عناصر الخطبة
1/ قصة إنجاء المؤمنين وإهلاك الطغاة في يوم عاشوراء 2/ دروس عبر من يوم عاشوراء 3/ الحث على صيام يوم عاشوراء 4/ فضل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من تقليد الكافرين.اقتباس
فهو يوم فرح وشكر لله، لا يوم حزن ومأتم، كما يفعله من طمس الله على بصائرهم وقلوبهم. وينبغي لنا أن لا نفرّط في صيام هذا اليوم العظيم الذي أظهر الله فيه نصره وعزه لأوليائه وتتابع الناس على صيامه. ومنها: بيان منه -صلى الله عليه وسلم- "أننا أولى بموسى"، منهم، ولهذا نظائر عندما ترى بعض الكفرة من الأمريكان أو الأوروبيين وهم يدافعون عن إخواننا الفلسطينيين، أو غيرهم من مستضعفي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مع أنهم كفار، ولكنهم لا يرضون الظلم، وفي المقابل ترى بعض المسلمين لا يحرك ساكنًا لقضيتهم، وكأن الأمر لا يعنيه!! فنقول: نحن أحق بهم منهم...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس: يوم عاشوراء يوم عظيم الجلل، كيف لا يكون عظيمًا وقد أهلك الله فيه فرعون قومه، ونجى موسى وقومه، يوم ظهرت فيه قدرة الله بنصر أوليائه بجند من جنده وهو البحر.
لقد طغى فرعون وتجبر، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24]، وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، وقال لموسى: (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء: 29].
وقال عن موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل: (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ) [الشعراء: 54- 55].
فتعبأ فرعون وجنوده وخرجوا وهم ألوف لا يشكّون في النصر، كيف لا وهم سيقابلون قومًا بلا سلاح ولا قوة.
فقد خرج موسى بقومه سحرًا، فأتبعوهم مشرقين مع شروق الشمس تسمع صهيل خيولهم وصليل سيوفهم، ورهج خيولهم قد سد الأفق.
حتى وصل موسى لساحل بحر القلزم وهو البحر الأحمر، وتوقفوا، وبنو إسرائيل يقولون لموسى إلى أين يا موسى؟ هل هذا هو الطريق الذي أمرك ربك أن تسلكه؟ وهو يقول في ثبات وتوكل: نعم.
فلم يرعهم إلا غَبَرة جيش فرعون قد علت من ورائهم حتى عاينوا الموت، (فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ) [الشعراء: 61]، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ) أَيْ: رَأَى كُلّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبه، فَعِنْد ذَلِكَ (قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ).
فقال موسى كليم الله كلمة تدل على التوكل العظيم في قلبه (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ) [الشعراء: 62]، أَيْ لَا يَصِل إِلَيْكُمْ شَيْء مِمَّا تَحْذَرُونَ؛ فَإِنَّ اللَّه –سُبْحَانه- هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَسِير هَهُنَا بِكُمْ وَهُوَ -سُبْحَانه وَتَعَالَى- لَا يُخْلِف الْمِيعَاد.
وَكَانَ هَارُون -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي الْمُقَدِّمَة، وَمَعَهُ يُوشَع بْن نُون وَمُؤْمِن آلِ فِرْعَوْن وَمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي السَّاقَة، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ، وَجَعَلَ يُوشَع بْن نُون أَوْ مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْن يَقُول لِمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام-: يَا نَبِيّ اللَّه هَهُنَا أَمَرَك رَبّك أَنْ تَسِير؟ فَيَقُول: نَعَمْ، فَاقْتَرَبَ فِرْعَوْن وَجُنُوده وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَلِيل فَعِنْد ذَلِكَ أَمَرَ اللَّه نَبِيِّهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- أَنْ يَضْرِب بِعَصَاهُ الْبَحْر فَضَرَبَهُ وَقَالَ: انْفَلِقْ بإذن الله.
قَالَ مُحَمَّد اِبْن إِسْحَاق: "أَوْحَى اللَّه - فِيمَا ذُكِرَ لِي - إِلَى الْبَحْر أَنْ إِذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ، قَالَ فَبَاتَ الْبَحْر يَضْطَرِب وَيَضْرِب بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَانْتِظَارًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّه.
وَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى (أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر) [الشعراء: 63] فَضَرَبَهُ بِهَا فَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ فَانْفَلَقَ وَذَكَرَ غير وَاحِد أَنَّهُ جَاءَهُ فَكَنَّاهُ فَقَالَ: اِنْفَلِقْ عَلَيَّ أَبَا خَالِد -بِإِذْنِ اللَّه- قَالَ اللَّه تَعَالَى: (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم) [الشعراء: 63]، أَيْ: كَالْجَبَلِ الْكَبِير قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُحَمَّد اِبْن كَعْب وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ: هُوَ الْفَجّ بَيْن الْجَبَلَيْنِ، وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: صَارَ الْبَحْر اِثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْط طَرِيق، وَزَادَ السُّدِّيّ: وَصَارَ فِيهِ طَاقَات يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض، وَقَامَ الْمَاء عَلَى حِيَالِهِ كَالْحِيطَانِ، وَبَعَثَ اللَّه الرِّيح إِلَى قَعْر الْبَحْر فَلَفَحَتْهُ فَصَارَ يَبَسًا كَوَجْهِ الْأَرْض قَالَ اللَّه تَعَالَى (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى) [طه: 77].
فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَاب مُوسَى وَتَتَامَّ أَصْحَاب فِرْعَوْن اِلْتَقَى الْبَحْر عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ. وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ آخِر أَصْحَاب مُوسَى، وَتَكَامَلَ أَصْحَاب فِرْعَوْن انْطَمَّ عَلَيْهِمْ الْبَحْر فَمَا رُئِيَ سَوَاد أَكْثَر مِنْ يَوْمَئِذٍ وَغَرِقَ فِرْعَوْن لَعَنَهُ اللَّه".
كما قال سبحانه (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 64- 68]، أَيْ: فِي هَذِهِ الْقِصَّة وَمَا فِيهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالنَّصْر وَالتَّأْيِيد لِعِبَادِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ لَدَلَالَة وَحُجَّة قَاطِعَة وَحِكْمَة بَالِغَة (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 66- 68]، وهذا ما سنأتي عليه -بإذن الله- في الخطبة الثانية، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها المؤمنون: لقد احتوت هذه القصة على فوائد وحكم عظيمة، منها: الله نصر عبده ومن معه في هذا اليوم نصرًا مؤزرًا، ولهذا صامه موسى ومن معه شكرًا لله، وصامته يهود من بعده، وصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
فهو يوم فرح وشكر لله، لا يوم حزن ومأتم، كما يفعله من طمس الله على بصائرهم وقلوبهم.
ولهذا ينبغي لنا أن لا نفرّط في صيام هذا اليوم العظيم الذي أظهر الله فيه نصره وعزه لأوليائه وتتابع الناس على صيامه.
ومنها: بيان منه -صلى الله عليه وسلم- أننا أولى بموسى منهم، ولهذا نظائر عندما ترى بعض الكفرة من الأمريكان أو الأوروبيين وهم يدافعون عن إخواننا الفلسطينيين، أو غيرهم من مستضعفي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مع أنهم كفار، ولكنهم لا يرضون الظلم، وفي المقابل ترى بعض المسلمين لا يحرك ساكنًا لقضيتهم، وكأن الأمر لا يعنيه!! فنقول: نحن أحق بهم منهم.
ومنها : فضل الله الواسع حيث تكفل بمغفرة عام كامل لمن صام هذا اليوم مخلصًا لله، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام يوم عاشوراء: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
والتكفير هو للصغائر دون الكبائر؛ قال النووي -رحمه الله-: "صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ.. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ" (المجموع شرح المهذب ج6).
ومنها: أن الله -جل في علاه- إذا أراد نصر عبده بدون فعل أي سبب منه؛ فهذا موسى -عليه السلام- وقومه لم يضربوا بسهم، بل كان عملهم فقط الهروب، وتولى الله نصرهم، وهذا معنى قوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد: 7].
ومنها: مخالفة اليهود هي من أساسيات الدين، فقد خالف -صلى الله عليه وسلم- المشركين بصيام اليوم التاسع مع العشر.
وكان يحب مخالفتهم في كل أمورهم، ولكننا نرى شبابنا هذه الأيام يسعون خلف المشركين، ويقلدونهم في لبسهم وشعورهم، وحركاتهم، فانظر إليهم وهم يلبسون الملابس التي تحمل صورهم وأسماءهم، وعليها الصليب ظاهرًا، وقد لبسوا الأساور في أيديهم، والقلائد في أعناقهم، فأين هم من نبيهم -صلى الله عليه وسلم- والله يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
اللهم ارزقنا تعظيم شعائرك ومحبة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم وفقنا لهداك ...
التعليقات