عناصر الخطبة
1/ نصُّ حديثِ لتؤدُّنَّ الحقوق إلى إهلها 2/ التحذير الشديد والوعيد مِن أكْلِ حقوق الغير 3/ المسارعة لإبراء الذمة قبل وضع موازين القيامةاهداف الخطبة
اقتباس
ورغم تخويف الله لنا وتحذيره إيانا من أن نتعدى على حقوق العباد، ورغم نكير النبي صلى الله عليك وسلم على كل من يمد يده خلسة إلى ما لا يحل له فيأكل المال من غير حلّه، إلا إن أناسا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في زماننا هذا قد انتفخت بطونهم من الحرام، وترهلت أطرافهم من الربا، وتخرقت ذممهم من حقوق الآخرين، واسْودّت سجلاتهم من كثرة تعدّيهم على أملاك الخلق وحقوقهم وأعراضهم ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها".
أيها الإخوة: معلوم في عقيدتنا الإسلامية أن أعمال العباد على ثلاثة أقسام: قسم لا يغفر الله منه شيئا؛ وهو الشرك بالله، وقسم مُعلّق على مشيئة الله؛ إن شاء غفر وإن شاء عذب، وهو حقوقه -سبحانه-، وقسم لا بد فيه من القصاص؛ وهو حقوق العباد، أي: ظلم العباد بعضهم بعضا، فهذا القصاص فيه لا محالة؛ فحقوق الآخرين التي في ذمتك: المادية منها والمعنوية، القليلة منها والكثيرة، هذه لن يترك الله منها شيئا.
فيا عبد الله: كُلُّ حَقٍّ للآخرين تغادر هذه الدنيا وهو في ذمتك ستحاسب عليه في الآخرة عندما تقف بين يدي الواحد الدّيان -سبحانه-؛ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، كما في الصحيح، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ".
قال العلامة ابن عثيمين في شرح هذا الحديث: "أقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدق بغير قسم، أقسم أن الحقوق ستؤدى إلى أهلها يوم القيامة ولا يضيع لأحد حق، الحق الذي لك إن لم تستوفه في الدنيا استوفيته في الآخرة، حتى إنه يقتص للشاة الجلْحاء من الشاة القرناء.
الجلْحاء التي ليس لها قرن. والقرناء التي لها قرن، والغالب أن التي لها قرن إذا ناطحت الجلْحاء التي ليس لها قرن تؤذيها أكثر، فإذا كان يوم القيامة قضى الله بين هاتين الشاتين واقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء هذا وهن بهائم لا يعقلن ولا يفهمن لكن الله عز وجل حكم عدل أراد أن يرى عباده كمال عدله حتى في البهائم العجم، فكيف ببني آدم؟ ففي يوم القيامة يقتص للمظلوم من الظالم" اهـ.
ولذلك -يا عباد الله- مَنْ حسَب حساب هذا الموقف بين يدي الله الواحد الدّيان، فإنه يحرص على أن يخرج من هذه الدنيا وذمته بريئة نقية من حقوق العباد، فو الله! لا شيء أنفع للنفس لتمتنع عن أكل حقوق الآخرين من تذكّرها للرحيل من هذه الدنيا، والوقوف بين يدي الله.
من هنا كان من منهج القرآن الكريم إذا أراد أن يحذِّر الناس من أكل حقوق بعضهم بعضا، أنه يذكرهم بالآخرة، كما قال ربك -سبحانه- في سورة المطففين: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين،1-6].
فعلينا أن نكون حذرين من هذا اليوم العظيم، ولا يمكن لنا أن نسلم إلا فيه إلا إذا خرجنا من الدنيا بذمة نقية.
ورغم تخويف الله لنا وتحذيره إيانا من أن نتعدى على حقوق العباد، ورغم نكير النبي -صلى الله عليك وسلم- على كل من يمد يده خلسة إلى ما لا يحل له فيأكل المال من غير حلّه، إلا إن أناسا من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في زماننا هذا قد انتفخت بطونهم من الحرام، وترهلت أطرافهم من الربا، وتخرقت ذممهم من حقوق الآخرين، واسْودّت سجلاتهم من كثرة تعدّيهم على أملاك الخلق وحقوقهم وأعراضهم.
ووالله! لكأنّ بعض الناس باتوا يعيشون على أنه لا آخرة! ويمسون على أن لا حساب، ويبيتون على أنه لا إله عدل إليه -سبحانه- سينقلبون!.
"لتؤدن الحقوق إلى أهلها"، لَيؤدي صاحب الذمة غير البريئة – الذي يأكل عقارات الآخرين وأراضيهم وأمثالها، قلّتْ أو كثرتْ، ليؤديها إلى صاحبها يوم القيامة شاءَ أم أبى، ولنْ يفلتَ من عدل الله وعقابه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيّما رجل ظلم شبراً من الأرض، كلّفه الله أنْ يحفره حتى يبلغ آخر سبع الأرضين، ثم يطوقه يوم القيامة، حتى يقضي الله بين الناس".
ولذلك؛ وكما في الصحيح، ادّعت أروى بنت أويس على سعيد بن زيد، أنّه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى والي المدينة: مروان بن الحكم، فقال سعيد -ذلك المؤمن الذي امتلأ قلبه رهبه من الآخرة- قال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال له مروان بن الحكم: وما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين يوم القيامة".
فقال له مروان: لا أسألك بيّنه بعد هذا، فقال سعيد بن زيد: "اللهم إنْ كانتْ كاذبة، فاعْمِ بصرها، واجعل قبرها في دارها".
قال الراوي: فرأيتها عمياء، تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدار، فمرت على بئر في الدار فوقعت فيه فكانت قبرها.
"لتؤدون الحقوق إلى أهلها": ليؤدي صاحب الذمة غير البريئة، ذلك الذي يأكل دراهم الناس ودنانيرهم، الذي يأكل أمتعة الناس، الذي يأكل شيكات الناس، قلّتْ أو كثرتْ. ليؤديها إلى صاحبها يوم القيامة، شاء أم أبى، ولن يفلت من عدل الله وعقابه.
أيها الإخوة: إن الأمر جدا خطير، وإن العقبة حقاً كؤود. لماذا؟ استمعوا معي إلى ذلك الموقف الذي يضع الأمور في مواضعها بلا محاباة ولا جور.
ففي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-،قال: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا، وَلاَ فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فقتله، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ -ثوب- الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا".
فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِشِرَاكٍ، أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شِرَاكٌ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ".
حتى تعلم -يا عبد الله- أن السير في الدنيا لا بد فيه من مخافة الله ومراقبته، وحساب الوقوف بين يديه، فحقوق الناس وحقوق الأمة، هدرُها وأكلُها بالحرام، عظيمة من العظائم؛ فلا تستقل ما تأكله من أموال الناس، ولا تستكثر، كلّه ستحاسب عليه، ففتّشْ نفسك ومتاعك، وسيارتك، ورقم حسابك، وجيبك، قبل أن تغادر مكان عملك أو وظيفتك أو سوقك، فتش مصادرك المالية قبل أن ترحل عنها وعن أهلها، هل دخل فيها شيء بغير حق مالا كان أو متاعا؟.
يا أيها المؤمنون: لنستمع وليستمع أولئك الذين يأكلون أموال الناس، وأموال المؤسسات والشركات بغير حق، قليلة كانت أو كثيرة، ويستهينون بها، ويستخفّون بأمرها، لنستمع جميعا على ماذا أقسم الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لقد أقسم -صلى الله عليه وسلم- فقال: "والذي نفس محمد بيده! إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه، ما يتقبل (الله) منه عمل أربعين يوما".
فلقْمة واحدة من الحرام لا يقبل الله من العبد عمل أربعين يوما؛ فماذا نقول للآلاف المؤلفة من أبناء هذه الأمة الذين غُذّيت أجسادهم بالحرام، ونمت لحوم أطفالهم من الحرام؟ وماذا نقول أمام مئات وآلاف القضايا المالية في المحاكم، حيث إنكار حقوق الآخرين وحيث النصب والاحتيال، وحيث الزور والبهتان؟.
" لتؤدن الحقوق إلى أهلها "
أيها الإخوة: إن ممّا تساهل به الناس اليوم، وكثر فعله وانتشرت صوره، أن صاحب الوظيفة أو المنصب، يقبض بسبب عمله مبالغ من المال من تحت السجاد، وبطرق ملتوية، وتحت مسمى هدايا وأعطيات من مختلف الأبواب؛ هو لا يُعْطاها إلا بسبب وظيفته أو منصبه، وفي مقابل عمل يعمله، تتطلبه منه أصلا وظيفته، فيستغل منصبه ووظيفته فيقبض فوق راتبه رواتب.
حتى بات كثير من الناس يظن أن لا بأس بهذا، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلمنا أن في ذلك كل البأس والمأخذ.
قد روى الإمام مسلم في صحيحه، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، استعمل رجلاً من الأزْد، يقال له: ابن اللتْبية على الصدقة، فلما قدم بها، قال هذا لكم، أيْ ما جمعه من أموال الصدقات لم يكتم منه شيئا، ثم قال وهذا أهدي إلي.
قال راوي الحديث: فقام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: "فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاّنِي الله، فيأتي، فيقول: هذا لكم، وهذا هدية، أهديت إلي؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمّه حتى تأتيه هديته إنْ كان صادقاً؟"، أي: مَنْ يقدم لك شيئا لا يقدمه لسواد عيونك؛ بل فيه مصالح ومآرب أخرى!.
ثم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقسما بالله: "والله! لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة".
ثم قال محذراً ومنذراً ومخوفاً: "لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ".
لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ (متاع أو وثائق) تَخْفِقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (دنانير) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أغثني! فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ".
وتأملوا قوله -صلى الله عليه وسلم- على رقبته! لماذا قال على رقبته؟ لماذا ستُحْمل المسروقات وحقوق الناس على رقبته مَن أخذها بغير حق في أرض المحشر، لماذا؟ قال العلماء: وذلك قصدا إلى فضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة.
"لتؤدون الحقوق إلى أهلها": ليؤدي صاحب الذمة غير البريئة، أولئك الذين يأكلون أتعاب العمّال والموظفين والصنايعية والزراع وغيرهم، ويقضمون أجورهم، ويؤخرون دفعها، ويحرمونهم من مستحقاتهم، ليؤدّنها إلى أصحابها يوم القيامة، قلّتْ أو كثرتْ، وشاءوا أم أبوا، لا بد أن يدانوا ويحاسبوا.
ويا ليتهم، يا ليتهم يعلمون مَن خصْمهم يوم القيامة! استمع معي -يا عبد الله- مَن هو خصمهم يوم القيامة: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة"، وذكر منهم: "رجلا استأجرا أجيرا فاستوفى منه عمله، ثم أكل حقه ولم يعطه أجره".
فخصمك، يا من تأكل أتعاب العمال وحقوقهم، هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، ومتى؟ يوم القيامة! وأين؟ بين يدي الواحد الديّان! فَدَعْ هذه الدريهماتِ التي أخذتَها من غير حِلِّها تنفعك يومها.
"لتؤدون الحقوق إلى أهلها"، ليؤدّ صاحب الذمة غير البريئة الحق إلى أهله، أولئك الآباء والإخوة، الذين يغادرون الدنيا وقد أكلوا حقوق بناتهم وأخواتهم من الميراث وحرموهن، لَيُؤَدُّنّها إلى أهلها بأمر الله الواحد الديّان -سبحانه-.
ألم يعلم هؤلاء ذلك التحذير الشديد من رسول الله حينما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الرجل لَيَعْبُد الله ستين سنة، ثم يكون في آخر عمره، فيجور في وصيته، فيكبه الله في النار".
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها المؤمنون بلقاء رب العالمين: ما العمل؟ ما طريق الخلاص؟ ما سبيل النجاة؟.
عباد الله: العمل هو: أن تسارع -أيها العبد- إلى إبراء ذمتك من حقوق العباد كما أمرك رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال: "مَن كانت له مَظْلَمَة لأخيه من عِرضه أو شيء فلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم".
ومن عمل ما أمره به النبي -صلى الله عليه وسلم- ظفر بدعوته -صلى الله عليه وسلم- عندما دعا فقال: "رحم الله عبداً كانت لأخيه عنده مظلمة في عِرْضٍ أو مالٍ فجاءه فاستحله".
وأما من لم يعمل بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا، فلم يسارع إلى إبراء ذمته من حقوق العباد، فليعلم أن محكمة العدل الأخروية في انتظاره، إنها محكمة الله -سبحانه-: الحكم العدل، الواحد الديان -سبحانه-.
محكمة، كتب الله عليها: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) [الأنبياء:47].
محكمة، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ميزانها، حينما مر ذات يوم، فرأى شاتين تنطحان، فقال لأبي ذر -رضي الله عنه-: "هل تدري فيما تنطحان؟" قال:لا. قال: "ولكن الله يدري، وسيقضي بينهما".
محكمة قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قاضيها: "إياكم والظلمَ! فإنّ الله يعزم يوم القيامة، فيقول: وعزتي وجلالي، لا يجوزني اليوم ظلم!".
فإذا ظلمتَ ومرت مظلمتك على الخلق وطويتها عن أنظارهم بأساليبك الخبيثة، فاعلم أن الخالق العظيم أقسم بعزته وجلاله قسما لا يرد، أن هذه المظلمة لن تمر من بين يديه -سبحانه- من دون حساب، ولن يفلت صاحبها من عدل رب العزة -سبحانه-.
"لتؤدون الحقوق إلى أهلها".
أيها الإخوة: إن هناك أمرا عجيبا أريد أن أقوله لكل عبد مؤمن بالله. هل تعلم أنك لم تدخل الجنة كائنا من كنت، ولو كنت صواما قواما، أوعالما أو عابداً، أومجاهداً، أوداعية أوشهيداً، لن تدخل الجنة وهناك مسلم في أرض المحشر له حق في ذمتك قليلا كان أم كثيرا، ماديا كان أم معنويا؟.
لماذا؟ وَمن قال ذلك؟ استمِع إلى كلام الوحي: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد قِبَله (عنده) مظلمة".
"لتؤدون الحقوق إلى أهلها".
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا ...
التعليقات
زائر
22-07-2022نافعة جدا بإذن الله