عناصر الخطبة
1/ حرمة الربا وعقوبة فاعله 2/ تعاطي الربا دليل ضعف إيمان وورع 3/ من صور الربا 4/ المزارعة وحكمها 5/ صور وأحكام متعلقة بها 6/ التقوى وثمرتهااهداف الخطبة
اقتباس
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ -سُبْحَانَهُ- الْمُعَامَلَاتِ الْخَارِجَةَ عَنْ تَشْرِيعَاتِ الْإِسْلَامِ وَتَعَالِيمِهِ، الْمُعَامَلَاتُ الرِّبَوِيَّةُ الَّتِي تَمْحَقُ الْبَرَكَاتِ وَتَزِيدُ فِي السَّيِّئَاتِ..
الْمُعَامَلَاتُ الَّتِي تُثْقِلُ كَاهِلَ الْفَقِيرِ، وَتُنَغِّصُ عَلَيْهِ عَيْشَهُ وَتُفْسِدُ مَالَ الْغَنِيِّ، وَتُبَغِّضُهُ إِلَى مُجْتَمَعِهِ، وَتَمْحَقُ بَرَكَةَ رِزْقِهِ.. فَالْمَالُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ إِذَا دَخَلَهُ الرِّبَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَمَا يُنْفَقُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَخْلُوفًا ..
الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنْزَلَ كِتَابَهُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، وَأَبَانَ لِلنَّاسِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ بِأَوْضَحِ بَيَانٍ، وَأَحَلَّ لَنَا الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْنا الْخَبَائثَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْهَادِي إِلَى طَرِيقِ الرُّشْدِ وَالْفَلَاحِ، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ -سُبْحَانَهُ- الْمُعَامَلَاتِ الْخَارِجَةَ عَنْ تَشْرِيعَاتِ الْإِسْلَامِ وَتَعَالِيمِهِ، الْمُعَامَلَاتُ الرِّبَوِيَّةُ الَّتِي تَمْحَقُ الْبَرَكَاتِ وَتَزِيدُ فِي السَّيِّئَاتِ..
الْمُعَامَلَاتُ الَّتِي تُثْقِلُ كَاهِلَ الْفَقِيرِ، وَتُنَغِّصُ عَلَيْهِ عَيْشَهُ وَتُفْسِدُ مَالَ الْغَنِيِّ، وَتُبَغِّضُهُ إِلَى مُجْتَمَعِهِ، وَتَمْحَقُ بَرَكَةَ رِزْقِهِ.. فَالْمَالُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ إِذَا دَخَلَهُ الرِّبَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَمَا يُنْفَقُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَخْلُوفًا.
وَإِنْ تَصَدَّقَ صَاحِبُهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ تَصَدُّقُهُ مَقْبُولًا؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ صَارَ سَبَبًا لِعَدَمِ قَبُولِ الدُّعَاءِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا "ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: "يَا رَبُّ يَا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ"؟! أَيْ كَيْفَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ مَنْ هَذَا حَالُهُ.
آكِلُ الرِّبَا مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ" آكِلُ الرِّبَا مُحَارِبٌ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الْبَقَرَةِ:278-279]
وَأَيُّ خَطَرٍ أَعْظَمُ وَبَلَاءٍ أَطَمُّ مِنْ مُحَارَبَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِلْعَبْدِ، آكِلُ الرِّبَا لَا يَقُومُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْرِهِ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، أَيْ كَمِثْلِ الْمَصْرُوعِ الَّذِي صَرَعَهُ شَيْطَانُ الْجِنِّ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ تَعَاطِيَ الرِّبَا دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ وَالْوَرَعِ، دَلِيلٌ عَلَى الشُّحِّ وَالْهَلَعِ، دَلِيلٌ عَلَى الْأَنَانِيَةِ وَالطَّمَعِ، دَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ الرَّحْمَةِ بِإِخْوَانِهِ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْهِ؛ لَقَدْ أَخْبَرَ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ فُشُوِّ ذَلِكَ وَوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ وَالْإِنْكَارِ؛ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَ أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ".
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدِ ابْتُلُوا بِالرِّبَا؛ فَقَدْ يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ نُقُودًا مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَدْفُوعُ لَهُ مَبْلَغًا مَعْرُوفًا مَضْمُونًا مُقَابِلَ انْتِفَاعِهِ بِتِلْكَ النُّقُودِ يَدْفَعُهَا لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، أَوْ يَدْفَعُ لَهُ نُقُودًا مَعْلُومَةً، وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ؛ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَزِيَادَةَ خَمْسَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ فِي الْمِائَةِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا كُلُّهُ رِبًا.
وَمِنَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ: أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْـبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهَا بِثَمَنٍ يُدْفَعُ مُعَجَّلًا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".
فَعَلَى الْمُسْلِمِ النَّاصِحِ لِنَفْسِهِ؛ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ وَيَجْتَنِبَ الرِّبَا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطَّلَاقِ: 2 - 3 ]
أَمَا يَخْشَى الْمُتَعَامِلُ بِالرِّبَا مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ؟ أَمَا يَخَافُ أَنْ يَضْرِبَهُ اللهُ بِالْفَقْرِ وَالْإِفْلَاسِ؟ أَمَا يَخَافُ أَنْ يُذْهِبَ اللهُ بَرَكَةَ مَالِهِ؟ (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا) "أَيْ يُذْهِبُهُ، إِمَّا أَنْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صاحِبِهِ، أَوْ يَحْرِمَهُ الِانْتِفَاعَ بِمَالِهِ؛ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، بَلْ يُعَذِّبُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ".
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) قَالَ: "اسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ".
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ مِنْهَا، وَلَا تَكْفُرُوا نِعْمَتَهُ يَسْلِبْكُمْ إِيَّاهَا: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إِبْرَاهِيمَ:7].
وَلَقَدْ نَادَاكُمُ اللهُ بِاسْمِ الْإِيمَانِ؛ تَذْكِيرًا لَكُمْ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ إِيمَانُهُ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ؛ طَلَبًا لِلثَّوَابِ، وَرَغْبَةً فِي الْأُجُورِ؛ فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ:130-132].
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئِاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ: صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ".
فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ رَجُلٌ لِآخَرَ أَرْضًا يَزْرَعُهَا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مَشَاعٍ فِيهَا؛ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ؛ كَالنِّصْفِ أَوِ الثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مَثَلًا، وَأَنْ يَكُونَ مَشَاعًا فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ؛ فَلَوْ قِيلَ: لَكَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجِهَةِ الشَّمَالِيَّةِ -مَثَلًا- أَوِ الْجَنُوبِيَّةِ أَوْ شَيْءٍ أَوْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ لَمْ تَصِحَّ.
وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ أَرْضٌ زَائِدَةٌ عَنْ حَاجَتِهِ أَنْ يَمْنَحَهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِلَا أَجْرٍ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فِي بَابِ مَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرِ.
وَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأَخُذَ عَلَيْهِ خَرَاجًا مَعْلُومًا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكًا أَمْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ اسْتِيفَاءَ دَيْنٍ أَوْ صُلْحًا فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ شَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ".
إِلَّا إِذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، أَوِ الزَّرْعَ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ بِشَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَهَا فِي الْحَالِ، أَوْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ فِي الْحَالِ لِيَعْلِفَ بِهِ دَوَابَّهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَهَذَا جَائِزٌ.
وَلَكِنَّ الَّذِي أُرِيدُ أَنْ أُنَبِّهَ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ -مَثَلًا- فِي حَرْثِ أَرْضٍ ثُمَّ يَبْذُرَانِهَا، وَبَعْدَ بَذْرِهَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ؛ فَيَلْجَآنِ إِلَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الزَّرْعِ، وَيُسَمُّونَهُ صُلْحًا؛ وَالصُّلْحُ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ؛ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا" فَهَذَا الصُّلْحُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ فِي الْحَالِ.
عِبَادَ اللهِ: لَمَّا كَانَتِ التَّقْوَى جِمَاعَ كُلُّ بِرٍّ، وَمَصْدَرَ كُلُّ خَيْرٍ، وَأَصْلَ كُلُّ صَلَاحٍ لِلْأَفْرَادِ وَالَجَمَاعَاتِ؛ كَانَتْ خَيْرَ مَا يَتَزَوَّدُ بِهِ الْإِنْسَانُ، يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [الْبَقَرَةِ:197]
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ؛ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ" وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الْأَعْرَافِ:96]
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ... ) إِلَخْ.
التعليقات