عناصر الخطبة
1/ أصل عقد الزواج وماهيته 2/ التحذير من النفاق وبعض صفات المنافقين 3/ عظم عقد الزواج في الإسلام 4/ رقابة الله على عباده 5/ أثر الكلمة وخطرهااهداف الخطبة
اقتباس
عذاب المنافق الاعتقادي أشدُّ من عذاب الكافر؛ لأن الكافر أفصح عن كفره, فكانت أقواله متطابقة مع أفعاله من حيث الكفر -والعياذ بالله تعالى-, أما هذا المنافق فكان يبطن الكفر ويظهر الإيمان, وهذا الوصف للمنافق لا يليق أن يتصف به العبد المؤمن, لذلك...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد ذكرت لكم في خطب ماضية عن دور الرجل في وجود المشاكل الأسرية، وأنه هو الذي يتحمَّل مسؤولية ذلك يوم القيامة بين يدي الله -عز وجل-.
وأريد أن أتابع الحديث في الأسابيع القادمة عن هذا الموضوع, وسأذكر دور المرأة في وجود المشاكل الأسرية.
أيها الإخوة الكرام: قبل الشروع في هذا الموضوع, فإني أريد أن أذكر نفسي وأذكر كلَّ واحد فينا بأصل عقد الزواج بأنه: تبادل ألفاظ بين الزوج ووكيل الزوجة, حيث يقول وكيل الزوجة للزوج: زوَّجتك ابنتي على كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, فيقول الزوج: قبلت زواجها على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
يا عباد الله: أناشدكم الله -تعالى-, وخاصة الشباب منكم, علينا أن نعلم بأن الكلمة التي نلقيها سوف نُسأل عنها يوم القيامة, لذلك يجب علينا أن تتطابق أقوالنا مع أفعالنا؛ لأن السامع لكلامنا سينظر إلى أفعالنا, فإذا تعارضت الأقوال مع الأفعال سقطت قيمة الكلمة.
أيها الإخوة الكرام: عندما تتباين أقوال العبد مع أفعاله فإنه يكون منافقاً حتى يتوب إلى الله -تعالى-.
ألم يقل مولانا -عز وجل- في وصف المنافقين: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون: 1]؟
لماذا شهد الله -تعالى- عليهم بالكذب؟ لأن أفعالهم تباينت وتناقضت مع أقوالهم, ومن كان هذا وصفه -والعياذ بالله تعالى-, ومات وهو مصرٌّ على ذلك, فإن مصيره في الدرك الأسفل من النار, قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء: 145].
عذاب المنافق الاعتقادي أشدُّ من عذاب الكافر؛ لأن الكافر أفصح عن كفره, فكانت أقواله متطابقة مع أفعاله من حيث الكفر -والعياذ بالله تعالى-, أما هذا المنافق فكان يبطن الكفر ويظهر الإيمان, وهذا الوصف للمنافق لا يليق أن يتصف به العبد المؤمن, لذلك يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ, وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ, وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" [رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-].
فانظر -يا أخي الزوج- وانظري -يا أختي المتزوجة-: هل تتطابق الأفعال مع الأقوال التي صرَّحنا بها أمام الشهود, زوَّجتُك وتزوجتُ على كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟
أجاب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: إن عقد الزواج هو في الحقيقة تبادل ألفاظ بين شخصين يجب أن يكونا صادقين في قولهما؛ لأن الله -عز وجل- سمَّى هذا العقد ميثاقاً غليظاً، قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 20 - 21].
تنبَّهوا -يا عباد الله- إلى هذه الآية الكريمة, يا من تسوِّل له نفسه طلاق زوجته, يا من يتلفَّظ بكلمة الطلاق: اعلم قبل أن تتلفظ بهذه الكلمة ماذا يترتب عليك بعدها؟
يترتب عليك دفع صداق المرأة كاملاً من غير نقصان بالغاً ما بلغ, وإن لم تدفع صداقها بعد الطلاق ففكِّر في الجواب إن سُئلت يوم القيامة عن كلمة عقد الزواج, هل كنت صادقاً فيها أم غير صادق؟ وماذا ستقول لربك -عز وجل- بعد سماعك لهذه الآية الكريمة: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [النساء: 20].
فكِّر جيداً في قوله تعالى: (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) [النساء: 20 - 21].
أيها الإخوة الكرام: من قداسة الكلمة في ديننا جعل الله ملكين موكَّلين بإحصاء تلك الكلمات علينا, قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 16 - 18].
(عَتِيدٌ) أي: حاضر وملازم لك لا تغيب عنه كلمة.
وبعد الكلمة يحصي عليك الملك أفعالك, وبعدها ترفع إلى الله -تعالى-, ويُساق العبد يوم القيامة في أرض المحشر للعرض والحساب, ويقول الملك الذي أحصى الأقوال والأفعال على العبد لربنا -عز وجل-: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) [ق: 23] هذه أقواله وهذه أفعاله.
أيها الإخوة: طوبى لعبد تطابقت أقواله مع أفعاله الموافقة لشرع الله -عز وجل-, وهنيئاً له حيث سيكون إن شاء الله -تعالى- مع الذين أنعم الله عليهم؛ لأنه أطاع الله -تعالى-، وأطاع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وتطابقت أقواله مع أفعاله, قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
أيها الإخوة الكرام: الحسرة والندامة على العبد الذي تباينت أفعاله عن أقواله, وأقواله عن أفعاله حيث كان وصفه وصف العبد المنافق, وهذا سوف يفرُّ من سائر الخلق في أرض المحشر؛ لأنه ضيَّع الحقوق بسبب تباين الأفعال عن الأقوال, والأقوال عن الأفعال, قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37].
أيها الإخوة الكرام: من قداسة الكلمة في ديننا رتَّب ربنا -عز وجل- عليها آثاراً عظيمة, فعلى سبيل المثال: كلمة الزواج رتَّب عليها ربنا -عز وجل- آثاراً كبيرة, حيث جعل من خلالها الحرام حلالاً, والحلال حراماً.
قبل تبادل ألفاظ الزواج بين الزوج وولي الزوجة, تكون المرأة حلالاً لأيِّ رجل ما عدا محارمها- في الحرمة الدائمة أو المؤقتة- يحلُّ لأب الخاطب أن يتزوَّج منها كما تحلُّ لولده, وكذلك أمها تحل له ولأبيه إذا كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها, ولكن بمجرد العقد على الفتاة, حرمت أمها على الزوج وحرِّمت جدتها وهكذا في أصول الزوج وفروعه.
قبل عقد الزواج كان يحرم على الرجل الأجنبي أن يرى ظفرها, ولكن بعد عقد الزواج صار الرجل ينظر منها ما لا ينظر إليه أحد سواه.
نعم -أيها الإخوة- الكلمة لها أثر في تحليل الحرام وتحريم الحلال, فإن كانت كلمة الزواج تحلِّل الحرام الذي كان بين الرجل والمرأة, كذلك كلمة الطلاق تحرِّم الحلال الذي كان بين الزوجين, وخاصة إذا كان الطلاق بالثلاث فإن الزوجة لا تحل لزوجها المطلِّق حتى تنكح زوجاً غيره.
أيها الإخوة الكرام: اجعلوا الأفعال مطابقة للأقوال على ضوء من الكتاب والسنة, واحذروا من تباين الأفعال مع الأقوال؛ لأن هذا من وصف المنافقين.
تذكَّروا -يا عباد الله- ألفاظ الزواج دائماً وأبداً في حياتكم الزوجية, واحفظوا ما يترتب على تلك الكلمة وعلى كلمة الطلاق من آثار.
تذكَّروا حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ, وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ, وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" [رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-].
فإن تكلَّمت بكلمة فاصدق بها, وترجم عن صدقك فيها بالسلوك العمل, وإن وعدت فَفِ بوعدك, وإن اؤتمنت فاحذر الخيانة, وطبِّق ذلك في حياتك الزوجية.
أيها الإخوة: لا تنظروا إلى النساء والرجال الذين لا يعرفون للكلمة قيمتها, هؤلاء والله لو كانوا يعقلون قيمة الكلمة لما تباينت أقوالهم عن أفعالهم.
تذكروا -أيها الإخوة- أخيراً: بكلمة واحدة لا يخلد العبد في النار, وبكلمة واحدة لا يدخل العبد الجنة -والعياذ بالله تعالى-.
بكلمة: "لا إله إلا الله" لا يخلد صاحبها في النار, وبكلمة: "لا إله والحياة مادة" لا يدخل صاحبها الجنة.
من هذا المنطلق سأتحدث إليكم عن دور المرأة في وجود المشاكل الأسرية في الأسابيع القادمة -إن شاء الله تعالى-.
أقول هذا القول، وكل منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات