عناصر الخطبة
1/ حكمة الله في ابتلاء الأنبياء 2/ تعرض نبي الله يوسف لابتلاء جديد 3/ عفة يوسف وصبره مضرب الأمثال 4/ إعراض يوسف عن إغراءات امرأة العزيز 5/ تفسير الهم ورد الإسرائيليات عنه.اهداف الخطبة
اقتباس
أي ابتلاء بعد هذا الابتلاء؟! وأي تمحيص يجاري هذا التمحيص؟! وأي امتحان أصعب من هذا الامتحان؟! يوسف -عليه السلام- شاب قوي عزب فيه ثورة الشباب واندفاعه وغريزته والشهوة أحيانا تغطّي العقل حتى يصير الإنسان أسير شهوته تسوقه حيث شاءت وهو أيضًا غريب والإنسان في وطنه ربما يمنعه في الوقوع في المحذور خوف الفضيحة أمام الأصحاب والأقارب والأهل والجيران.. والتي أمامه امرأة جميلة ذات منصب ومال، وهي التي تدعوه بكل قوة وإصرار وهي التي هيّأت أجواء الأمن من الفضيحة وهي سيدته التي تأمره وتنهاه، وهو الآن لا يستطيع الانصراف فالأبواب مغلقة، وقد احتفظت هي بمفاتيحها: (هيت لك) هلم إليّ تعالى، فرد عليها الكريم بن الكريم بن الكريم (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ)...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تتوالى ألطاف الله تعالى بنبيه يوسف وينشأ عزيزًا مكرمًا في دار العزيز؛ وزير الملك حتى ظهرت زهرة شبابه -عليه السلام-، قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:22]، تربى في القصر صبيًّا حتى صار غلامًا، ولما أصبح فتى جاوز الثامنة عشرة إلى ما بعدها وبلغ غاية الرشد واكتمل شبابه واكتملت قوته قال بعض المفسرين "أي لما بلغ عشرين سنة"، وقال آخرون: فوق ذلك، وقال آخرون: فوق الثامنة عشرة.
الحاصل أن الله -تعالى- أوحى إليه عندها أي في سن مبكرة (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا).
هكذا عاش يوسف في قصر مشيد وتحت رعاية بالغة كريمة، ثم بعد ذلك أوتي الحكمة والعلم، هل يقف الحد هنا؟ رخاء وكرامة وهناء .. كلا فسنة الله في ابتلاء أنبياءه وعباده كلهم لا تتخلف (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2].
قال ابن القيم: "فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم، ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم: ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم".
وقال ابن القيم أيضاً: "وإذا تأملت حكمته –سبحانه- فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان".
وقال -رحمه الله- في مقام آخر يعتب على من استسهل طريق الدعوة والإصلاح الموصل إلى منازل العليين فظنه مفروشًا بالورد وبيّن أن فيه من قسوة الابتلاء وما يعقبه من نصر الله في الدنيا والآخرة فقال: "والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقداد بكاءُ داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم".
وهكذا ينزل بيوسف نوع آخر من أنواع الابتلاء ناسب وضعه وصفته؛ إذ كان عليه السلام آية من آيات الله جمالاً.
ففي صحيح مسلم من رواية أنس في حديث الإسراء والمعراج قال عليه الصلاة والسلام: "ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت ومن معك؟ قال محمد -صلى الله عليه وسلم-، قيل وقد بعث إليه؟ قد بعث إليه، قال ففتح لنا فإذا أنا بيوسف -صلى الله عليه وسلم- وإذ هو قد أعطي شَطْرَ الْحُسْنِ"، أعطي نصف جمال الدنيا، شاب بلغ من الوسامة والجمال والجاذبية ما يعجب منه العجب ليس بيده هو ولا بيد أبيه ولا أمه وإنما هو خلق الله.
شاب جميل عفيف يجول بالخدمة في أرجاء القصر أمام امرأة بين سن الثلاثين وسن الأربعين يبدو أنها فقدت ما تريده من زوجها، أو أنها فُتنت بجمال فتاها، وتجيء المحنة الثانية في حياة يوسف وهي أشد وأعمق من محنة الجبّ تجيئه، وقد أوتي الحكم والعلم فمع المنح تأتي المحن، وكما قال نبي الله سليمان -عليه السلام-: لما أوتي منحة القوة والسلطان والقدرة لما رأى فوق ذلك عرش بلقيس العظيم ماثلاً بين يديه (قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).
فمع كل محنة منحة وتمحيص، قال -تعالى- (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)، راود من فعل ففي الفعل معنى المنازعة مثل قاتل وصارع، فهناك فعل ورد فعل فهي تراود وهو يمتنع، والمراودة في الأصل المطالبة برفق ولين مرة تلو مرة ولم يذكر في وصفها هنا في هذا المقام كونها امرأة العزيز فالمقام مقام أمر لفعل يناقض العفة ويخون عهد الزوجية، وإنما قال (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) ونسبة البيت إليها وحدها فهو بيتها إشعار بأن الأمر آتٍ من أعلى سلطة في البيت، فلو كانت التي راودته جارية من جواري البيت لخافت الفضيحة والعقوبة من سيدتها، ولكن المراودة تأتي من سيدة البيت بلا منازع فهي تراوده بكل ثقة وبلا خوف وهو وإن كانت له مكانة أكرم به مثواه ومقامه في القصر بوصاية من زوجها العزيز إلا أنه لا يزال خادمها في بيتها تأمره بخدمتها فيخدمها.
لقد حاولت إغراءه تلميحًا ثم تصريحًا، ولربما أظهرت له مفاتنها ومحاسنها لترغبه فيه لكنه استعصم، ولم يلتفت إلى شيء من هذا واستمر متمسكا بالعفة والطهارة والخلق الكريم، فلما ضاق بها الصدر ووصلت رغبتها إلى منتهاه انتقلت إلى مرحلة القسر والقهر، قال عنه نفسه القرآن الكريم لم يسبق إلى استعمال هذه الكناية المحتشمة الرائعة في طلب المواقعة، وهذا هو أدب القرآن الجم في ألفاظه عند تناوله لمثل هذه المواقف، ألفاظ كريمة ذات دلالة فالمرأة في مراودتها عنه نفسه تحاول أن تقتحم نفس يوسف وعفافه، وتريد منه أن يتجاوز هو عفافه وتمنعه عن الرذيلة وتريده أن يمكّنها من نفسه، ويسلم إليها إرادته وتحكمه في نفسه.
اللهم ثبت قلوبنا على طاعتك وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
قال (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) كل هذا حتى تهوّن عليه الأمر وتهيؤه، (غلّقت) ولعل السر في اختيار صيغة فعّل غلق أنها تأتي غالبًا للتكثير مما يدل على كثرة الأبواب التي غلقتها امرأة العزيز لتحول دون تفلت يوسف منها، وفيه دلالة أيضًا على إحكام التغليق .
قال بعض المفسرين: إن التضعيف في فعل يدل على أنها تتبعت أبواب القصر كلها تغلقها بابًا بابا حتى بلغت باب الحجرة التي فيها يوسف كي تحدث في قلبه الأمن من اكتشاف أمرهما، ولكي تجعل هروبه منها لو فكر في الهروب أمرا صعبا جدا، وكانت قد تهيأت وتزينت وهي امرأة جميلة وصاحبة شأن وسؤدد فالتفتت إليه بعد إغلاق الأبواب ونظرت إليه بشغف وقالت (هَيْتَ لَكَ) أي: تعالى.
معاشر المسلمين: أي ابتلاء بعد هذا الابتلاء؟! وأي تمحيص يجاري هذا التمحيص؟! وأي امتحان أصعب من هذا الامتحان؟! يوسف -عليه السلام- شاب قوي عزب فيه ثورة الشباب واندفاعه وغريزته والشهوة أحيانا تغطّي العقل حتى يصير الإنسان أسير شهوته تسوقه حيث شاءت وهو أيضًا غريب والإنسان في وطنه ربما يمنعه في الوقوع في المحذور خوف الفضيحة أمام الأصحاب والأقارب والأهل والجيران.
أما الغريب فهو في العادة أجرأ في الوقوع في المعصية ولهذا نجد الكثيرين إذا هموا بأمر سوء ذهبوا إلى بلاد بعيدة ليفعلوا ما يفعلوا بعيدًا عن أعين الرقباء وعن أعن الأهل والمعارف.
والتي أمامه امرأة جميلة ذات منصب ومال، وهي التي تدعوه بكل قوة وإصرار وهي التي هيّأت أجواء الأمن من الفضيحة وهي سيدته التي تأمره وتنهاه، وهو الآن لا يستطيع الانصراف فالأبواب مغلقة، وقد احتفظت هي بمفاتيحها: (هيت لك) هلم إليّ تعالى.
فرد عليها الكريم بن الكريم بن الكريم (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) يا لها من عبارة (مَعَاذَ اللّهِ) أي: أعوذ بالله وأستجير به مما دعوتني إليه، ومعاذ مصدر، أي أعوذ بالله معاذًا، والمصدر هنا مضاف إلى اسم الله، فحل محل الفعل فبدل أن تقول أعوذ بالله تقول معاذ الله وهو لتأكيد الفعل أي: أستعيذ بالله معاذًا.
والمؤمن إنما يستعيذ إذا خارت أسبابه أمام الحدث الذي يمر به فلا يجد من ينجده، وهذا هو الحال في اللحظة الصعبة التي جرت على يوسف أمام سعار امرأة العزيز، فإن نفسه نفس بشرية تتأثر وتضعف والإغراء الذي يواجهه عظيم، وكأنما هو يقول: ما الذي يمنع نفسي من قبول تلك الدعوة الآثمة؟ إنه الله ربي، وما الذي يصرف رغبتي وغريزتي الفطرية عن غشيان الفاحشة؟ إنه الخوف من الله (مَعَاذَ اللّهِ).
وكما صح في البخاري من حديث أبو هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله"، قال: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله".
ولذا ما أن أتته امرأة العزيز ليقبل عليها إلا وجاوبها بسرعة (مَعَاذَ اللّهِ) أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه وأستجير به منك، ومن لجأ إلى الله -تعالى- في الأزمات حرسه -سبحانه وتعالى- بما أعطاه له من الحكمة والعلم وجعله قادرًا على التمييز بين الحلال والحرام قال: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) يعني زوجها هو سيدي أكرمني فلا أخونها (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الآية التي تلت كانت مسار للتجاذب بين المفسرين، قال -تعالى- (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- "فالهم اسم جنس تحته نوعان" كما قال الإمام أحمد: الهم همان، هم خطرات وهم الإصرار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها لله كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له سيئة واحدة،
وإن تركها من غير أن يتركها لله –أي لعارض ما وليس بنية التوبة – لم تكتب له حسنة ولم تكتب عليه سيئة.
ويوسف -عليه السلام- أهم همًّا، تركه لله، ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه وذلك إنما يكون إذا قام المقتضي للذنب وهو الهم وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله، فيوسف -عليه السلام- لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها.
قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:201].
قال "وأما ما ينقل من أنه حل سراويله وجلس منها مجلس الرجل إلى المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًّا على يديه، وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ من اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء وقدحا فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، ولم ينقل من ذلك أحد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- حرفًا واحدًا.
قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "البرهان المذكور لم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يفسره" (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) "وأقوال بني إسرائيل لا يعول عليها فهو برهان أراه الله إياه أوجب له الكف والحذر ".
وقال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: "ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف -عليه السلام- همّ بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه ولكن القرآن الكريم بيّن براءته -عليه الصلاة والسلام- من الوقوع فيما لا ينبغي، حيث بيّن شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته وشهادة الله له بذلك".
قال فإن قيل: ماذا تقولون في قوله -تعالى- (وَهَمَّ بِهَا)؟ فالجواب من وجهين الأول: أن المراد بهم يوسف بها خاطب قلبي صرف عنه وازع التقوى، وهذا لا معصية فيه لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف أي الرغبة والهوى هذا الميل كما في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك"، الذي هو الميل والحب يعني ميل القلب الطبيعي.
ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة"؛ لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفا من الله وامتثال لأمره، قال -تعالى- (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40- 41].
يكمن في النفس الهوى، الهوى إلى أشياء لا يريدها المؤمن يخاف الله –عز وجل- فلا يريدها المؤمن يخاف الله –عز وجل- فلا يقبل عليها.
الواجب الثاني في معنى "الهم" وهو اختيار ابن حيان أن يوسف -عليه السلام- لم يقع منه همّ أصلا بل هو منفي عنه لوجود البرهان أي (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، ومرجع هذا إلى قواعد اللغة العربية أي لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها، فامرأة العزيز همت به أما هو فامتنع عن الهم لأنه رأى برهان ربه فلم يحصل منه همّ أصلا ً، كقوله -تعالى- في أم موسى: (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) أي لولا ربطنا على قلبها لكادت تبدي به فلم تبدِ به.
أما البرهان الذي رآه فلم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يفسره ولذلك يقال البرهان هو حجة الله الدالة على حرمة الزنا وفحشه وقبحه وهو كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)[الأعراف: 199]، قال ابن جرير والطبري: "والصواب أن يقال إنه رأى آية من آيات الله تزجره".
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "البرهان وما في قلبه من النور والإيمان الذي حال بينه وبين هذا الذي طلبته المرأة".
الحاصل أن البرهان المذكور لم يرد فيه نص واضح شيء أراه الله حتى أراه الله إياه حتى انكفّ عن هذا الأمر ولم يقدم عليه وحماه الله من ذلك؛ لأنه كان من عباد الله المخلصين الذين أخلصهم الله -تعالى- لعبادته وطاعته ونبوته عليه الصلاة والسلام.
ونكمل الحديث في مقام آخر، إن شاء الله.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ..
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (1)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (2)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (5)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (7)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (8)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (9) والأخيرة
التعليقات