قيام الليل (2)

ناصر بن محمد الأحمد

2014-07-14 - 1435/09/17
التصنيفات: رمضان الصلاة
عناصر الخطبة
1/ قيام الليل عبادة الخواص 2/ صلاة الليل من موجبات الجنة 3/ منحة ربانية يُحرم منها أصحاب المعاصي 4/ صفات أهل قيام الليل 5/ لذة المناجاة والعبادة 6/ سبب الحرمان من قيام الليل 7/ الأسباب الميسرة لقيام الليل والمعينة عليه 8/ أعظم ما يرجى في العشر الأواخر 9/ التحذير من الغفلة عن مواسم الخير 10/ سنن قيام الليل
اهداف الخطبة

اقتباس

إنها صلاة المصلين، ودموع الباكين، ومناجاة الخاشعين. إنها زفرات المذنبين، وآهات التائبين، وأنين المستغفرين. إنها دعاء المخبتين، ومناجاة المحبين، ووجد المشتاقين. يرون أن من أعظم نعم محبوبهم عليهم أن أقامهم وأنام غيرهم، واستزارهم وطرد غيرهم، وأهّلهم وحرم غيرهم. فمن لم يكن له ورد من الليل فقد فرّط في حق نفسه تفريطاً كبيراً، وأهمل إهمالاً عظيماً، ناهيك بأقوامٍ يسهرون على ما حرم الله، ويقطّعون ليلهم في معاصي الله، وبضعف النفوس عن قيام الليل تقسو القلوب، وتجفّ الدموع، وتستحكم الغفلة.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: وبدأت ليالي العشر الأواخر من رمضان، وجاء قيام الليل عبادة الخواص من عباد الله. إنها العبادة التي تصل القلب بالله وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة ومجاهدة النفس في وقتٍ هدَأَت فيه الأصوات ونامت فيها العيون وتقلب النُّوام على الفُرُش، ولكن قوّام الليل يهبّون من فرشهم الوثيرة وسررهم المريحة ويكابدون الليل لا ينامون إلا القليل، ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة وسمات النفوس الكبيرة.

 

وقد مدح الله -عز وجل- أهل قيام الليل وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

 

إنّ قوام الليل يحبون النوم والراحة والدعة مثلنا، ولكنهم نفضوا غبار الكسل، واستحثوا الخطى وقووا العزائم، ومجاهدة النفس صعبة المنال في البداية، ولكنها سهلة الانقياد بالإصرار والعزيمة في النهاية كما قال ثابت البناني -رحمه الله-: "كابدت الصلاة عشرين سنة، فتنعمت بها عشرين سنة".

 

قالت ابنة عامر بن عبد قيس لأبيها: "ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟! فقال: يا بنية إن جهنم لا تدع أباكِ ينام".

 

فقيام الليل هو شرف المؤمن كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: "شرف المؤمن قيام الليل، وعزّه استغناؤه عن الناس".

 

أيها المسلمون: إن صلاة الليل من موجبات الجنة، وقد دل عليه قول الله -عز وجل-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 15- 19]، فوصفهم بالتيقظ بالليل والاستغفار بالأسحار وبالإنفاق من أموالهم.

 

 كان بعض السلف نائماً فأتاه آتٍ فقال له: "قم فصلِّ، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزّانها".

 

ورأى بعضهم الخليل بن أحمد -رحمه الله- في المنام فقال له: "ما فعل الله بك؟ قال: لم تنفعنا تلك الرسوم، وإنما نفعنا ركعات كنا نقومها بالليل، طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم".

 

يا رجال الليل هُبوا *** رُب داع لا يُرَدُّ

ما يقوم الليل إلا *** من له عزم وجد

ليس شيء كصلاة *** الليل للقبر يُعَد

 

قال أبو الدرداء: "صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر".

 

إن قيام الليل يوجب علو الدرجات في الجنة قال الله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 79].

 

إن قيام الليل منحة ربانية للصالحين من عباده يُحرم منها أصحاب الخطايا والمعاصي، قال الحسن -رحمه الله-: "إن الرجل ليذنب فيُحرَم به قيام الليل".

 

وقد نبَّه إلى ذلك الفضيل بن عياض فقال: "إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبّلتك خطيئتك".

 

وسئل الحسن البصري: لِمَ كان المتهجدون أحسن الناس وجوهًا؟! قال: "لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره".

 

أيها المسلمون: لقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتورم قدماه، وكان لا يدعه أبداً، وإذا مرض صلى قاعداً، وكان -عليه الصلاة والسلام- يحض ويحث على قيام الليل فيقول: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم" رواه الترمذي بإسناد حسن.

 

وفي الليل ساعة مستجابة؛ وذلك أن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: "هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من داع فأستجيب له؟" وقد ورد في صحيح مسلم عن جابر –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".

 

أين أنت يا عبدالله من هذه الساعة؟! هل تعرفها؟! هل تتذكرها؟! هل تحرص عليها؟! أم أنت مستغنٍ عن هذا الفيض الإلهي؟ المحروم من حُرِم لذة هذه الساعة. يا عبد الله: وذلك كل ليلة..

 

فيا من يريد إجابة لدعائه، وتفريجاً لهمّه، وتنفيساً لكربته، وتوسيعاً لرزقه، وشفاء لمرضه، وحفظاً لعياله، ودفعاً لأعدائه، وطلباً لمرضاته، وطمعاً في جنته، ونجاةً من ناره، عليك بدعاء ربك في وقت الإجابة في الثلث الأخير من الليل كل ليلة؛ عسى أن تكون من المقبولين.

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من أحب أن يهوِّن الله عليه طول الوقوف يوم القيامة فليَره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه".

 

أيها الصائمون: لصلاة الليل عند أهلها أسرارها، وللأذكار في نفوسهم حلاوتها، وللمناجاة عندهم لذّتها، يقول أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: "أهل الليل في ليلهم ألذّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا".

 

ولما حضرت ابن عمر -رضي الله عنهما- الوفاة قال: "ما آسى على شيء من الدنيا إلا عن ظمأ الهواجر ومكابدة الليل".

 

ما طاب لهم المنام لأنهم تذكروا وحشة القبور، وهول المطلع يوم النشور، يوم يُبعَث ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، قال قتادة -رحمه الله-: "ما سهر الليل بالطاعة منافق".

 

عبادٌ لله صالحون (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16 - 17].

 

لقد تعدَّدت مقاصدهم، واختلفت مطالبهم، وتنوّعت غاياتهم، والليل هو منهلُهم وموردهم (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ)[البقرة: 60]، فهذا محبٌ يتنعّم بالمناجاة، وذلك محسنٌ يزداد في الدرجات ويسارع في الخيرات ويجدّ في المنافسات، وآخر خائفٌ يتضرّع في طلب العفو، ويبكي على الخطيئة والذنب، ورَاجٍ يلحّ في سؤاله ويصرّ على مطلوبه، وعاصٍ مقصّر يطلب النجاة ويعتذر عن التقصير وسوء العمل، وكلهم يدعون ربهم ويرجونه خوفاً وطمعاً، فأنعَمَ عليهم مولاهم فأعطاهم واستخلصهم واصطفاهم وقليل ما هم.

 

الليل ميدان ذوي الهمم العالية من أصحاب العبادات والدعوات، هو الزاد الصالح لرحلة الحياة، أما  الذين يحبون العاجلة، فصغار الهمم صغيرو المطالب، يغرقون في العاجلة (وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [الإنسان: 27].

 

 وفي هذا يقول بعض السلف: "كيف يرجو النجاة من سوء الحساب من ينام الليل ويلهو بالنهار؟!"، أما كثير من أبناء هذا العصر فلهوهم قد استغرق الليل والنهار، نعوذ بالله من الخذلان.

 

أيها المسلمون: بضعف النفوس عن قيام الليل تقسو القلوب، وتجفّ الدموع، وتستحكم الغفلة، ذُكر رجلٌ عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح فقال –صلى الله عليه وسلم- : "ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" متفق عليه.

 

فمن لم يكن له ورد من الليل فقد فرّط في حق نفسه تفريطاً كبيراً، وأهمل إهمالاً عظيماً، ناهيك بأقوامٍ يسهرون على ما حرم الله، ويقطّعون ليلهم في معاصي الله، ويهلكون ساعاتهم بانتهاك حرمات الله، فشتان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. قال رجل لأحد الصالحين: لا أستطيع قيام الليل فصف لي في ذلك دواءً فقال: "لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل".

 

فمن الأسباب الميسرة لقيام الليل والمعينة عليه: الإقبال على الله، وصدق التعلق به مع حسن الظن به سبحانه، وعظم الرجاء فيما عنده، والحرص على الابتعاد عن الذنوب، فالذنوب تقسِّي القلوب، وتُقعد الهمم.

 

واحرص يا عبد الله على سلامة القلب من الحقد والحسد، واجتناب البدع، ولزوم السنة والحرص عليها، وامتلاء القلب من الخوف من الله مع قصر الأمل.

 

واعلم أن أشرف البواعث وأعظمها حبّ الله ومناجاته وحب رسوله –صلى الله عليه وسلم- وحب كتابه.

 

إنها صلاة المصلين، ودموع الباكين، ومناجاة الخاشعين. إنها زفرات المذنبين، وآهات التائبين، وأنين المستغفرين. إنها دعاء المخبتين، ومناجاة المحبين، ووجد المشتاقين. يرون أن من أعظم نعم محبوبهم عليهم أن أقامهم وأنام غيرهم، واستزارهم وطرد غيرهم، وأهّلهم وحرم غيرهم.

 

بكى الباكون للرحمن ليلاً *** وباتوا دمعهم لا يسأمونا

بقاع الأرض من شوق إليهم *** تحنّ متى عليها يسجدونا

 

قال عبد العزيز بن عمير: "إن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك أهل الدنيا فيُرى أثره عليه فكيف بمن ينقطع إلى الله -عز وجل- كيف لا يُرى أثره عليه؟!".

 

وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "بلغنا أنه إذا كان أول الليل نادى منادٍ: ألا ليقم العابدون، قال: فيقومون فيصلون ما شاء الله. ثم ينادى في وسط الليل: ألا ليقم القانتون، قال: فيقومون كذلك يصلون إلى السحر. قال فإذا كان السحر نادى مناد أين المستغفرون؟! قال: فيستغفر أولئك ويقوم آخرون يصلون. فإذا طلع الفجر نادى مناد: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فرشهم كالموتى نُشروا من قبورهم"

 

إذا ما الليل أظلم كابدوه *** فيسفر عنهم وهم ركوعُ

أطار الخوف نومهم فقاموا *** وأهل الأمن في الدنيا هجوع

لهم تحت الظلام وهم سجود *** أنين منه تنفرج الضلوع

 

قال الحسن بن عرفة ليزيد بن هارون: يا أبا خالد: ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: "ذهب بهما بكاء الأسحار"!

 

 وقال الحسن: كان عمر -رضي الله عنه- يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط ويبقى في البيت يعاد للمرض.

 

وكان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع دخل السحر؟ فيقول: لا فيعاود فإذا قال: نعم، قعد يستغفر الله حتى يصبح.

 

نزف البكاء دموع عينك فاستعر *** عينا لغيرك دمعها مدرار

من ذا يعيرك عينه تبكي بها *** أرأيت عينا للبكاء تعار؟

 

كانت حبيبة العدوية إذا صلت العتمة قامت فقالت: "إلهي غارت النجوم ونامت العيون، وأغلق الملوك أبوابهم وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك"، ثم تصلي فإذا كان السحر قالت: "اللهم هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأُهنَى أم رددتها عليّ فأُعزَّى؟!".

 

أيها المسلمون: وإن من أعظم ما يرجى في هذه العشر ويُتحرى ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

 

ليلة خير من ألف شهر، خفي تعيينها اختباراً وابتلاء، ليتبين العاملون وينكشف المقصرون، فمن حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه.

 

إنها ليلة تجري فيها أقلام القضاء بإسعاد السعداء وشقاء الأشقياء (ِفيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4]، ولا يهلك على الله إلا هالك. فاتقوا الله رحمكم الله، واعملوا وجدّوا وأبشروا وأملوا: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر].

 

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلنا من المقبولين إنه سميع قريب مجيب..

 

نفعني الله وإياكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن مما يَحُث الهمة ويبعث القوة أن تعلم أنك في أيام  فاضلة، وأوقات شريفة، في شهر مبارك، المغبون من فرط فيه، والخاسر من لم ينافس فيه، هو ميدان التسابق لقُوَّام الليل، وساحات التنافس للركّع السجود، هذه الأيام من أرجى الأيام، فليست قيمة الأيام بساعاتها، ولا قدر الليالي بطولها وعددها، وإنما قيمة الأوقات بما تحمله من خير للبشر، وسعادة للنفوس.

 

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واغتنموا أوقاتكم، وأروا الله من أنفسكم خيراً، وتعرضوا لنفحات ربكم، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.

 

فيا من وهبك الله القوة والعزم فأين جزاء الشاكرين؟!

 

قال محمد بن يوسف: كان الثوري يقيمنا الليل فيقول: قوموا يا شباب، صلوا ما دمتم شباباً، إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟!

 

كان مخلد بن الحسين يقول: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله فأَغتمّ! ثم أتعزى بقوله: (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء) [المائدة: 54].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" رواه البخاري.

 

أيها المسلمون: إن في صلاة الليل نعمة ولذة لا يعرفها إلا أهلها، الخاصّون بها، لذة يعجز لسان الخطيب عن وصفها، ويقف القلم وهو يكتب عنها، وفضلها لا يعد ولا يحصى. "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ".

 

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 1- 7].

 

(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17 - 18]، ولقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الليل حتى تورمت قدماه، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان يعلم أنه من أهل الجنة.

 

قال عبدالله بن رواحة:

وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أنّ ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

 

أين نحن الآن أيها الأحبة من ليالي رمضان الجميلة وقيامه، "نعم الرجل عبدالله لو كان يقوم من الليل".

 

فيا شهر القيام فدتك نفسي *** تمهل بالرحيل والانتقال

فما أدري إذا ما الحول ولى *** وعدت بقابل في خير حال

أتلقاني مع الأحياء حياً *** أو أنك تلقني في اللحد بالي

 

أيها المسلمون: يسن لمن أراد أن يصلي من الليل أن يستفتح بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ما كتب له، مثنى مثنى، يسلم بعد كل ركعتين، ويستحب أن يطيل القراءة والركوع والسجود، ويقرأ ويتدبّر، ويجتهد في الذكر والدعاء، ويكثر ولا يشق على نفسه فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا".

 

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

 

 

 

المرفقات
العشر الأخيرة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life