عناصر الخطبة
1/ فجر النبوة ومنة البعثة 2/ أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولوازمها 3/ صفات النبي الكريم الخُلقية 4/ منة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم 5/ حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم 6/ مولده صلى الله عليه وسلم.اقتباس
إنه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى الذي، بعثه الله -جل وعلا-؛ ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام، وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام، إلى العدل والمحبة والوئام؛ فقد كان العرب قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- يعيشون في جاهلية جهلاء، يعيثون في...
الخطبة الأولى:
في مثل هذا الشهر -شهر ربيع الأول- أشرق النور وبزغ الفجر وولد خير البشر رسولنا محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرحمة المهداة والنعمة المسداة يقول الله -جل في علاه-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي زكى الله به نفوس المؤمنين، وطهَّر به قلوب المسلمين، وجعله رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، -صلوات الله وسلامه عليه- دائما أبدًا إلى يوم الدين.
لقد كانت ولادته فتحًا، وبعثته فجرًا؛ هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا، وكثَّر به بعد القلة، وأعزَّ به بعد الذِّلة.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خليل الرحمن، وصفوة الأنام، لا طاعة لله، إلا بطاعته؛ (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء: 80]، ولا يتم الإيمان إلا بتحقيق محبته؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم؛ حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
وكان -صلى الله عليه وسلم- أعلى الخلق أخلاقًا، وأعظمهم أمانةً، وأصدقهم حديثًا، وأجودهم نفسًا، وأسخاهم يدًا، وأشدهم صبرًا، وأعظمهم عفوًا.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي شرح الله صدره ورفع ذكره، ووضع وزره وأتم أمره، وأكمل دينه وأبر يمينه، ما ودعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالًا فهداه، وفقيرًا فأغناه، ويتيمًا فآواه، وخيَّره بين الخلد في الدنيا وبين أن يختار ما عند الله، فاختار لقاء الله.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من وطئ الثرى، وأول من تُفتح له الفردوس الأعلى؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مُشفع".
فصيح اللسان واضح البيان، موجز العبارة موضح الإشارة، آتاه الله جوامع الكلم، وأعطاه بدائع الحِكَم؛ يقول أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-: "ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأن الشمس تجري في وجهه".
ويقول شاعر الإسلام حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-:
وأفضلُ منك لن ترَ قط عيني****وأحسن منك لم تلد النساءُ
خُلِقت مبرَّءا من كل عيبٍ ****كأنك قد خُلِقت كما تشاءُ
إنه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى الذي، بعثه الله -جل وعلا-؛ ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام، وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام، إلى العدل والمحبة والوئام.
عباد الله: لقد كان العرب قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- يعيشون في جاهلية جهلاء، يعيثون في الأرض، كالأنعام، يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام، يأكلون الميتات ويئدون البنات، ويسطو القوي منهم على الضعيف، ثم أذِن الله لليل أن ينجلي، وللصبح أن ينبلج، وللظلمة أن تنقشع، وللنور أن يشعشع؛ فأرسل الله رسوله الأمين الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، أفضل البرية وأشرف البشرية؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
فاختاره الله للنبوة واجتباه، وأحبه للرسالة واصطفاه -صلى الله عليه وسلم-، ما هطلت الأمطار وأورقت الأشجار، وتعاقب الليل والنهار.
عباد الله: إن من أعظم حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا، أن نطيعه ونتبع سنته، وننفذ أوامره، ونسلك طريقه، ونقتدي به؛ يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، والصواب أن يكون على السنة، والخالص أن يكون لله، وقرأ: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]".
ويقول الإمام مالك -رحمه الله-: "السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
يقول الله في كتابه العظيم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7]، ويقول -سبحانه-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
وأخبر -سبحانه- وتعالى؛ أن الهداية والفلاح إنما تكون بطاعته -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54]، (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) [الأعراف: 157].
وحذَّر -سبحانه- من عصيان أوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
فلا بد للمسلم من اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بها والانقياد إليها، والثبات عليها؛ "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "هذه سنتي، فمن رغب عن سنتي، فليس مني".
عباد الله: فلنسأل أنفسنا: كم من سنة خالفناها؟ وكم من أوامر عصيناها؟ وكم من حدود تجاوزناها؟ وكم من سنن تركناها؟ وكم من نواهٍ فعلناها؟ فرحماك رحماك ربَّنا بنا.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- علينا؛ أن نقرأ سيرته، وأن نتدبر حياته، ونستمع إلى أخباره؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- الأسوة والقدوة لنا في أمورنا كلها؛ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
اقرؤوا عن حياته ومعاملاته وعباداته وغزواته، وهديه مع أهله وطريقته مع أصحابه، وسلوكه مع أعدائه، وتعرفوا على حياته اليومية: كيف كان يأكل، وكيف كيف كان ينام، وكيف كان يفعل في أموره كلها!
فإن سيرته -صلى الله عليه وسلم- دواء للقلوب وصلاح للعقول، وشفاء للنفوس، وهي التطبيق العملي والتفسير التطبيقي، والنموذج الحي للقرآن الكريم، كما وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، بأنه كان قرآنًا يمشي على الأرض.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- علينا؛ أن ننصره وأن نتصدى لكل من يسبه، أو يلفق التهم ضده، أو يحاول أن يطفئ نوره -وما أكثرهم في هذا الزمان لا كثَّرهم الله- وكان من آخرهم وليست الأخيرة ما فعلته القناة اليهودية العاشرة من سب واضح وافتراء فاضح على شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وشخصية نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-، وصدق الله إذ يقول: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ -سبحانه- عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:31- 32]، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].
الخطبة الثانية:
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- علينا محبته وإجلاله وتعظيمه: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
إن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست أقوالاً تقال، ولا دعاوى تُدَّعى، ولا طبولاً تدك في المساجد، وإنما محبته -صلى الله عليه وسلم- تعني طاعته واتباعه، وإجلال أمره ونهيه؛ يقول الله في آية الامتحان: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
عباد الله: لقد اختلف العلماء والمؤرخون في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فبعضهم يقول: إنه في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول، وبعضهم يقول: إنه في اليوم الثامن، وبعضهم يقول: إنه في اليوم التاسع، وبعضهم يقول: إنه في اليوم العاشر، وبعضهم يقول: إنه في الثاني عشر، وبعضهم يقول: إنه في السابع عشر، وبعضهم يقول: إنه في الثاني والعشرين، ورجَّح أكثر المحققين والفلكيين أنه -صلى الله عليه وسلم- ولد في يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول؛ لأنهم وجدوا أن تاريخ الثاني عشر لا يصادف يوم الاثنين، ولكنهم اتفقوا على أن وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في الثاني عشر من شهر ربيع الأول؛ فأيهما أولى أن نحزن أو نحتفل؟ وأيهما أولى أن نتمسك بالمختلف فيه أم بالمتفق عليه؟.
إن إقامة الموالد والاحتفال بها لا تزيد النبي -صلى الله عليه وسلم- شرفًا ولا رفعة؛ لأن شرفه وفضله -صلى الله عليه وسلم- فوق القمة، فهو سيد الأولين، وأكرم الخلق عند رب العالمين؛ يقول عليه الصلاة والسلام عند ما سُئِل عن سبب صيامه ليوم الاثنين، قال: "ذاك يوم ولدت فيه"، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- عظَّم يوم ولادته بالصيام لا بالاحتفال، فلماذا لا يسع البعض ما وسع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ولماذا نترك السنة التي فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم ولادته وهي الصيام ونفعل البدعة وهي الاحتفال؛ (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 61].
يقول عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم".
إن الاحتفال بموالد العظماء والصالحين عادة أخذها المسلمون من نصارى الشام ومصر عند ما رأوهم يحتفلون بميلاد عيسى عليه السلام؛ فقلدوهم في ذلك ظنًّا منهم أن في هذا تعظيمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ونسوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن التشبه بهم، وخاصة في أعيادهم ومناسباتهم الدينية.
ثم توسع الأمر وأحدث الشيعة الروافض إضافة إلى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- مولدًا لعلي ومولدًا للحسن ومولدًا للحسين، ومولدًا لفاطمة -رضي الله عنهم جميعًا-.
وأما اليوم فقد توسع الأمر أكثر وأكثر، فوجدت الموالد المختلطة، ووجدت الموالد التي يدعى إليها الفجار والمطربون والممثلون لإلقاء الألحان والترانيم؛ كما نشاهده في وسائل الإعلام في بعض الدول الإسلامية؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، ويقول: "فإنه من يعش منكم بعدي؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
التعليقات