قسام (2)

ناصر بن محمد الأحمد

2014-12-03 - 1436/02/11
عناصر الخطبة
1/نهاية الدولة العثمانية بداية الاعتداء على القدس 2/أهمية الأرض المقدسة ومكانتها 3/استمرار الانتفاضة بين البشائر والآلام 4/ما أُخِذ بالقوة لن يرجع إلا بالقوة 5/فلسطين قضية المسلمين جميعا 6/أهمية التضحية والشهادة في سبيل النصر
اهداف الخطبة

اقتباس

عندما تنعدم الخيارات أمام المظلوم، وتضيق المدائن بشعب مقهور، فإن كل سلوك متوقع، وكل سياسات يمكن فهمها، وإن صعب تبريرها، غزارة دم يسيل، وحرارة دم يغلي، ليسا طرفين متكافئين، جيش احتلال مسلح ضد شعب أعزل، القتلى والضحايا في طرف، والقاتل والـ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

إن قلب المسلم ليتقطع وهو يتابع أخبار المسلمين في فلسطين، فلا يكاد تغيب شمس أي يوم إلاّ والقتلى بالعشرات، والوحشية اليهودية تعدت كبار السنّ، فوصلت الأطفال والنساء، والعالم كله شرقيه وغربيه يتفرج، وكأن الأمر لا يعنيه.

 

لقد انكشفت عورة الدول الغربية، وبانت سوأتها عندما ادعت حماية حقوق الإنسان، وهي تتفرج على ما يحصل على أرض الإسراء والمعراج، راضية بذلك، بل داعمة لكل ما يحصل من وحشية وإجرام.

 

بل إن دولة اليهود تمارس اليوم أنواعاً من الاستفزاز.

 

الاستفزاز لجميع المسلمين على مرأى ومسمع من العالم كله، وبمباركة من الصليبين الغربيين، وفي مقدمتهم دولة عاد، بل والأمم المتحدة.

 

لقد تعرض الأقصى وعلى مدار تاريخها الطويل لعدد من الغزو والغصب والاعتداء، وكان آخرها بعد انهيار الدولة الإسلامية التي كان يقوم عليها آل عثمان، وعلى وجه الخصوص بعد إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني عن الخلافة عام 1308هـ، على يد اليهود يعاونهم الفرنسيون والإنجليز، ويساندهم الحاقدون من الصليبيين تحت سمع وبصر ما تسمى ب"المنظمات الدولية" بداية بعصبة الأمم، ونهاية بالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وغيرها.

 

إذن، هذا الغصب لبيت المقدس قد حدث بعد انهيار الخلافة، ذلكم السياج الحامي للأمة الإسلامية، وفي غفلة من أبناء المسلمين بعد أن ابتعدوا عن دينهم، ونحوا كتاب ربهم، وسنة نبيهم عن حياتهم.

 

إن الأرض المقدسة قطعة من العالم الإسلامي، بل هي تشكل فلذة كبده، وستبقى قضية هذه الأرض حية في نفوس أبناء هذا الدين حيثما كانوا؛ لأنها جزء من ديار المسلمين، وهي مرتبطة عندهم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، فهي أولى القبلتين، وثالث المسجدين.

 

وهي أرض الأنبياء -عليهم السلام- ومبعثهم؛ فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وسليمان وداود وصالح وزكريا ويحيى وعيسى -عليهم السلام-.

 

ويُسنّ شدّ الرِّحال إلى المسجد الأقصى وزيارته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"[رواه البخاري ومسلم].

 

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد.

 

ومِن على هذه الأرض عُرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء بعد أن أُسري به إليها من البيت الحرام، قال الله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الإسراء: 1].

 

لقد طغى الصهاينة وعثوا وداسوا ولوثوا، وتآمرت معهم قوى الكفر على أمة الإسلام تجزئةً وتقسيماً، وتفرقةً وتدميراً، ولكن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

إن قضية القدس، واحتلال اليهود للأراضي المقدسة، والمسجد الأقصى، هي: قضية العالم الإسلامي الأولى، ويجب أن تكون هي الأولى، والواقع المعاصر في معركتنا مع اليهود يشهد بأن اليهود أرادوا النفاذ إلى أعماقنا، واختراق خطوط هجومنا وجهادنا، وإزالة صمودنا وتحدينا.

 

أرادوا إماتة أرواحنا، والسيطرة على نفوسنا، وقتل هممنا، وامتصاص ثوابتنا، واجتثاث وجودنا، وتركنا نفوساً مشوهة، وكيانات معوقة، وأفراداً قانطين يائسين محبطين! لكن هل نجحوا في ذلك؟

 

الجواب: أنهم لم ينجحوا، ولن ينجحوا -بإذن الله-.

 

صحيح أنهم تمكنوا من النفاذ إلى أعماق وقلوب بعض منّا، فأصبحوا قانطين مستسلمين، لكنهم أفراد قلائل.

 

أما الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد على أرضه، فإنه يزداد كل يوم صموداً أمام اليهود، وتحدياً لهم، وثباتاً على إسلامه وجهاده، ورفضاً للوجود اليهودي.

 

وكلما صعّد اليهود من بطشهم وتنكيلهم وقتلهم، كلما زاد هذا الشعب استعلاءً وتصميماً وجهاداً.

 

لقد دهش العالم عندما فجر أبطال فلسطين صاروخهم الأول قسام1.

 

وما كاد العالم أن يستفيق من دهشته، وإذا بصاروخ قسام2 يدوي على رؤوس اليهود.

 

وإن أعظم مفاجأة للعالم كانت تلكم الانتفاضة المباركة، ومع كل ما فعله اليهود تأتي هذه الانتفاضة وتدخل عامها الرابع لتحمل معها بشائر كثيرة.

 

ومع كل الآلام التي تجرعها الشعب الفلسطيني طوال هذه الفترة من المعاناة والألم بفقدان أكثر من ثلاثة آلاف شهيد، وآلاف الجرحى، وأكثر من سبعة آلاف معتقل، وتدمير كلي للبنى التحتية الاقتصادية والمدنية والأمنية وغيرها، إلا أن الخسائر لم تكن حكراً فقط على الفلسطينيين، بل تعدى ذلك إلى العدو الصهيوني، فحسب الإحصاءات الصهيونية فقد قتل ما يزيد عن ثمان مئة وستون قتيلاً، وخمسة آلاف جريح، ما بين عسكري ومدني، من بداية الانتفاضة، وهو عدد يزيد عن القتلى الذين خسرتهم إسرائيل في سلسلة حروبها مع جيرانها العرب من عام 48م.

 

ومن بشائر الانتفاضة: انخفاض معدل الإنتاج العام في دولة ما يسمى ب"إسرائيل" بنسبة 6% حسب تقرير البنك المركزي.

 

وهذا أدى إلى حالة من الركود والتدهور في الاقتصاد الصهيوني لم يسبق له مثيل منذ عام 83م، فبعد سنوات من الانتعاش والازدهار والاستقرار إلى حد ما، جاءت الانتفاضة لتعصف باقتصاد الدولة العبرية، وتَحمله إلى أزمة عميقة، وتدخله في ركود لم يألفه من قبل، وفي حالة من الاستنفار والخشية والترقب بشكل لم يسبق له مثيل.

 

ومن البشائر: هذه العمليات الاستشهادية التي قضت بشكل شبه تام على السياحة داخل إسرائيل، وحسب التقارير المعلنة، فقد انخفضت السياحة بنسبة تفوق 60% فضلاً عن الخسائر بمئات الملايين في شركات الطيران.

 

وقد وصف المدير العام للجمعية الإسرائيلية لأصحاب الفنادق تأثير الانتفاضة بأنها الأزمة الأكثر والأطول زمناً بين كل ما شهدناه.

 

والأسوأ من ذلك أننا لا نرى لها نهاية في الأفق.

 

ومن البشائر: أن الانتفاضة دفعت أعداداً كبيرة من الصهاينة إلى السعي في الهجرة نهائياً من إسرائيل إلى الدول الأوربية وأمريكا الشمالية.

 

فقد كشفت التقارير الصهيونية: أن بين سبعمائة ألف إلى مليون يهودي غادروا إسرائيل نهائياً بسبب عدم إحساسهم بالأمن بعد انتفاضة الأقصى، والعمليات الاستشهادية.

 

كما أكدت الصحف الصهيونية أن الانتفاضة دفعت بالمستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إخلاء المستوطنات، والانتقال إلى داخل الكيان.

 

بينما ذكرت وزارة الحرب الصهيونية بأن عشرات النقاط الاستيطانية خالية تماماً من سكانها، وأن أفراد الجيش الصهيوني يتمركزون في هذه المناطق الخالية من السكان لحماية الممتلكات.

 

لقد أثبتت الانتفاضة أن عهد الازدهار الذي وفره اتفاق "أوسلو" لنمو المشروع الاستعماري الصهيوني وتوسعه قد بدأ يخفت بعد أن أصبح الهمّ الأساسي للمستوطنين هو البحث عن توفير الأمن الشخصي لهم، تاركين خلفهم مقولتهم القديمة: "الاستيطان في كل مكان من أرض إسرائيل".

 

تشير الإحصاءات إلى أن 42% من الصهاينة يودون مغادرة الكيان والإقامة في دولة أخرى أكثر أماناً، وأن 10% بدأوا في الإجراءات الفعلية للمغادرة.

 

من جهة أخرى، فهناك هجرة داخلية في إسرائيل من المناطق المحاذية لما يسمى "الخط الأخضر" إلى داخل مناطق الدولة، ومن الأماكن المزدحمة إلى مناطق أقل ازدحاماً، خوفاً من العمليات الفلسطينية.

 

ومن البشائر: أن الانتفاضة أظهرت عيوب الجيش الصهيوني بشكل واضح وجلي، حيث اتضح للعالم أن هذا الجيش ليس لديه استعداد للتضحية من أجل تحقيق أهداف الصهيونية العالمية، وقد تمثل ذلك في استخدام إسرائيل المفرط للأسلحة الفتاكة ضد المدنيين كمروحيات الأباتشي وطائرات الـ إف16 والدبابات والمدرعات، وكل أنواع الصواريخ.

 

والابتعاد عن استخدام قوات المشاة تفادياً للخسائر الناتجة عن المواجهات المباشرة، كما حدث في جنين الصامدة عندما قتل ثلاثة وعشرون جندياً إسرائيلياً عندما حاولوا اجتياح المخيم، فتدخلت الطائرات والمروحيات لتقصف المخيم وتدكه على رؤوس أهاليه، في مجزرة بشعة على مرأى من العالم.

 

ومن البشائر: أن الانتفاضة هزت أواصر المجتمع الصهيوني كله، حتى أن الصحافة الإسرائيلية نطقت بكلمات عجيبة، مثل قول أحدهم: "العملية الاستشهادية ليست حدثاً مروعاً في موقع بعيد عنك حتى تستطيع أن تنساه، ولكنها حقيقة تخرج وتدخل مع نَفَسِك، إنها هنا! إنها الآن! إنها مُرعِبةٌ كالجحيم!".

 

ويقول آخر: "دعونا نأكل ونشرب فسوف نموت غداً".

 

هذه الكلمات القليلة تعكس مدى اليأس والخوف الذي يحيا فيه المجتمع بسبب العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني التي أصبحت ضيفاً ثقيلاً على الحياة اليومية للصهاينة، فقد استطاعت هذه العمليات أن تتجاوز كونها دفاعاً عن الشعب الفلسطيني ضد ما تقوم به قوات الاحتلال من ممارسات، بل أصبحت سبباً في شيوع حالة من القلق والتوتر داخل الأسرة الصهيونية، وهو ما أدى إلى زعزعة أمن واستقرار المجتمع الصهيوني بأكمله.

 

هل تعلم أن معظم من يقوم بهذه العمليات من المتعلمين وأصحاب الدراسات العليا؟.

 

كل هذا الرعب الذي يحياه الصهاينة جاء ليتراكم همّاً فوق همّ الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها دولة الكيان الصهيوني، والتي يرجع جزء كبير منها إلى ما تلحقه هذه العمليات من خسائر فادحة في الاقتصاد الصهيوني، وتسبب حالة من الكساد التجاري في الأسواق والمحلات والمطاعم، بل وصالات الأفراح التي أصبح لا يرتادها سوى المقربين من العريسين.

 

يقول أحد الكتاب اليهود: "إن الحياة داخل الكيان أصبحت غير معقولة، كل عمل بسيط لا بد أن تفكر فيه أكثر من مرة حتى تفعله، كل مشوار إلى مركز تجاري أو غيره فيه مجازفة، ندخل في يوم جديد مع خوف بأن لا يعود إلينا، وكلنا مدفوعون إلى أخذ قرارات كان المفروض ألا نواجهها".

 

ويقول هذا الكاتب أيضاً: "تحولت مدارس أطفالنا إلى مركبات مصفحة، وأصبح من العمل اليومي تفقد ساحة المدرسة مرتين قبل وبعد اليوم الدراسي للتأكد من عدم وجود قنابل، والعيش في هذا الوضع كاف بأن يسبب انهياراً نفسياً لأي إنسان، وزرع الخوف في مستقبله".

 

ومن البشائر: أن الانتفاضة خلفت عادات اجتماعية، وأساليب حياة جديدة، زادت من تفكك المجتمع الصهيوني المنهار أصلاً، فقد أصبح مجرد الخروج من المنزل مخاطرة قد لا يحمد عقباها، فقد يركب أحدهم في حافلة أو يمشي في طريق وفجأة يموت إثر انفجار أو طلقة نارية، وحتى الذهاب إلى نادٍ ليلي أو إلى فرح أصبح أمراً يحتاج إلى تفكير عميق، وتخطيط مسبق، وأصبحت العلاقات الاجتماعية شبه معدومة.

 

ومن البشائر: ظاهرة ارتفاع عدد الاتصالات التليفونية بين الزوجات وأزواجهن التي أصبحت من الظواهر الملفتة للنظر في المجتمع الصهيوني، فقد أعربت وزارة الاتصالات الصهيونية عن تذمرها بسبب الاتصالات التليفونية الكثيرة في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة تجاوزت السعات الأساسية لكل سنترال، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً على الوزارة وإمكانياتها.

 

ومن بشائر الانتفاضة: انزعاج الشرطة الإسرائيلية من كثرة الاتصالات من المواطنين اليهود، وسؤالهم عن الأماكن التي تتوقع الشرطة أن يحصل فيها شيء، حتى لا يذهبوا إليها.

 

وهل هناك حماية لهذه الأماكن من العمليات الاستشهادية؟

 

بلغ عدد الاتصالات عام 2001م سبعة ملايين وخمس مئة ألف اتصال، فضلاً عن الكثير من الاتصالات للتبليغ عن عملية فدائية، وما أن تصل قوات الشرطة فتجده مجرد خوف وشك من المواطن الصهيوني في قطة أو كلب في الشارع.

 

ومن البشائر: ارتفاع عدد الرافضين لأداء الخدمة في القطاع العسكري، وقد ملئت السجون العسكرية برافضي الخدمة.

 

ومن ردود الفعل أيضاً على عمليات جيش الاحتلال الصهيوني في اجتياح المدن الفلسطينية رفض الخدمة احتجاجاً على الأعمال الوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال ضد المواطنين المدنيين.

 

وما تزال أصداء العريضة التي قدمها سبعة وعشرون طياراً عسكرياً صهيونياً لقائد سلاح الجو الصهيوني تصم الآذان، حيث أبلغوه فيها رفضهم المشاركة في عمليات الاغتيال التي ينفذها سلاح الجو، وعدم استعدادهم لأداء الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة.

 

وأوضح الموقعون في بيانهم أنهم يرفضون تنفيذ أوامر غير قانونية وغير أخلاقية، كتنفيذ غارات جوية في مناطق يسكنها مدنيون.

 

ومن بشائر الانتفاضة: أن زاد تعاطي المخدرات لدى الصهاينة، فهذا المكتب المركزي للإحصاء يقدم تقريراً في زيادة نسبة تعاطي المخدرات في أوساط المجتمع الصهيوني بمقدار 4% في العام الأول للانتفاضة، وأرجعت الدراسة السبب أنه ارتفاع حالة الخوف والرعب الذي يعيشه الصهاينة من العمليات الفدائية.

 

بل إن هذا الأمر وصل أوساط المجندين والمجندات في جيش الاحتلال فزاد لديهم تعاطي المخدرات والهيروين بنسب مرتفعة.

 

ومن البشائر: تلك الدراسة التي قامت بها إحدى المعاهد في إسرائيل تفيد أن واحداً من كل ثلاثة صهاينة يعاني من اضطراب نفسي، وأنه طرأ ارتفاع كبير على نسبة المتوجهين إلى مراكز الخدمات للصحة العامة، وأن عدد المراجعين لهذه المراكز يومياً يصل إلى خمسة وعشرين ألف حالة، ويتوجه الكثير من المواطنين للاستفسار عن عوارض أصيبوا بها جرّاء التوتر الأمني والضغط النفسي والكآبة، وتتضح مشاعر القلق والخوف التي تصيب الصهاينة بحقيقة فحواها: أنهم يعيشون في ظل مشاعر الخوف من وجود خطر حقيقي يهدد وجود دولتهم.

 

إننا لا نتوقع في الظروف الدولية الراهنة إزالة دولة إسرائيل، وإن كنا نتمنى ذلك، ولكن إضعاف هذا العدو هو مقدمةٌ لزواله -إن شاء الله-.

 

وإذا كانت الانتفاضة تضم أصنافاً شتى من الناس، إلا أنها أوجدت تغيرات إيجابية في بنية المجتمع الفلسطيني.

 

لقد ازدادت الألفة والمحبة بين الناس، وازداد التضامن والتكافل الاجتماعي، ونسي الناس الخصومات والمشاكل، واشتغلوا بعدو واحد.

 

بل إنهم في الخصومات في كثير من الأحيان أصبح مرجعهم العلماء.

 

رجع كثير من الناس إلى دينهم وامتلأت المساجد، وخاصة من الذين بقوا داخل فلسطين المحتلة منذ عام 49م ممن لم يكونوا يعرفون عن الدين شيئاً.

 

عادوا الآن إلى المساجد، كسرت الانتفاضة حاجز الخوف من اليهود، بل إن ما يقوم به الشباب الصغار في فلسطين يدل على شجاعة وبطولة تدعو إلى الإعجاب.

 

إن ما يفعله أطفال الحجارة وشباب الإسلام في فلسطين هو مرحلة من مراحل الصراع، ويجب أن تستمر هذه المرحلة ولا تذهب هدراً.

 

ونستطيع أن نقول: أن انتفاضة الحجارة أنجزت ما لم تنجزه البنادق الإسرائيلية، لقد أزالت الحجارة حجاب الخوف من اليهود الذي هيمن على قلوب أهل الأرض المحتلة خلال السنين الماضية.

 

حطمت الحجارة أسطورة الجندي الإسرائيلي القادر على فعل ما يشاء ولا يزال قابعاً خلف الثكنات والمعدات: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ)[الحشر: 14].

 

فها هي الحجارة قد جردت الجندي الإسرائيلي من سلاحه التقليدي، ووضعته أمام جوهر قوة الإنسان النابع من عقيدته الأخروية، والتي بانعدامها تفقد أسلحة الدنيا قوتها وفعاليتها.

 

نقت الحجارة القلوب من حجاب الوهن، فالإقبال على الدنيا والهروب من الموت لم يكن لينجي أهل الأرض المحتلة من الذل والهوان، ولا من طغيان الاحتلال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)[الأنفال: 7].

 

بارك الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

عندما تنعدم الخيارات أمام المظلوم، وتضيق المدائن بشعب مقهور، فإن كل سلوك متوقع، وكل سياسات يمكن فهمها، وإن صعب تبريرها، غزارة دم يسيل، وحرارة دم يغلي، ليسا طرفين متكافئين، جيش احتلال مسلح ضد شعب أعزل، القتلى والضحايا في طرف، والقاتل والجلاد الذي يطلق النار في طرف آخر، قاتل ومقتول، وجلاد وضحية.

 

إن القوة والقهر والظلم لا يمكن لها أن تنشئ حقاً، أو تقيم سلاماً.

 

إن العدوان لا يولد إلا العدوان.

 

وإن مشاعر الشعوب هي معيار الضغط النفسي، وهي مقياس بواعث الانفجار.

 

وما أخذ القوة لا يرجع إلا بالقوة، وأن أصوات البنادق والمدافع لا يسكتها المؤتمرات والخطب والبيانات، فالغزو المسلح لا يصده إلاّ الكفاح المسلح.

 

وإن سفك دماء الأبرياء لا يوقفه مؤتمرات قمة، أو مفاوضات سلام، أو استنكارات وشجب.

 

إن أخوف ما يخافه اليهود، بل كل ملل الكفر هو عودة الأمة إلى عقيدة الجهاد.

 

إن الجهاد من السمات البارزة لهذه الأمة في تاريخها الطويل، والجهاد ليس انتفاضة ولا طفرة، وإنما تعبئة وتنظيم وتدريب، وإعداد معنوي ومادي، بقوة الإيمان، وقوة السلاح.

 

القدس ليست للفلسطينيين ولا للعرب، بل هي لكل مسلم يشهد أن: "لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله".

 

فلا يملك أحدٌ كائناً من كان أن يتنازل عن شبر من أرضها لليهود الغاصبين.

 

وليعلم اليهود ومن وراءهم من الدول الغربية: أن القضية لن تنتهي بموافقة فئة من العملاء الذين صنعوهم على أعينهم، وأن الأرض المباركة تأبى أن يأمن فيها اليهود، وإن الأجيال القادمة هي أجيال النصر والظفر -بإذن الله -تعالى-.

 

إن حياة الشعوب لا تقاس بحياة الأفراد، وإن الشهيد الذي يموت في أول الطريق يُسهم في تعبيد طريق النصر للشهيد الذي يليه، وإن الجيل بأكمله قد يمضي لكنه يقيم جداراً في بناء تحرير المقدسات ترفعه من بعده الأجيال.

 

ولذلك لا يضيره أن يمضي قبل أن تكتحل عيناه بنور النصر، فقد أدى الواجب، ونال الشهادة، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[آل عمران: 169].

 

إن هذه الأمة لم تُمكّن أصلاً إلى اليوم من مواجهة اليهود.

 

اليهود لم يواجهوا إلى الآن أمة الجهاد، ولم يمكّن لكثير من الذين تسيل دموعهم شوقاً إلى الجهاد في سبيل الله.

 

لم يمكّنوا من إظهار حقيقة جبن اليهود وأعوانهم.

 

لا بد للأمة أن تعلم أن الهزائم المتكررة المعاصرة التي حصلت للمسلمين المستضعفين على يد اليهود كانت هزائم أنظمة، وليست هزائم شعوب.

 

كانت هزائم لرايات جاهلية، ولم تكن الرايات التي رفعت في يوم من الأيام في مواجهة دولة ما يسمى ب"إسرائيل" رايات إسلامية، وإنما كانت رايات جاهلية إما قومية أو ناصرية أو بعثية، وأحسن أحوالها أنها علمانية.

 

وحينما تُرفع الرايات الإسلامية الصحيحة -بإذن الله -تعالى- سينكشف حقيقة اليهود، وسيدخلون في جحورهم، كما دخلت الشيوعية، ودخل الروس في جحورهم، عندما واجهوا رايات إسلامية صحيحة في أرض أفغانستان من قبل، واليوم على أرض الشيشان الصامدة.

 

يَكْفي الْقَوَافِي وَيَكْفي حِينَ أُلْقِيهَا *** أَنّي إلى ثالِثِ البَيْتَيْنِ أُهْدِيهَا

قَلبِي يَتُوقُ إلى تِلْكَ الْبِقَاعِ بِهَا *** صَلّى الرّسُولُ وَأُسْرِيَ من نَوَاحِيها

وَالمُرْسلونَ لهُمْ ذِكرٌ وَسَابِقَةٌ *** صَلّى بِهمْ مُنْقِذُ الدّنْيَا وَهَادِيهَا

كَانَتْ فِلَسْطِينُ بِالأَخْيَارِ حافِلةً *** وَاليَومَ أنْذَالُ صُهيونٍ تُرَدّيهَا

كَانَتْ تُعَانِقُ أَمْجَاداً إذا ذُكِرَتْ *** حَنّ الفُؤَادُ وَفَاضَتْ عَينُ بَاكِيهَا

وَالله لَوْ كَانَ فِينا مِثْلُ مُعْتَصِمٍ *** لَمَا ترَبّع شارون عَالِيهَا

وَلو رَأَى عُمَرُ الْفَارُوقُ ذِلّتَنَا *** لَعبّأَ الجَيْشَ يَرْعَاهَا وَيَحْمِيهَا

وَلَوْ رَآنَا صَلاحُ الدّينِ فِي خَوَر *** لجَرّدَ السّيفَ يَفرِي مَنْ يُعَادِيهَا

مِنْ أَينَ يَهْنَؤُنَا عَيْشٌ وَعَافِيَةٌ *** وَفي فِلِسْطينَ آلامٌ تُعَنّيهَا؟

مَعَاوِلُ الْهَدْمِ فِي أَرْجائِهَا عَمِلَتْ *** هَدْماً وَنَسْفاً وَتَخْرِيباً وتشْوِيهَا

حوادِثٌ يَسْتَدِرّ الدّمْعَ مَنظرُهَا *** وَيَصْرِفُ النّفْسَ عَنْ أَحْلى أَمانِيهَا

هَلْ مِنْ غَيُورٍ على الإسلامِ يُعْلنُهَا *** حَرْباً ضرُوساً وَقُودُ الدّين يُذْكيهَا؟

هَلْ من مُحبّ لأَرضِ القُدسِ يَنْثُرُ في *** رُبُوعِها مِنْ صُنُوفِ الْوَرْدِ زَاهِيهَا؟

قَدْ حَصْحَصَ الْحَقّ لا سِلمٌ ولا كَلِمٌ *** مَعَ اليهودِ وقدْ أبدَتْ عَوَادِيهَا

قَدْ حَصْحَصَ الْحَقّ لا قولٌ وَلا عَمَلٌ *** وَلا مَوَاثِيقُ صِدْقٍ عِنْدَ دَاعِيهَا

أَينَ السّلامُ الّذِي نَادَتْ مَحافِلُكُمْ؟ *** أَيْنَ الشّعَارَاتُ يَا مَنْ بَاتَ يُطْرِيهَا؟

أَيْنَ المْوَاثيقُ بَلْ أَيْنَ الْوُعُودُ وَمَا *** قَالَتْهُ مَدْرِيدُ في أيّامِ مَاضِيهَا؟

تآمُرٌ ليسَ تَخْفانَا غَوَائِلُهُ *** وَفِتنةٌ نَتوَارَى من أَفَاعِيهَا

بُشْرَاكَ يَا أَيّهَا الأقصَى بَموْعِدَةٍ *** قَدْ قَالَهَا المُصْطَفَى والله مُجْرِيها

بُشْرَاكَ صَحْوَتُنا شَعّتْ طَلائِعُهَا *** وَلاحَ في الأُفْقِ يَحْدُونَا مُنَادِيها

شبَابُنَا لأصُولِ الدّين قَدْ رَجَعوا *** بِعَزْمَةِ الحَقّ مَا كفّتْ غوَادِيها

أَبْصارُهُمْ نَحْوَ بََيْتِ الله شاخِصَةٌ *** وَقُوّةُ الدّينِ مَا اهْتَزّتْ رَوَاسيهَا

بَشّرْ زَبانِيةَ اللّيكُودِ أَنّ لَهُمْ *** يَوْماً عَبُوساً سَيَنْعي فِيهِ نَاعِيهَا

لا وَعْدُ بِلْفُورَ يَبْقَى ذِكْرُهُ أَبَداً *** وَلا لَقِيطُ يَهُودٍ في مَبَانِيهَا

لَنْ تَسْتَمِرّ يَهُودٌ في غِوَايَتِهَا *** وَسَوفَ يُجْتَثّ قَاصِيهَا وَدَانِيهَا

 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك الصالحين.

 

اللهم واحفظ دماء المسلمين وأعراضهم في كل مكان.

 

اللهم وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، ووحد صفهم، وبلغهم فيما يرضيك آمالهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى، وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه.

 

اللهم احقن دماء المسلمين، واحم اللهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم وبلادهم وأموالهم.

 

اللهم عليك باليهود والنصارى، فإنهم لا يعجزونك.

 

اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تغادر يا ربي منهم أحدا.

 

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.

 

اللهم يا ولي الصاحين، ويا ناصر عبادك المستضعفين، نسألك اللهم أن تعين وتنصر إخواننا في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق.

 

اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم اللهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم.

 

اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا سريع الحساب، ويا هازم الأحزاب، اهزم اليهود المحاربين للإسلام والمسلمين.

 

اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خالف بين آرائهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك، يا قوي يا قادر.

 

اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية، والأعاصير الفتاكة، والقوارع المدمرة، والأمراض المتنوعة.

 

اللهم أشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين، اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يدا، وعلى المؤمنين سبيلاً.

 

اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل، واجعل كيدهم في تضليل، اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل.

 

اللهم خذهم بالصيحة، وأرسل عليهم حاصبا.

 

اللهم صب عليهم العذاب صبا.

 

اللهم اخسف بهم الأرض، وأنزل عليهم كسفاً من السماء.

 

اللهم اقلب البحر عليهم ناراً، والجو شهباً وإعصاراً، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.

 

اللهم إن بالمسلمين من الجهد والضنك والضيق والظلم، ما لا نشكوه إلا إليك.

 

لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم.

 

 

 

المرفقات
قسام (2).doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life