عناصر الخطبة
1/ نعمةُ الهداية إلى قصد السبيل وسواء الصراط 2/ سمات ومعالم الصراط المستقيم 3/ مثلان عظيمان من السنة النبوية 4/ وجوب تحري الصراط المستقيم وعدم الحيدة عنه 5/ أعظم الدعاء وأجلُّه.
اهداف الخطبة

اقتباس

جديرٌ بنا أن ننظر في حالنا أين نحن من هذا الصراط؟ أنحن عليه سائرون؟ أم عنه حائدون جائرون؟؛ فإن من الناس -عباد الله- خلقًا كثيرًا أخذَت بهم تلك الأبواب مآخذ شتى وطرائق قِددًا، جارت بهم عن صراط الله -تبارك وتعالى -المستقيم، لاسيما وأن كل بابٍ من تلك الأبواب المفتحة عليه شيطان يدعو إليه.. اتق الله ربك والزم صراطه المستقيم، وإياك وبنيَّات الطريق والاعوجاج، إياك والانحراف عن صراطه؛ فإن الانحراف عن صراط الله المستقيم هلَكَة...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الهادي الكريم، يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

 

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له العليُّ العظيم، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله بالمؤمنين رءوف رحيم؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه وعلى جميع من سلك سبيله القويم.

 

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله –تعالى- وراقبوه جلَّ في علاه مراقبةَ مَن يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه؛ وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون: إنَّ أعظم النِّعم وأجلَّ المنن وأكبرها على الإطلاق نعمةُ الهداية إلى قصد السبيل وسواء الصراط؛ ولهذا كان أعظم الدعاء وأجلُّه دعاء الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 6- 7].

 

والصراط المستقيم -أيها العباد- طريقٌ واسعٌ مستقيمٌ لا اعوجاج فيه يُفضي بسالكه والثابت عليه إلى رضوان الله وجناته جل في علاه. سأل رجل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ما الصراط المستقيم؟ قال: «طريقٌ تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادّ، وعن يساره جوادّ، وثَم رجالٌ يدعون من مر بهم؛ فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة».

 

أيها المؤمنون عباد الله: وقد ضرب نبينا -عليه الصلاة والسلام- في سنته الثابتة مثلين عظيمين جليلٌ شأنهما جديرٌ بكل مسلم أن يعيهما وأن يتدبرهما؛ ليعرف الصراط معرفةً قويمة وليكون في أمَنة في سيره وعافيةٍ في طريقه وسلامةٍ من الجوادِّ المهلكة والسبُل الجائرة، كما قال الله جل في علاه: (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)[النحل:9].

 

أما المثل الأول أيها العباد: فقد روى الإمام أحمد في مسنده وغيره عن النواس بن سمعان الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ: الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ –تَعَالَى-، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ".

 

فهذا مثل يا معاشر المؤمنين عظيمٌ للغاية جديرٌ بكل مسلم أن يُعنى به. قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «فليتأمل العارف هذا المثل وليتدبره حق تدبره وليزن نفسه به وينظر أين هو منه؟».

 

نعم عباد الله؛ جديرٌ بنا أن نتدبر هذا المثل العظيم، وأن نتأمل في هداياته ودلالاته، وأن ننظر في حالنا أين نحن من هذا الصراط؟ أنحن عليه سائرون؟ أم عنه حائدون جائرون؟؛ فإن من الناس -عباد الله- خلقًا كثيرًا أخذَت بهم تلك الأبواب مآخذ شتى وطرائق قِددًا جارت بهم عن صراط الله -تبارك وتعالى -المستقيم، لاسيما وأن كل بابٍ من تلك الأبواب المفتحة عليه شيطان يدعو إليه، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «إن هذا الصراط محتضَر تحضره الشياطين تقول هلُمَّ هذا الطريق؛ فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن».

 

أيها المؤمن: اتق الله ربك والزم صراطه المستقيم، وإياك وبنيَّات الطريق والاعوجاج، إياك والانحراف عن صراطه؛ فإن الانحراف عن صراط الله المستقيم هلَكَة. ويوم القيامة يوم يقف العباد بين يدي الله -عز وجل- يندم الجائرون عن الصراط ندامةً عظمى، ويعرفون في ذلك اليوم معرفة جيدة قدر هذا الصراط وعظم التوفيق لمن كان من أهله، قال الله -تبارك وتعالى- في آخر آية من سورة طه (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ) أي: يوم القيامة (مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) [طه: 135].

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة.

 

أيها المؤمنون: وأما المثل الثاني في بيان الصراط؛ فما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام:153]».

 

فلنتق الله عباد الله، ولنجاهد أنفسنا على لزوم صراطه المستقيم، ولنستعِذ بالله من الشيطان الرجيم، ولنسأل الله الثبات على الصراط والهداية إلى الصراط، ولنسأله -جل وعلا- دومًا وأبدًا بتلك الدعوة العظيمة في سورة الفاتحة؛ فإن الله -عز وجل- لم يوجِب على عباده دعوة مثل تلك الدعوة العظيمة، وليستشعر المسلم في كل مرة يقرأ فيها الفاتحة أنه يدعو الله بهذا الدعاء العظيم الذي هو أعظم الدعاء وأجلُّه.

 

واعلموا رعاكم الله أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.

 

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. اللهم ارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا، وحافظًا ومؤيدا.

 

اللهم وانصر جنودنا في حدود البلاد نصرًا مؤزرا وأيِّدهم بتأييدك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتَّبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات
قصد السبيل.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life