اقتباس
وتتكون من مجالات منها ثقة الخطيب بالجماعة ودوره فيها يظهر عبر رضا الخطيب عن دوره في تغيير سلوكيات الجمهور، وعلاقته معهم والرغبة في استمرار العمل الإيجابي والشعور بثقته في الجماعة، ومنها الولاء للجماعة وأهدافها ويظهر من خلال شعور الخطيب بالإخلاص وصدق النصح للجماعة، والتصميم على إيصال الخير لها، وقيام الخطيب بتوضيح الأهداف الحقيقية للجماعة المسلمة...
حتى يكون الخطيب شخصا مقنعاً ومؤثراً في الآخرين فإنه لا بد في البداية من بناء ثقته في نفسه حتى تكون كلماته لها الوقع الذي يريده على من يخاطبهم وتقوم بكل ما هو مطلوب منها على أكمل وجه، وتعتبر الثقة بالنفس من أبرز عناصر المعنويات والإرادة ومن عوامل الانتصار، وتأخذ الثقة بالنفس موقعها المتميز في بناء وصقل الشخصية باعتبارها عنصراً رئيسياً في رفع الروح المعنوية والإرادة وهي عامل هام في مجال تحقيق التفوق الذي يرتكز بدوره على المعنويات والإرادة والروح الفعّالة لدى الأفراد، ويتفق علماء النفس على أن النجاح في الحياة يتطلب أمراً جوهرياً لا غنى عنه هو الثقة بالنفس، إذا افتقدناها فعندئذ يتولانا جزع مقلق يفقدنا عنصر البهجة والاستمتاع الحقيقي بالحياة.
والناظر إلي آي القرآن الكريم ومعظم أحاديث النبي -صلي الله عليه وسلم، خاصة في العهد المكي، حيث الاضطهاد والتنكيل، كانت تدور حول بث الأمل والثقة فيما يعتقدون ويؤمنون، والتبشير بالنصرة والفوز ولو بعد حين، وكان القرآن ينزل بردا وسلاما علي قلوبهم، فيدفعهم نحو الصبر والثبات ونشر الدين، وعدم المبالاة بصعوبات الطريق وكثرة الأعداء.
وللروح المعنوية قواعد وعوامل ونتائج أو مظاهر على الخطيب تجعله يعبر عن نفسه من خلالها، وقواعد المعنويات هي العقيدة والقيادة والإرادة والتدريب، وهذه تتشعب بدورها إلى عدة عوامل كلها تُسهم إلى حد كبير في بناء وتقوية ثقة الخطيب بنفسه، كما تعتمد عملية بناء الثقة بالنفس على بناء الإرادة، ولبنائها كما هي المعنويات لا بد من توفير مجموعة كبيرة من العناصر منها معرفة سلوك الجمهور أو المخاطبين وفهمهم، ومنها معرفة الخطيب لنفسه، والإحساس الراسخ بالحجم الحقيقي لإمكاناته، دون تهويل أو تقليل، وغيرها من العناصر التي تزيد من ثقة الخطيب بنفسه، والتي تنعكس بدورها على سلوكه في أثناء أدائه للخطابة ومواجهة الجماهير. وكذلك الأمر بالنسبة للروح المعنوية حيث نجدها تنتج كمحصلة لتفاعل وتداخل مجموعة من العوامل المادية والنفسية، وكلها تنعكس سلوكاً إيجابياً يظهر بدوره ثقة عالية بالنفس في مختلف الظروف والأحوال.
أقسام الثقة:
هناك العديد من أقسام الثقة التي يجب على الخطيب أن يحرص على وجودها حتى يستطيع بناء ثقته مع جمهوره، وهي وإن كانت في الأساس تنبع من خلال الثقة بالنفس ولابد لنا من التعامل معها؛ إلا أن لها أشكالاً وهي:
- الثقة في الله تعالى:
وهي الركيزة الأولي التي تنبي عليها سائر الجهود الفاعلة لبناء شخصية الخطيب المقنعة والمؤثرة بشكل عام، وهي لب البناء الخطابي والدعوي للأفراد والجماعات، بل هي قمة الهرم في بناء الإرادات والمعنويات.
- الثقة بالجماعة:
وتتكون من مجالات منها ثقة الخطيب بالجماعة ودوره فيها يظهر عبر رضا الخطيب عن دوره في تغيير سلوكيات الجمهور، وعلاقته معهم والرغبة في استمرار العمل الإيجابي والشعور بثقته في الجماعة، ومنها الولاء للجماعة وأهدافها ويظهر من خلال شعور الخطيب بالإخلاص وصدق النصح للجماعة، والتصميم على إيصال الخير لها، وقيام الخطيب بتوضيح الأهداف الحقيقية للجماعة المسلمة، وبيان سهولة الوصول إليها بإذن الله واعتمادا عليه سبحانه، والرسول -صلي الله عليه وسلم -كان يعلم أصحابه كيفية الانتماء لجماعة المسلمين وشعور المسلم بقدره ودوره في هذه الجماعة، وتقدير الجماعة له، وقد بوب البخاري بذلك " بَاب ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ " وقبل ذلك تحدث عن جوار المرأة المسلمة وحديث أم هانئ المشهور في باب" أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ، وقوله صلي الله عليه وسلم"ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ". فالمسلم لولا ثقته في الجماعة التي ينتمي إليها لما أجار وعرض نفسه لمثل هذا المقام الخطير.
الثقة بالسلطة:
وهنا نقف أمام مجموعة عوامل منها شعور الخطيب بتمثيل السلطة له وشعوره بدفاع السلطة عن مصالح الدعوة والخطيب ورسالته، وشعوره بأهمية مكانته ورأيه لديها، وشعوره بولائه للأنظمة التي تطبق شرع الله، والقوانين المستمدة منها، وشعوره بعدالتها الذي يولد لديه الثقة فيها وضرورة حمايتها والدفاع عنها. وبيان علاقة الحاكم والمحكوم في شريعة الإسلام والواجبات والحقوق المتبادلة للطرفين.
الثقة بالنفس:
والثقة بالنفس إنما تشكل من مجموعة عوامل وإن كانت في الأساس تخضع للاستعدادات الوراثية أولاً ثم للمكتسبات الاجتماعية والبيئية ثانياً؛ إلاّ أن جانب الاكتساب في قضية الثقة بالنفس له أثره الكبير والذي نستطيع أن نجزم معه أنها أي الثقة يمكن تشكيلها وتقويتها أو العكس من خلال عمليات التعليم والتدريب بمختلف أشكالها وما يرافقها من عناصر الثواب والعقاب وغيرها.
الخطيب وبناء قدراته الشخصية:
هناك العديد من القدرات الشخصية التي يحتاج الخطيب إلى بنائها وتقويتها حتى يرتقي بمستوى شخصيته ويستطيع التالي إيصال أفكاره وآرائه بصورة أكثر قرباً من قلوب الآخرين، ومن هذه القدرات: القدرة النفسية، والقدرة العقلية والفكرية، والقدرة الروحية.
القدرة النفسية:
وتتشكل هذه من خلال اكتساب المهارات النفسية المختلفة بما فيها تقوية عناصر الشخصية وصفاتها الإيجابية، وكذلك اكتساب العادات النفسية السليمة كتقبل الآخرين ومحبتهم وكالمبادرة الإيجابية تجاه الآخرين والفهم السليم الواقعي لنفسه وللآخرين وللظروف والأحداث بحيث لا يكون هناك تهويل وتعظيم للأمور وإنما إدراكها بحجمها الطبيعي والتعود على امتصاص الصدمات مما يؤمن الثبات النفسي والاتزان ويساعد ذلك على مقاومة الخوف وغيرها، كذلك يدخل في مجال القدرة النفسية عمليات التكيف وهي تشير إلى التكيف الذاتي؛ إي فهم الذات والتوافق معها حسب القدرات والإمكانات الخاصة ووفقاً للذكاء وللميول الخاصة وإدراكاً للفروق بين الشخص والآخرون.
وتشير أيضاً إلى التكيف مع البيئة الطبيعية والاجتماعية مع الآخرين. وقد وقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب في المسلمين وعليه ثوبين أهداهما إياه ولده عبد الله، فحض على السمع والطاعة والبذل، فقام أحد من الحاضرين وقال له فجأة: "لا سمع ولا طاعة، وعليك ثوبان وعلى كل واحد منا ثوب واحد "، فلم يرتبك عمر ولم ينفعل ولم يغضب، إنما لثقته العالية في سلامة موقفه، وقدرته النفسية القوية، ردّ بهدوء قائلا: " هذا عبد الله يجيبكم " فقام عبد الله وشرح لهم سبب ذلك، في كون عمر -رضي الله عنه- جسيما طويلا لا يصلح له ثوب واحد، وأنه قد أهداه ثوبا من عنده حتى يستطيع أن يخرج للناس يوم الجمعة.
القدرة العقلية والفكرية:
وهذه تعكسها درجة المعرفة ومستوى التثقيف والتعليم والتدريب لدى الخطيب، مع تراكم الخبرات واكتساب المهارات العقلية والفكرية وما يمكن تسميته بالذكاء المتعَلِّم وخصوصاً الذكاء والذي يظهر بمدى المعرفة الذكية السريعة للمواقف واستيعـابها ثم الخروج بالحلول الذكية واتخاذ القرارات الصحيحة، ويقال لمن يعرف بذلك "سريع البديهة".
القدرة القلبية:
وهذه تنبع من درجة الإيمان بالعقيدة وقيمها المختلفة وعلى رأسها قيم البذل والتضحية والفداء والعطاء والإيثار ومحبة الخير للغير وهكذا، والثقة بالهدف الذي يرغب في الوصول إليه، ويأتي هذا من خلال التعلم والتربية، والتربية الأولية في البيت والمدرسة، والاجتماعية من خلال المؤسسات المختلفة.
التعليقات