عناصر الخطبة
1/حقيقة الدنيا كما وصفها الله سبحانه 2/التحذير من الاغترار بالدنيا والركون إليها 3/مراحل وجود الإنسان 4/قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة 5/خلق الإنسان في كبد 6/ساعيان لا يستوياناقتباس
إن التوسط وحسن الفهم من معالم حياة المسلم، فلا تُذم الدنيا مطلقًا ولا تُمدح مطلقًا، وإنما يقف العبد العاقل موقفًا معتدلاً متوسطًا، فيعلم أن الإسلام لم يطلب من المؤمنين أن يتركوا أعمال الدنيا كلها، إذ لا يمكن أن يطلب ذلك؛ لأن من ضرورة بقاء الإنسان في الدنيا أن يعمل فيها، ولكن المطلوب ألا يؤثر المسلم الدنيا على الآخرة، وألا تكون هي أكبر همه، كأنما خُلق لها، وكأنها دار المقر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى، له ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الملك الحق المبين الذي على العرش استوى، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، أحمده -سبحانه- وبحمده يلهج أولو الأحلام والنهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى.
أيها الإخوة في الله: يقول الله -عز وجل- في كتابه العزيز مخبراً عن حقيقة هذه الحياة التي يبدو أننا لم نعرفها حتى الآن، وعرفنا منها ما لا يريده الله -عز وجل- منا، فجاء الأمر من الله -عز وجل- يصحح عقولنا ويلفت أنظارنا, ويخبرنا عن حقيقة هذه الحياة فيقول -عز وجل-: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) [الحديد:20] هذه خمسة أشياء عرفناها من هذه الدنيا، والله يقررنا على هذا بالأمر بالعلم بذلك، ولكن ما بعد هذه الحياة (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد:20-21].
فهذه الحياة الدنيا مضمار وميدان سباق، ولكن إلى أين؟! إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، لكن لما عاش الناس في غير الميدان الطبيعي الحقيقي لهم سابقوا ولكن إلى نار هاوية.
عباد الله: إن الفهم الخاطئ أو التصور الخاطئ للشيء يجر إلى الحكم الخاطئ والعمل الخاطئ، فتصور الإنسان لهذه الدنيا على غير حقيقتها يجر إلى عمل لا يفيد ولا ينفع، بل قد يضر، وبذلك يخسر المرء دنياه وأخراه. وإن التوسط وحسن الفهم من معالم حياة المسلم، فلا تُذم الدنيا مطلقًا ولا تُمدح مطلقًا، وإنما يقف العبد العاقل موقفًا معتدلاً متوسطًا، فيعلم أن الإسلام لم يطلب من المؤمنين أن يتركوا أعمال الدنيا كلها، إذ لا يمكن أن يطلب ذلك؛ لأن من ضرورة بقاء الإنسان في الدنيا أن يعمل فيها، ولكن المطلوب ألا يؤثر المسلم الدنيا على الآخرة، وألا تكون هي أكبر همه، كأنما خُلق لها، وكأنها دار المقر، ولكن خذوا منها بنصيب، واعملوا للآخرة على الوجه المطلوب.
عباد الله: لقد حذرنا ربنا -سبحانه- من الاغترار بالدنيا والركون إليها، فقال الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 32]، وقال الله تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16-17]، إن هذه الدنيا ميدان تنافس وتسابق لتحصيل الأجور العظيمة، والأعمال الجليلة، فعلى العبد أن يفقه سر وجوده في الدنيا وسر خلقه فيها، والغاية من وجوده، فقد خلق الله الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له كما قال -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58]، فهل نعي ما خُلقنا له، فلا ننشغل عنه بما خُلق لنا؟!
عباد الله: لقد خلق الله الإنسان، وجعله يمر بمراحل وأزمنة وأمكنة وأحوال، حتى ينتهي الإنسان بالخلود إما في الجنة أو النار. وهذه المراحل هي:
الأولى: بطن الأم: ومدة الإقامة فيها تسعة أشهر.
والثانية: دار الدنيا: والإقامة فيها أكثر من الإقامة في بطن الأم، والحكمة من البقاء فيها تلك المدة أمران: تكميل الإيمان، وتكميل الأعمال الصالحة، وإذا أكمل العبد لله فيها ما يحب أكمل الله له في الآخرة ما يحب، ثم يخرج من الدنيا مع عمله إلى الدار التي تليها.
والثالثة: دار البرزخ، وهي القبر، والقبر أول منازل الآخرة، ويبقى فيه الإنسان حتى يكتمل موت الخلائق، وتقوم الساعة، وهو على المؤمن روضة من رياض الجنة، وعلى الكافر حفرة من حفر النار.
والرابعة: الدار الآخرة، وفيها الإقامة المطلقة، والنعيم المطلق للمؤمنين والعذاب الأليم للكافرين، والحكمة من خلق هذه الدار تكميل الشهوات والملذات للمؤمنين جزاء أعمالهم الصالحة، وعقوبة الكفار والظلمة بأشد أنواع العذاب، كل حسب عمله كما قال -سبحانه-: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ) [الانفطار: 13-15].
أيها الإخوة: وقد بيّن الله -عزَّ وجلَّ- قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة، وقيمة الآخرة بالنسبة للدنيا في كثير من آيات القرآن والسنة النبوية:
فقيمة الدنيا الذاتية: بيّنها الله -سبحانه- بقوله: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64]، وقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5]، فاحذر -يا عبد الله- من أن تغرك الدنيا فتخسر جنة عرضها السماوات والأرض.
أما قيمة الدنيا بالمساحة فقد بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" [أخرجه البخاري (3250)]، وليعتبر بهذا من ينافس على المساحات، في الأراضي والدور والقصور.
وأما قيمة الدنيا بالنقد, فقد بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال جابر رضي الله عنه مرَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بِجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأخَذَ بِأذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أيُّكُمْ يحب أنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟" فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "أتُحِبُّونَ أنَّهُ لَكُمْ؟" قَالُوا: وَالله! لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لأنَّهُ أسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: "فَوَالله! لَلدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى الله مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ" [أخرجه مسلم 2957]، وليعتبر بهذا من يحبون الدنيا حبًّا جمًّا ويجمعون لها، ويوالون ويعادون عليها!.
وأما قيمة الدنيا بالوزن فقد بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" [أخرجه الترمذي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، فأين هذا ممن يقدرون الناس بحسب أموالهم ووظائفهم وحجم ممتلكاتهم، والدنيا زائلة ومن عليها!!.
وأما قيمة الدنيا بالكيل فقد بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وَالله مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ" [أخرجه مسلم 2858].
أيها الإخوة: إن الله -عز وجل- قد أنبأنا عن حقيقة الدنيا على صيغة العلم، يقول ربنا -عز وجل- في سورة الحديد: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) هذه حقيقة الدنيا، الله يتحدث عنها وهو أعلم بها، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) [الحديد:20].
لعب؛ أكثر الناس يحب أن يلعب... ولَهْو؛ انشغال بالمباريات والمسابقات... وزينة؛ تغيير ملابس، تغيير سيارة، تغيير مفارش، تغيير موكيت، فقط زينة... وتفاخر؛ أنا في رتبة كذا، أنا في مكان كذا، أنا عندي سيارة أحسن، أنا عندي كذا، أنا عندي رصيد، هذه هي الحياة الدنيا.
فانتبه -يا عبد الله- إلى حقيقة الدنيا! فلا تخدعك، فتجمع المال من الحرام، وترفع أرصدتك؛ لكن في النار، وتدخل عليك دخولاً من نار، انتبه! لا تأكل إلا طيباً، ولا تكنِز إلا طيباً، ولا تقع بقدمك إلا في طيب، حتى تسلم، أما الحرام فإنه لا يورِّث إلا النار، والعياذ بالله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [طه: 11].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
فاتقوا الله -عباد الله- فيما عليكم, وراقبوه -جل وعلا- فيما لديكم، واعرفوا حقيقة الدنيا وما هي صائرة إليه، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
أيها المسلمون: إن جميع ما أوتيه الخلق من الذهب والفضة، والطير والحيوان، والأمتعة والنساء، والبنات والبنين، والمآكل والمشارب، والجنات والقصور، وغير ذلك من ملاذ الدنيا ومتاعها، كل ذلك متاع الحياة الدنيا وزينتها، يتمتع به العبد وقتاً قصيراً، محشواً بالمنغصات، ممزوجاً بالمكدرات، ويتزين به الإنسان زماناً يسيراً للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعاً، ويعقب الحسرة والندامة: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [القصص: 60].
فما عند الله من النعيم المقيم، والعيش الهني، والقصور والسرور خير وأبقى في صفته وكميته، وهو دائم أبداً. فهل يستفيد الإنسان من عقله؟ ليعلم أي الدارين أحق بالإيثار؟. وأي الدارين أولى بالعمل لها؟!.
فإذا كان العقل سليماً، والقلب صافياً، آثر الآخرة على الدنيا، وما آثر أحد الدنيا إلا لنقص في عقله: (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [القصص: 61].
فهل يستوي مؤمن ساعٍ للآخرة سعيها، قد عمل على وعد ربه له بالثواب الحسن الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم، فهو لاقيه بلا شك؛ لأنه وعد من كريم صادق الوعد، لعبد قام بمرضاته، وجَانَبَ سخطه؟!.
فهل يستوي هذا ومَنْ متَّعه الله متاع الحياة الدنيا، فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب، ويتمتع كما تتمتع البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، لم يستجب لرب العالمين، ولم يهتدِ بسنن سيد المرسلين، فلم يقدم لنفسه خيراً، وإنما قدم على ربه بما يضره؟!.
أيها الإخوة: إن من أجمل لحظات الدنيا وأسعدها يوم أن يسجد العبد لمولاه يدعوه ويناجيه يخافه ويخشاه فينشرح لطاعة الله صدره ويشرق بها وجهه. أما المحروم فظلام القلب وسواد الوجه وقلق في النفس هذا في الدنيا وفي الآخرة يقول الله عنهم: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) فالمحرومون في الدنيا يتغافلون ويتكبرون ويسخرون، فأي فلاح وأي رجاء وأي عيش لمن قطع صلته بالله؟!.
فليختر العاقل لنفسه ما هو أولى بالاختيار، وأحق الأمرين بالإيثار؟ قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [الأعلى: 14-17].
أيها الإخوة: هذه هي الدنيا, شباب ونضرة، ثم شيخوخة وهرم، قصور بعدها قبور، ونور بعده ظلام، وأنس بعده وحشة، وسعة في المنازل بعدها ضيق في القبور، ونعيم وطعام وشراب ولباس ولكن تنتهي أيام هذه الحياة، يقول الله -عز وجل- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205-207]، فهب أنهم تمتعوا بكل متاع، وتلذذوا بكل لذائذ الدنيا، ولكن ماتوا وقابلوا ربهم والله ساخط عليهم، فماذا يبقى معهم من النعيم، إن النعيم واللذائذ تفنى وتذهب وتبقى آثامها وتبعاتها، وإن الطاعات والمعاناة في إتيانها تذهب وتنتهي ويبقى ثوابها وأجورها.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأخرتنا التي إليها معادنا، وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا .. اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين, اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين, اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين, اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم, اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم, اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم, اللهم اغفر لهم وارحمهم ويسر أمورهم, اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا حيّ يا قيّوم.
التعليقات