قصة قوم عاد مع نبيهم هود -عليه السلام-

خالد بن عبدالله الشايع

2021-10-07 - 1443/03/01
عناصر الخطبة
1/نبذة تعريفية عن قوم عاد ونبيهم هود -عليه السلام- 2/قصة هود -عليه السلام- مع قومه ودعوته لهم بكافة الأساليب 3/رفض عاد دعوة هود -عليه السلام- وإهلاك الله لهم

اقتباس

لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءَه، بل احمدوا الله على ذلكم، ثم ذكرهم نعمة عظيمة أن جعلهم خلفاء قوم نوح أي من ذريته وأقرب الناس له زمنا ونسبا...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: لا تزال القصص في القرآن تثبت الناس على الحق، وتدلهم على الصواب، خصوصا قصص أنبياء الله مع قومهم؛ كما قال سبحانه: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)[هود: 120].

 

وفي هذه الخطبة -بإذن الله- نمر على قصة قوم عاد مع نبيهم هود -عليه السلام-، فقد حكى الله قصتهم في سورة الأعراف بعد قصة نوح، وكذلك في سورة هود والشعراء.

 

وعاد يطلق على عاد الأولى، وعاد الأخرى أو الثانية، فأما قوم هود فهم عاد الأولى الذين ذكرهم الله -تعالى- وهم أولاد عاد بن إرم، قال مجاهد: "إرم: أمة قديمة" يعني: عادا الأولى، كما قال قتادة بن دعامة، والسُّدِّيُّ: "إن إرم بيت مملكة عاد"، ووصفهم بذات العماد؛ لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشّعر التي ترفع بالأعمدة الشداد؛ كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ)[الفجر: 6-8]، وذلك لشدة بأسهم وقوتهم؛ كما قال تعالى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فصلت: 15].

 

وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، وهي: جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة لبلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح؛ كما قال في سورة الأعراف: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً)[الأعراف: 69]، وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب، والقوة والبطش الشديد، والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والعيون، والأبناء والزروع والثمار؛ حتى ذكر أن الرجل منهم يأتي على صخرة فيحملها على الحي فيهلكهم، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها، بفضل قوتهم التي آتاهم الله؛ كما قال تعالى: (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)[الشعراء: 130]، وأما عاد الثانية فهم قوم صالح، وبينهما مائة سنة.

 

وكان نبيهم هود -عليه السلام- وكان من أشرف قومه نسبا؛ لأن الرسل -صلوات الله عليهم- إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شُدّد خلقهم شُدِّد على قلوبهم، وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق؛ ولهذا دعاهم هود -عليه السلام-، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه".

 

ولما جاءهم نبيهم هود ودعاهم لتوحيد الله عارضه كالعادة الملأ الذين كفروا من قومه، والملأ هم: الجمهور والسادة والقادة منهم، وقالوا: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[الأعراف: 66] أي: في ضلالة حيث دعوتنا إلى ترك عبادة الأصنام، والإقبال إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد، فقالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)[صّ: 5].

 

وكان هود كإخوانه الأنبياء حليما، حيث رد عليهم بقوله: (لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)[الأعراف: 67] أي: لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء، فهو رب كل شيء ومليكه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)[الأعراف: 68]، وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل عامة، وهي: البلاغة والنصح والأمانة.

 

ثم قال لهم: (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ)[الأعراف: 69] أي: لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءَه، بل احمدوا الله على ذلكم، ثم ذكرهم نعمة عظيمة أن جعلهم خلفاء قوم نوح أي من ذريته وأقرب الناس له زمنا ونسبا: (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته عليهم لما خالفوه وكذبوه، (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) أي: زاد طولكم على الناس بسطة، أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ) أي: نعمه ومنَنه عليكم: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأعراف: 69].

وكان من نصحه لهم أن قال: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ)[الشعراء: 128] اختلف المفسرون في الريع بما حاصله: أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة تبنون هناك بناء محكما باهرًا هائلا، وإنما تفعلون ذلك عبثًا لا للاحتياج إليه، بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة، ولهذا أنكر عليهم نبيهم -عليه السلام- ذلك؛ لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة.

ثم قال: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)[الشعراء: 129] قال مجاهد: "المصانع: البروج المشيدة، والبنيان المخلد"، وفي رواية عنه: "بروج الحمام".              

                                                          

ولما بلغ هود مع قومه في الدعوة بالأسلوب اللين الرفيق النهاية انتقل بعد ذلك إلى وعظهم بأسلوب فيه تهديد عله أن يأتي بنتيجة معهم، فقَالَ: (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ)[الأعراف: 71]، وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا يعبدون أصناما، فصنم يقال له: صُدَاء، وآخر يقال له: صمُود، وآخر يقال له: الهباء   فهددهم بقرب العذاب بقوله: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)[الأعراف: 71].

 

وكان من حجتهم الباطلة أن قالوا لنبيهم: (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)[هود: 53] أي إن الرسل من قبلك كانوا يأتون أقوامهم بالبينات والمعجزات وأنت لم تفعل ذلك، فقال لهم: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[هود: 53-56] أي هذه معجزتي لكم أني أتحداكم مع ما معكم من قوة وبسطة في الجسم، أتحداكم أن تمسوني بسوء أنتم وآلهتكم؟ فألجمهم الحجة، ولم يستطيعوا الجواب، فضلا عن أن يمسوه بسوء، فصارت معجزته من أعظم المعجزات الباهرات.

 

اللهم اهد ضال المسلمين...

 

أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: ونكمل مقارعة هود لقومه حيث شرع يذكرهم نعم الله عليهم، فقال: (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الشعراء: 132-134] أي: إن كذبتم وخالفتم، فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب، فما نفع فيهم، وإنما أجابوه بأبشع الردود، حيث: (قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ)[الشعراء: 136] أي: لا نرجع عما نحن فيه، (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)[هود: 53].

ثم برروا عدم استجابتهم له بقولهم: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ)[الشعراء: 137] يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلا أخلاق الأولين، وقيل: يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأوائل من الآباء والأجداد، ونحن تابعون لهم، سالكون وراءهم، نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا، ولا بعث ولا معاد؛ ولهذا قالوا: (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)[الشعراء: 138].

 

ولا زال هود يدعوهم وهم يأبون عليه، وبعد هذه النصيحة والموعظة البليغة، ما كان منهم إلا أن تحدوه بقولهم: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[الأعراف: 70].

 

وحكى الله ما هم عليه من الكبر والبطر بقوله: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فصلت: 15]، وقال جلت قدرته: (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ)[الشعراء: 139] أي: فاستمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله، وقد بيَّن سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحًا صرصرًا عَاتِيَةٍ، أي: ريحًا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدًا، فكان إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة؛ كما قال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) فجعل الله إهلاكهم آية لمن بعدهم لما في طريقة إهلاكهم من العبرة وظهور قدرة الله التي لا يقدرها أحد، ولا يستطيع من الخلق أحد ردها، بل ولا الشفاعة لمن حقت عليهم كلمة العذاب مهما كان قرب وصلاحه؛ كما قال سبحانه: (وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[الأنعام: 147].

وأنجى نبيه ومن آمن معه؛ كما قال سبحانه: (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 72] فنصر الله نبيه ومن آمن معه ونجاهم من العذاب؛ كما قال سبحانه: (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 72].

 

وكان في أسلوب عذابهم عبرة، فقد قال محمد بن إسحاق: "فلما أبوا إلا الكفر به أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين، فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك، قال: وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان، فطلبوا من الله الفرج فيه، إنما يطلبونه بحُرْمة ومكان بيته،  فأرسلوا وافدهم يستسقي، وساق الله السحابة السوداء، حتى تخرج عليهم من واد يقال له: "المغيث"، فلما رأوها استبشروا، وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) يقول: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)[الأحقاف: 24-25] أي: تهلك كل شيء مَرّت به، فسخرها الله (عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا)[الحاقة: 7]، و "الحسوم": الدائمة، فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك، واعتزل هُود -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه شيء.

 

اللهم لا تهلكنا بغضبك، ولا تنزع عنا فضلك....

 

المرفقات
GeW5RvAvdVjiVgvKDul9wgn3LOwg3de60I0fQtK2.pdf
3AGr1hkQZFnDpnVKxy6J3bfxuQifQHQfAy2Nl7kj.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life