عناصر الخطبة
1/بعض فوائد اجتماع المسلمين في البيت الحرام 2/تأسيس البيت الحرام على التوحيد 3/جريمة جلب الوثنية إلى البيت الحرام 4/خطر قصد البيت الحرام بأذى أو سوء 5/قصة إهلاك الله لأبرهة وجيشه 6/بعض خصائص البيت الحرام ومميزاته 7/مشروعية زيارة المسجد النبوي وبعض أحكام وآداب ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
فيلتقون حولَه، ويتعارفون عنده، فتتألفُ قلوبهم ويتعاونون على تحصيلِ مصالحهم، وحلِّ مشاكلهم، وتظهر قوة الإِسلام ووحدة المسلمين، ويرفع شعار الدين، وتزولُ كلُّ الفوارق المصطنعة إلا فارق التقوى، وتسقطُ كل الشعارات البشرية والشرائع الجاهلية، ولا يبقى إلا شعارُ الدين، وشريعة ربّ العالمين، وتبطُلُ كلُّ الاعتقادات الشركية، ولا يبقى إلا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي جعل بيته الحرام مثابةً للناس وأَمْنَاً، وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً تُنجي مَنْ نَطَقَ بها وحقَّق مدلولها مبنىً ومعنى.
وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله عرج به فوق السموات العلى: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم:9].
صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجومِ الهدى، ومصابيح الدُّجى، وسلَّم تسليماً كثيراً في الآخرة والأولى.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، ومن أعظمِها: أَنْ جعلَ لكم هذا البيت الشريف، وهذا الحرم المنيف، يتجهُ المسلمون إليه في صلواتهم من جميعِ أقطار الأرض، ويفدون إليه حاجِّين ومعتمرين من كُلِّ فجٍّ عميق: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج:28].
فيلتقون حولَه، ويتعارفون عنده، فتتألفُ قلوبهم ويتعاونون على تحصيلِ مصالحهم، وحلِّ مشاكلهم، وتظهر قوة الإِسلام ووحدة المسلمين، ويرفع شعار الدين، وتزولُ كلُّ الفوارق المصطنعة إلا فارق التقوى، وتسقطُ كل الشعارات البشرية والشرائع الجاهلية، ولا يبقى إلا شعارُ الدين، وشريعة ربّ العالمين، وتبطُلُ كلُّ الاعتقادات الشركية، ولا يبقى إلا العقيدة الحنيفية، ملة إبراهيم إمام الملة الإِسلامية.
فإن هذا البيت أُسِّسَ على التوحيدِ حين أمرَ الله إبراهيمَ وإسماعيلَ ببنائه، وقال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125].
وقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26].
فمَنْ حاولَ أن يجلِبَ الوثنية إلى هذا البيت، ويُقيمَها حولَه، أزاله الله من الوجودِ، وأذاقَه العذاب الأليم، كما فَعَلَ بعمرِو بن لُحَيّ الخُزاعي الذي رآهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجُرُّ قصبَه في النار، جزاءً له على ما أحدثَ من تغييرِ دين إبراهيم، وتسييبِ السوائب للأصنام، وكما فَعَلَ بقريش على يدِ محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيِّ الإِسلام، وصحابته الكرام، حينَ فتحوا مكةَ ومَحَوْا ما فيها وحولها من الأصنامِ.
ومن أرادَ بهذا البيت وقاصديه والمتعبدين فيه سوءاً، أذابَه الله بالعذاب، كما يذوبُ الملح في الماء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25].
ولمَّا أرادَ أبرهةُ ملك الحبشة هدمَ هذا البيت، وصرف الناس عنه، وجهَّز لذلك جيشاً هائلاً، وفيه فيل عظيم ليهدمَ به الكعبة، بأن يجعلَ السلاسل في أركانِها، ويربطَها في عنقِ الفيل ليجرَّها، ويلقي جدرانَها جملة واحدة، وكان لا يَمُرُّ في طريقه بقبيلةٍ من قبائل العرب إلا دَهَمَهَا، إلى أَنْ وَصَلَ إلى أرضِ الحرم، فخرجَ أهلُ مكة إلى رؤوس الجبال خوفًا منه، ولمَّا تهيأ الجيش لدخولِ مكة، وهيؤوا الفيلَ، ووجَّهوا نحوها بَرَكَ، فضربوه ليقومَ فأبى، وإذا وجَّهوه إلى غير مكة قامَ يهرولُ.
وبينما هم كذلك أرسل الله عليهم طيرًا من البحرِ أمثال الخطاطيف، معَ كلٍّ طائر منها ثلاثةُ أحجار، حجرٌ في منقاره، وحجران في رجليه أمثالِ الحمص والعدس، فحَلَّقت فوقَهم ورمتهم بتلك الحجارة فهَلَكُوا، وأنزلَ الله في ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل:1 5].
والمعنى: أنَّ الله -سبحانه وتعالى-: أهلَكَهم ودمَّرهم، فأصَبَحُوا مُلقَيْنَ على الأرض كعصفٍ مأكول، وهو التبنُ الذي أكلته البهائمُ وراثَتْه.
وفي هذا أعظمُ عبرةٍ وأكبر زاجرٍ لمن يريد هذا البيت بسوء أن الله يهلكه، ويجعله عبرة للمعتبرين.
وهذا البيت الشريفُ له خصائصُ عظيمة؛ منها: أنه أولُ بيتٍ وُضِعَ للناس على وجهِ الأرض، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) [آل عمران:96 - 97].
فأخبرَ سبحانه: أنَّه أولُ المساجد في الأرض، فهو قبلَ بيت المقدس، وهذا من أعظمِ الآيات البينات فيه، حيث تعاقَبَتْ عليه آلافُ السنين، وهو باقٍ كما وضعه الله منارةً للتوحيد ومثابةً للناس، مع حِرْصِ الكفار على إزالته والقضاء عليه بكل وسيلة، ومع هذا بقيَ يتحدَّى كُلَّ عدو، ولهذا سمَّاه الله "بالبيتِ العتيق".
قيل: "سُمي عتيقًا" لأنه أولُ بيت وضع للناس.
وقيل: لأنَّ الله أعتقه من الجبابرة، فلم يظهرْ عليه جبار قطُّ.
وقيل: لأنه أُعتقَ يوم الغرق زمانَ نوح -عليه السلام- وأنَّه مباركٌ، أي: ذو بركة لِما جَعَلَ الله في حجِّه والطواف به من الأجر وتكفير السيئات، وأنه تُضَاعَفُ فيه الحسناتُ، والبركة: وكثرة الخير.
(وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ): إليه اتجاهُهم في صلاتهم وتعبداتهم، فالمؤمنون يأتون حُجَّاجاً وعماراً، فتحصُلُ لهم بذلك أنواع الهداية من معرفةِ الحقِّ وصلاح العقيدة، وغير ذلك.
ولهذا يقولُ أحد المستشرقين لأصحابه لَمَّا اجتمعوا ليخططوا لإِضلال المسلمين؛ قال لهم: لا تطمعوا في إضلالهم ما بقي لهم هذا المصحفُ، وهذه الكعبةُ.
وقوله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) يعني: دلالات واضحات على التوحيد، من: الركن والمقام، والصفا والمروة، والمشاعر كلها.
وقوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) يعني: أنَّ الله جعلَ حول هذا البيت حرماً إذا دخله الخائف يأمنُ من كل سوءٍ، حتى في وقتِ الجاهلية كان الرجل يلقَى قاتلَ أبيه، فلا يمسُّه بسوءٍ حتى يخرُجَ من هذا الحرم، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت:67].
حتى إنَّ الصيدَ فيه لا يُقْتَلُ، ولا ينفر من أوكاره، ولا يُقطَعُ شجرهُ، ولا يُقلَعُ حشيشه.
ومن خصائص هذا البيت: أنه لا يشرع الطواف بغيره على وجهِ الأرض، فلا يشرع أن يطاف بالقبورِ والأضرحة، ولا بالأشجار والأحجار، فمن اعتقدَ أنه يُشرعُ الطوافُ بغيرِ البيت فهو كافرٌ؛ لأنَّه اعتقدَ ما لم يشرِّعْه الله ولا رسوله.
ومن خصائص هذا البيت: أنَّ الله أوجبَ على الأمة كُلَّها حجَّه كل عام، وأوجبَ على الأفراد حجَّه مرةً في العُمُرِ مع الاستطاعة، قال تعالى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) [آل عمران:97].
فحجُّه على المجموعِ فرضُ كفاية كل عام، وحجُّه على الأفراد فرضُ عين مرةً في العمر مع الاستطاعة.
وإنما شَرَعَ الله للناسِ الحجَّ إلى بيته ليشهدوا منافعَ لهم، لا لحاجةٍ به إلى الحجاج كما يحتاجُ المخلوق إلى من يقصِدُه ويعظِّمُه.
وقد افتتح الله -سبحانه- بيانَ شرعية حجّ هذا البيت بذكرِ محاسنه، ليُرغبَ الناس في قصده، والإِتيان إليه، ولهذا أقبلت قلوبُ العباد إليه حباً وشوقاً إلى رؤيته، ولهذا قال سبحانه: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) [البقرة:152].
أي: يثوبون إليه ويرجعون إليه كل عام من جميع الأقطار، ولا يقضون فيه وطراً، بل كلما ازدادوا له زيارةً ازدادوا اشتياقاً إليه.
وقد حَكَم الله بكفر من تَرَكَ الحجَّ، وهو يقدرُ عليه؛ فقال تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
فمن تركَهَ جاحدًا لوجوبه، فلا شَكَّ في كفره، وهذا بإجماعِ المسلمين، ومن تركَه تكاسُلاً أُجبِرَ عليه، وإن ماتَ قبل أن يَحُجَّ أُخرجَ من تركته قدرُ ما يُحَجُّ به عنه.
عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "مَنْ مَلَكَ زاداً وراحلةً ولم يُحجَّ بيتَ الله، فلا يضرُّه ماتَ يهوديّاً أو نصرانيّاً، وذلك بأنَّ الله قال: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97] [رواه ابن جرير].
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من أطاقَ الحجَّ فلم يحُجَّ فسواءٌ عليه ماتَ يهوديّاً أو نصرانيّاً".
وقال أيضاً رضي الله عنه: "لقد هممْتُ أن أبعثَ رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل مَنْ كان عنده جِدَةٌ، فلم يحُجَّ فيضربوا عليهم الجزيةَ، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".
فليس على وجهِ الأرض بقعةٌ يجبُ على كل قادرٍ السعي إليها، ولا بيتٌ يُشْرَعُ الطوافُ حولَه إلا المسجدَ الحرام، والبيت العتيق، فأفضلُ بقاعِ الأرض هو المسجد الحرام، وأفضلُ بيت على وجهِ الأرض، هو الكعبة المشرفة.
وقال صلى الله عليه وسلم في مكة: "والله إنَّكِ لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك لما خَرَجْتُ" [قال الترمذي: "هذا حديث صحيح"].
فالحمد لله الذي جعل للمسلمين هذا البيت العظيم الذي تَقَرُّ به أعينُهم، وتُحَطُّ بزيارته، والطوافِ به، والصلاة عنده أوزارُهم، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أتى هذا البيت فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجعَ كيومِ ولدَتْه أمُّه".
فاشكروا الله -أيها المسلمون- على نعمتهِ، واسألوه أن يَعُمَّكم بواسعِ رحمته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج:26 - 31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، فَضَّلَ مسجدَ رسوله المصطفى، وأخبرَ أنَّه أولُ مسجد أسِّسَ على التقوى، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحسنى، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود والشفاعة العظمى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسَّكُوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، وسَلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعْلَمُوا أنَّ زيارةَ المسجد النبوي للصلاةِ فيه مشروعةٌ، وفيها فضلٌ عظيم، فهو أحدُ المساجد الثلاثة التي يسافَرْ إليها للصلاة فيها.
والصلاةُ في المسجد النبوي خيرٌ من ألفِ صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجدَ الحرام، كما ثبتَ بذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيصلي فيه الزائرُ ما تيسَّر له من غيرِ تحديد.
وزيارتُه تُشْرَعُ في كل وقت قبلَ الحج وبعده، ولا علاقة لها بالحجِّ، وإنما هي عبادة مستقلة غير مؤقتة بوقت معين، وليسَ في المدينة مسجدٌ يُزارُ للصلاة فيه إلا مسجد قباء، فتُستحَبُّ زيارتُهُ للصلاة فيه لمن كان في المدينة أو قدم إليها.
وقد حرَّمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ كما حَرَّمَ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مكةَ.
وحَرَمُها من الشمال إلى الجنوب ما بينَ عير إلى ثور، وهما جبلان معروفان، ومن الشرق إلى الغرب ما بين الحرَّتين الشرقية والغربية، في الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "المدينةُ حرامٌ ما بينَ عير إلى ثورِ من أحدثَ فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبَلُ الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً".
ورَوَى الإِمام أحمد من حديث جابر: "حرامٌ ما بين حَرَّتيها".
فيحرمُ قتلُ صيدِ حَرَمِها، ويحرمُ قطعُ شجَرِهِ، ولا جزاءَ فيها حُرِّمَ من صيدها وشجرها.
وليس في الدنيا حَرَمٌ غير هذين الحرمين الشريفين: حرم مكة، وحرم المدينة، فعَظِّموا هذين الحرمين، واعرِفوا أحكامَهما، وما يحرمُ فيهما حتى تجتنبوه.
واعلَمُوا أنَّ مَنْ زارَ مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه يستحَبُّ له: أن يُسَلِّمَ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فيأتي قبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقفُ قِبَلَ وجهه، ويقولُ: السلام عليك يا رسولَ الله ورحمةُ الله وبركاته، ثم يتقدَّمُ قليلاً من مقامِ سلامه على النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو ذراع عن يمينه، ويقول: السلامُ عليك يا أبا بكرٍ الصديق، ثم يتقدَّمُ نحو ذراع عن يمينه أيضاً، ويقول: السلامُ عليك يا عمرُ الفاروق.
وإنْ زارَ مقبرَةَ البقيعِ، وقبورَ الشهداء عند أُحدٍ، وسَلَّمَ على الأموات، واستغفرَ لهم، ودعا لهم، فَحَسَنٌ.
ثم اعلَمُوا أنَّ زيارةَ القبور، تستحَبُّ للرجال دون النساء، فالنساءُ لا تجوزُ لهن زيارةُ القبور، لا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن زوَّارات القبور.
إنَّ خيرَ الحديث كتاب الله ... الخ.
التعليقات