اقتباس
يكمن الجواب عن هذا السؤال في عجز القوى الدولية عن إيقاف تمدد التوجه السلفي (مذهب أهل السنة والجماعة) رغم الحملات الإعلامية والفكرية الضخمة التي شنت خلال السنوات الماضية لتشويهه والتنفير منه؛ فالسلفية تنتشر في العالم العربي كما تنتشر في الدول الأوربية وبين المسلمين الجدد، وهي تؤثر تأثيرا قويا في كافة التوجهات الفكرية، وفي الحركات الإسلامية على اختلاف منهاجها ومشاربها.
من الغلط الحكم على عوام المسلمين في البلاد التي تكون عقيدة الدولة فيها أو المؤسسة الدينية الأشعرية أو الماتوريدية بأنهم أشاعرة أو ماتوريدية. بل عوامهم على مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن العوام لا يعرفون تفصيلات العقيدة، ولا علم لديهم بما شققه المبتدعة وأحدثوه في عقائدهم من ضلال علم الكلام، ويؤمنون إيمانا مجملا بما دل عليه الكتاب والسنة من تفصيلات العقيدة، وهذا هو عين معتقد عوام المسلمين في البلاد التي تنتهج منهج أهل السنة والجماعة؛ فالسواد الأعظم من المسلمين هم على مذهب أهل السنة والجماعة بمفهومه السلفي الأثري، والمبتدعة أقليات جُمعت على اختلاف عقائدها لضرب النسيج العام للمسلمين وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد طرحت في مقالة سابقة هذا السؤال لأجيب عليه هنا: لماذا أراد من نظموا مؤتمر جروزني اختطاف لقب (أهل السنة والجماعة) مع أنه في العرف الدولي محل اتهام بالتشدد والانغلاق والتطرف والإرهاب؟!
يكمن الجواب عن هذا السؤال في عجز القوى الدولية عن إيقاف تمدد التوجه السلفي (مذهب أهل السنة والجماعة) رغم الحملات الإعلامية والفكرية الضخمة التي شنت خلال السنوات الماضية لتشويهه والتنفير منه؛ فالسلفية تنتشر في العالم العربي كما تنتشر في الدول الأوربية وبين المسلمين الجدد، وهي تؤثر تأثيرا قويا في كافة التوجهات الفكرية، وفي الحركات الإسلامية على اختلاف منهاجها ومشاربها.
وقد تمت شيطنتها إعلاميا وفكريا بعد أحداث سبتمبر مباشرة، ولكن وخلال خمس عشرة سنة مضت لا زال الإسلام بالمفهوم السلفي الأثري يتمدد وينتشر، ويجذب الناس إليه. ويعترف كثير من المفكرين الغربيين أن فيه قوة جاذبة لا يعرفون سرها. في حين أن النصرانية تنكمش، وكذلك المذاهب البدعية تنكمش، سوى الإمامية الاثني عشرية التي سُخرت ميزانيات إيران لنشرها وفرضها، وتواطأ العالم الغربي والشرقي مع إيران في نشرها لقمع أهل السنة والجماعة، ومع ذلك فانتشار الإمامية لا يوازي ما أنفق عليها من أموال، وما بذل في نشرها من جهود، وغالبه انتشار مصلحي لنيل عرض من الدنيا، وليس قناعة ممن انتقلوا للمذهب الإمامي الباطني، وهو مثل انتشار النصرانية في إفريقيا من أجل الحصول على الطعام والعلاج والتعليم في سنوات مضت، سرعان ما تراجعت.
فلما لم تنفع شيطنة السلفية في صرف الناس عنها جاءت هذه المحاولة لاختطافها، وكونهم في الحملات السابقة ركزوا هجومهم على الوهابية والسلفية والحنبلية والتيمية، ونحو ذلك. فإنهم لا يستطيعون استخدام هذه المصطلحات بعد أن شيطنوها وشوهوها. فجاءت فكرة استخدام (أهل السنة والجماعة). ومن المحتمل إذا فشلت محاولتهم تلك أن يعودوا للمصطلحات التي شيطنوها من قبل ليخلعوها على من يخدم أهدافهم الاستعمارية؛ لإقناع السواد الأعظم من المسلمين أنه يمثل الاتجاه الذي يريدونه.
والمؤتمرون في جروزني برعاية عباد الصليب من أرباب البدعة الأشعرية والماتوريدية والصوفية يحلمون في إعادة أمجاد سالفة لهم، وخاصة كبار فقهاء الشافعية الأشاعرة حين كانوا يطلقون في مصنفاتهم على أنفسهم لقب (أهل السنة) ويصمون أهل السنة بأنهم حشوية ومجسمة، رغم أن قدماء الشافعية من الشافعي وأصحابه ومن بعدهم كانوا على غير معتقد المتأخرين الذين انتحلوا المذهب الأشعري في العقيدة وتعصبوا له.
ويمكن تقسم من حضروا مؤتمر جروزني إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: المبتدعة المتعصبون لبدعتهم، الذين عز عليهم أن تكون النهضة العلمية الشرعية في هذا الزمن لأهل السنة، فاستماتوا في مزاحمتهم ولو بالعمالة لعباد الصليب، ومنهم من هو مستميت في مؤلفاته بنقد شيخ الإسلام ابن تيمية ومحاولة إسقاطه.
القسم الثاني: من لهم مواقف مع بعض رموز السلفية، ويريدون تصفية حساباتهم معهم ولو بهذا الاصطفاف البغيض مع المبتدعة، ولن يضروا إلا أنفسهم.
القسم الثالث: المرتزقة الذين يصطفون مع القوي أيا كان وحيث كان، ويأتمرون بأمره، وينفذون أجندته؛ لنيل لعاعة من جاه أو مال على حساب دينهم وأمتهم.
وأختم مقالتي هذه بشكري وتقديري للأقلام التي كتبت في فضح هذا المؤتمر الخبيث وتوجهاته المسمومة، وأسهمت في نشر الوعي في أوساط الناس بمقالات أو تغريدات أو غيرها، وأسأل الله تعالى أن يكتب أجرهم، وأن يكثر من أمثالهم.
الثلاثاء 27/11/1437
مؤتمر اختطاف مصطلح أهل السنة والجماعة (1)
التعليقات