عناصر الخطبة
1/ قدر العلم والعلماء 2/ حرمة القول على الله بغير علم 3/ أنواع تعلم العلم 4/ ضرورة أخذ العلم عن العلماء الثقات 5/ خطورة الاقتصار على الكتب في طلب العلم أو القرآن والسنةاهداف الخطبة
اقتباس
وإننا -مع الأسف الشديد- في هذا الزمان نرى أناساً خصوصاً من الشباب قد اعتزلوا العلماء الثقات من علماء البلاد، ونفروا منهم، وأخذوا يتعلمون على أيدي جهال لا يدركون من العلم شيئاً، أو ربما يتعلمون على أيدي أناس لا يعرفون بالثقة والأصالة في المعتقد، وربما يكونون ضلالاً يلقنونهم الضلالات والبدع.. وهذا فيه خطورة عظيمة على الدين وعلى المجتمع ..
الحمد لله الذي امتن على العباد بأن يجعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى. ويصبرون منهم على الأذى. ويحيون بكتاب الله أهل العمى. كم من قتيل لإبليس قد أحيوه. وضال تائه قد هدوه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يمن بفضله على من يشاء من عباده وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على تعلم العلم وتعليمه. -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله، واعلموا أن الله -سبحانه وتعالى- عظم شأن العلماء العاملين من عباده فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:9] وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]
وقال-صلى الله عليه وسلم-: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" والنصوص في المعنى كثيرة.
وفي هذا حث على تعلم العلم النافع والحرص عليه. بل لقد أمر الله تعلم العلم قبل القول والعمل قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد:19] قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب: العلم قبل القول والعمل" وأورد هذه الآية.
ويحرم الخوض في مسائل الدين بدون علم وقد جعل الله القول عليه بدون علم عديل الشرك قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف 33] وأمر سبحانه من ليس عنده علم أن يسأل العلماء قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] وأنكر -صلى الله عليه وسلم- على قوم أفتوا بغير علم فقال: "ألا سألوا إذا لم يعلموا".
عباد الله: وتعلم العلم على نوعين:
النوع الأول: واجب على كل مسلم. لا يعذر أحد بتركه، وهو تعلم ما يستقيم به دينه؛ كأحكام العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج على الوجه الذي يتمكن به من أداء هذه العبادات على وجهها الصحيح. فتعلم هذه الأمور واجب على الأعيان لا يعذر أحد بجهالته.
والنوع الثاني: ما زاد عن ذلك من تعلم بقية أحكام الشريعة في المعاملات والوصايا والمواريث والأنكحة والجنايات والقضاء فهذا واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وإن تركه الكل أثموا. والاشتغال بتعلم هذا النوع أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات من صلاة وصوم وحج وغير ذلك.
عباد الله: والعلم إنما يتلقى ويؤخذ عن العلماء الثقات؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"، وقال -صلى الله عليه وسلم- "وإن العلماء ورثة الأنبياء"؛ فالعلماء يقومون مقام الأنبياء بتعليم العلم وتبليغه للناس ويجب على الناس أن يتعلموا منهم ويتقبلوا إرشاداتهم وتعليماتهم..
وإننا -مع الأسف الشديد- في هذا الزمان نرى أناساً خصوصاً من الشباب قد اعتزلوا العلماء الثقات من علماء البلاد، ونفروا منهم، وأخذوا يتعلمون على أيدي جهال لا يدركون من العلم شيئاً، أو ربما يتعلمون على أيدي أناس لا يعرفون بالثقة والأصالة في المعتقد، وربما يكونون ضلالاً يلقنونهم الضلالات والبدع.. وهذا فيه خطورة عظيمة على الدين وعلى المجتمع؛ قال بعض السلف: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". وعن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: "من أشراطها ثلاث: إحداهن التماس العلم عند الأصاغر" رواه الطبراني. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا". وفي رواية: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا".
فالواجب على المتعلمين أن يرتبطوا بالعلماء الثقات المعروفين بالعلم وسلامة المعتقد، فيتلقوا عنهم العلم والدين حتى تتصل السلسلة والسند بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيتلقوا عنه العلم النافع الصافي بواسطة هؤلاء العلماء الثقات فيكونوا على بصيرة من دينهم وبينة من ربهم وصلة بنبيهم.
ومن المتعلمين: من يقتصر على مطالعة الكتب ويزعم أنه بذلك يستغني عن العلماء- وهذا خطأ ويترتب عليه خطر، لأن الكتب ما عدا كتاب الله وسنة رسوله فيها الخطأ والصواب.. وفيها الغث والسمين. وفي بعضها الدس والسم الزعاف. والمتعلم المبتدئ لا يميز بين الضار والنافع، فلا بد من معلم بصير يفحص له هذه الكتب ويضع على ما فيها من صواب نافع. ومن خطأ ضار. ويشرح له عباراتها ويبين له غامضها.
ولو كان: العلم يتلقى من الكتب لما تكلف أسلافنا الأسفار وتعرضوا للأخطار، فسافروا المسافات الطويلة ليلتقوا بعلماء الأقطار النائية ويتعلموا منهم؛ فهذا نبي الله وكليمه موسى عليهم السلام لما أخبره الله أن عبداً من عباده عنده علم اختصه به، سار موسى عليه السلام إليه -كما قص الله علينا ذلك بقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) [الكهف:60] يعني سنين عديدة، ولما لقيه (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) [الكهف:66]
وقد رحل أيوب الأنصاري رضي الله عنه من المدينة إلى مصر للقاء رجل من الصحابة ليروي عنه حديثاً واحداً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلمه.
ورحل الإمام أحمد من العراق إلى اليمن وإلى الحجاز وغيرها من الأقطار لتلقي العلم عن العلماء.
ورحل غيره من الأئمة كالشافعي والبخاري إلى أقطار بعيدة ليتعلموا من علماء وقتهم.
ولو كان العلم يتلقى من الكتب لجلس هؤلاء في بلدانهم وقرؤوا الكتب وتركوا عناء السفر.. إنه بإمكان أي إنسان أن يشتري كمية من الكتب يقرؤها -لكن ذلك لا يفيد شيئاً بل إنه يضر أكثر مما يفيد. ولنضرب لذلك مثلاً: هل أنت إذا أحسست بمرض تذهب إلى الصيدلية وتأخذ أي دواء منها. أو لا بد من الذهاب إلى الطبيب ليعرف نوعية المرض ويحدد الدواء المناسب؛ كل ذلك خشية أن تأخذ دواء ضاراً غير مناسب يقضي عليك أو يضرك. كذلك العلم لا بد أن تذهب إلى المختصين فيه، وتتلقاه عنهم، ولا تقتصر على الكتب؛ خشية أن تقع في الضلالة. وتتأثر بما في بعضها من الشبهات والدس على الإسلام.
ومن الناس من ظهر أخيراً يقول: لا ترجعوا إلى العلماء ولا إلى الكتب بل ارجعوا إلى القرآن والسنة وخذوا منهما العلم رأساً. إنهم يقولون هذا وهم لا يحسنون قراءة القرآن فضلاً عن معرفة معانيه. وهذا الصنف أخطر من الذي قبله؛ لأنه لا يعرف قواعد الاستدلال؛ لأن نصوص الكتاب والسنة فيها الناسخ والمنسوخ، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الخاص والعام. ثم الأحاديث المروية فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع -وكل هذه أمور لا يعرفها إلا الراسخون في العلم وهم خواص العلماء لا كل العلماء؛ فكيف بهؤلاء العوام المساكين! إن هؤلاء يشكلون خطراً عظيماً على الأمة إن لم يؤخذ على أيديهم. فيجب على المسلمين أن ينتبهوا لأنفسهم ويعرفوا واقعهم.
إنه يجب على المسلمين أن يقبلوا على تعلم العلم النافع من علمائهم كل على حسب استطاعته حتى يبقى العلم النافع في الناس ولا يذهب بذهاب العلماء؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يذهب العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح والثبات على دين الإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].
التعليقات