عناصر الخطبة
1/التوحيد أعظم نعمة على العباد 2/من فضائل كلمة التوحيد 3/نعمة تحقيق التوحيد وإعلاء كلمته في السعوديةاقتباس
مَن قالَها خالصًا من قلبهِ يكونُ أسعدَ الناسِ بشفاعةِ الرسولِ الكريمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومَ القيامةِ، وهيَ الكلمةُ التي تُنيرُ صحيفةَ صاحبِها إذا قالَها عندَ موتهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ -تعالى- حقَّ حمدِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ولا معقبَ لحكمهِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، ومصطفاهُ وخليلُهُ، فاللهم صلِ وسلِمْ عليهِ وعلى آلهِ وصحابتِه، ومن اهتدَى بهديهِ واستنَ بسنتهِ.
أما بعدُ: فاشكرُوا ربَكم على نعمهِ كلِها، واشكروهُ على أعظمِها، أتدرونَ ما أعظمُ النعمِ؟ إنها لَلَّتي في مطلعِ سورةِ النحلِ التي تُسمَى سورةَ النعمِ، فقد قدمَ -عزَ وجلَ- فيها نعمةً كبرَى على كلِ نعمةٍ، فقالَ في أولِها: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)[النحل: 2]، إنها نعمةُ توحيدِ اللهِ -جلَ وعلا- قالَ -سبحانَه-: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان: 20]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
نَعَمْ؛ توحيدُ اللهِ -تعالى- هو النعمةُ التي امتنَ للهِ بها الكريمُ بنُ الكريمِ بنِ الكريمِ، يوسفُ -عليهِ السلامُ- حينَ قالَ: (مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[يوسف: 38].
وهذا أبونا إبراهيمُ دعا بدعوةٍ جليلةٍ فقالَ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35]، سبحانَ اللهِ! إمامُ الموحدينَ، الذي أُمِرنا باتباعِ ملتهِ، والذي: (كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل: 120]، ومع ذلكَ يقولُ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35]، فماذا نقولُ نحنُ مِن بعدِه؟! فاللهم اجنُبنا وبنِينا أن نعبدَ الأصنامَ، ونسألُكَ الثباتَ على التوحيدِ حتى نلقاكَ، أرجَى ما به نلقاكَ.
أيُها الموحدونَ: إن "التوحيدَ ملجأُ الطالِبينَ، ومفزعُ الهارِبينَ، ونجاةُ المكروبِينَ، وغياثُ الملهوفِينَ"(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)، والتوحيدُ هو زبدةُ دعوةِ الرسلِ، وخلاصةُ رسالاتِهم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، فكلُ الرسلِ يُنادونَ ويَدْعونَ إلى هذهِ الكلمةِ الجليلةِ: "لا إلهَ إلا اللهُ".
وكلمةُ التوحيدِ "هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي عَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ وَنُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَبِهَا انْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ"(الجواب الكافي)، "لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ الكلمةُ الطيبةُ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)[إبراهيم: 24 - 25].
"لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ القولُ الثابتُ في قولِ اللهِ -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)[إبراهيم: 27]، وهيَ العهدُ في قولهِ -سبحانَه-: (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)[مريم: 87]، وهيَ العروةُ الوثقَى، وهيَ الكلمةُ الباقيةُ التي جعلَها إبراهيمُ الخليلُ -عليهِ السلامُ- في عَقِبِهِ؛ (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الزخرف: 28].
"لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ كلمةُ التقوَى؛ (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)[الفتح: 26]، "لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ الكلمةُ التي أُمِرَ بنُو إسرائيلَ أن يقولُوها ليَحُطَّ اللهُ عنهم ذنوبَهم، كما في قولِ ربِنا: (وَقُولُوا حِطَّةٌ)[البقرة: 58]، قَالَ عِكْرِمَةَ: "أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
"لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ منتهَى الصوابِ وغايتُه: (يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)[النبأ: 38].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على نعمةِ عقيدةِ التوحيدِ، وعلى نبذِ الشركِ بربِ العبيدِ، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الموحِدين، وما كانَ من المشركينَ.
أما بعدُ: فإن من فضائلِ كلمةِ التوحيدِ "لا إلهَ إلا اللهُ: أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عنها: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ"(سنن الترمذي).
ومن فضائلِها: أن مَن قالَها خالصًا من قلبهِ يكونُ أسعدَ الناسِ بشفاعةِ الرسولِ الكريمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومَ القيامةِ، وهيَ الكلمةُ التي تُنيرُ صحيفةَ صاحبِها إذا قالَها عندَ موتهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا كَانَتْ نُورًا لِصَحِيفَتِهِ، وَإِنَّ جَسَدَهُ وَرُوحَهُ لَيَجِدَانَ لَهَا رَوْحًا"(السنن الكبرى للنسائي)، فَحَيَاةُ هَذِهِ الرُّوحِ بِحَيَاةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِيهَا.
أيُها المؤمنونَ: وعلى ذِكرِ التوحيدِ فلنذكرْ نعمةَ ربِنا ونحنُ نعيشُ ببلادِ التوحيدِ، فلا أضرحةَ، ولا توسلاتٍ بأولياءَ، بل دفاعٌ عن التوحيدِ والسنةِ، ونبذٌ للشركِ والبدعةِ؛ ولهذا صارَ عَلَمُ دولتِنا المباركةِ يَحملُ كلمةَ التوحيدِ: "لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ".
ومن نِعَمِ اللهِ علينا في دولتِنا دولةِ التوحيدِ والسنةِ أن اللهَ تفضلَ علينا بملوكٍ يَحكمونَ بالشريعةِ وشؤونَها، وبعلماءَ يُنادُونَ بالعقيدةِ ويُحْيُونَها: (مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[يوسف: 38]، ألا فلتسلمْ مملكتُنا للتوحيدِ منارًا ودارًا وذمارًا.
فاللهم احفظْها من كلِ مفسدٍ وشيطانٍ مَريدٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ الإسلامِ والتوحيدِ، ونعمةَ الاستقرارِ والعيشِ الرغيدِ، وسائرَ أوطانِ المسلمينَ يا وليُّ يا حميدُ، اللهم وبارِكْ في عمرِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِه، وزدْهم عزًا وبذلاً في نصرةِ الإسلامِ، واجزِهم خيرًا على خدمةِ المسلمين ونجْدتِهم، اللهم أحيِنا على التوحيدِ والسنةِ، وأمِتْنا عليهِما، اللهم باركْ في أهلِينا ومن يلِينا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
اللهم صلِ وسلِم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
التعليقات