كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

فتحي حمادة

 

 

هذه العبادة تبعث الشعور بالأخوَّة، والتعاون على البر والتقوى، واهتمام المسلمين بعضهم ببعض، الأمر الذي يقوِّي العلاقة بين الجميع، ولأن هذه العبادة مهمة في توطيد العلاقات بين المسلمين كان ولا بدَّ أن يكون الأمر بالمعروفِ بالمعروف، والنهي عن المنكر بدون منكرٍ؛ فالحكمة والموعظة الحسنة وعدم التفريط والإفراط في الحق أمورٌ تتحكَّم في الكيفية التي بها نأمر بالمعروف ونَنهى عن المنكر، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنف))، فالرفق مرتبطٌ بالحكمة والموعظة الحسنة؛ قال - تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

 

 

وعلى الآمر والناهي أن يكون الشرع مسيطرًا على عقله وقلبه؛ حتى يستطيع وضع الأمور في نصابها، فالشرع هو الذي يحدِّد الزمان والمكان والحال المناسب التي تشرع فيها هذه العبادة؛ لأن لكل مقام مقالاً، والعلم من الأمور التي نستخدمُها لتنفيذ هذه الفريضة المهمة، فلا بد من معرفة ما نأمرُ به، وحقيقة ما ننهى عنه، وذلك لحفظ الإسلام من الشرك والبدع والمخالفات، وإزالة مسببات الشر، فضلاً عن نشر الإصلاح، وترسيخ الآداب والفضائل، فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالمًا بما يأمر وبما ينهى؛ حتى لا يقع في مفسدة قد تضر بالآخرين، أو تؤثر على نشر الدين.

 

 

 

وعلى مرِّ السنين كان الاختلاف بين المسلمين في كيفية النهي عن المنكر؛ لأن النهي عن المنكر قد يُوقِع الضرر أكثر من تركه، فبذلك يحدث هذا الخلاف، وعليه وضع العلماء شروطًا وحدودًا لتنفيذ هذه العبادة، ومن هذه الشروط:

 

1- ألا يصير المنكر إلى ما هو أنكر وأعظم، فلا يجوز النهي درءًا لكبرى المفسدتين بصغراهما، فهنا درء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، قال الإمام ابن القيم: (إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنةٍ إلى آخر الدهر)، فإذا ما تيقَّن المسلم أو غَلَب على ظنه أن تغييرَ المنكر سوف يترتَّب عليه وقوع منكر أعم أو أبقى، أو أنكر أثرًا، فجمهور أهل العلم يذهبون إلى ترك تغيير ذلك المنكر إلى الأدنى؛ دفعًا لوقوع ما هو فوقه، ففي هذه الحالة لا يجوز النهي عن المنكر.

 

 

 

أما الذي ينهى عن منكر، معتقدًا أنه يطبق شرع الله - تعالى - فيقع منكر أعظم مما كان ينهى عنه؛ فهو في الأصل يتعدى على حدود الله - تعالى - وقد وقع الكثير من المسلمين في هذه المعصية؛ كالخوارج، والمعتزلة، والشيعة، الذين نهوا عن المنكر فحدث أنكر من ذلك؛ فكان الفساد والفتن، لذلك على المسلم أن يسيطر على عقله وقلبه حينما ينكر معصية، وإن لم يستطع، فعليه بنفسه، ويدع الأمر لمن يستطيع، أو يصبر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

 

 

 

وفي هذا حديث جامع، فقد سأل أبو ثعلبةَ الخشني - رضي الله عنه - عن ذلك، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنُيا مُؤثَرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا يدانِ لك به، فعليك بنفسك ودعْ عنك أمر العوام، فإن من وراءك أيام الصبر، الصبر فيهن على مثل قبضٍ على الجمر، للعامل فيهن كأجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله))، وحتى لا يأخذ اليائسون والسلبيون والخانعون هذا الحديث ذريعةً لترك الأمر والنهي بدعوى عدم القدرة على تغيير ذلك، فهم لم يتمعَّنوا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ورأيت أمرًا لا يدان لك به))؛ فهذا معناه أنك جاهدتَ لتغيير ذلك، ولكن لم تستطعْ خوفًا من وقوع منكر أعظم، أو لم تستطع لأنك غير مؤهل لذلك، أو أن الأمر ليس بيدك.

 

 

 

وهناك أيضًا من السلبيين من يضع هذه الآية في غير موضعها: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، ولكن هذه الآية ليست للتخيير، وأن الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر، إلا أنها للتهديد، والدليل على هذا آخر الآية، وهو قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29].

 

 

 

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ﴾ فله الثواب الجزيل، ﴿ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾، فعليه العقاب الأليم، ويكون من الظالمين، وقد ردَّ أبو بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - عن ذلك في إحدى خطبه، حينما قال: (إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعتُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب من عنده))، فيؤخذ من مقولة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن المسلم عليه واجب نحو أخيه المسلم العاصي، وهو نهيُه عن ذلك، فكلاهما في سفينة واحدة إذا تركه هلكَا، ولا يترتب على ذلك أن المسلم ينكر المعصية بمعصية، أو ضرر يلحق أحدهما أو غيرهما، ولكن عليه أن يجتهد في كيفية الإنكار، فإن أدى واجبه ولم يستطع التغيير للأسباب السابقة، فقد فعل الطاعة ويثاب عليها - بإذن الله تعالى.

 

 

 

2- أن يكون الناهي عن المنكر صاحبَ علمٍ، يجعله متمكنًا من تغيير المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، أو بالقوة إن كانت في يده، فالعلم يجعله متثبتًا في تحقيق الحق وإزهاق الباطل، خاصة أن هناك بعض غير متمكنين في علمهم، مما يجعلهم غير متثبتين؛ فيضيع الحق، وينتشر الباطل، بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم التمكن من العلم يجعل العاصي الذي يسيطر عليه الشيطان في موضع القوة؛ لأنه لا يمكن أن يترك المعصية بسهولة، فإنه سيجادل ويمانع ويحاور، فإذا لم يجد قوَّة وتثبتًا في العلم من هذا العالم، فسيَثْبُت على عصيانه؛ لأن المعصية في تخيله صغيرة وإن كانت كبيرة، فعلى العالم أن يكون لديه قدرة الإقناع، متخذًا القرآن والسنة سبيلاً لذلك، فشدة المعصية تحتاج إلى قوة العلم لتغييرها، فالعالم القوي خير من العالم الضعيف، ولا ننسى أن العالم الحق يعرف كيفية النهي وزمانه ومكانه وشروطه، وقد روي أن معاوية - رضي الله عنه - حبس العطاء، فقام إليه أبو مسلم الخولاني، فقال له: يا معاوية، إنه ليس من كدِّك، ولا من كدِّ أبيك، ولا من كدِّ أمِّك، قال: فغضب معاوية، ونزل عن المنبر، وقال لهم: مكانكم! وغاب عن أعينِهم ساعة ثم خرج عليهم وقد اغتسل، فقال: إن أبا مسلم كلَّمني بكلام أغضبني، وإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الغضب من الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضِب أحدكم فليغتسل))، وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم، إنه ليس من كدي ولا من كد أبي، فهلُّموا إلى عطائكم، فقوة أبي مسلم الخولاني العالم الفقيه العابد جعلتْه يقف أمام الخليفة معاوية - رضي الله عنه، ولو حدثت مناظرة بينهما لثبت أبو مسلم وأقنع الخليفة؛ ولأن معاوية - رضي الله عنه - عالم بالحق، فقد رجع من أول وهلة.

 

 

 

وروي عن ضبة بن محصن العنزي قال: "كان علينا أبو موسى الأشعري أميرًا بالبصرة، فكان إذا خطبنا حمِد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنشأ يدعو لعمر - رضي الله عنه - قال: فغاظني ذلك منه، فقمتُ إليه، فقلت له: أين أنت من صاحبه تفضِّله عليه؟ فصنع ذلك جُمُعًا، ثم كتب إلى عمر يشكوني، يقول: إن ضبة بن محصن العنزي يتعرض لي في خطبتي، فكتب إليه عمر: أن أشخصه إلي، قال: فأشخصني إليه، فقدمت فضربت عليه الباب، فخرج إليَّ، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة،فقال لي: لا مرحبًا ولا أهلاً، قلت: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل لي ولا مال، فبماذا استحللتَ يا عمرُ إشخاصي من مصري بلا ذنبٍ أذنبته، ولا شيء أتيته؟ فقال: ما الذي شجر بينك وبين عاملي؟ قال: قلتُ: الآن أخبرك به، إنه كان إذا خطبنا حمِد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أنشأ يدعو لك، فغاظني ذلك منه، فقمت إليه، فقلت له: أين أنت من صاحبه تفضِّله عليه؟ فصنع ذلك جُمُعًا، ثم كتب إليك يشكوني، قال: فاندفع عمر - رضي الله عنه - باكيًا، وهو يقول: أنت والله أوفق منه وأرشد، فهل أنت غافر لي ذنبي، يغفر الله لك؟ قال: قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، قال: ثم اندفع باكيًا، وهو يقول: والله، لليلةٌ من أبي بكر ويومٌ خيرٌ من عمر وآل عمر، ثم كتب إلى أبي موسى يلومه.

 

 

 

ومن هذا المنطلق فإن الجاهل هو الذي لا يعرف كيفية النهي عن المنكر وزمانه ومكانه وشروطه، فعلى المسلم أن يجتهد في مسألة النهي عن المنكر، فإن ظن أنه قد يخطئ، فعليه بنفسه ويترك هذا الأمر لمن شرح الله -تعالى- صدره لهذا الأمر.

 

 

 

3- على الناهي أن يبدأ بالأهم فالأهم، فينهى عن الكبائر ثم الصغائر، فإذا رأى شخصًا لا يصلي ويشرب الدخان، فلا يجوز أن يقول له: اترك الدُّخَان، ويقوم بنهيه عن ذلك أولاً، بل يبدأ بالأهم وهو الصلاة، فيزجره وينهره بالحكمة، من خلال التخويف من النار وعذاب الله -تعالى- لتارك الصلاة، وبعد ذلك ينهاه عن الدُّخَان؛ فالمعصية الأكبر أولى من المعصية الأصغر؛ لأن ما يترتب على الكبير ضرره أكبر من الصغير.

 

 

 

الخلاف في حديث: (مَن رأى منكم منكرًا):

 

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).

 

 

 

هذا الحديث كان له الأثر في نفوس البعض؛ منهم مَن اتَّخذه ذريعة لإحداث فتنةٍ أخذت الأخضر واليابس؛ لجهل قد اعتراهم، وهؤلاء أخذوا ظاهر العلم وقشوره، الأمر الذي فتح مجالاً لأنصاف العلماء أن يفسِّروا الحديث على هواهم وحسب مآربهم، واتهموا مَن لم يأخذ بفهمهم للحديث بالنفاق، وهناك آخرون اتَّخذوا الحديث سبيلاً للسلبية واللامبالاة، وعدم الاهتمام بأمر المسلمين، وعليه فإن هؤلاء وهؤلاء أَفْتَوا بغير علم، وضربوا بالإيمان عرض الحائط، فضاع الحق بين جهلهم، ولأن الخير في الأمة إلى يوم الدين، فإن هناك علماء ربانيين شرحوا الحديث على حقيقته، فقد قال القاضي عياض: (هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغيِّر أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به؛ قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل، ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر مَن يفعله، وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى، ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمِن أن يؤثِّر إغلاظُه منكرًا أشد مما غيَّره؛ لكون جانبه محميًّا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرًا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب؛ كفَّ يده، واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غيَّر بقلبه، وكان في سَعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله، وإن وجد مَن يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤدِّ ذلك إلى إظهار سلاح وحرب).

 

 

 

قال الإمام القرطبي:

 

(قال العلماء: الأمر بالمعروف باليد على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على الضعفاء، ويعني عوام الناس)، وعليه فإن مقولة الإمام القرطبي جامعة وفاصلة بين الجهَّال والسلبيين، جعلت الحق واضحًا كوضوح الشمس، فوضع الإمام كل موضع في مكانه، وحدَّد لكل شخص مهامه، وبذلك فوض الأمر لصاحبه، وقد رد البعض على مقولة الإمام القرطبي، فقالوا: "إن الإنكار باليد للولاة ومَن قاربهم، وبالقول للعلماء، قولٌ ضعيف؛ إذ هو تخصيص بلا مخصِّص، فالإنكار باليد لكل مَن قدر عليه من المسلمين، ولعل قائلَ هذا القول إنما أُتِيَ من تلازم السيف واليد في ذهنه، ففرَّق هذا التفريق حذرًا من الوقوع في المحظور، وهو التغيير بالخروج على ولاة الأمر، وليس كذلك".

 

 

 

وأردُّ على مَن ردَّ على مقولة الإمام القرطبي بأن الإمام لا يخصص الإنكار باليد على الأمراء فقط، بل لكل مَن قدر عليه من المسلمين؛ لأن مَن قدر على أحد فهو كأمير عليه، وذو سلطة قادر مثل الأمير، ومثل الرجل في أهل بيته، والمرأة في بيتها، وما أشبه ذلك، فهذا له السلطة أن يغير بيده، وكان الصحابة يؤمِّرون واحدًا إن كانوا ثلاثة؛ تنفيذًا لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعليه فإن الإمام القرطبي لم يقصد نفي إنكار اليد على كل ذي سلطان، بالإضافة إلى أن لفظ الإمام (الأمر بالمعروف باليد على الأمراء) هو لفظ عام على كل ذي أمر، وأن هناك فرقًا بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين تغيير المنكر.

 

 

 

قال الإمام أحمد: (التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح).

 

 

 

وقال المروذي: (قلت لأبي عبدالله: كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: باليد واللسان، وبالقلب وهو أضعف، قلت: كيف باليد؟ قال: يفرق بينهم).

 

 

 

فعموم الحديث يقضي بمشروعية الإنكار باليد لِمن قَدَر عليه، كمَن استطاع أن يكسر مزمارًا، أو أن يطمس صورة، ونحو ذلك، لكن هذا مشروط بشروط؛ منها: ألاَّ يُفضِي إنكاره هذا إلى منكرٍ أشدَّ منه، وألاَّ يكون الإنكار باليد مما اختص السلطان به شرعًا؛ كإقامة حد، أو شهر سيف، ونحو ذلك.

 

 

 

قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -:

 

(الضرب باليد والرِّجْل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف، يجوز للآحاد، بشرط الضرورة، والاقتصار على قدر الحاجة).

 

 

 

وقال ابن الأزرق عندما ذكر أن من المخالفات الافتياتَ على ولي الأمر، قال: (ومِن أعظمه فسادًا تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان).

 

 

 

قال ابن مسعود، عندما سمع رجلاً يقول: هلك مَن لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر، قال: (هَلَك مَن لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر).

 

 

 

قال العلامة ابن رجب - رحمه الله - شارحًا هذا الأثر:

 

(يُشِير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرضٌ لا يسقط عن أحد، فمَن لم يعرفه هلك)؛ لذلك على كل مسلم يغار على دينه أن يَكْرَه بقلبه المنكر إذا لم يستطعِ التغييرَ بيده؛ لأنه لو لم يكره لوقع في المعصية وهلك، فالقلب يحمي المسلم من الهلاك، وهذا دليل على أن المؤمن المملوء قلبه بالإيمان أشد كراهية للمعصية، وكلما نقص الإيمان من القلب كان غضبُ المسلم أقلَّ ما يكون إذا رأى المنكر، وهكذا حتى لا يكون في القلب إيمان، وبذلك فإن المسلم إذا رأى منكرًا، فإنه لا يغضب أبدًا، ولا يكره المعصية، الأمر الذي يجعل صاحبه في قلب الهلاك، ولا نجاة له إلا إذا عاد القلب إلى الإيمان، وعليه فإن المنكر بالقلب واجب على كل مسلم، وإلا وقع في الهلاك.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life