عناصر الخطبة
1/ مرض اجتماعي خبيث 2/ إخراج الإسلام للأمة من الظلمات إلى النور 3/ الحث على مكارم الأخلاق 4/ مساوئ العصبية القبلية على الباطل 5/ لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ إلا بالتقوى 6/ التعَصُّب والتحَزُّب من خصال الجاهلية 7/ فضائل الرابطة الإيمانية 8/ نعمة الأُخوة الإسلامية 9/ صور من العصبية المذمومةاهداف الخطبة
اقتباس
مَرَضٌ اجتماعيٌّ خبيث، وفيروسٌ وبائيٌّ فتَّاك، وسرطانٌ مدمرٌ للشعوب، حاربه الإسلامُ حرْبًا لا هوادةَ فيها؛ لأنَّ عواقبَه وخيمةٌ، ونتائجَه خطيرةٌ. إنَّه: العصبيَّةُ، والقبليَّةُ، والعُنْصرِيَّةُ، والطبقِيَّة، والإقْلِيميَّةُ، والمَذْهبيَّة، والطائفيَّة، والحِزْبيَّةُ، والنُّعَرَةُ الجاهلية، والفخْرُ بالأحساب، والطَّعْنُ في الأنساب
أيها الإخوة المسلمون: مَرَضٌ اجتماعيٌّ خبيث، وفيروسٌ وبائيٌّ فتَّاك، وسرطانٌ مدمرٌ للشعوب، حاربه الإسلامُ حرْبًا لا هوادةَ فيها؛ لأنَّ عواقبَه وخيمةٌ، ونتائجَه خطيرةٌ. إنَّه: العصبيَّةُ، والقبليَّةُ، والعُنْصرِيَّةُ، والطبقِيَّة، والإقْلِيميَّةُ، والمَذْهبيَّة، والطائفيَّة، والحِزْبيَّةُ، والنُّعَرَةُ الجاهلية، والفخْرُ بالأحساب، والطَّعْنُ في الأنساب.
إنَّك -يا مسلم- أضحيْتَ تسمع صباحَ مساءَ نداءاتٍ غريبةً، تقال إمَّا على وَجْهِ السُّخرية والسَّبِّ، أو من باب الفَخْر والعُجْبِ: يا سعودي، يا خليجي، يا مصري، يا سوداني، يا سوري، يا هندي، يا باكستاني، يا بنغالي، يا جاوي، يا غامدي، يا زهراني، يا جيزاني، يا قصيمي، يا نجدي، يا حجازي، يا قبيلي، يا خضيري،...إلخ هذه الألقاب. ولو قيلتْ من باب التعريف، أو على وجه التمييز، فلا بأس. أمَّا على سبيل المُبَاهاةِ والمُفَاخرةِ أو التنقُّصِ والتنَدُّرِ فلا يجوز؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18]، وقال سبحانه: (وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].
أيها الناس! يا بني آدم!: جاء الإسلامُ والناسُ في جاهليةٍ جهلاء، فأخرج اللهُ به الناسَ من الظلمات إلى النور، ومن الجَوْر إلى القِسْط، ومن المعتقدات الفاسدة إلى العقيدة الصحيحة، ومن الأخلاق المنحلَّة إلى الأخلاق الحسنة.
جاء الإسلام وكان أصحابُ الجاهلية لديهم بعضُ المحاسنِ من نَجْدةِ الملهوف، وإكرامِ الضيف، ونُصْرَةِ المظلوم، وغيرِها، فجاء الإسلام لتثبيت ذلك والحثِّ عليه، «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأخلاق».
ولكن الإسلام جاء وعند أصحاب الجاهلية أخلاقٌ سَمْجَةٌ قبيحةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ. ومن الأخلاق التي كانت في الجاهلية: خُلُقُ العَصَبِيَّةِ والقَبَلِيَّة على الباطل.
فجاء الإسلامُ ونفَّر منها، وصوَّر ذلك الفعلَ القبيحَ تصويراً بليغًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ: كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ؛ فَهُوَ يُنْزَعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ» رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، ومعنى الحديث: أنَّ المُتعَصِّبَ قد هلك ووقع في الإثم، كالبعير إذا سقط وتردَّى في بئر، فصار يُجَرُّ بِذَنَبِهِ ولا يُقْدَر على خلاصه ونجاتِه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» رواه مسلم، والعِمِّيَّةُ: هي الأمرُ الأعمى لا يَسْتَبِيْنُ وجْهُه.
نعم يا عباد الله: جاء الإسلام والقبائلُ متناحرةٌ فيما بينها، كلُّ قبيلةٍ تَحُطُّ من شأن الأخرى، كلُّ فردٍ يقاتل من أجل قبيلته، يفرحُ لِفَرحِها ويغضبُ لغضَبها؛ رشاده وغِوايتُه مع القوم والطائفة والإقليم، حاله كما قال الشاعرُ الجاهليُّ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:
وَهَلْ أنَا إلا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ *** غَوَيْتُ وَإنْ تَرْشُدْ غَزيَّةُ أرْشُدِ
ولكنَّ الإسلام يقرِّر: "ليس منَّا من دعا إلى عصبية".
جاء الإسلام فوضع الضوابط، وقعَّد القواعد، وأصَّل الأصول، ومن القواعد التي وضعها الإسلام؛ قاعدة: لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ إلا بالتقوى؛ فعن جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عن قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» رواه أحمد بسند صحيح.
وخطب الناسَ يومَ فتْحِ مكةَ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)» رواه الترمذي بسند صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» رواه أبو داود بسند حسن.
أيها المسلمون: إن التعَصُّبَ والتحَزُّبَ من خصال الجاهلية، ذاتَ مرَّةٍ عيَّرَ أبو ذَرٍّ رضي الله عنه غلامًا له بأمِّه، فلمَّا بَلَغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» متفقٌ عليه، أي ما زال فيك خَصْلةٌ من خِصَال الجاهلية؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بالأحساب، ويطعنون في الأنساب؛ كما جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ» رواه مسلم.
لقد عَمِلَ الإسلامُ على غَرْس رابطة الدين، ووشيجةِ العقيدة؛ لأنها الآصرةُ التي يتجمع عليها الناس طائعين قانعين، وليست وشيجةَ الدَّمِ والنسب، ولا وشيجةَ الأرضِ والبلد، ولا وشيجةَ القومِ والجنس، ولا وشيجةَ اللون واللغة، ولا وشيجةَ الحِرْفةِ والفريقِ والطائفةِ والحزبِ والجماعةِ، بلْ إنها وشيجةُ العقيدة فحسب. فقد جمعتْ هذه العقيدةُ صهيباً الروميَّ، وبلالاً الحبشيَّ، وسلمانَ الفارسيَّ، وأبا بكرٍ العربيَّ القُرَشيَّ تحت رايةٍ واحدةٍ، رايةِ الإسلام، وتوارت معها جميعُ النّعَرَاتِ والعصبيَّاتِ.
إخوةَ العقيدةِ والإيمان: ها هو مُرَبِّي الأمةِ وقائدُها عليه الصلاة والسلام يُعلِّمُ ويُرَبِّي، إذ يقول لخير القرون كلِّها مهاجرين وأنصارًا: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». وما هي المنتنة الذميمة؟! صَيْحةٌ نادى بها أنصاريٌّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، فَرَدَّ مهاجريٌّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، (كسع يعني: ضربه في مؤخرته) فقالَ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» والحديث في الصحيحين.
حقاً إنها منتنة، والحمدُ للهِ انتهى أمْرُ هذا النَّتَنِ، وماتَتْ نُعَرَةُ الجِنْس، واختفتْ لَوْثةُ القوم. ومنذُ ذلكَ الحينِ غَدَتْ دارُ الإسلامِ التي تُحَكِّمُ الشريعةَ وطَنَ المسلمِ الكبيرَ، فالعقيدةُ أَذَابَتْ العصبيةَ، ورابطةُ الدِّين صَهَرتْ العُنْصُرِيَّةَ، وسَمَتِ عَلاقَةُ المسلم بأخيه وطيدةً متيْنَةً راسخةً، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العليِّ الأعلى الذي خلق فسَوَّى، والذي قدَّر فهدى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد: فإنَّ الأُخوةَ الدينيةَ بين الشعوبِ الإسلاميةِ هي أقوى الوشائجِ والروابطِ التي تشُدُّ الأمةَ وتُؤَلِّف بينها؛ لتكونَ قويةً متماسكةً في وجوه أعدائها المتربصين بها من الكفار والمنافقين. إنَّ الله سبحانه امتن على نبيه صلى الله عليه وسلم بنعمة التآلف بين قلوب المسلمين، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].
وامْتَنَّ اللهُ بها على المسلمين جميعًا رجالًا ونساءً، فقال عزَّ من قائل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
يا عباد الله: إنَّ نعمةَ الأُخوةِ الإسلاميةِ قد ضاق بها أعداءُ الإسلام، وعَمِلُوا جاهدين لتفكيكِ أواصرِ الأمة، وزَرْعِ أسبابِ الفُرقة؛ لِتَذهبَ ريحُها وقُوَّتُها، ولِيَسهُلَ إذلالُها وقهرُها والسيطرةُ عليها، وَفْقَ سياسة: فَرِّقْ تَسُدْ.
ومن أقوى وسائلِ الأعداءِ في هذا: وسائلُ الإعلام، وإشاعةُ الأخبارِ الكاذبة، وتضخيمُ الصغير، وتفخيمُ الحقير، كثيرٌ من وسائل الإعلامِ - إلا من رحم الله - باتتْ بكلِّ أسفٍ مِعْولَ هدْمٍ، تُذْكي نارَ الفتنةِ وأسبابَ الكراهةِ والشقاقِ والنزاعِ بين المسلمين.
حقًّا هناك مُسَعِّرو حروب، ومُفَرِّقو شعوب، قال تعالى في وصفهم: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64].
هناك حملاتٌ مسعورةٌ وطرائقُ ماكرةٌ ينتهجها الصهاينةُ وأهلُ المللِ والأهواءِ والمذاهبِ المنحرفةِ والفرقِ الضالَّةِ للتحريش بين المسلمين أهلِ السنَّةِ والإسلاميين الذين ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية ونشرِ التوحيدِ الخالصِ والسنَّةِ المحمديَّة.
وبكلِّ أسفٍ وقع بعضُ المسلمين في مصيدة الأعداء، فراحوا يروِّجون للأراجيف، ويؤجِّجون الصراعَ بين الدول والشعوب، لمصلحة مَنْ يفعلون هذا؟ لمصلحة الأعداء بكل أسفٍ. أين صوتُ العقل؟ أين الضميرُ المسلمُ؟ أين مِنْ يغتالُ العصبيةَ المقيتةَ؟! أليس في المسلمين راشدون حصيفون يَرْأَبُون الصَّدْعَ، وينزعون الخلاف: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
فيا أيها المسلم ويا أيها الأخ المبارك: انْبِذِ العصبيةَ، لا خيرَ فيها، لا للتعصُّبِ للجنسية، ولا للتعصُّبِ القبليِّ، ولا للتعصُّبِ الحزبيِّ، ولا للتعصُّبِ المذهبيِّ، ولا للتعصُّبِ الكُرَويِّ، ولا للتعصُّبِ الجاهليِّ. إذا كنتَ ولا بدَّ مفتخراً، فافتخرْ بالإسلام، وليكنْ الإسلامُ بالنسبة لك فوقَ كلِّ اعتبار، ولتعلمْ أنك آدميٌّ وعبدٌ من عبيدِ الله.
فإذا سئلت من أنت؟ فقل: أنا مسلم (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، وقل: (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ) [الحج: 78]، وإذا سئلت عن قدوتك، قلت: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21]، وإذا سئلت عن مذهبك وطريقتك، فقل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، وإذا سُئلت عن بَزَّتِك لِباسك، فقل: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26]، وإذا سُئلت عن مقصودك ومطلبك، فقل: (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 51]، وإذا سئلتَ عن نسبك؟ فقلْ: ذُكِر أنّ سلمانَ الفارسيَّ لمّا سُئِل عن نسبه قال:
أبي الإسلامُ لا أبَ ليْ سِوَاه *** إذا افتخروا بقَيْسٍ أو تميمِ
فبالإسلامِ والإيمانِ تكون الولايةُ بين المؤمنين، عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي، يَعْنِي فُلَانًا، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» متفق عليه.
فلْنَتَّقِ اللهَ عباد الله، ولْنَتذكَّرْ حالَنا في الآخرةِ: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ) [المؤمنون: 101] ولْنُرَدِّدْ لأصحاب النُّعَرَات الجاهلية، ما قاله رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَيرِ هذهِ الأمةِ: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» فلا عصبيةَ في الإسلام، بلْ أخوةٌ إسلاميَّةٌ.
عباد الله: صلوا وسلموا على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فقد أمرنا بذلك ربُّنا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة أعداء الملة والدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم البطانة الفاسدة الحاقدة.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى عن المنكر، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم طهر مجتمعات المسلمين من كل فاحشة ورذيلة ، وكل عادة دخيلة ، اللهم ُمنّ علينا جميعاً بالتوبة النصوح.
اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا ربَّ العالمين، اللهم أصلح قادتَهم وولاةَ أمرهم، ووفِّقْهم لتحكيم شريعة الإسلام، اللهم وأعِنْهم على كلِّ ما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ في دينهم ودنياهم، وعلى كل ما فيه سعادةُ شعوبِهم ونجاتُهم في الدنيا والآخرة إنك على كل شيءٍ قدير. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
التعليقات