عناصر الخطبة
1/ حقيقة الاستقامة 2/ الاستقامة بين طرفين 3/ قل: آمنت بالله ثم استقم 4/ الاستقامة الكاملة هي السداد والمقاربة 5/ فضل الاستقامةاهداف الخطبة
اقتباس
فالسداد هو حقيقة الاستقامة الكاملة وهو الإصابة في جميع الأقوال، والأعمال والمقاصد؛ كالذي يرمي إلى هدف فيصيبه، والمقاربة أن يصيب ما قرب من الهدف إذا لم يصب الهدف نفسه، لكنه مصمم وقاصد إصابة الغرض.
فالمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد؛ فإن لم يقدر عليها فالمقاربة؛ فإن لم يحصل منه سداد ولا مقاربة فهو مفرِّط مضيِّع..
الحمد لله رب العالمين. أمر الاستقامة ورتب عليها جزيل الثواب. وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته واستقاموا على دينه. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن الله سبحانه أمر بالاستقامة عباده عموماً، وأمر نبيه بها خصوصاً. قال تعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) وقال لنبيه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ووعد المستقيمين بجزيل الثواب. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
والاستقامة كلمة جامعة وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد وهي تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات. فهي من جوامع الكلم ولهذا لما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك قال له: " قل: آمنت بالله ثم استقم ". رواه مسلم.
فالاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم من غير تعوج عنه يمنة ولا يسرة. بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص منه؛ فلا يشدد ولا يتساهل؛ فإن الشيطان يشم قلب العبد ويخبره؛ فإن رأى فيه إعراضاً عن الدين أو تكاسلاً عن الطاعة رغبة في التساهل والتكاسل حتى يتحلل من الدين؛ فيترك الواجبات ويفعل المحرمات، ولا يزال يغريه حتى يقطع صلته بالدين، ويتركه في متاهات الهلاك.
وإن رأى من العبد حرصاً على الدين فلم يتمكن من صده عنه - أمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاعتدال قائلاً له: إن هذا خير وطاعة والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاستقامة. وهذا كحال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، وقراءتهم، وهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
وكلا الطرفين ذميم: طرف التساهل وطرف الغلو- كلاهما خروج عن السنة والاستقامة؛ فالأول: خروج إلى بدعة التفريط والإضاعة، والثاني: خروج إلى بدعة المجاوزة والإسراف.
قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط ولا يبالي بأيهما ظفر. زيادة أو نقصاناً؛ فكل الخير في الاجتهاد المقرون بالاعتدال والسير على السنة. وكل الشر في الخروج عن السنة عن طريق التساهل أو عن طريق الغلو.
عباد الله: بعض الناس يقول: آمنا بالله لكنه لا يكون مستقيماً على دين الله بل يكتفي بمجرد القول، وفي هؤلاء يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) فهو ينحرف عند أدنى محنة، ويضل عند أدنى شبهة أو شهوة؛ أولئكم الذين يقولون ما لا يفعلون. دينهم ما تهواه أنفسهم وما يوافق رغباتهم. لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. دينهم ما تهواه أنفسهم وما يوافق رغباتهم. لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. لا يلتزمون بما يعنيه قولهم: (آمَنَّا بِاللَّهِ)؛ مِنْ طلب الاستقامة على مدلول هذه الكلمة؛ من فعل الطاعات، وترك المحرمات، والإخلاص للمعبود، والإحسان إلى العبيد. إن كلمة (آمَنَّا بِاللَّهِ) تمر على ألسنتهم وكأنها لا معنى له فلا تؤثر على سلوكهم ولا تغير من تصرفاتهم..
إن النجاة من النار والفوز بالجنة لا يحصلان إلا بمجموع الأمرين. قول هذه الكلمة والاستقامة على معناها. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وقال -صلى الله عليه وسلم-: " قل آمنت بالله ثم استقم ". ولو كان القول المجرد يكفي وينفع صاحبه لنفع المنافقين الذين يرددون كلمة (آمَنَّا بِاللَّهِ) والله يكذبهم ويقول: (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) لماذا؟ لأنهم لا يستقيمون على قولهم: (آمَنَّا بِاللَّهِ).
عباد الله: إن الاستقامة الكاملة بحيث لا يقع تقصير من العبد في طاعة الله أمر غير مستطاع؛ فالعبد محل التقصير ومعرض للخطأ.. لكن من فضل الله عليه أن شرع له الاستغفار؛ ليجبر ذلك التقصير في الاستقامة. قال تعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) ففي الآية الكريمة إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها فيجبر ذلك الاستغفار.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس لا يستطيعون الاستقامة الكاملة؛ فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " استقيموا ولن تحصوا. واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " وفي رواية للإمام أحمد: "سددوا وقاربوا ولا يحافظ على الصلات إلا مؤمن ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " سددوا وقاربوا "
فالسداد هو حقيقة الاستقامة الكاملة وهو الإصابة في جميع الأقوال، والأعمال والمقاصد؛ كالذي يرمي إلى هدف فيصيبه، والمقاربة أن يصيب ما قرب من الهدف إذا لم يصب الهدف نفسه، لكنه مصمم وقاصد إصابة الغرض.
فالمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد؛ فإن لم يقدر عليها فالمقاربة؛ فإن لم يحصل منه سداد ولا مقاربة فهو مفرِّط مضيِّع.. فالحمد لله الذي لم يكلفنا ما لا نطيق، وشرع لنا ما يجبر تقصيرنا ويكمل نقصنا. (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ويضاعف الحسنات. فضلاً منه وتكرماً.
عباد الله: ما أحسن طريق الاستقامة. ما أحسن الاعتدال بين طرفي الأمور؛ فلا انحلال ولا إخلال، ولا انحطاط عن مرتبة الدين الذي شرف الله به الإنسانية وكرم به البشرية، ولا غلو ولا تشديد، ولا تنطُّعَ في الدين بحيث تجعل السنن كالفرائض، والمكروهاتُ كالمحرمات، وتحرم النفوس مما أباح الله لها من زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؛ عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها. وقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر كله ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إني لأخشاكم وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني "؛ متفق عليه.
رزقنا الله وإياكم الاستقامة على الدين. واتباع سيد المرسلين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ). الآيات.
التعليقات