَّرِيقِ وَالنَّادِي...

 

وَمِنْ هُنَا -مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ- نُدْرِكُ أَهَمِّيَّةَ التَّرْبِيَةِ الْأُسَرِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ السَّوِيَّةِ لِلشَّبَابِ، فَهِيَ الْمُؤَثِّرُ الْأَكْبَرُ الَّذِي يُحَدِّدُ مَا يَحْمِلُونَهُ مِنْ أَفْكَارٍ وَعَقَائِدَ وَمَا يَتَبَنَّوْنَهُ مِنْ سُلُوكِيَّاتٍ، يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

وَمَا دَانَ الْفَتَى بِحِجًى وَلَكِنْ *** يُعَلِّمُهُ التَّدَيُّنَ أَقْرَبُوهُ

 

وَبِقَدْرِ أَهَمِّيَّةِ الشَّبَابِ تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ الْعِنَايَةِ بِهِ وَتَوْجِيهُهُ؛ فَقَدْ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْعُمْرِ؛ وَذَلِكَ حِينَ قَالَ: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ -وَذَكَرَ مِنْهَا-: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِلتَّرْبِيَةِ الْأُسَرِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ النَّافِعَةَ أَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةً، وَمِنْهَا:

غَرْسُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ: فَإِنَّهُ الْحَامِي لَهُ مِنَ الْفِتَنِ وَالزَّعَازِعِ، وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ، فَهَا هُوَ يَقُولُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: إِلْزَامُهُمْ بِالتَّوَسُّطِ وَتَرْكِ الْمُغَالَاةِ؛ فَإِنَّ الشَّبَابَ تَدْفَعُهُ حَمَاسَتُهُ وَقُوَّتُهُ إِلَى الْمُغَالَاةِ، وَهَذَا شَابٌّ وَقَعَ فِي الْغُلُوِّ فِي الْعِبَادَةِ، فَحَاوَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاهِدًا رَدَّهُ إِلَى التَّوَسُّطِ؛ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- الَّذِي زَوَّجَهُ أَبُوهُ فَانْشَغَلَ عَنْ زَوْجَتِهِ بِالْعِبَادَةِ وَلَمْ يَقْرَبْهَا، فَلَمَّا اشْتَكَى أَبُوهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: "كَيْفَ تَصُومُ؟" قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: "وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟"، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: "صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ"، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ"، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا" قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ؛ صَوْمَ دَاوُدَ، صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً"، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: تَكْلِيفُهُمْ بِالْمَهَامِّ لِيُفَرِّغُوا فِيهَا طَاقَاتِهِمْ: فَقَدِ اخْتَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِيَكُونَ أَمِيرَ جَيْشٍ ضَمَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ، وَلَقَدْ كَانَ عَلَى قَدْرِ الْمَسْئُولِيَّةِ، وَعَادَ بِالْجَيْشِ سَالِمًا، وَكَلَّفَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِتَعَلُّمِ لُغَةِ الْيَهُودِ، وَبَعَثَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ.

 

وَمِنْهَا: تَعْلِيمُهُمْ وَتَثْقِيفُهُمْ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسِهِ: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، فَبِالْعِلْمِ تَهْدَأُ نُفُوسُهُمْ وَتَنْضَجُ عُقُولُهُمْ وَتَزْدَادُ قُلُوبُهُمْ إِيمَانًا، وَلَقَدْ أَفَاضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَصْحَابِهِ مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ حَتَّى صَارُوا أَعْظَمَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ.

سَبْعٌ مِنَ الصَّحْبِ فَوْقَ الْأَلْفِ قَدْ نَقَلُوا *** مِنَ الْحَدِيثِ عَنِ الْمُخْتَارِ خَيْرِ مُضَرْ

أَبُو هُرَيْرَةَ، سَعْدٌ، جَابِرٌ، أَنَسْ *** صَدِيقُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، كَذَا ابْنُ عُمَرْ

 

وَمِنْهَا: اكْتِشَافُ مَوَاهِبِهِمْ وَاسْتِثْمَارُهَا؛ تَمَامًا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ صَحَابَتِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، أَلَا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا إِنْ أَحْسَنَّا تَرْبِيَةَ شَبَابِنَا أُسَرِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا عَادَ عَلَيْنَا ذَلِكَ بِكَثِيرٍ مِنَ الْبَرَكَاتِ، وَمِنْهَا:

بِنَاءُ الشَّخْصِيَّةِ الْعَابِدَةِ التَّقِيَّةِ؛ وَذَلِكَ بِرَبْطِهِمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهَذِهِ مَسْئُولِيَّةُ الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَإِنْ وُفِّقْنَا فِي ذَلِكَ خَرَجَ الشَّبَابُ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ"، وَعَدَّ مِنْهُمْ: "وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: تَقْوِيمُ السُّلُوكِ؛ فَحِينَ يَتَعَاضَدُ دَوْرُ الْأُسْرَةِ مَعَ دَوْرِ الْمُجْتَمَعِ تَكُونُ أَرْوَعُ النَّتَائِجِ عَلَى سُلُوكِ الشَّبَابِ، وَهَذَا نَمُوذَجٌ عَمَلِيٌّ لِذَلِكَ يَنْقُلُهُ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَةٍ، قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَلَمْ تُعَنِّفْهُ لِأَنَّهُ يُخْفِي عَنْ أُمِّهِ، بَلْ رَسَّخَتْ قِيمَةَ "حِفْظِ السِّرِّ" فِي نَفْسِهِ.

 

وَمِنْهَا: التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ؛ فَهَا هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَاهَدُ عَائِلَتَهُ وَيَدُلُّهَا عَلَى الْفَضَائِلِ، فَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمَا"، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَمَا تَرَكَهَا عَلِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا.

 

وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَوْمًا: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"، فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: اكْتِسَابُ الْمَهَارَاتِ: فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِغُلَامٍ وَهُوَ يَسْلَخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ" فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ، ثُمَّ مَضَى. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، فَلَا أَرَى هَذَا الشَّابَّ نَسِيَ تِلْكَ الْمَهَارَةَ حَتَّى مَاتَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ هُنَاكَ أَخْطَاءً مَحْذُورَةً تَصْدُرُ مِنَّا تُجَاهَ شَبَابِنَا، وَتَكُونُ لَهَا آثَارُهَا السَّلْبِيَّةُ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ تِلْكَ الْمَحَاذِيرِ:

فِتْنَتُهُ بِالْقُدْوَةِ السَّيِّئَةِ: وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحْتَاطُ مِنْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، فَوَجَدَهَا تَقُولَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، تَعَالَ أُعْطِكَ، سَأَلَهَا: "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟" قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، قَالَ: فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذِبَةٌ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَصَدَقَ الْقَائِلُ:

مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاعْوِجَاجٍ *** فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ

فَقَالَ: عَلَامَ تَخْتَالُونَ؟؟ قَالُوا: *** بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ

فَخَالِفْ سَيْرَكَ الْمُعْوَجَّ وَاعْدِلْ *** فَإِنَّا إِنْ عَدَلْتَ مُعَدِّلُوهُ

أَمَا تَدْرِي أَبَانَا كُلُّ فَرْعٍ *** يُجَارِي بِالْخُطَى مَنْ أَدَّبُوهُ

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

 

وَمِنْهَا: فِقْدَانُ الْعَاطِفَةِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ؛ فَلَمَّا أَبْصَرَ الْأَقْرَعُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ الْحَسَنَ قَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: الْإِهْمَالُ وَعَدَمُ الِاهْتِمَامِ؛ فَذَلِكَ يَقْتُلُ الْإِبْدَاعَ وَيُمِيتُ الْمَوَاهِبَ وَيَزْرَعُ الْجَفَاءَ، فَإِلَى كُلِّ مَشْغُولٍ بِحَالِهِ عَنْ تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ: إِنَّ أَوْلَادَكَ يَنْشَؤُونَ أَيْتَامًا فِي وُجُودِكَ وَحَيَاتِكَ! وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:

لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ *** هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلًا

إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ *** أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبَا مَشْغُولًا

 

فَاللَّهَ اللَّهَ -أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ- فِي شَبَابِ الْأُمَّةِ، أَعِينُوهُمْ عَلَى الصَّلَاحِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَهُمْ حَمَلَةُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ غَدًا، وَهُمْ عِمَادُ مُسْتَقْبَلِ الْأُمَّةِ وَأَغْلَى مَا تَمْلِكُ مِنْ أَدَوَاتِ الْإِصْلَاحِ بَعْدَ هِدَايَاتِ دِينِهَا.

 

فَاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حُسْنِ تَقْوِيمِ أَوْلَادِنَا وَتَأْدِيبِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات
63Ygrj9hmJmlc95Ap32HE8l8EL3R3wbB0pvg09QH.pdf
F5PycPTYYdKi9cc80DBUUa85WEMuBLi0e9K7ccTd.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life