عناصر الخطبة
1/معنى القوامة 2/أسباب تميز الرجل بها دون المرأة 3/ما تقتضيه القوامة على الزوج والزوجة 4/فهم خاطئ حول معنى القوامة 5/هل في القوامة تقييد لحرية المرأة؟ 6/من ثمرات قوامة الرجل.اقتباس
هُنَاكَ فَهْمٌ خَاطِئٌ يُرَادُ إِيصَالُهُ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ إِلَى النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ؛ بِأَنَّ الْقِوَامَةَ تَسَلُّطٌ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَقَهْرٌ لَهَا، وَإِلْغَاءٌ لِشَخْصِيَّتِهَا, وَكَبْتٌ لِحُرِّيَّتِهَا, وَهَذَا الْفَهْمُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ بَلِ الْقِوَامَةُ مَسْؤُولِيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ شَرْعِيٌّ لِلزَّوْجِ, وَتَشْرِيفٌ لِلزَّوْجَةِ وَتَكْرِيمٌ لَهَا...
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: الْأُسْرَةُ مُجْتَمَعٌ مُصَغَّرٌ, وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُجْتَمَعٍ مِنْ قَائِدٍ يَسُوسُهُ, وَيَقُومُ عَلَى مَصَالِحِهِ وَيَرْعَاهُ, وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ, وَلَمَّا كَانَ نَوَاةُ الْأُسْرَةِ مُكَوَّنًا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَكَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ عَلَيْهَا أَحَدَهُمَا, وَقَدِ اخْتَصَّ اللهُ -تَعَالَى- الرَّجُلَ بِخَصَائِصَ وَمَزَايَا جَسَدِيَّةٍ وَوَظِيفِيَّةٍ تُؤَهِّلُهُ لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ, وَتَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّةِ أُسْرَتِهِ, قَالَ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34]؛ وَالْقَوَّامُونَ جَمْعُ الْقَيِّمِ: وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شَأْنِ شَيْءٍ وَيُصْلِحُهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: "وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ, وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ".
وَقَالَ السَّعْدِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: "أَيْ: قَوَّامُونَ عَلَيْهِنَّ بِإِلْزَامِهِنَّ بِحُقُوقِ اللهِ -تَعَالَى-؛ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَكَفِّهِنَّ عَنِ الْمَفَاسِدِ، وَالرِّجَالُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُلْزِمُوهُنَّ بِذَلِكَ، وَقَوَّامُونَ عَلَيْهِنَّ -أَيْضًا- بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَالْكِسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِقِيَامِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)؛ أَيْ: بِسَبَبِ فَضْلِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَإِفْضَالِهِمْ عَلَيْهِنَّ، فَتَفْضِيلُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: مِنْ كَوْنِ الْوَلَايَاتِ مُخْتَصَّةً بِالرِّجَالِ، وَالنُّبُوَّةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَاخْتِصَاصُهُمْ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ؛ كَالْجِهَادِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ, وَبِمَا خَصَّهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ الْعَقْلِ وَالرَّزَانَةِ وَالصَّبْرِ وَالْجَلَدِ الَّذِي لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِثْلُهُ, وَكَذَلِكَ خَصَّهُمْ بِالنَّفَقَاتِ عَلَى الزَّوْجَاتِ، بَلْ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّفَقَاتِ يَخْتَصُّ بِهَا الرِّجَالُ وَيَتَمَيَّزُونَ عَنِ النِّسَاءِ".
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: أَنْ تَكُونَ الْقِوَامَةُ لِلرَّجُلِ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تُوجِبُهُ طَبِيعَةُ الرَّجُلِ وَطَبِيعَةُ الْمَرْأَةِ, "وَهُنَاكَ ثَلَاثَةُ أَوْضَاعٍ يُمْكِنُ أَنْ تُفْتَرَضَ بِشَأْنِ الْقِوَامَةِ فِي الْأُسْرَةِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الْقَيِّمَ، أَوْ تَكُونَ الْمَرْأةُ هِيَ الْقَيِّمَ, أَوْ يَكُونَا مَعًا قَيِّمَيْنِ, وَنَسْتَبْعِدُ الْفَرْضَ الثَّالِثَ مُنْذُ الْبَدْءِ؛ لِأَنَّ التَّجْرِبَةَ أَثْبَتَتْ أَنَّ وُجُودَ رَئِيسَيْنِ لِلْعَمَلِ الْوَاحِدِ أَدْعَى إِلَى الْإِفْسَادِ مِنْ تَرْكِ الْأَمْرِ فَوْضَى بِلَا رَئِيسٍ... بَقِيَ الْفَرْضَانِ الْأَوَّلَانِ, وَقَبْلَ أَنْ نَخُوضَ فِي بَحْثِهِمَا؛ نَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ: أَيُّهُمَا أَجْدَرُ أَنْ تَكُونَ وَظِيفَتُهُ الْقِوَامَةَ، بِمَا فِيهَا مِنْ تَبِعَاتٍ: الْفِكْرُ أَمِ الْعَاطِفَةُ؟ فَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ الْبَدِيهِيُّ هُوَ الْفِكْرَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الْأُمُورَ فِي غَيْبَةٍ عَنِ الِانْفِعَالِ الْحَادِّ الَّذِي كَثِيرًا مَا يَلْتَوِي بِالتَّفْكِيرِ؛ فَيَحِيدُ بِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُبَاشِرِ الْمُسْتَقِيمِ، فَقَدِ انْحَلَّتِ الْمَسْأَلَةُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى جِدَالٍ كَثِيرٍ.
فَالرَّجُلُ بِطَبِيعَتِهِ الْمُفَكِّرَةِ لَا الْمُنْفَعِلَةِ، وَبِمَا يَحْتَوِي كِيَانُهُ مِنْ قُدْرَةٍ عَلَى الصِّرَاعِ وَاحْتِمَالِ أَعْصَابِهِ لِنَتَائِجِهِ وَتَبِعَاتِهِ، أَصْلَحُ مِنَ الْمَرْأَةِ فِي أَمْرِ الْقِوَامَةِ عَلَى الْبَيْتِ, بَلْ إِنَّ الْمَرْأَةَ ذَاتَهَا لَا تَحْتَرِمُ الرَّجُلَ الَّذِي تُسَيِّرُهُ فَيَخْضَعُ لِرَغَبَاتِهَا، بَلْ تَحْتَقِرُهُ بِفِطْرَتِهَا وَلَا تُقِيمُ لَهُ أَيَّ اعْتِبَارٍ... وَلَيْسَ مُؤَدَّى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَبِدَّ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، أَوْ بِإِدَارَةِ الْبَيْتِ؛ فَالرِّئَاسَةُ الَّتِي تضعْنِي التَّبِعَةَ لَا تَنْفِي الْمُشَاوَرَةَ وَلَا الْمُعَاوَنَةَ, بَلِ الْعَكْسُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ فَالرِّئَاسَةُ النَّاجِحَةُ هِيَ الَّتِي تَقُومُ عَلَى التَّفَاهُمِ الْكَامِلِ وَالتَّعَاطُفِ الْمُسْتَمِرِّ, وَكُلُّ تَوْجِيهَاتِ الْإِسْلَامِ تَهْدِفُ إِلَى إِيجَادِ هَذِهِ الرُّوحِ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ".
عِبَادَ اللهِ: وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْقِوَامَةُ عَلَى الرَّجُلِ الْقِيَامَ بِأَعْبَائِهَا؛ وَلِذَا لَمْ يَخْتَرِ اللهُ -تَعَالَى- لِهَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ أَلْفَاظًا؛ كَالسَّيِّدِ وَالرَّئِيسِ وَنَحْوِهَا, "وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ الدَّقِيقَ (قَوَّامُونَ)؛ لِيُفِيدَ مَعْنًى سَامِيًا بَنَّاءً، يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ، وَالذَّبِّ عَنْهُنَّ... فَقِيَامُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ هُوَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ؛ وَهُوَ أَنْ يَقُومَ بِتَدْبِيرِهَا، وَتَأْدِيبِهَا, وَإِمْسَاكِهَا فِي بَيْتِهَا، وَأَنَّ عَلَيْهَا طَاعَتَهُ، وَقَبُولَ أَمْرِهِ، مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِالْفَضِيلَةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْعَقْلِ، وَالْقُوَّةِ، فِي أَمْرِ الْجِهَادِ، وَالْمِيرَاثِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ".
وَقِوَامَةُ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ تَقْتَضِي مِنْهَا طَاعَةُ زَوْجِهَا فِي الْمَعْرُوفِ؛ فَهُوَ قَيم الْبَيْتِ وَرَاعِيهِ, وَسَائِسُ الْأُسْرَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ), وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ عَلَى شُؤُونِهِ وَرِعَايَةِ مَصَالِحِهِ, وَتَعَاهُدِ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَنَامِهِ, وَوَعَدَهَا اللهُ -تَعَالَى- بِالثَّوَابِ الْعَظِيمِ عَلَى ذَلِكَ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هُنَاكَ فَهْمٌ خَاطِئٌ يُرَادُ إِيصَالُهُ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ إِلَى النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ؛ بِأَنَّ الْقِوَامَةَ تَسَلُّطٌ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَقَهْرٌ لَهَا، وَإِلْغَاءٌ لِشَخْصِيَّتِهَا, وَكَبْتٌ لِحُرِّيَّتِهَا, وَهَذَا الْفَهْمُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ بَلِ الْقِوَامَةُ مَسْؤُولِيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ شَرْعِيٌّ لِلزَّوْجِ, وَتَشْرِيفٌ لِلزَّوْجَةِ وَتَكْرِيمٌ لَهَا؛ فَالْقِوَامَةُ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى عَاتِقِ الرَّجُلِ؛ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ رِعَايَةَ هَذِهِ الزَّوْجَةِ, وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا, وَالسَّعْيَ فِي مَصَالِحِهَا, وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهَا, قَالَ الْجَصَّاصُ: "(قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)؛ قِيَامُهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ"، وَاللهُ -تَعَالَى- سَائِلٌ الزَّوْجَ عَنْ هَذِهِ الْأَمَانَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ؛ أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمَعَ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الَّتِي كَلَّفَ اللهُ بِهَا الْأَزْوَاجَ؛ فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الزَّوْجَاتِ, وَالرُّقِيِّ فِي التَّعَامُلِ مَعَهُنَّ, قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء: 19], وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228], وَفِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَجَّهَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خِطَابَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَائِلاً: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ), بَلْ وَأَمَرَ الرَّجُلَ بِالصَّبْرِ عَلَى خُلُقِ امْرَأَتِهِ وَمُرَاعَاةِ نَفْسِيَّتِهَا, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)؛ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُلَاطَفَةُ النِّسَاءِ, وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِنَّ, وَالصَّبْرُ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ، وَاحْتِمَالِ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ، وَكَرَاهَةُ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ لَا يُطْمَعُ بِاسْتِقَامَتِهَا"(شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ), وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ بِمَشُورَةِ أَزْوَاجِهِ، وَكُنَّ يُرَاجِعْنَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَيَقْبَلُ مِنْهُنَّ ذَلِكَ.
عِبَادَ اللهِ: وَبِسَبَبِ حَمَلَاتِ التَّغْرِيبِ الْمُسْتَمِرَّةِ, وَدُعَاةِ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ, وَأَوْهَامِ مُسَاوَاتِهَا بِالرَّجُلِ, وَالْجَهْلِ بِالشَّرِيعَةِ, وَالتَّطْبِيقِ الْخَاطِئِ لِمَفْهُومِ الْقِوَامَةِ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الرِّجَالِ؛ تَظُنُّ بَعْضُ النِّسَاءِ أَنَّ قِوَامَةَ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ يَنْتَقِصُ مِنْ حُقُوقِهَا, وَرُبَّمَا انْخَدَعَتْ بِحَيَاةِ الْمَرْأَةِ الْغَرْبِيَّةِ الَّتِي تُعَانِي كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ الْمُنْفَلِتَةِ, وَنَظْرَةٌ إِلَى وَاقِعِ الْمَرْأَةِ الْغَرْبِيَّةِ تُنْبِي عَمَّا تُعَانِيهِ النِّسَاءُ هُنَاكَ؛ فَهَذِهِ مُحَامِيَّةٌ فَرَنْسِيَّةٌ تَقُولُ: "سَبْعَةَ أَسَابِيعَ قَضَيْتُهَا فِي زِيَارَةِ كُلٍّ مِنْ بَيْرُوتَ وَدِمَشْقَ وَعَمَّانَ وَبَغْدَادَ، وَهَا أَنَا أَعُودُ إِلَى بَارِيسَ؛ فَمَاذَا وَجَدْتُ؟ وَجَدْتُ رَجُلاً يَذْهَبُ إِلَى عَمَلِهِ فِي الصَّبَاحِ يَتْعَبُ وَيَشْقَى... يَعْمَلُ حَتَّى إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ عَادَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَمَعَهُ خُبْزٌ، وَمَعَ الْخُبْزِ حُبٌّ وَعَطْفٌ وَرِعَايَةٌ لَهَا وَلِصِغَارِهَا, الْأُنْثَى فِي تِلْكَ الْبِلَادِ لَا عَمَلَ لَهَا إِلَّا تَرْبِيَةُ الْجِيلِ، وَالْعِنَايَةُ بِالرَّجُلِ الَّذِي تُحِبُّ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ قَدَرُهَا, فِي الشَّرْقِ تَنَامُ الْمَرْأَةُ وَتَحْلُمُ وَتُحَقِّقُ مَا تُرِيدُ، فَالرَّجُلُ وَفَّرَ لَهَا خُبْزًا وَرَاحَةً وَرَفَاهِيَةً.
وَفِي بِلَادِنَا؛ حَيْثُ نَاضَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الْمُسَاوَاةِ فَمَاذَا حَقَّقَتْ؟! الْمَرْأَةُ فِي غَرْبِ أُورُوبَّا سِلْعَةٌ, فَالرَّجُلُ يَقُولُ لَهَا: انْهَضِي لِكَسْبِ خُبْزِكِ؛ فَأَنْتِ قَدْ طَلَبْتِ الْمُسَاوَاةَ، وَمَعَ الْكَدِّ وَالتَّعَبِ لِكَسْبِ الْخُبْزِ تَنْسَى الْمَرْأَةُ أُنُوثَتَهَا, وَيَنْسَى الرَّجُلُ شَرِيكَتَهُ وَتَبْقَى الْحَيَاةُ بِلَا مَعْنًى".
إِنَّ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ دُعَاةِ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ, وَمَا يَبُثُّونَهُ مِنْ شُبُهَاتٍ حَوْلَ تَشْرِيعَاتِ الْإِسْلَامِ, الْمُرَادُ مِنْهَا تَحْطِيمُ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ, بِتَحْطِيمِ كِيَانِ الْأُسْرَةِ الْمَنِيعِ, وَبِذَلِكَ يَصِلُونَ إِلَى مَا يُرِيدُونَ حَقِيقَةً عَبْرَ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الْمَشْبُوهَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى تَمَرُّدِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى زَوْجِهَا, وَعَلَى أَحْكَامِ شَرْعِهَا.
فَلْتَحْذَرِ الْمُسْلِمَةُ مِنْ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الْمَسْمُومَةِ, فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَنَتَائِجُهَا فِي الْغَرْبِ مَعْلُومَةٌ؛ تَشَتُّتٌ لِلْأُسَرِ, وَفَسَادٌ فِي الْأَخْلَاقِ, وَضَيَاعٌ لِلْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ؛ فَطَبِيعَةُ الْمَرْأَةِ غَيْرُ طَبِيعَةِ الرَّجُلِ؛ لَا فِي الْبِنْيَةِ الْجَسَدِيَّةِ, وَلَا فِي التَّكْوِينِ الْعَاطِفِيِّ, فَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَسْؤُولِيَّاتٍ فِي كِيَانِ أُسْرَتِهِ, يَنْسَجِمُ مَعَ طَبِيعَتِهِ الْخَلْقِيَّةِ وَالْعَاطِفِيَّةِ, وَاللهُ الْحَكِيمُ الَّذِي شَرَّعَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ عَلَى عِبَادِهِ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُمْ, وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14]
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ قِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ تَحْقِيقُ الْغَايَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا شَرَعَ اللهُ الزَّوَاجَ, أَلَا وَهِيَ تَحْقِيقُ السَّكَنِ, وَالِاسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ لِلزَّوْجَيْنِ, قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]؛ فَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ تَأْوِي إِلَى زَوْجِهَا وَتَسْكُنُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا, قَالَ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[الأعراف:189]؛ فَهُوَ يَرْعَاهَا وَيَحُوطُهَا بِعِنَايَتِهِ, وَيَحْفَظُ لَهَا مَصَالِحَهَا, وَهِيَ تَقُومُ بِشُؤُونِهِ, وَإِذَا مَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَسْؤُولِيَّاتِهِ وَوَاجِبَاتِهِ تِجَاهَ الطَّرَفِ الْآخَرِ, وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ؛ يَتَحَقَّقُ لِلْأُسْرَةِ سَعَادَتُهَا, وَلِلْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ نَجَاحُهَا.
وَالْإِسْلَامُ حِينَ شَرَعَ الْقِوَامَةَ لِلرَّجُلِ فِي أُسْرَتِهِ بِحَسَبِ طَبِيعَتِهِ الْجَسَدِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ, لَمْ يَنْسَ الْمَرْأَةَ؛ فَجَعَلَ لَهَا وَظِيفَةً تُنَاسِبُ طَبِيعَتَهَا؛ فَهِيَ رَبَّةُ الْبَيْتِ, قَائِمَةٌ عَلَى شُؤُونِهِ, الْمَسْؤُولَةُ عَنْ تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا، وَأَوْجَبَ لَهَا الْإِسْلَامُ عَلَى زَوْجِهَا السَّكَنَ, وَالنَّفَقَةَ, وَالْكِسْوَةَ بِالْمَعْرُوف، وَكَفَلَ لَهَا الْمُعَامَلَةَ الْحَسَنَةَ, وَالِاحْتِرَامَ وَالتَّقْدِيرَ, وَكَرَّمَهَا أَيَّمَا تَكْرِيمٍ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
التعليقات