عناصر الخطبة
1/ منَّة الله على أمة الإسلام بعملها القليل وأجرها الكثير 2/ حديث: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن..." وشرحه وأوصاف الكلمات المذكورة فيه 3/ السر في جمع هذه الكلمات القليلة للأجر الكبير 4/ التسبيح والتحميد من نعيم أهل الجنة 5/ الحث على الاستكثار من ذكر اللهاقتباس
"كلمتان" إشارة إلى قلتهما، والعمل القليل يكون على النفوس بخلاف العمل الكبير. وليس من مقاصد الشرع تطلب العمل لأجل كثرته فقط، بل للشرع مقاصد متعددة ترعى فيها مراتب الأعمال الشرعية، وربما كان العمل فيه قليلا، ويكون قدره عند الله عظيما، ومن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: اتقوا ربكم حق التقوى، وتمسكوا بدينكم تفلحوا بالأولى والأخرى.
واعلموا -رحمكم الله-: أن مما وهبه الله -سبحانه وتعالى- منَّة لهذه الأمة: أنها تعمل قليلا، وتؤجر كثيرا، فمن خصائص هذه الأمة: أن العمل يكون فيها قليلا ويكون أجره كثيرا رحمة من الله بهم وكرامة لهم.
وإن من أفضل الأعمال ما يسهل فعله، ويعظم قدره، ويكثر أجره، وتتعدد منافعه في الأولى والآخرة، ألا وإن من جملة تلك الأعمال: ما أرشدنا إليه محمد -صلى الله عليه وسلمَ- فقال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده"، فإن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أخبر في هذا الحديث عن عمل قليل له أجر كثير، ووقع في الحديث وصفه بأربعة مسالك كلها تحث عليه، وتحرك النفوس إليه: أولها: وصفهما بقوله صلى الله عليه وسلمَ: "كلمتان" إشارة إلى قلتهما، والعمل القليل يكون على النفوس بخلاف العمل الكبير. وليس من مقاصد الشرع تطلب العمل لأجل كثرته فقط، بل للشرع مقاصد متعددة ترعى فيها مراتب الأعمال الشرعية، وربما كان العمل فيه قليلا، ويكون قدره عند الله عظيما، ومن جملته هذا الذكر المذكور في هذا الحديث، فإن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أخبر عن علته بقوله صلى الله عليه وسلمَ: "كلمتان" فهما لا يقعان في منزلة الجمع الذي يثقل على النفوس، وإنما في منزلة دونه بكثير وهي منزلة المثنى.
وثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلمَ: "حبيبتان إلى الرحمن"، فإن النفوس تتشوق إلى موافقة محاب الله ومراضيه، فالعبد الصادق في عبوديته إلى الله يتلمس ما يحبه الله ويرضاه، فيرجو أن يوافق الله في محبوباته، ومن جملة محبوباته هاتين الكلمتين من الذكر اللتين أرشد إليهم النبي -صلى الله عليه وسلمَ-.
وإذا كان أحدنا يفعل شيئا يتقرب به إلى أحد يزداد فرحه إذا علم أن هذا من محبوباته، فكيف إذا كان العمل المتقرب إلى الله مما صرح بأنه بعينه يحبه الله -سبحانه وتعالى- ويرضاه.
ولما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلمَ- عن محبة الله ذلك لم يقل صلوات الله وسلامه عليه: حبيبتان إلى الله، ولا قال: حبيبتان إلى العظيم، ولا قال: حبيبتان إلى العلي، وإنما جاء ذكر محبة الله –عز وجل- لهما بقوله صلى الله عليه وسلمَ: "حبيبتان إلى الرحمن"، فهما تستدعيان رحمة الله الواسعة، فإذا وافق العبد ربه في محبوبه كان قريبا من رحمة الله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].
وثالثها: في قوله صلى الله عليه وسلمَ: "خفيفتان على اللسان" إشارة إلى يسرهما وسهولتهما، فهما تجريان على اللسان متسابقتين لا يثقل على العبد الإتيان بهما، فليستا كلاما كبيرا شاقا صعبا، فضلا عن غيره من أنواع العمل، وإن عمل اللسان من أسهل الأعمال لمن وفقه الله -عز وجل- إذ لا يتطلب كلفة كثيرة بخلاف أعمال الجوارح، فتلك الكلمتان هما مما يجري على اللسان، وهما في جريهما على اللسان خفيفتان أيضا.
ورابعها: في قوله صلى الله عليه وسلمَ: "ثقيلتان في الميزان" أي مما يثقل بهما ميزان العبد عند الله -سبحانه وتعالى-، فإن الأعمال توزن يوم القيامة، وإن مما يفرح به العبد أن يثقل عمله في الميزان، وإن من جملة الأعمال التي تدخل في الميزان ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلمَ- فيها في هذا الحديث فهذه المسالك الأربعة في وصف الذكر المذكور في هذا الحديث كلها تحرك النفوس إليه، وتحثها عليه.
وإنما كان هذا الذكر بهذه المنزلة لجمعه أمرين عظيمين:
أحدهما: تنزيه الله -عز وجل- عن كل ما لا يليق به، فإن حقيقة التسبيح تنزيه الله -عز وجل- عن النقائص والعيوب والآفات.
والآخر: ما فيه من إثبات الكمالات لله، فإن حقيقة التحميد هو إثبات كل كمال لله -سبحانه وتعالى-، فإذا قال العبد: "سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده" نزه الله -عز وجل- عن كل ما لا يليق به، وأثبت الحمد له سبحانه وتعالى.
ومن كانت هذه الكلمة عادته ودأبه وديدنه فإنها دليله إلى المقام الأعظم، والأجر الأكبر، وهو دخول الجنات -جعلنا الله وإياكم من أهلها- حتى تكون هذه الكلمات بما فيها من التسبيح والتحميد هي من كلمات أهل الجنة، قال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10].
استغفر الله لي ولكم فاستغفروه...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا، والشكر له أبدا، وأشهد أن لا إله إلا الله هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ورحمته المهداة إلى العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون: إن الكلمتين المذكورتين آنفا فيما أخبر عنه صلى الله عليه وسلمَ لا تخرجان عما وصف به النبي -صلى الله عليه وسلمَ- لا تخرجان عما وصف به النبي -صلى الله عليه وسلمَ- شأنهما، وأخبر به من قبلهما، فقال صلى الله عليه وسلمَ: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
ولم تتقيد في خبره صلى الله عليه وسلمَ بقولها في زمن دون زمن، أو مكان دون مكان، إعلاما بأنها من الذكر المطلق الذي ينبغي أن يكثر منه العبد، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41 - 42]، ويقول سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلمَ: "سبق المفردون"، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا والذاكرات".
ألا وإن من أعظم الذكر الذي ينبغي أن يكثر منه العبد أن يقول: "سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده"، فخذوا -رحمكم الله- بحظكم من هذا الذكر، واستكثروا منه، فإنه نعم الخير لكم في الدنيا والآخرة، إذ أخبر النبي -صلى الله عليه وسلمَ- عن أوصافه التي تدل على قلته، فهو كلمتان، وتدل على عظم رتبته، فهما كلمتان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، والمحروم من حرمه الله.
اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرا، اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرا، اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرا.
التعليقات
زكرياء
04-11-2020هل يعني الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمتان لغويا او شفاهيا؟
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
26-11-2020السلام عليكم ورحمة الله لعلك تعيد السؤال تكرما