في موكب الصحابة – 2 –ثمامة بن أثال رضي الله عنه

ناصر بن محمد الأحمد

2013-03-15 - 1434/05/03
عناصر الخطبة
1/ عداء ثمامة لرسول الله والمسلمين في أول الدعوة 2/ قصة أَسْر المسلمين لثمامة ثم إسلامه وصدعه بالحق 3/ وقَفَات من قصة ثمامة بن أثال
اهداف الخطبة

اقتباس

لقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال معاملة طيبة رغم ما صدر منه من جرم، حيث قتل بعض الصحابة الكرام شر قتلة!! لقد بُعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، ولم يجعله جباراً ولا متكبراً ولا حقوداً يحمل الضغينة بحيث لا يجد العفو والصفح إلى قلبه سبيلاً. كلا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك بل...

 

 

 

 

بدأنا في الجمعة الماضية بمقدمة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرنا بكلام عام بعض مناقبهم وفضائلهم. وها نحن اليوم نقف مع أحد شخصيات الصحابة لنتعرف على قصته ولنستفيد منها بعض دروس وفوائد.

 

لقد بعث الله تعالى رسوله صلى محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس فآمن به من آمن، وكفر به في بداية أمره الكثيرون، ووقفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن دعوته ودينه موقف العداء، ولكن مع مرور الأيام والشهور والأعوام كان الكثير من هؤلاء الكفار يدخلون في دين الله أفواجاً، ويتبين لهم الحق وتزول عنهم الغشاوة ويريد الله لهم الهداية.

 

وقد يكون الواحد منهم في يومه عدواً لدوداً للإسلام والمسلمين، ثم يكون في غده شخصاً آخر، حين يسلم ويخالط الإيمان شغاف قلبه فإذا هو يناصر دين الله بكل ما أوتي من قدرة، وكان من بين هؤلاء أحد السادة الأعلام ممن هدى الله قلوبهم وأنار بصائرهم بعد طول عداء لدين الله، بل بعد أن كان لشدة بغضه وكرهه للإسلام يحاول أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسل ذلكم الصحابي هو ثمامة بن أثال رضي الله عنه، الذي كان سيداً من سادات بني حنيفة وملكاً من ملوك اليمامة، وكان في قومه لا يعصى له أمر.

 

فلقد كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام فتلقى ثمامة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالزراية والإعراض، وأخذته العزة بالإثم، فأصم أذنيه عن سماع دعوة الحق والخير، وزاد شره حتى قتل عدداً من المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه.

 

وبعد مدة ليست بالطويلة عزم ثمامة على أداء العمرة، وقد كان المشركون قبل البعثة يحجون ويزورون البيت لكن على الطريقة الشركية، وبينما كان في الطريق قريباً من المدينة إذا به يقابل سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسرته وهي لا تعرف أنه ثمامة، فوقع أسيراً في يد المسلمين، فأتوا به إلى المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد، منتظرين أن يقف النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه على شأن الأسير الجديد، وأن يأمر فيه بأمره ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهمّ بالدخول إذا به يفاجئ بثمامة بن أثال مربوطاً في السارية، فقال للصحابة ممن حوله: «أتدرون من أخذتم؟» قالوا: لا يا رسول الله. فقال: «هذا ثمامة بن أثال الحنفي فأحسِنوا أساره». ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله وقال: «اجمعوا ما عندكم من طعام وابعثوا به إلى ثمامة بن أثال». ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدو والرواح وأن يقدّم إليه لبنها. وقد تم ذلك كله قبل أن يلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم أو يكلمه.

 

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على ثمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام وقال: «ما عندك يا ثمامة»؟ فقال: عندي يا محمد خير. فإن تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دمٍ، وإن تُنعِم تُنعِم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تُعْطَ منه ما شئت. فتركه الرسول صلى الله عليه وسلم يومين على حاله، يؤتى إليه بالطعام والشراب، ويحمل إليه لبن الناقة، ثم جاءه فقال: «ما عندك ياثمامة؟» فقال: ليس عندي إلا ما قلت لك من قبل. فإن تُنعم تُنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان اليوم التالي جاءه فقال: "ما عندك ياثمامة؟" فقال: عندي ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال أعطيتك منه ما تشاء.

 

فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: "أطلقوا ثمامة" ففكوا وثاقه وأطلقوه. فغادر ثمامة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى، حتى إذا بلغ نخلاً في حواشي المدينة قريباً من البقيع فيه ماء أناخ راحلته عنده، وتطهر من مائه فأحسن طُهوره، ثم عاد أدراجه إلى المسجد، فما إن بلغه حتى وقف على ملأ من المسلمين وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله. ثم اتجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد. والله ما كان على ظهر الأرض وجهٌ أبغض إليّ، من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، ووالله ما كان دين أبغض إليّ، من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كله إليَّ، ووالله ما كان بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ.

 

ثم أردف قائلاً: لقد كنتُ أصبت في أصحابك دما. فما الذي توجبه عليّ؟ فقال عليه الصلاة والسـلام: «لا تثريب عليك ياثمامة. فإن الإسلام يجبّ ما قبله»، وبشَّرَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه. فانبسطت أسارير ثمامة وقال: والله لأصيبنّ من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعنّ نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك. ثم قال: يا رسول الله! إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة. فماذا ترى أن أفعـل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «امض لأداء عمرتك، ولكن على شرعة الله ورسوله». وعلمه ما يقوم به من المناسك.

 

مضى ثمامة إلى غايته حتى إذا بلغ بطن مكة رفع صوته بالتلبية قائلاً: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك. فكان أول مسلم على ظهر الأرض دخل مكة ملبياً. وما أن سمعت قريش صوت التلبية حتى هبت مغضبة واستلت السيوف من أغمادها لتبطش بهذا الذي جاهر بمخالفة دينها في عقر دارها. ولما أقبلوا عليه رفع صوته بالتلبية، فهّم فتى من فتيان قريش أن يرميه بسهم، ولكن كبار القوم أخذوا على يديه وقالوا: ويحك أتعلم من هذا؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة. وإنكم إن أصبتموه بسوء قطع قومه عنا الميرة. ثم أقبلوا إليه بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها وقالوا: ما بك يا ثمامة؟ أصبوت وتركت دينك ودين آبائك؟ فقال: ما صبوت، ولكني اتبعت خير دين. اتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم أردف يقول، أقسم برب هذا البيت إنه لا يصلكم بعد عودتي إلى اليمامة حبةٌ من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا دين محمد عن آخركم.

 

وبعد أن أدى ثمامة مناسك العمرة كما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد إلى بلاده فأمر قومه بأن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، مما جعل الأسعار ترتفع في مكة، ويفشو الجوع ويشتد الكرب حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم الهلاك. عند ذلك كتبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: إن عهدنا بك تصل الرحم وتحض على ذلك.. وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا وأضرَّ بنا. فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث بما نحتاج إليه فافعل. فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها.

 

هذه صفحات من حياة ثمامة بن أثال رضي الله عنه. صفحة منها سوداء مظلمة، وذلك في أيام كفره وإعراضه ومحاربته للإسلام وأهله، وقتله لبعض الصحابة، ومحاولته قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفحات منها مشرقة مضيئة تبين حاله بعد أن هداه الله للإسلام، وصار أحد المنتسبين إلى هذا الدين، المحاربين لأعداء الله وأعداء رسوله  (ذَلِكَ فَضْلُ اْللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاْللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

 

اللهم يا حي يا قيوم ارض عن صحابة نبيك أجمعين. واجزهم عن هذا الدين وأتباعه خير الجزاء. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 

 

 الخطبة الثانية

 

أما بعد: وبعد هذا العرض السريع لجانب من قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه نريد أن نقف بعض الوقفات سائلين الله أن ينفعنا بما نقول وما نسمع إنه سميع مجيب:

 

الوقفة الأولى: هي أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فبينما ثمامة عدو من أشد الأعداء بغضاً وكرهاً لهذا الدين ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا به يصبح أحد أتباعه، وإذا بذلك الكره للدين ولرسوله ولبلده ينقلب حباً شديداً لا يعدله حب، حتى قال ثمامة: "يا محمد: والله ما كان على ظهر الأرض وجهٌ أبغض إليّ، من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ ووالله ما كان دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كله إليَّ، ووالله ما كان بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ".

 

ومن هنا نستفيد أن علينا ألا نيأس من هداية أيّ أحد مهما كان موغلاً في الفساد والانحراف. فهداية القلوب بيد علام الغيوب  إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .  ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده .  من يهدي الله فهو المهتدي  فالله تعالى هو الهادي هداية التوفيق والسداد. عليك أيها المسلم أن تبذل ما في وسعك في الدعوة والبيان. وليس عليك أن تهدي الناس. ولكن لا تقنط ولا تيأس. وأن أشد الناس عداوة لهذا الدين قد يصير أحد أتباعه المجاهدين في سبيله، كما حصل لثمامة بن أثال رضي الله عنه.

 

إذا رأيت إنساناً يقع في معصية ومنكر من القول أو الفعل ثم استعظمت ما هو واقع فيه، فلا تظننّ أنه لا يمكن أن يهتدي. بل الهداية له ممكنة إذا أراد الله له ذلك. ولهذا فعليك أن تدعوه وتناصحه فإن استجاب لك فقد حصل المطلوب، وإن لم يستجب لك فأجرك كامل غير منقوص  ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . إن واجبنا هو نصح الناس وإرشاد الناس وليست مهمتنا هو الحكم على الناس هذا شقي وهذا سعيد.

 

هذه إحدى الفوائد الجليلة من قصة ثمامة الذي كان يسعى جاهداً لإطفاء نور الإسلام، ولكنه بين عشية وضحاها يهتدي بهدي الله، ويدخل في هذا الدين القويم فرضي الله عنه وأرضاه .

 

الوقفة الثانية: هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عامل ثمامة بن أثال معاملة طيبة رغم ما صدر منه من جرم، حيث قتل بعض الصحابة الكرام شر قتلة. لقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، ولم يجعله جباراً ولا متكبراً ولا حقوداً يحمل الضغينة بحيث لا يجد العفو والصفح إلى قلبه سبيلاً. كلا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك بل قد جبله الله على أكرم الصفات وأفضل الأخلاق وأحسنها. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ثمامة بن أثال لما كان عليه في  ذلك لوم ولكنه صلوات الله وسلامه عليه كان يريد إيمان الناس واتباعهم للحق، ولهذا عامل ثمامة تلك المعاملة الطيبة. جمع ما في بيوت أزواجه من طعام وأرسله إلى ثمامة، وأمر بناقته أن تحلب ويقدم لبنها لثمامة غدوًّا  وعشيّا، ثم بعد ذلك مَنَّ عليه وأطلقه دون فداء. فكان لهذه المعاملة الرائعة أثرها الفعال، مما جعله الله سبباً لهداية ثمامة إلى الإسلام.

 

فهل نجعل من شعارنا أن نعامل الناس بلطف وبخلق حسن لعل في هذا ما يجعل غير المسلم يسلم، وما يجعل العاصي يكف عن معصيته، وصاحب المنكر قد يستحي ويدع منكره؟

 

وإذا كان عندك أيها المسلم عمّال أو خدم غير مسلمين، فهل خطر ببالك يوماً من الدهر أن تحسن معاملتهم لعل في هذا ما يدفعهم إلى الدخول في هذا الدين؟ علماً بأن الأصل ألا تأتي إلا بعمّال وخدم وسائقين مسلمين حتى لا يكون عليك وزر من أدخل المشركين في جزيرة العرب، وأظنك تعلم نهي النبي صلى الله عليه وسلم  من أن يجتمع في جزيرة العرب دينان. ولكن وقد فعلت المنهي عنه وأتيت بهم، فلا أقل من أن تدعوهم إلى الإسلام، ولن تدعوهم إليه بأفضل من القدوة الصالحة والتعامل الطيب، فتدعوهم بأفعالك قبل أن تدعوهم بأقوالك.

 

هذا بعض ما يؤخذ من قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه. والله المسئول بمنه وكرمه أن يهدينا سبل الرشاد. وأن يجمعنا بالصحابة الكرام في جنة الفردوس.

 

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وفقنا لما تحبه وترضاه وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اهدنا سبل الرشاد. اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.

 

اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان …

 

عباد الله: صلوا وسلموا على النبي المصطفى الأمين المبعوث رحمة للعالمين. خير البرية وأزكى البشرية .. فقد أمركم بالصلاة والسلام عليه، فقال في محكم التنـزيل: (إِنَّ اْللهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اْلنَّبِيِّ يَأَيُّهَا اْلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً). اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات
في موكب الصحابة – 2 –ثمامة بن أثال رضي الله عنه.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life