اقتباس
المؤتمر الذي عقد هذه الأيام في جروزني برعاية ورضا الصليب الأرثوذكسي يحشد أطياف المبتدعة؛ ليختطفوا وصف (أهل السنة والجماعة)، واليوم يغيب عن مؤتمرهم أهل العمائم الصفوية والإسماعيلية، وأصحاب الطرابيش الدرزية والنصيرية؛ لئلا يكون المؤتمر فضيحة مدوية عند عوام المسلمين، وإلا فهم يشاركونهم وينسقون معهم في حرب أهل السنة واستئصالهم، وجمعتهم فيما مضى مؤتمرات عدة برعاية أمريكية، والزعيم الصفوي الخميني قد زكى عددا من أقطاب الصوفية، وفيهم من حضر مؤتمر جروزني.
اتصل أحد الدعاة في الجمهوريات الإسلامية -المحتلة روسيا- بداعية سلفي يشكو إليه أن مفتي جمهوريتهم جمع الدعاة وأئمة المساجد وألزمهم بأن يعتنقوا العقيدة الماتوريدية باعتبار أنها عقيدة الأحناف، وأن يدعوا الناس إليها، وأن يدرسوها في المساجد، ومن يتقاعس عن ذلك أو يتردد فسوف يكون عرضة لعقاب، أقله الطرد من إمامة المسجد، والمنع من الدروس والمحاضرات؛ وعلل ذلك بأن من واجبات المفتي حفظ عقائد الناس، وبما أننا أحناف فيجب أن نلتزم بما عليه الأحناف.
أشار الداعية السلفي على الداعية الروسي وهو يشتكي إليه هذا الإرهاب الفكري أن يُثبت للمفتي أن أبا حنيفة سلفي أثري مُعظِّم للنصوص، وأن عقيدته لا تخالف عقيدة أهل السنة، وأن أبا منصور الماتوريدي خرج عن نهج الإمام الأعظم أبي حنيفة. وأثبت له ذلك بمنقولات عن الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن وكبار أئمة المذهب الحنفي.
غضب المفتي وقال: أنت تتهم الماتوريدي بأنه لا يفهم عقيدة أبي حنيفة، ونحن في فهم عقيدته نعتمد على الماتوريدي لا على غيره.
فقال الداعية السلفي: إذن سأنتقل من المذهب الحنفي إلى المذهب الحنبلي، ولا حجة لك علي؛ لأن النظام لا يمنع اختيار أي من المذاهب، وبدأ الداعية المؤذى في عقيدته يتفقه على كتب الحنابلة؛ ليحافظ على عقيدته السلفية من الإرهاب البدعي عليها.
هذه الحادثة التي وقعت قبل أشهر تبين القلق الروسي من الامتداد السلفي، الذي صار العالم بشرقه وغربه وكفاره ومبتدعته وعربه وعجمه يحتشدون لحربه واستئصاله.
وهي تدل على أن أهل الأهواء لا حدَّ لهم في الانحراف عن النهج السوي، وأنه لا مانع لديهم من التحالف مع الملاحدة لطمس العقيدة الأثرية الصحيحة، وإلا فكيف صار الماتوريدي حاكما على الإمام أبي حنيفة وكبار أئمة المذهب الحنفي؟! وكيف انصاع المفتي لما يلقى عليه من أوامر السياسي وهو على غير ملته؟!
ولو فرضنا أن ابن تيمية خالف الإمام أحمد مخالفات صريحة، وجاء من يأمر السلفيين بأن لا يقرءوا تراث الإمام أحمد إلا بنظارة ابن تيمية لاستهجنه العامة قبل الخاصة.
المؤتمر الذي عقد هذه الأيام في جروزني برعاية ورضا الصليب الأرثوذكسي يحشد أطياف المبتدعة؛ ليختطفوا وصف (أهل السنة والجماعة)، واليوم يغيب عن مؤتمرهم أهل العمائم الصفوية والإسماعيلية، وأصحاب الطرابيش الدرزية والنصيرية؛ لئلا يكون المؤتمر فضيحة مدوية عند عوام المسلمين، وإلا فهم يشاركونهم وينسقون معهم في حرب أهل السنة واستئصالهم، وجمعتهم فيما مضى مؤتمرات عدة برعاية أمريكية، والزعيم الصفوي الخميني قد زكى عددا من أقطاب الصوفية، وفيهم من حضر مؤتمر جروزني.
والسؤال هنا: هل ينجح المؤتمرون بأمر الصليب في اختطاف لقب أهل السنة والجماعة؟!
المؤكد: أنهم لن ينجحوا أبدا؛ لأن العقائد البدعية المستمدة من علم الكلام، الملغية لدلالات القرآن والسنة، هي عقائد غامضة متناقضة، لا تصلح أن تُصدَّر لعوام المسلمين، ولن يقتنعوا بها، وما يقرؤه العامي المسلم في القرآن ينسف أصول تلك العقائد؛ فمن يفسر الكلام النفسي عند الأشاعرة للعوام، وكيف يوفق العامي بين ما يقرؤه في القرآن من حقيقة كلام الله تعالى، وبين هذا التأويل الغامض. وهكذا يقال في سائر المخالفات الأشعرية والماتوريدية والصوفية، والمصطلحات الكلامية التي أحدثوها، وأدخلوها في عقائدهم، وحاكموا إليها نصوص الكتاب والسنة فحرفوا معانيها لأجلها.
لقد مرَّ النصارى فيما مضى بذات التجربة التي يمر بها المبتدعة اليوم، فعقائد الصلب والفداء والتثليث ونسبة اللاهوت والناسوت في المسيح عليه السلام هي مما أدخل في النصرانية، واستمات رهبان النصارى في إقناع عوامهم بها فعجزوا، حتى تسبب غموض عقائدهم وتناقضها في انتقال عوامهم من الكنيسة والإنجيل إلى العلمانية والإلحاد. والنصارى يمتلكون من العقول الفلسفية ما لا يمتلكه مبتدعة العصر، ولديهم من الإمكانيات المادية والإعلامية الهائلة ما عجزوا بها عن إقناع بني ملتهم بعقائدهم بله إدخال غيرهم فيها، وجهود التنصير في البلدان الفقيرة وما ينفق عليها من ميزانيات ضخمة لا تخفى على متابع مع ضعف أثرها، ومحدودية تأثيرها.
وإنها لمفارقة عجيبة أن يتآمر العاجزون بالأمس (عباد الصليب) عن تسويق عقائدهم الباطلة الغامضة مع المتطلعين المبتدعة لتسويق عقائدهم الباطلة والغامضة أيضا، تديرهم في ذلك القوى الاستعمارية التي لا تريد الخير بمن فيه رائحة إسلام وإيمان، بغية اختطاف لقب أهل السنة والجماعة من أهله المستحقين له بجدارة لخلعه على من لا يستحقه.
وسؤال يتبادر لذهن من يرى عنوان المؤتمر: لماذا يريدون هذا اللقب مع أنه في العرف الدولي محل اتهام بالتشدد والانغلاق والتطرف والإرهاب؟! هذا نفرده بمقالة أخرى حتى لا نطيل على القراء الكرام.
الاثنين 26/11/1437
مؤتمر اختطاف مصطلح أهل السنة والجماعة (2)
التعليقات