اقتباس
الظلم الذي ينتشر اليوم كالنار في الهشيم، من الأخ لأخيه، ومن الجار لجاره، ومن الأب لأولاده، ومن الأولاد لآبائهم، ومن الفصائل على إخوانهم، ومن القادة على عناصرهم، ومن الناس على بعضهم. روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ" [27]، ظلم في الدنيا سيتبعه ظلمة يوم القيامة، في يوم تحتاج فيه إلى النور كي تجتاز الصراط وأهواله.
الجزاء من جنس العمل، وكما تحب أن يكون الله لك فكن لعباد الله، هذه قاعدة لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحداً من الخلق.
ما منا من أحد إلا ويحب أن يعامله الله بالحسنى، وهناك قواعد وقوانين أقرها الله في هذا الكون وبيّنها لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، هذه القوانين لا تتبدل ولا تتغير، فأنت أيّها المسلم تختار كيف يعاملك الله في الدنيا وفي الآخرة، إمّا بالحسنى وإما بضدّها والعياذ بالله.
1-اِرحَم تُرْحم:
روى البخاري أن النّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "إنما يَرحَمُ اللهُ من عبادِه الرحماءَ" [ 1 ].
فإذا رحمت الخلق من عباد الله، وحتى لو رحمت سائر الكائنات من جمادات ونباتات وحيوانات فإن الله -عز وجل- ينزّل رحمته عليك.
وروى الترمذي وصححه الألباني أن النّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-قال: "الراحمون يرحمُهم الرحمنُ، ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ" [2].
وروى أبو أمامة الباهلي وحسنه الألباني أن النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-قال: "مَنْ رَحِمَ وَلَو ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللهُ يومَ القيامَةِ"[3].
بل روى البخاري ومسلم أن النّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ، اشتدَّ عليه العطشُ. فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب. ثم خرج. فإذا كلبٌ يلهثُ يأكلُ الثَّرى من العطشِ. فقال الرجلُ: لقد بلغ هذا الكلبُ من العطشِ مثلَ الذي كان بلغ مني. فنزل البئرَ فملأ خُفَّه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقِيَ. فسقى الكلبَ فشكر اللهُ له. فغَفر له. قالوا يا رسولَ اللهِ! وإنَّ لنا في هذه البهائمِ لَأجرًا؟ فقال: في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ) [4].
إنها الرحمة أيها الناس، فإذا أردت أن يرحمك الله فكن لخلق الله من الراحمين.
2-العفو والمغفرة:
لقد خاض مِسطَح مع الناس عندما تكلم الناس في عرض رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-وقذفوا عائشة -أم المؤمنين- الطاهرة المطهّرة، وكان مِسطح رجلاً فقيراً ينفق عليه أبو بكر -رضي الله عنه-، ومسطح هذا يقذف ابنة من يحسن إليه وينفق عليه، فما كان من أبي بكر إلا أن فعل أقل ما سيفعله أيّ واحد منّا لو حصل معه مثل هذا، فمنع أبو بكر النفقة عن مِسطَح، فأنزل الله -عز وجل-قوله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22]. لما سمع أبو بكر هذه الآية: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) -مع أنّه قذف ابنته- قال: "بَلى إنّي أحب أن يغفر الله لي"، فعفى عنه وأرجع له النفقة.
وقال عز من قائل: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن:14]. مغفرة بمغفرة، وعفو بعفو، وصفح بصفح، والجزاء من جنس العمل كما بيّن لنا رسولنا -صلَّى الله عليه وسلَّم.
3-تخفيف الشدائد وتفريج الكُرَب:
روى البخاري ومسلم أن النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "ومن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً ؛ فرَّج اللهُ عنه بها كربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، .." [5].
تلك الكرب التي يتمنى الناس أن يدخلوا نار جهنم ولا يقاسوها في ظل ذلك الموقف الرهيب العصيب، والشمس دانية من رؤوس الخلائق، وقد بلغ الكرب منتهاه، هذه الكرب يفرجها الله بتفريج كرب المسلمين في الدنيا.
4-العون وقضاء الحوائج:
روى البخاري ومسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجتِه" [6].
وروى مسلم أن النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "واللَّهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ" [7].
أحاديث عظيمة جليلة يخبرنا بها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأنت الذي تختار لنفسك معاملة الله لك.
بل قال النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الذي حسّنه الألباني: "ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ –تعالَى- قدَمِه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ" [8] – أي يبقى يمشي في قضاء حاجة أخيه حتى يقضيها له.
5-تيسير العسير:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ" [9].
كل واحد منا قد تضطره الحاجة لأن يقترض من غيره، أو قد يأتيه من يقترض منه، فلو كان المدين معسراً وخفّفت عنه ووضعت عنه شيئاً من الدين أو أخرته عن أجله فإن الله سييسر عليك ويتجاوز عنك يوم القيامة، وروى البخاري أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "كان تاجرٌ يُداينُ الناسَ، فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانِهِ: تجاوزوا عنهُ، لعلَّ اللهَ أن يتجاوز عنَّا، فتجاوزَ اللهُ عنهُ" [10].
نعم عباد الله:
إنها قوانين شرعها الله -عز وجل- حتى يتعايش الناس بين بعضهم بمحبة ووئام وانسجام وبرّ وتقوى وكي يرفعهم الله بذلك في الدنيا والآخرة.
6-الرفق:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "مَن وَلِيَ مِن أمرِ أمَّتي شيئًا فرفَق بهم فارفُقْ به" [11].
وفي الحديث الذي صححه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنْفِ" [12].
وروى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من يحرَمُ الرِّفقَ يُحرَمُ الخيرَ" [13]، وفي رواية: "مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ" [14].
7-الستر:
الستر، تلك الخصلة العظيمة التي امتنّ الله بها على من يحبّه من عباده، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "مَن ستَرَ مسلمًا ستَرَه اللهُ يومَ القيامةِ" [15]، وروى ابن ماجه، وصححه الألباني أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَن سترَ عورةَ أخيهِ المسلمِ سترَ اللَّهُ عورتَهُ يومَ القيامةِ" [16].
8-الدعاء:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من دعا لأخيه بظهرِ الغيبِ، قال الملَكُ المُوكَّلُ به: آمِين. ولك بمِثل" [17].
كلّ شيء بحسبان، وكما تَدين تُدان، والجزاء من جنس العمل في الشّر والخير، وكما تحبّ أن يعاملك الله فكن لعباد الله.
9-إقالة العثرات:
روى البخاري ومسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ" [18].
وروى البخاري ومسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ، وجَد غُصنَ شَوكٍ على الطريقِ فأخَّرَه، فشَكَر اللهُ له فغَفَر له" [19].
أعمال بسيطة، ولو تأملتها لوجدتها كلها ترجع إلى خدمة الناس ونفعهم ودفع الضرر عنهم، وخدمة الناس خصلة عظيمة يرزقها الله لمن اختاره من عباده وأحبّه، فقضاء حوائج الناس من أجلِّ الأعمال، قال -صلَّى عليه وسلَّم: "أحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للنَّاسِ وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلِمٍ أو تكشِفُ عنه كُربةً أو تقضي عنه دَيْنًا أو تطرُدُ عنه جوعًا." [2].
أما في الجانب الآخر، جانب الشر والسيئات كذلك فإن الجزاء من جنس العمل:
10-تعذيب الناس وإيذاؤهم:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إنَّ اللهَ يُعذِّبُ الَّذينَ يُعذِّبونَ النَّاسَ في الدُّنيا" [21].
وهذا فرعون وقومه لما عذّبوا المؤمنين، قال الله: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) [البقرة: 49]، قال الله في آية أخرى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]. فكما ساموا الناس في الدنيا سوء العذاب فإن الله سيعذّبهم يوم القيامة أشدّ العذاب.
11-جلب المشقة على الناس:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "اللَّهمَّ مَن وَلِيَ مِن أمرِ أمَّتي شيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه"[22].
وهذا ليس فقط للرؤساء والوزراء بل لكل مَنْ تقلد من أمر المسلمين شيئاً، في مدرسة أو جامعة أو مسجد أو مجلس أو لجنة أو كتيبة أو جيش أو أي شيء.
12-تتبع العورات:
روى الترمذي أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ" [23]، وفي رواية: "وَلَوْ كَانَ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ" [24]، وفي رواية: "حتى يخرقَها عليه في بطنِ بيتِه" [25]، وروى ابن ماجة، وصححه الألباني أنّ الحبيب النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "ومَن كشفَ عورةَ أخيهِ المسلمِ كشفَ اللَّهُ عورتَهُ حتَّى يفضحَهُ بِها في بيتِهِ" [26]. بين جدران بيته الأربع وهو يستتر عن الناس فليُبشِر بفضيحة الله له، أين يهرب وهو في قبضة الله وتحت سمعه وبصره وقدرته، فاتَّقِ الله أيّها المسلم في أعراض المسلمين، واستر عليهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
13-المكر بالناس:
قال الله -عزّ وجل-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الانفال:30]، وقال في آية أخرى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا.) [النمل:50-52].
14-الظلم:
الظلم الذي ينتشر اليوم كالنار في الهشيم، من الأخ لأخيه، ومن الجار لجاره، ومن الأب لأولاده، ومن الأولاد لآبائهم، ومن الفصائل على إخوانهم، ومن القادة على عناصرهم، ومن الناس على بعضهم. روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ" [27]، ظلم في الدنيا سيتبعه ظلمة يوم القيامة، في يوم تحتاج فيه إلى النور كي تجتاز الصراط وأهواله.
15-شرب الخمر:
روى مسلم أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إنَّ على اللهِ -عزَّ وجلَّ- عهدًا، لمن يشربُ المسكرَ، أن يسقيَه من طينةِ الخبالِ" قالوا: يا رسولَ اللهِ! وما طينةُ الخبالِ؟ قال: عرقُ أهلِ النارِ. أو عصارةُ أهلِ النارِ" [28].
16-التكبر:
روى أحمد وغيره وحسّنه الألباني، أنّ النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، فَتَعْلُوَهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ" [29]. كما تكبّروا على خلق الله في الدنيا وانتفشت أجسادهم فإنهم يكونون يوم القيامة أمثال الذر –النمل الصغير– في صور الناس يغشاهم الذل من كل مكان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
----
1-البخاري/7448
2-الترمذي/1924
3-المعجم الكبير/7915 وصححه الألباني
4-البخاري/2363 ومسلم/2244
5-البخاري/2442، ومسلم/2580
6-البخاري/2442، ومسلم/2580
7-مسلم/2699
8-صحيح الجامع/176
9-مسلم/2699
10-البخاري /2078
11-مسلم/1828
12-أحمد/ 16802
13-مسلم/2592
14-أبو داود/4809 وصححه الألباني
15-البخاري 2442، ومسلم/2580
16-ابن ماجه/2546
17-مسلم/2732
18-أبو داود/3460 وصححه الألباني
19-البخاري/652 ومسلم/1914
20-الطبراني في لأوسط/6026، وحسنه الألباني
21-مسلم/2613
22-مسلم/1828
23-أبو داود/4880 وغيره، وقال الألباني حسن صحيح
24-مكارم الأخلاق للخرائطي/427
25-المعجم الأوسط 3778
26-ابن ماجه/2546
27-مسلم/2578
28-مسلم/2002
29-أحمد/6677
التعليقات