اقتباس
كيف أتخلص من الغيرة؟
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على هذا الموقع الرائع.
لدي مشكلةٌ عجزت من الخلاص منها، وهي الغيرة.
أنا أغار من المقربين لي بشدة، وليس البعيدين، حتى أصدقائي المقربين أغار منهم إذا كانوا أفضل مني.
حاولت أن أقنع نفسي بأن هناك من يتمنى أن يصبح مكاني.
رأيت الذين لديهم أمراضٌ مستعصيةٌ، وأقول -الحمد لله - إني لم أصبح في مكانهم، ولكن دون جدوى.
أريد حلاً للتخلص من الغيرة، لأنها أتعبتني جداً.
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة – في موقعك إسلام ويب، ونشكر لك هذا التواصل، ونرحب بك في كل وقتٍ، ونحن سعداء في خدمة أمثالك من أبنائنا والفتيات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلحكم، وأن ينفع بكم البلاد والعباد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وأرجو أن تعلمي -ابنتي– أن الغيرة بهذا النوع، أن يغار الإنسان من الآخرين، ويكون عنده حب المنافسة، والتطلع أن يكون الأفضل والأحسن، هذا من الناحية الشرعية أمرٌ مقبولٌ، ولكن الإشكال في أن يزيد عن حده فيتحول إلى ضده، في أن يتحول إلى عدوان وغيبةٍ ونميمةٍ وظلمٍ وبهتانٍ وكراهيةٍ، هذا هو المرفوض، ولا أظن أنك ستصلين لهذه الدرجة، فمثلك من تبلغ العافية بسؤالها لأهل العلم الشرعي، وتواصلها مع مثل هذه المواقع، فإن هذه الغيرة مطلوبة، وهي مطلوبةٌ في الرجل وفي المرأة، وهي في المرأة أكثر، لكن منها ما هو محمودٌ ومنها ما هو مذمومٌ.
إذا كانت هذه الغيرة من الآخرين، ويدفعك إلى المزيد من الإحسان وإلى منافستهم معهم في الخيرات، فهذا مطلوبٌ، وهذا هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا حسد إلا في اثنتين) وهي الغبطة، يعني تمني مثيل النعمة، والمرفوض هو تمني زوال النعمة، وهو أن يتحول الإنسان إلى عنصرٍ سالبٍ يكره النعم وهي تنزل على عباد الله تبارك وتعالى، هو أن يحول هذه الغيرة إلى انتقامٍ أو إلى إساءةٍ أو إلى عدوانٍ، وأظن أنك -إن شاء الله تعالى– بعيدةٌ عن مثل هذه التصرفات.
فمجرد الغيرة مطلوبةٌ، وموجودةٌ، ولا حرج فيها إذا كانت تدفع للمنافسة وتدفع لعمل الخير والتسابق فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، إذا كانت لا تظهر على تصرفات الإنسان فتجرح مشاعر الآخرين، وتشعرهم بأنك غير فرحةٍ لنجاحهم، وأنك غير سعيدةٍ لسعادتهم، وأنك لا تتمني لهم الخير، هذا هو المعنى السالب الذي لا نريده.
أما إذا كان هذا شعورٌ داخليٌ فأرجو أن تتذكري المعنى الجميل الذي قلت من أن الإنسان ينبغي أن يتذكر نعم الله عليه، وإذا رأى حسنةً عند إنسانٍ يشكر الله الوهاب، ثم يسأل الله من فضله، لأن الله قال: {واسألوا الله من فضله إن الله كان بكم رحيمًا}، فالمؤمنة إذا وجدت نعم الله تنزل وخير الله ينزل على عباد الله تبارك وتعالى فرحتْ لهم وسعدتْ بذلك الخير، وتمنّتْ مثل ما عندهم من الله، أو ترفع حاجتها، فإن نبي الله زكريا لما دخل على مريم وكان يتولى طعامها ورعايتها، لكن وجد عندها من الخيرات ألوانًا وأصنافًا، قال: {يا مريم أنَّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} لم يتمنى أن تزول النعم أو تزول تلك الخيرات من بين يديها، قالت: {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} ماذا فعل نبي الله زكريا؟ {هنالك دعا زكريا ربه} رفع حاجته، كأنه يقول: يا من رزقت مريم، يا من أكرمتْ هذه المسكينة أكرمني، يا من أعطيتْ هذه المؤمنة أعطني. فلا مانع من هذا لأن الله يقول: {واسألوا الله من فضله}.
فإذن، لا ينبغي أن تنزعجي إذا كانت الغيرة في حدودها المقبولة، وهذه الدوافع لا بد أن تكون موجودةً بين البشر، ولولا الغيرة بهذا المعنى ما بُنيت عماراتٌ، ولما نجحت ناجحاتٌ ولما عمرتْ هذه الحياة، فإن الناس يتنافسون هذا التنافس الشريف ليس به جوانب سلبيةً من الحسد أو الحقد أو الإساءة للآخرين، أو ظهور هذه الغيرة والمعاني السلبية في شكل تصرفاتٍ سالبةٍ أو عباراتٍ نابيةٍ، هذا هو الذي يرفضه الشرع.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وأن يستخدمك فيما يُرضيه، وجميل أن يتذكر الإنسان نعم الله عليه، لأن العاقل هو الذي يعرف نعم الله عليه فيؤدي شكرها، وبالشكر ينال المزيد، والمخذول هو الذي لا يشعر بنعم الله عليه، وإنما ينظر إلى ما في أيدي الناس، فيكون هذا بابًا للهلاك وبابًا للشر، فاحرصي دائمًا على أن تذكري نفسك بما أولاك الله من نعم، واشكري الله من فضله، وإذا رأيت نعمةً تنزل على أختٍ من أخواتك فاحمدي الله الذي وهبها، وارفعي حاجتك إلى الله تبارك وتعالى، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
التعليقات