كيف نستقبل رمضان ؟

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/من فضائل شهر رمضان 2/من أحوال السلف في رمضان 3/ أمور نستقبل بها رمضان
اهداف الخطبة

اقتباس

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ شَهْرَاً بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمَوْسِمَاً بِهَذِهِ الْمَهَابَةِ لَجَدِيرٌ بِأَنْ يَتَسَابَقَ فِي اسْتِغْلَالِهِ مُبْتَغُو الْجَنَّةِ وَطُلَّابُهَا، وَالرَّاغِبُونَ فِي الْحُورِيَّاتِ وَخُطَّابُهَا. إِنَّ حَالَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ فِي رَمَضَانَ -كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ عَنْهُمْ فِي الْكُتُبِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَسَانِيدِ الثِّقَاتِ- حَالٌ عَجِيبَةٌ، وَلَهُمْ فِيهِ مَقَامَاتٌ مَهِيبَةٌ، إِنَّهُمْ كَانُوا ....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِيمَان، وَفَرَضَ عَلَيْنَا الصَّوْمَ فِي رَمَضَان، لِنَيْلِ الرِّضَا وَالرِّضْوَان، مِنَ اللهِ الْمَلِكِ الدَّيَّان، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَه، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَكْوَان، الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ الْمَنَّان، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْعَادِلِينَ وَقُدْوَةُ الْعَامِلِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-: وَاعْلَمُوا مِنَّةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الدِّينِ، وَمَا تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا بَيْنَ يَدَيْ مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، اخْتَصَّهُ اللهُ بِمَا شَاءَ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، فَأَنْزَلَ فِيهِ خَيْرَ كُتُبِهِ عَلَى أَفْضَلِ رُسُلِهِ.

 

فَرَضَ اللهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ، وَسَنَّ لَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قِيَامَهُ؛ إِنَّهُ شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، فِيهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ شَهْرَاً بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمَوْسِمَاً بِهَذِهِ الْمَهَابَةِ لَجَدِيرٌ بِأَنْ يَتَسَابَقَ فِي اسْتِغْلَالِهِ مُبْتَغُو الْجَنَّةِ وَطُلَّابُهَا، وَالرَّاغِبُونَ فِي الْحُورِيَّاتِ وَخُطَّابُهَا.

 

إِنَّ حَالَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ فِي رَمَضَانَ -كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ عَنْهُمْ فِي الْكُتُبِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَسَانِيدِ الثِّقَاتِ- حَالٌ عَجِيبَةٌ، وَلَهُمْ فِيهِ مَقَامَاتٌ مَهِيبَةٌ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ اللهَ -عز وجل- أَنْ يُبلِّغَهُمْ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ، وَذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ، وَالنَّفْعِ الْعَمِيمِ، ثُمَّ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَسْأَلُونَ اللهَ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهِ، ثُمَّ إِذَا انْتَهَى رَمَضَانُ يَسْأَلُونَ اللهَ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنْهُمْ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 60- 61].

 

فَكَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي الْعَمَلِ، ثُمَّ يَهْتَمُّونَ بَعْدَ الْعَمَلِ: هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُمْ أَمْ لا يُقْبَلُ؟ وَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِعَظَمَةِ اللهِ -عز وجل-، وَبِأَنَّهُ سبحانه لا يَقْبَلُ مِنَ الأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ وَصَوَابَاً عَلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَكَانُوا لا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَكَانُوا يَخْشَوْنَ مِنَ أَنْ تَبْطُلَ أَعْمَالُهُمْ؛ لِأَنَّ اللهَ -جل وعلا- يَقُولُ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].

 

إِنَّ سَلَفَنَا الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ -عَلَيْهِمْ جَمِيعَاً رِضْوَانُ اللهِ- كَانُوا يَتَفَرَّغُونَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْعِبَادَةِ، وَيَتَقَلَّلُونَ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا، وَيُوَفِّرُونَ الْوَقْتَ لِلْجُلُوسِ فِي بُيُوتِ اللهِ - عز وجل -، وَيَقُولُونَ نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلا نَغْتَابُ أَحَدَاً، وَيُحْضِرُونَ الْمَصَاحِفَ وَيَتَدَارَسُونَ كِتَابَ اللهِ - عز وجل -.

 

فَكَانُوا يَحْفَظُونَ أَوْقَاتَهُمْ مِنَ الضَّيَاعِ، وَمَا كَانُوا يُهْمِلُونَ أَوْ يُفَرِّطُونَ كَمَا عَلَيْهِ حَالُ الْكَثِيرِ الْيَوْمَ، بَلْ كَانُوا يَحْفَظُونَ أَوْقَاتَهُ، فاَللَّيْلُ فِي الْقِيَامِ وَالنَّهَارُ بِالصِّيَامِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ وَأَعْمَال ِالْخَيْرِ، فَمَا كَانُوا يُفَرِّطُونَ فِي دَقِيقَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ مِنْهُ إِلَّا وَيُقَدِّمُونَ فِيهَا عَمَلاً صَالِحاً -أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِهِمْ-.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَأَمَّلُوا وَتَذَكَّرُوا فَكَمْ مِنْ أَخٍ كَرِيمٍ وَقَرِيبٍ حَبِيبٍ كَانَ مَعَنَا فِي رَمَضَانَ الْمَاضِي يَصُومُ وَيَقُومُ، وَلَكِنَّهُ الآنَ حَبِيسُ التُّرَابِ، قَدْ فَارَقَ الأَهْلَ وَالأَصْحَابَ، فَمَنْ يَدْرِي هَلْ نَحْنُ نَبْلُغُ رَمَضَانَ أَمْ نُوَدِّعُ الدُّنْيَا كَمَا وَدَّعَهَا غَيْرُنَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ رَمَضَانَ بِأُمُورٍ قَدْ جَاءَ بِهَا دِينُنَا وَعَمِلَ بِهَا سَلَفُنَا -عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ-.

 

فَمِنْ ذَلِكَ: الدُّعَاءُ بِأَنْ يُبِلِّغَكَ اللهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَإِذَا بَلَغْتَ رَمَضَانَ وَرَأَيْتَ الْهِلَالَ فَتَقُولُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِذَا رَأَى الْهِلالَ: "اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

ثَانِيًا: الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى بُلُوغِهِ، لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ قَدْ تَجَدَّدَتْ لَكَ فَحَرِيٌّ بِكَ أَنْ تَشْكُرَ الْمُنْعِمَ الْمُتَفِضَّلَ لِيَزِيدَكَ وَيَحْفَظَهَا لَكَ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

ثَالِثاً: الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ فَيَقُولُ: "قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

رَابِعَاً: عَقْدُ الْعَزْمِ الصَّادِقِ عَلَى اغْتِنَامِهِ وَعِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَمَنْ صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَسَّرَ لَهُ سُبُلَ الْخَيْرِ، قَالَ اللهُ -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

فَأَضْمِرْ فِي نَفْسِكِ النِّيَّةَ الصَّادِقَةَ، وَالْعَزِيمَةَ الْمَاضِيَةَ لِاسْتِغْلَالِ رَمَضَانَ، ثُمَّ خَطَّطْ وَابْدَأْ مِنْ أَوِّلِ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ.

 

خَامِسَاً: تَفَقَّهْ وَتَعَلَّمْ أَحْكَامَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ، وَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ، فَلا يُعْذَرُ بِجَهْلِ الْفَرَائِضِ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي لَكَ أَخِي الْمُسْلِمَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ الْصَّوْمِ وَأَحْكَامَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، لِيَكُونَ صَوْمُكَ صَحِيحَاً مَقْبُولاً عِنْدَ اللهِ - تعالى -، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"[رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

سَادِسَاً: عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقِبَلَهُ بِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الآثَامِ وَالسَّيِّئَاتِ وَالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، وَالإِقْلَاعِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، فَهُوَ شَهْرُ التَّوْبَةِ فَمَنْ لَمْ يَتُبْ فِيهِ فَمَتَى يَتُوبُ؟ قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31].

 

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَثِيرَ الاسْتِغْفَارِ فِي كُلِّ حِينٍ فَكَيْفَ بِرَمَضَانَ؟ عَنِ الأَغَرِّ بْنِ يَسَار الْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فإنِّي أَتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

 

فَأَيْنَ نَحْنُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ؟

 

سَابِعَاً: الْحِرْصُ التَّامُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالتَّبْكِيرِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَدَاءِ حُقُوقِ الأَهْلِ، وَحُقُوقِ الْوَظِيفَةِ وَالْعَمَلِ، وَالإِكْثَارِ مِنَ نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَأَكْثِرْ مِنْ خَتَمَاتِ الْقُرْآنِ مَا اسْتَطَعْتَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَمِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَخْتِمَ القُرْآنَ مَرَّةً فِي أَوِّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا مِنَ الْحِرْمَانِ وَمِنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاخْتِمْ الْمَرَّةَ تِلْوَ الْمَرَّةِ.

 

وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ التَّخْطِيطُ لِدَرْسِ تَفْسِيرٍ إِمَّا مَعَ الأَهْلِ وَالأَقَارِبِ أَوْ مَعَ بَعْضِ الأَصْحَابِ، فَتَقْرَؤُونَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ سِعْدِيِّ - رحمه الله - أَوْ غَيْرِهِ مِنَ التَّفَاسِيرِ الْمَوْثُوقَةِ، وَلَوْ عَشْرِ آيَاتٍ كُلَّ لَيْلَةٍ.

 

وَكَمْ مِنَ النَّاسِ لَهُمْ لِقَاءَاتٌ لَيْلِيَّةٌ فَلَوْ أَنَّ مُوَفَّقَاً مِنْهُمْ اقْتَرَحَ عَلَيْهِمْ دَرْسَاً مُيَسَّرَاً فِي التَّفْسِيرِ لَحَصَلَ خَيْرٌ وَعِلْمٌ وَحَسَنَات.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ، تَفَرَّدَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت، وَالصَّلاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

ثَامِناً مِمَّا نَسْتَعِدُّ بِهِ لاسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ: الاسْتِعْدَادُ لِتَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ، فَإِنَّ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ؛ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

فَتَأَهَّبْ بِتَجْهِيزِ الْمَكَانِ فِي بَيْتِكَ أَوْ فِي مَسْجِدِك، فَإِدْخَالُكُ السَّرُورَ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَحْبُوبَةِ إِلَى اللهِ، بَلْ إِنَّ مُجَالَسَتَكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُسَاكِينِ وَخِدْمَتَهُمْ مِنْ أَنْفَعِ مَا يُكُونُ لِتَرْقِيقِ قَلْبِكَ وَإِسَالَةِ دَمْعِكَ وَزِيَادِة إِيمَانِكِ.

 

تَاسِعَاً: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ خَاصَّةً: الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ مُتَعَطَّشَةٌ وَالنُّفُوسَ مُقْبِلَةٌ، فَذَكِّرِ النَّاسَ بِاللهِ وَذَكِّرْهُمْ بِفَضَائِلِ الصِّيَامِ وَعَلِّمْهُمْ الأَحْكَامَ، وَأَبْشِرْ: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 

وَمِنْ أَوْجُهِ الدَّعْوَةِ: إِلْقَاءُ الْكَلِمَاتِ وَخَاصَّةً فِي الصَّلَوَاتِ التِي يَجْتَمِعُ فِيهَا النَّاسُ، فَكَمْ مِنَ النَّاسِ لا يَحْضُرُونَ الْجَمَاعَاتِ إِلَّا فِي رَمَضَانَ فَهُوَ فُرْصَةٌ لِدَعْوَتِهِمْ وَرَدِّهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ.

 

فَتَجَهَّزْ بِإِعْدَادِ الْكَلَمَاتِ وَاحْرِصْ عَلَى الاخْتِصَارِ وَعَدَمِ الإِطَالَةِ، وَالتَّرْكِيزِ عَلَى مَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَخَاصَّةً أَحْكَامَ الصِّيَامِ وَالتَّرَوِايحِ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ: تَوْزِيعُ الْكُتَيِّبَاتِ وَالرَّسَائِلِ الْوَعْظِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعِلَّقَةِ بِرَمَضَانَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَأَهْلِ الْحَيِّ.

 

وَيَنْبَغِي لَكَ أَخِي إِمَامَ الْمَسْجِدِ الاسْتِعْدَادُ وَتَجْهِيزُ الكُتُبِ التِي تَقْرَأُهَا عَلَى جَمَاعَةِ مَسْجِدِكَ فِي العَصْرِ وَبَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ أَوِ التَّرَاوِيْحِ، وَكَذَلِكَ نَسِّقْ مَعَ طَلَبَةِ العِلْمِ لِيُلْقُوا الكَلِمَاتِ وَالْمَوَاعِظِ عَلى جَمَاعَةِ مَسْجِدِكَ، فَخُذْ مِنْهُمُ الْمَوَاعِيدَ مِنَ الآنَ وَهَيِّءْ نَفَسَكَ سَدَّدَ اللهُ خُطَاك.

 

وَأَخِيرَاً: فَأَكْثِرواْ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ: اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ: اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ قَوِيٍّ].

 

فاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

 

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

 

 

 

المرفقات
كَيْفَ نَسْتَقْبِلُ رَمَضَان؟.doc
التعليقات
زائر
01-03-2024

هل فكرنا كيف نستقبل رمضان ؟ حيث أنه موسم عظيم، وشهر كريم؛ تنوَّعت خيراته، وتعدَّدت عطاياه وهباته من الله تعالى؛ فليكن استقبالنا لشهر رمضان كما كان استقبال سلفنا الصالح

زائر
08-03-2024

جزاكم الله خيرا

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life