أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
إن لكلمة التوحيد فضائل عظيمة لا يمكن استقصاؤها، منها أنها كلمة الإسلام وأنها مفتاح دار السلام، فيا ذوي العقول السليمة، ويا ذوي البصائر والفلاح - جددوا إيمانكم في المساء والصباح بقول: لا إله إلا الله من أعماق قلوبكم، متأمِّلين لمعناها عاملين بمقتضاها، فما قامت السماوات والأرض، ولا صحت السنة والفرض، ولا نجا أحد يوم العرض، إلا بلا إله إلا الله، بل ما جردت السيوف، وأرسلت الرُّسل، إلا لتعليم لا إله إلا الله.
إنها كلمة الحق ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ونجاة من الهلاك، ولأجلها خُلِق الخَلْق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].
قال ابن عيينة: "ما أنعم الله على عبد من العباد أفضل مِن أن عرَّفه لا إله إلا الله، وأنها لأهل الجَنَّة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أُعِدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أُمِرت الرسل بالجهاد، فمَن قالها عُصم ماله ودمه، ومَن أباها فماله ودمه حلال، وبها كلَّم الله موسى كفاحًا، بل إن هذه الكلمة الخفيفة السهلة هي أحسن الحسنات كما ثبت في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما؛ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه: ((ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده وقال: ((الحمد الله، اللهم بعثْتَني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني الجَنَّة وإنك لا تخلف الميعاد))، ثم قال: ((أبشروا؛ إن الله قد غفر لكم وهي أحسَن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا)) "الترغيب والترهيب"، (2/415).
وعند ابن ماجه عن أم هانئ، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا إله إلا الله، لا تترك ذنبًا، ولا يسبقها عمل))؛ رواه ابن ماجه، (2/ 1248)، وفي المسند أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه: ((جَدِّدوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدِّد إيماننا؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، وهي التي لا بعدها شيء في الوزن؛ فلو وُزِنت بالسماوات والأرض، لَرَجَحَتْ بهنَّ))؛ رواه أحمد.
وهي كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أن موسى عليه الصلاة والسلام: "قال: يا رب، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قُلْ: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، إنما أريد شيئًا تخصُّني به، قال: يا موسى، لو أن السماوات والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفَّة، ولا إله إلا الله في كفَّة، لمالت بهنَّ لا إله إلا الله"؛ "الترغيب والترهيب"، (2/694).
وهذه الكلمة السهلة الميسرة تخرق الحُجب؛ حتى تصل إلى الله عزَّ وجلَّ، وليس دونه حجاب لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا إله إلا الله، ليس لها دون الله حجاب))؛ رواة الترمذي، ح (3518)، وتفتح لها أبواب السماء؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِن عبد قال: لا إلا الله مخلصًا، إلا فُتحَت له أبوابُ السماء؛ حتى تفضي إلى العرش)).
وهي أفضل ما قاله النبيُّون عليهم الصلاة والسلام، كما ورد في دعاء عرفة، وهي أفضل الذكْر وأفضل الأعمال، وأكثرها مضاعفة، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزًا من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر، وهول المحشر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون الترابَ عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهَب عنا الحزن)).
ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجَنَّة الثمانية يَدخل مِن أيِّها شاء، فقد ثبت في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن شهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجَنَّة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يَبعَث مَن في القبور، فُتحَت له أبواب الجَنَّة الثمانية يَدخل مِن أيُّها شاء)).
عن عبد الرحمن بن سمرة في قصة المنام الطويلة؛ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ورأيتُ رجلًا من أمَّتي انتهى إلى أبواب الجَنَّة، فأغلِقَتْ دونه، فجاءته شهادة ألا إله إلا الله، فَفَتحَتْ له الأبوابَ، وأدخَلَتْه الجَنَّة))؛ أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، (7/ 179 – 180).
وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أنه قال: ((يقول الله: وعزَّتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأُخْرِجَنَّ منها مَن قال: لا إله إلا الله))؛ رواه الحاكم في "المستدرك"، (1/ 70).
هذه الكلمة السهلة التي تفُوت الساعاتُ الكثيرة لم ينطق بها المسلم، وذلك تهاونًا وكسلًا، فينبغي لكم يا أهل لا إله إلا الله أنْ تلهجوا بها، وتُكثروا منها في سائر أوقاتكم، وفي بيوتكم وشوارعكم ومساجدكم، ليتعلَّم الصغيرُ والجاهل، وينشأ المجتمع على ذلك.
يقول الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ الشهادتين شعارًا للإسلام وعنوانًا للدخول فيه، وأوضح ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثه القائل فيه: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم))؛ رواه مسلم.
فلنحمد الله جل وعلا أنْ جعَلنا مسلمين، وهدانا لهذا الدين العظيم، ونشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، ولنحرص دائمًا على ترديد كلمة (لا إله إلا الله)، ونسأل الله الثبات عليها، ونَعْلَم أنَّ سِرَّها وروحها إفرادُ الله جل ثناؤه بالمحبَّة والإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، والتوكل والإنابة، والرغبة والرهبة.
فلا يحبَّ إلا اللهَ، وكلُّ محبوب سواه فتبعٌ لِمَحَبَّتِه سبحانه وتعالى، ولا يخاف إلا مِن الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يرغب إلا إلى الله، ولا يرهب إلا من الله، ولا يحلف إلا باسم الله، ولا ينذر إلا لله تعالى، فهذا هو تحقيق شهادة ألا إله إلا الله، فمَن عاش على هذه الكلمة، وقام بتحقيقها، فروحُه تتقلَّب في جَنَّة المأوى، وعيشها أطيَب عيش؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40 - 41].
والأبرار في نعيم وإنِ اتسعَت عليهم الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].
طيب الحياة في الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]، فأيُّ نعيم أطيَب مِن شرح الصدر؟! وأيُّ عذاب أشد مِن ضيق الصدر؟!
فالمؤمن الصادق المخلص لله مِن أطيَب الناسِ عيشًا وأَنْعَمِهم بالًا، وأَشْرَحِهم صدرًا وأَسَرِّهم قلبًا، وهذه جَنَّة عاجلة قبل الجَنَّة الآجلة.
وكلمة التوحيد سبب للشجاعة والإقدام، فكلما ازداد الإنسان علمًا بها وعملًا بمقتضاها، ازداد بذلك شجاعة وإقدامًا وجرأة في الحق، ولا أدلُّ على ذلك من حال الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وكذلك حال أتْباعِهم مِن الصِّدِّيقين والشهداء والصالحين والمجاهدين في كل زمان ومكان، وكلمة (لا إله إلا الله) هي السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفْع عقوبتهما، ولذا لمَّا كان يونس في بطن الحوت: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، استجاب الله له، وفرَّج كربته؛ ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].
وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
التعليقات