عناصر الخطبة
1/خطورة الدجال 2/تحذير الأنبياء من الدجال 3/علامات قرب زمان الدجال 4/شأن الدجال عند المؤمنين 5/سمات الدجال.

اقتباس

إن الدجال شأنه أحقر في قلوب المؤمنين وعباد الله المُخلصين من أن يبلغ فيه اهتمامهم هذا الاهتمام الذي يخشونه حتى ينصرفوا عن دينهم، إن من عرف الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأسمائه الحُسنى وصفاته العلا لم يلتبس عليهِ أمر هذا الدجال....

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحمد لله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى ونبيه المُجتبى، اللهم صلِّ الله وسلِّم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجه، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعُروةِ الوثقى، فإن أجسادنا على النارِ لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المُؤمنون! لا تزال الفِتن تتوالى في آخر الزمان حتى يأتي زمانٌ تستحكم فيه الفِتن تتتابع عليهم حتى تكون كقطعِ الليل المُظلم، وهي التي حذَّرناها نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيما تحذير، وإن أعظم الفتن وأشنعها وأفظعها من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة فتنةُ المسيح الدجال.

 

نعم يا عباد الله، ما من نبي إلا وأنذره أمته، أنذره نوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أمته، وأنذره موسى أمته، وكان أشدهم إعذارًا وإنذارًا وتحذيرًا منه نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِم جَميعًا وَسَلَّمَ-، فبيَّن فيهِ بيانًا لم يُبيِّنه نبيٌّ قط لأمته، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكَر لهم مرةً الدجال فخفّض فيهِ ورفع حتى راح إليه الصحابة وجوههم متغيرة، قال: "ما لي أرى وجوهكم متغيرة؟"، قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال فخفّضت فيه ورفعت حتى ظنناه وراءنا في طائفة النخل.

 

فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مُسلم"، "ألا إنه اعور العين اليُمنى كأن عينه عنبةٌ طافئة"، وفي روايةٍ في الصحيحين: "ألا إني أُخبركم أمرًا في الدجال لم يُعلمه نبيٌ أُمته، ألا إنه أعور العين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور".

 

وهذا المسيح الدجال مسيحٌ لأنه ممسوح العين اليُمنى، وهو مسيخٌ بالخاءِ المُعجمة؛ لأنه مسخةٌ دميمٌ في خلقته، وهو دجال أعظم ما فيه من الدجل والكذب، يدَّعي أولاً أنه وليٌّ من الأولياء ويؤيَّد بخوارق، ثم يدَّعي النبوة وتزداد خوارقه إلى أن يبلغ منتهى شرهِ وكفره بادعائِه أنه رب العالمين، وهذه الخوارق يؤيَّد بها ليكون فيصلاً بين عباد الله المؤمنين وأوليائه المخلصين، وبين أولئك الذين انحازوا وانحرفوا عن دين رب العالمين.

 

وهذا الدجال -يا عباد الله له- علامات لقرب زمانها ما أُراها إلا أنها وُجدت وما زالت تتتابع وتتكامل في وجودها، فمن ذلك ما روى أحمد وغيره من حديث الصعب بن جثَّامة الليثي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر".

 

فذكر في هذا الحديث علامتين: ذهول الناس عن ذكره ذهولاً ليس معه نسيان، بل سلوانٌ وانشغالٌ بالدنيا كما الموت لا ينساهُ أهله، ولكنهم عنه في بُعدٍ وانشغال، فكذلكم الشأن في الدجال، "وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر"؛ أي منابر العِلم ومنابر التوجيه ومنها خُطب الجُمعة، ومنها المواعِظ والدروس ووسائِل الإعلام.

 

وأصل هذا الأمر ما روى مُسلمٌ في صحيحه في حديث النواس بن سمعان الكِلابي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- الطويل، وفيهِ قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنه خارجٌ خُلة بين الشام والعراق فعاثَ يمينًا وعاثَ شِمالاً، ألا يا عباد الله فاثبتوا، ألا يا عباد الله فاثبتوا"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (‌هَلْ ‌يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام: 158].

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إعظامًا لشأنه، واشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ من سلف من إخوانه، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يومِ رضوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: إن الدجال شأنه أحقر في قلوب المؤمنين وعباد الله المُخلصين من أن يبلغ فيه اهتمامهم هذا الاهتمام الذي يخشونه حتى ينصرفوا عن دينهم، إن من عرف الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأسمائه الحُسنى وصفاته العلا لم يلتبس عليهِ أمر هذا الدجال، وأسماء الله الحُسنى وصِفاته العلا هي التي تعرَّف الله -عَزَّ وَجَلَّ- بها إلينا، وعرَّفنا به أعرف خلقهِ به نبينا وسيدنا محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سُنتهِ خير البيان.

 

الدجال يا عباد الله! أعور العين اليُمنى، والله -جَلَّ وَعَلَا- له عينان كريمتان عظيمتان لائقتان به لا تُشبهانِ أعين المخلوقين كما قال -جَلَّ وَعَلَا- في آية سورة الشورى: (لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].

 

الدجالُ مخلوقٌ من أبوين، والله -جَلَّ وَعَلَا- كما نسب ومدح نفسه: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)[الإخلاص: 3].

 

 الدجال يُرى في الدنيا، والله -جَلَّ وَعَلَا- لا يُمكن أن يراءه راءٍ في الدنيا لا لخفائِه -سبحانه- بل لعجز الرائين أن يُطيقوا ويتحلموا رؤيته، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وتَعلَّمُوا" وفي روايةٍ: "واعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه حتى يموت".

 

الدجالُ دميمٌ في خِلقته، والله -جَلَّ وَعَلَا- كاملٌ جميلٌ في صِفاته وأسمائِه وذاته، "إن الله جميلٌ يُحبُّ الجمال"؛ كذا ثبت عن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

الدجال يموت يقتله عيسى ابن مريم إذا نزل في آخر الزمان وهرب منه الدجال ويُدركه عيسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في باب لُدّ، فإذا رأى الدجال عيسى انذاب كما ينزاب المِلحُ في الماء، وقبل ذلك يُعاجله عيسى برمحٍ فيطعنه في لُبَّته فيقتله، ويُري أثر الدم في رمحه، ويُريح الناس من شره.

 

وأما ربي -جَلَّ وَعَلَا- فهو حيٌّ قيوم لا يموت ولا ينام ولا تأخذه سنةٌ ولا نوم لكمال حياته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكمال قيوميته، فلا يلتبس عليكم هذا الكذاب وهذا الدجال مهما بلغ بهرجه ومهما تنوعت شُبهاته وشهواته، فاثبتوا على دينكم كما أمركم بذلك نبيكم محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قال: "فعاث يمينًا وعاثَ شمالاً، ألا يا عباد الله فاثبتوا"، وقد استخلف الله على كل مُسلم، فنعم الخليفة ربي.

 

ثم اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

ثم اعلموا أن الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيهِ بنفسه، وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه، ثم بالمؤمنين من جنهِ وإنسه، فقال سبحانه في آخر الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 وقال نبيكم -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إذا كان يوم الجمعةِ وليلتها فأكثروا من الصلاة عليَّ فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المُسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسُنةَ نبيك على العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك وأولياءك المؤمنين، اللهم أرفع كلمتك وسُنةَ نبيك على الناس كافةً يا رب العالمين.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أصلح لهم بطائنهم واجعلهم بطانة خيرٍ وصلاح تدلهم على الخير وتُعينهم عليه، وتُحذرهم من الشر وتمنعهم منه يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

 اللهم اصرف عنا الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم يا واحدُ يا أحد يا فرد يا صمد نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض، يا حي يا قيوم نسألك بوجهك الكريم وباسمك الأعظم أن تعصمنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم اعصمنا من فتنة الدجال، اللهم اعصِمنا من فتنةِ المحيا والممات.

 

 اللهم أجرنا من عذابِ جهنم، اللهم أجرنا من عذاب القبر، (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ ‌غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)[الفرقان: 65-66].

 

 اللهم احفظنا بالإسلامِ قائمين، واحفظنا بالإسلامِ قاعدين، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم أصلح شباب المُسلمين، اللهم أصلح نساءهم، اللهم من أراد بالمُسلمين أو بعلمائهم أو بولاتهم أو بمجتمعاتهم مكرًا أو كيدًا اللهم فأشغله بنفسه، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه.

 

 اللهم احفظ على المُسلمين دينهم، واحفظ عليهم دماءهم، واحفظ عليهم أعراضهم، واحفظ عليهم بلدانهم وأموالهم يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات برحمتك يا ذا الجلال والإكرام، عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ‌وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمهِ يزدكم، (‌وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life