عناصر الخطبة
1/ مكانة المال في الحياة 2/ المال بين النعمة والنقمة 3/ وسائل حفظ المال وصيانته في الإسلاماهداف الخطبة
اقتباس
العبدُ الصَّالحُ هوَ الذي عَرَفَ بأنَّ المالَ نِعمةٌ من اللهِ -تعالى- وهوَ سائلُهُ عنهُ من أين اكتَسَبَهُ وأين أنفَقَهُ؟ فهوَ يَعلمُ بأنَّ للهِ -تعالى- حقَّاً في هذا المالِ فَيُؤدِّيهِ, ويَصونُ مالَهُ بالأمورِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: المالُ في الحياةِ الدنيا شُريانُ الحياةِ المادِّيَّةِ, كما أنَّ الدِّينَ والشَّرعَ شُريانُ الحياةِ الرُّوحِيَّةِ والمعنَوِيَّةِ, والإنسانُ بحاجةٍ إليهما, ولا يُمكنُ الاستغناءُ عن واحدٍ منهما, فمن اقتَصَرَ على المالِ دونَ الدِّينِ, فَسَدَ وأَفسَدَ وعاثَ في الأرضِ فساداً, ومن اقتَصَرَ على الدِّينِ دونَ الدُّنيا, افتَقَرَ وَخَالَفَ الفِطرَةَ التي فَطَرَهُ اللهُ -تعالى- عليها, قال تعالى في حقِّ ابن آدم: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات: 8].
وقال في وصفِ الناسِ جميعاً: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20].
فالمالُ لِأهلِ الإيمانِ والتُّقى والصَّلاحِ نِعمةٌ؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن عَمْرو بْن الْعَاصِ قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ".
بل دعا سيدنا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- لسيدنا أنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- بِكثرَةِ المالِ لأنَّه عبدٌ صالحٌ, فقال: "قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللهَ لَهُ, قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ" [رواه الإمامان البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
فالعبدُ الصَّالحُ إذا سَاقَ اللهُ -تعالى- إليهِ نِعمةَ المالِ عَرَفَ للهِ -تعالى- فيه حَقَّاً, فَأَدَّاهُ؛ كما قال سيدنا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ" وعَدَّ منهم "عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَيَعْلَمُ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ حَقَّهُ, قَالَ: فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ" [رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
فالعبدُ الصَّالحُ ينظُرُ إلى المالِ بأنَّه وسيلةٌ لِمرضاةِ اللهِ -تعالى-, وليسَ غايةً.
أمَّا المالُ لِأهلِ الفُسُوقِ والفُجُورِ نِقمةٌ وليسَ بِنِعمةٍ؛ لأنَّ العبدَ الفاجِرَ الفاسِقَ لا يُبالي مِن أينَ جاءَهُ المالُ ولا أينَ صَرَفَهُ؛ كما جاء في الحديث الشريف: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ, أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ" [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
فهوَ لا يَعرِفُ للهِ -تعالى- فيه حقَّاً, كما قال سيدنا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا, فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ, لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَلَا يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّهُ, فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ" [رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
هذا العبدُ يَطغَى بِمالِهِ؛ كما قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6 -7]؛ لأنَّهُ لا يَنظُرُ إلى المالِ أنَّه غايةٌ, فهو في سبيلِهِ يقتُلُ الأبرياءَ, وَيَنتَهِكُ الأعراضَ, ويَعيثُ في الأرضِ فساداً, ويروع الرجال والنساء والأطفال.
يا عباد الله: العبدُ الصَّالحُ هوَ الذي عَرَفَ بأنَّ المالَ نِعمةٌ من اللهِ -تعالى- وهوَ سائلُهُ عنهُ من أين اكتَسَبَهُ وأين أنفَقَهُ؟ فهوَ يَعلمُ بأنَّ للهِ -تعالى- حقَّاً في هذا المالِ فَيُؤدِّيهِ, ويَصونُ مالَهُ بالأمورِ التالية:
الأمرُ الأوَّل: بِأداءِ زكاةِ المالِ مع الصَّدَقَةِ:
يا عباد الله: إنَّ المالَ يُصانُ بالزَّكاةِ والصَّدَقَةِ؛ كما جاء في الأحاديثِ الشريفةِ:
أولاً: روى الإمام أحمد والترمذي عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِمَا السَّلَام- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ, وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ" وعَدَّ منها "وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ, فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ, فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ؟ فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ".
ثانياً: روى الطبراني عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ".
يا عباد الله: إنَّ الحِصنَ الحَصينَ لِتَحصينِ المالِ من التَّلَفِ والهلاكِ والسَّرِقَةِ هوَ الزَّكاةُ والصَّدَقَةُ, فبِالزَّكاةِ تَتَطَهَّرُ نُفوسُ الأغنياءِ من الشُّحِّ والبُخلِ, وتَتَطَهَّرُ نُفوسُ الفقراءِ من الحِقدِ والحَسَدِ, فإذا تَطَهَّرَت النُّفوسُ أمِنَ الناسُ على أموالِهم, بل سَيَفيضُ هذا المالُ حتَّى لا يَجِدَ المُزَكِّي مَن يأخذُ منه زكاةَ مالِهِ.
يا عباد الله: لمَّا بَعَثَ سيدنا معاذُ بنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- الصَّدَقَةَ من اليمنِ إلى سيدنا عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, أَنكَرَ عليهِ سيدنا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- وقال: "لَمْ أَبْعَثْك جَابِيًا، وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُك لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ، فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ, فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْت إلَيْك بِشَيْءِ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي"
الأمر الثاني: بوضعه في حِرزٍ شرعيٍّ أمين:
يا عباد الله: المالُ يُصانُ بوضعِهِ في حِرزٍ شرعيٍّ أمين, ولن يُصانَ هذا المالُ في البنوكِ الربويةِ التي أعلنت الحربَ على الله -تعالى- ورسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-.
والعَجَبُ كلُّ العَجَبِ من عبدٍ مؤمنٍ أسبَغَ اللهُ -تعالى- عليه نعمةَ المال ثمَّ يودِعُ هذا المالَ في البنوكِ الربويةِ ليكون عوناً لهؤلاءِ العُصاةِ المرابين الذين أعلنَ الله -تعالى- عليهم الحربَ بقوله: (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 279].
كيفَ يُودِعُ المؤمنُ ماله الحلالَ في بنكٍ ربويٍّ والله -تعالى- يقول: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2]؟
وهل البنوك الربوية التي غَضِبَ الله -تعالى- عليها تكونُ حِصناً حَصِيناً للمال الحلال؟
لا وربِّ الكعبة, وسلوا التجارَ الذين أودعوا أموالهم هل أمنوا عليها؟ البنوكُ الربوية تعلنُ إفلاسها؛ لأنَّ الله -تعالى- يقول: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا) [البقرة: 276].
أيُّها الإخوة الكرام: في هذه المناسبة أتوجَّهُ إلى أهلِ هذهِ البلدةِ بالشُّكرِ على حُسنِ استقبالهم للأُسَرِ المنكوبةِ والمُتَضَرِّرَةِ في هذا القِطر, وأقولُ لهم داعياً اللهَ -تعالى-: آواكم الله كما آويتم هذه الأُسَر, سَتَرَكُمُ الله كما سترتُموهم, فرَّجَ اللهُ عنكم كما فرَّجتُم عنهم, وأسألُ الله -تعالى- أن لا يَبتَلِيَكُم كما ابتلاهم.
وأنا مع هذا أقولُ لأهلِ هذهِ البلدةِ: يا حبَّذا لو أنَّكم تَرَكتُم زكاةَ أموالِكُم لفقراءِ بلدتِكُم, ثمَّ جعلتُم الصدقةَ لهؤلاءِ الإخوةِ الكرامِ ضيوفِ هذهِ البلدةِ, أما سمعتم قولَ سيدنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ" [رواه الترمذي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا-]؟
يا عباد الله, يا أهلَ هذهِ البلدة: قدِّروا نعمة اللهِ عليكم بإيوائكم لهذِهِ الأُسَرِ المنكوبةِ المُتَضَرِّرَةِ, ولا تُعرِّضوا هذهِ النعمةَ للزوال.
الأمرُ الثالثُ: بالدُّعاءِ:
يا عباد الله: إنَّ المالَ يُصانُ بالدُّعاءِ للهِ -تعالى-, بعدَ أداءِ الزكاةِ والصَّدَقةِ, بعد جعلِهِ في حِرزٍ شرعيٍّ أمين, وليسَ هناكَ شيءٌ أَكرَمَ على اللهِ -تعالى- من الدُّعاءِ؛ كما جاء في الحديثِ الذي رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنْ الدُّعَاءِ".
فالدُّعاءُ يَرُدُّ القضاءَ والقَدَرَ إذا كانا مُعَلَّقَين, أخرج الإمام أحمد والطبراني عن أنسِ بنِ مالك -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "اُدعُوا فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ القَضاءَ".
يا عباد الله: القضاءُ والقدَرُ إما أن يكونَ مُبرماً وإمَّا أن يكونَ مُعلَّقاً, فإن كانَ مُبرماً فهو نازلٌ لا مَحالَةَ, وإن كان مُعلَّقاً فهو يُرَدُّ بالدعاءِ, وما دامَ العبدُ لا يَعلمُ قضاءَ الله -تعالى- مُبرماً أم مُعلَّقاً فليدعُ اللهَ -تعالى-؛ لأنَّ القضاءَ المُعلَّقَ يُرَدُّ بالدعاءِ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والحاكم عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ, وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ, وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ".
وَيَجِبُ على المُؤمنِ عندَ الدُّعاءِ أن يَكونَ مُوقِناً بالإِجابةِ؛ كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ, وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ" [رواه الترمذي].
يا عباد الله: لِنأخُذَ هذا المَثَلَ لِتحصينِ المالِ بالدُّعاءِ, فهذا سيدنا أبو الدرداءِ جَاءَهُ رجلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرداءِ, اِحتَرَقَ بَيتُكَ، قال: مَا احتَرَقَ بَيتِي, ثمَّ جَاءَ رجلٌ آخر، فقال: يا أبا الدَّرداءِ, اِحتَرَقَ بَيتُكَ، قال: مَا احتَرَق، ثمَّ جَاءَ رجلٌ آخر، فقال: يا أبا الدَّرداءِ, اِنبَعَثَت النَّارُ، فَلَمَّا انتَهَت إلى بَيتِكَ طُفِئَت, قال: قَد عَلِمتُ أَنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لم يَكُن لِيَفعَل, قالوا: يا أبا الدَّرداءِ مَا نَدرِي أيُّ كَلامِكَ أَعجَبُ، قَولُكَ: مَا احتَرَقَ أو قولُكَ: قَد عَلِمتُ أَنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لم يَكُن لِيَفعَلَهُ، قالَ ذاكَ لِكَلماتٍ سَمِعتُهُنَّ مِن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مَن قَالَها أَوَّلَ الَّنهارِ لم تُصِبهُ مُصيبَةٌ حتَّى يُمسِي، وَمَن قَالَها آخِرَ النَّهارِ لم تُصِبهُ مُصيبَةٌ حتَّى يُصبِحَ: "اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عليكَ تَوَكَّلتُ، وَأَنتَ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ, وَمَا لَم يَشَأ لَم يَكُن، وَلا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَعلَمُ أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّ اللهَ قد أحاطَ بكُلِّ شيءٍ عِلماً، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من شرِّ نَفْسي، ومن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، ومن شرِّ كُلِّ دابَّةٍ أنتَ آخِذٌ بناصِيَتِها إنَّ ربِّي على صِراطٍ مُستَقيمٍ".
يا عباد الله: حَصِّنُوا أَموَالَكُم بِالزَّكَاةِ والصَّدَقَةِ، وبِجَعلِهِ في مكانٍ شرعيٍّ أمينٍ، وبالدُّعاءِ, وكونوا على يقينٍ بعدَ ذلك بأنَّ ما أصابَكم لم يكن لِيُخطِئَكُم, وما أخطَأَكُم لم يكن لِيُصيبَكُم, وَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لم يَشَأ لم يَكُن, والرِّضا بِالقضاءِ والقَدَرِ من أركانِ الإيمان.
فإذا كانَ القضاءُ مبرماً فإنَّهُ نازِلٌ لا مَحالَةَ, ألم يقُل مولانا -عزَّ وجل-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) [البقرة: 155]؟
نسألُ الله -تعالى- أن يُفَرِّجَ عن الأُمَّةِ, وأن يحقن دماءها ويَستُرَ أعراضها ويُؤَمِّنَ روعاتِها, وأن لا يُحَمِّلَنَا ما لا طاقَةَ لنا بِه، آمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات