عناصر الخطبة
1/نسيم الجنة في عشر ذي الحجة 2/أعمال عشر ذي الحجة 3/أفضل الذكر وأعظمه 4/أهمية الأعمال الصالحة في زمان الفتن 5/نماذج للأعمال الصالحة في عشر ذي العشر.اقتباس
في زماننا فتن عظيمة، وبلايا كبيرة، ومِحَن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا مَن وفَّقه الله للعمل الصالح والعلم المتين، وأبعد نفسه وأهله عن مواطن العطن، قال -عليه الصلاة والسلام-: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الكبير المتعال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)[الطلاق: 10- 11].
أخرج الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: لما كان يومَ بَدْرٍ، ودَنَا الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"، فقَالَ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟"، قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا"، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.
"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ" في عشرِ ذي الحجة يهب نسيم الجنة، وهي أفضل من الجهادِ وقتالِ الأعداء "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الأيام العشر؟"، قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الجِهَادُ"، فرصةٌ سانحةُ عظيمةُ أن تُشرع بين أيدينا أبوابُ الجنّةِ لندخلها، إنا لنجد ريحها من دون العشر الباقيات الصالحات.
"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"؛ بأداء فريضة الحج "إن اللهُ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا"، أعظم أعمالِ هذه العشر حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً؛ "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ".
من نالَ من عرفاتِ نظرةَ ساعةٍ *** نالَ السرورَ ونالَ كلَّ مرادِ
"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"، بشدّ العزم على جهاد النفس والهوى؛ (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40- 41].
"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"؛ بالصبر والمصابرة على الأعمال الصالحة، قَالَ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- يومً لأصحابه: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟"؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"؛ بالعجِّ بالتسبيحِ والتهليلِ والتكبير، قال ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنه-: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مِنَ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟"، قَالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ"، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ ذَلِكَ".
الله أكبر جلالٌ للهٍ وإجلالٌ لجنابه، وعلوٌ لله وسموٌ لصفاته (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)[الرعد: 9].
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا *** كَأَنَّهُ الرِّيُّ فِي الأَرْوَاحِ يُحْيِيْهَا
إذا عُظم المخلوق وكثر إطرائه، فاذكر الله وكبر أسمائه (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[العنكبوت: 45].
تكبير الله إشعار بعظمة الله وكبريائه، وأنه أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأقدر على كل شيء. (إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فصلت: 39].
أكبر من تسلُّط الظالمين، وطغيان المعتدين، وهو العلي الكبير.
تكبير اللهِ وذكرهِ لا يُعذَر بتركه أحد، شعارُ هذه الأيَّام (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج: 28]؛ قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: "هي أيَّام العشر".
وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة وابن عمر كانا يخرجان إلى السوق فيُكبّران ويُكبِّر الناس بتكبيرهم.
وكان عمر بن الخطاب يُكبّر في قُبّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيُكبِّرون، ويُكبِّر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا.
وأفضل الذكر كلام الله (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29- 30].
إذا رأيتَ من نفسك إقبالاً، فزِدْ فيها أعمالاً.
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا *** فَإِنَّ لِكُلِّ عَاصِفَةٍ سُكُون
وَلاَ تَغْفُلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا *** فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُون
وأحب الأعمال إلى الله فرائضه: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ"، ومن أراد قربه من ربه فلْيَلُذْ بجنابه، ولا يضعف عن دعائه.
"فاسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"، "الصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
هذه مقوماتُ النجاح لمن أرادها، وبراهين الفوزِ لمن تمسك بها، "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ".
بلَّغنا الله وإياكم منازل الأبرار، بجوار النبي المختار، فِي (جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 54- 55].
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
أما بعد: في زماننا فتن عظيمة، وبلايا كبيرة، ومِحَن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا مَن وفَّقه الله للعمل الصالح والعلم المتين، وأبعد نفسه وأهله عن مواطن العطن، قال -عليه الصلاة والسلام-: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"(أخرجه مسلم).
وأبواب الخير وطرق البر لا حصر لها، وأبواب الجنة مشرعة لكل مؤمن يفعل الخير ويرجو ثوابه، فقد دخلت بَغِيُّ الجنّةَ بشربةِ ماءٍ سقتها كلبٌ، و"رأى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يتقلبُ في الجنّةِ بغُصْنِ شوكٍ أزاحه عن طريقِ المسلمين، "ومَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، "ومَنْ صَلَّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"، "والْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ دَعْهُ"، "ومَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً"، "والسَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَار".
ودلّ الطريق صدقة، وحملك الرجل في الطريق صدقة. و"صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُق؛ يُعَمِّرنَ الدِّيَارَ، وَيَزِدْنَ فِي الأَرزاق"، وكذا رعاية الأسرة والتربية الحسنة. و"كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ"، "فلا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا"؛ فلا تدي أيّ عمل يُدخلك الله به الجنة، فاضرب بكل بسهم.
وإياك ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على العبد حتى تهلكه؛ والإسبال والكذب والغيبة والحسد وظلم النفس والناس مهلكات "ومَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ".
واعلموا أنّ من أرادَ أن يُضحِّي فيجب عليه أنْ يُمسِك عن شعره وأظفاره، فلا يأخُذ منه شيئًا؛ كما ثبت ذلك في صحيح مسلمٌ، وأخذ اللحية محرم على الدوام.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم.. اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا.
التعليقات