عناصر الخطبة
1/عقوبة من ينشر الكذب 2/الآداب الشرعية في نقل الأخبار 3/إثم إيقاع الأذى بالمؤمنين 4/من صفات المؤمن وأخلاقهاقتباس
فشاهدنا بأعيننا وقرأنا بألسنتنا أخبارا وافتراء وكذبا يبلغ الآفاق بلحظات، إنه عذاب شديد وعقاب أليم لكل من يبث كلاما مفترى، وخبرا كاذبا، يعلم ناقله أنه ملفقا، تهويلا أو إرجافا، والعجب كيف يتلقف الناس كلاما لا يعلم مصدره، ولا يتثبت من ناقله؟!...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الولي الحميد، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وأزواجِه ومن تبعهم إلى يوم المزيد:
أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أخرج البخاري ومسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذَاتَ غَدَاةٍ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى"، قَالَ: "قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟! قَالاَ لِي: هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
لقد تحقق هذا الحديث وصدق الله ورسوله، فشاهدنا بأعيننا وقرأنا بألسنتنا أخبارا وافتراء وكذبا يبلغ الآفاق بلحظات، إنه عذاب شديد وعقاب أليم لكل من يبث كلاما مفترى، وخبرا كاذبا، يعلم ناقله أنه ملفقا، تهويلا أو إرجافا، والعجب كيف يتلقف الناس كلاما لا يعلم مصدره، ولا يتثبت من ناقله؟!.
فوا عجباً نقفو أحاديثَ كاذب *** ونترُكُ من جَهلٍ بنا ما نشاهد
لقد ضلّ هذا الخلقُ ما كان فيهمُ *** ولا كائنٌ حتى القيامةِ زاهد
لا يسلمُ مَن نقَلَ كل كلام، ونشر كل حديث، وإشاعة كل خبر، أن يمتزج أحاديثه أوهام وأغاليط؛ "وكَفى بالمَرْء إثماً أن يُحَدِّثَ بكُل ما سَمِعَ"(أخرجه أبو داود).
إن المسلم ليربو بنفسه أن يخوض مع الخائضين، ويتلقف كل خبر لا يستبين، فينشره بين العالمين، فيكون أحد الكاذبين!.
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، فكم استفتح الناس على أنفسهم خبرا ملفقا، وتناقلوا قرارا مزيفا؛ فوقع ما كانوا يحذرون، وصُدِقَ ما كانوا به يستفتحون.
ولو التزم المسلم أخذ بكلام ربه، والتزم بأخلاق دينه، ولم ينقل من الكلام أو الأخبار إلا ما علم صدقه، واستيقن ثبوته، وتحرى نفعه، لما تحمل إثم غيره.
بحروف ملفوظة أو مكتوبة يهوي المرء أو يرفع، ويُرضى عنه أو يُسخط عليه؛ "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رُضْوَانِ اللَّهِ، مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يُرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ".
تنتشر قالة السوء بين المسلمين، وينشر عن الأخيار ما ليس فيهم، ويرمون بالبهتان بغيا وعدوا، ثم تجد أقواما يتلقونه بألسنتهم، ويبثونه برسائلهم، يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
فيصدق المسكين كاذب قصة *** ممزوجة بزعاف سم قاتل
إن بعض الظن إثم، يُترك الحق المبين، وتُنسى الفضائل والمكرمات، ثم يؤخذ كلام محتمل، وينشر خبر مختلق؛ فيتضرر أناس، ويساء لآخرين بلا علم بين، ولا خبر مستيقن!.
أتاكَ بقَوْلٍ هلهلِ النّسجِ كاذبٍ *** ولم يأتِ بالحقّ الذي هو ناصعُ
أتــــاكَ بقَوْلٍ لم أكُـــــنْ لأقولَـــــــهُ *** ولو كبلتْ في ساعديّ الجوامعُ
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
باك الله لي ولكم وفي القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه؛ إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين.
أما بعد: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أمِنَهُ النّاسُ عَلى أمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَاجَرَ من هجر ما نهى الله عنه".
ومن تعرض لمسلم بالوقيعة والأذية يجاز بجائزةٍ، إنما هي بمثلها في جهنم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من أكل بِرجُلٍ مُسلم أكلةً؛ فإنَّ اللهُ يطعمهُ مِثلَها مِن جهنَّم، ومن كُسِي ثوباً برجُلٍ مسلم؛ فإنَّ الله يكسوه مِثْلَهُ من جهنَّم، ومن قام برجل مقام سُمعَةٍ ورِياء؛ فإن الله يقومُ به مقامَ سُمعة ورِياء يومَ القيامَةِ".
وما من يدٍ إلاّ يد الله فوقها *** وما ظالمٌ إلاّ سيبلى بظالم
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، "ومن رمى مسلماً بشيءٍ يريدُ شَيْنَهُ بهِ؛ حبسهُ الله على جسرِ جهنم، حتى يخرُجَ مما قال"(أخرجه أو دود).
من يحتمي بالورعِ فلا يقول عن المسلمين إلا خيرا، ولا ينقل من الكلام إلا صدقا، حفظ نفسه وحافظ على حسناته، ولقي ربه سالما من حقوق خلقه.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الغيبة وقول الزور، وأموالنا من الربا وأكل الحرام، واحفظنا بحفظك، واستر علينا بسترك يا عزيز يا رحيم، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة، واجعلهم نصرة لهذا الدين وأهله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
التعليقات