فوائد وعبر من قصة أصحاب الغار

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2024-11-06 - 1446/05/04
التصنيفات الفرعية: التربية
عناصر الخطبة
1/سرد حديث أصحاب الغار 2/دروس مستفادة من الحديث 3/فضل الصدق مع الله والإخلاص في العمل 4/من أنواع التوسل المشروع 5/فضل بر الوالدين 6/أهمية العفة عن الحرام 7/ وجوب أداء الحقوق والأمانات إلى أهلها.

اقتباس

بِرُّ الْوَالِدَيْنِ سَبَبٌ لِتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، فَمَا أَكْثَرَ الْمَآزِقَ وَالصُّعُوبَاتِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهَا الْمُسْلِمُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَصِيدٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ... مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَإِكْرَامُهُمَا، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا، وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِهِمَا...

الخطبةُ الأولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

 

أَمَّا بَعْدُ: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-؛ عَنِ النّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "خَرَجَ ثَلاثَةٌ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ.

 

فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ، فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلابِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ، فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ، فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبِيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ؛ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفُرِجَ عَنْهُمْ.

 

وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا؛ قَالَتِ: "اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ"؛ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ؛ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ.

 

وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ، فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَعْطِنِي حَقِّي" فَقُلْتُ: "انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا؛ فَإِنَّهَا لَكَ". فَقَالَ: "أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟" فَقُلْتُ: "مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ". اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ؛ فَافْرُجْ عَنَّا. فَكُشِفَ عَنْهُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَهَمِّ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ:

1- شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا؛ إِذَا جَاءَنَا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ الثَّابِتِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ، أَوْ مُخَالَفَةُ شَرْعِنَا لَهُ.

2- الْإِخْبَارُ عَمَّا جَرَى لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ؛ لِيَعْتَبِرَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيُعْمَلُ بِحَسَنِهَا، وَيُتْرَكُ قَبِيحُهَا.

3- الِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ؛ فَفَوِّضْ أَمْرَكَ إِلَيْهِ.

 

4- فَضْلُ الصِّدْقِ مَعَ اللَّهِ، وَالْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ؛ فَفِي رِوَايَةٍ: "فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاءِ، لا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَفِي رِوَايَةٍ: "فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

5- الدُّعَاءُ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ تَوَسُّلٌ مَشْرُوعٌ، وَمِنْ أَنْوَاعِ التَّوَسُّلِ الْمَشْرُوعِ:

أ- التَّوَسُّلُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

ب- التَّوَسُّلُ إِلَى اللَّهِ بِحَالِ الدَّاعِي؛ كَقَوْلِهِ: "أَنَا فَقِيرٌ إِلَيْكَ"، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ كَمَا دَعَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[الْقَصَصِ: 24].

 

ج- التَّوَسُّلُ إِلَى اللَّهِ بِدُعَاءِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ تُرْجَى إِجَابَتُهُمْ؛ كَمَا تَوَسَّلَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- إِلَى اللَّهِ بِدُعَاءِ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ.

 

6- لَا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِالْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ بِاسْتِثْنَاءِ التَّوَسُّلِ بِدُعَاءِ الْأَحْيَاءِ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَيْسَ بِأَشْخَاصِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَجَاهِهِمْ، وَقُبُورِهِمْ؛ فَإِنَّهُ شِرْكٌ بِاللَّهِ -تَعَالَى-.

 

7- أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ كَانُوا يَعْرِفُونَ التَّوَسُّلَ الْمَشْرُوعَ -وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ-؛ فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أَوْلَى بِذَلِكَ.

 

8- مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَإِكْرَامُهُمَا، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا، وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِهِمَا.

 

9- بِرُّ الْوَالِدَيْنِ سَبَبٌ لِتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، فَمَا أَكْثَرَ الْمَآزِقَ وَالصُّعُوبَاتِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهَا الْمُسْلِمُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَصِيدٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ.

 

10- الْإِخْلَاصُ طَرِيقُ الْخَلَاصِ، فَمَنْ أَخْلَصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ؛ أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ، وَمِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ.

11- إِذَا دَعَا الْعَبْدُ رَبَّهُ بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ.

 

12- "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ أَحْمَدُ)؛ تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي غِنَاكَ يَعْرِفْكَ فِي فَقْرِكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي صِحَّتِكَ يَعْرِفْكَ فِي مَرَضِكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي شَبَابِكَ يَعْرِفْكَ فِي كِبَرِكَ، "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ؛ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

13- خُطُورَةُ الْعِشْقِ الْمُحَرَّمِ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ: النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ، وَالْكَلَامُ الْمُحَرَّمُ، وَالْخَلْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ، وَالِاخْتِلَاطُ الْمُحَرَّمُ، وَبَعْضُ الشَّبَابِ يُسَمِّيهِ: "الْحُبَّ"! فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ الْحُبَّ الْحَلَالَ الشَّرْعِيَّ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ ارْتِبَاطٍ حَلَالٍ؛ كَخِطْبَةٍ، أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ زَوَاجٍ.

 

14- مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ: الْعِفَّةُ الْمَمْزُوجَةُ بِالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ امْتِنَاعِ الْفَتَاةِ مِنَ الزِّنَا؛ فَإِنَّهَا فَتَاةٌ عَفِيفَةٌ، قَالَ –تَعَالَى-: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[النُّورِ: 33]؛ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ -اللِّسَانَ-، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ -الْفَرْجَ-؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَلَا تَتَحَقَّقُ الْعِفَّةُ إِلَّا بِغَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الْحَرَامِ، وَالْحَذَرِ مِنَ الْخَلْوَةِ وَالِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمَيْنِ، وَكُلِّ مَا أَدَّى إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.

 

15- الْوَرَعُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ تَرَكَ الْفَاحِشَةَ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمِنْ عَذَابِهِ وَسَخَطِهِ. فَفِي رِوَايَةٍ: "قَالَتْ: لا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ -أَيْ: خَفِ اللَّهَ، وَلَا تُزِلْ عَفَافِي إِلَّا بِزَوَاجٍ صَحِيحٍ-، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا؛ وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

16- الْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُسْعِدُ صَاحِبَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "رَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ؛ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَهَذَا كَحَالِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ.

 

17- الْفَقْرُ وَالْجُوعُ ضَرَرُهُ وَخِيمٌ، فَفِي رِوَايَةٍ: "فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ -أَيْ: ضَائِقَةٌ وَجَائِحَةٌ، وَوَقَعَتْ فِي فَقْرٍ شَدِيدٍ- فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ، عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:  وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ الْمُهِمَّةِ:

 

18- لَا يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَثَرًا طَيِّبًا؛ فَقَدْ ذَكَّرَتِ الْمَرْأَةُ ابْنَ عَمِّهَا، لَمَّا كَادَ أَنْ يَقَعَ بِهَا؛ لِقَوْلِهِ: "فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا؛ قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ".

 

19- مِنْ عَلَامَاتِ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ: أَنَّهَا إِذَا ذُكِّرَتْ بِاللَّهِ تَذَكَّرَتْ، وَإِذَا وُعِظَتِ اتَّعَظَتْ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 201]. وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ ‌خُلِقَ ‌مُفْتَنًا ‌تَوَّابًا نَسِيًّا، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ). وَأَمَّا إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ وَأَوْلِيَاؤُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ إِذَا وَقَعُوا فِي الذُّنُوبِ، لَا يَزَالُونَ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ذَنْبًا بَعْدَ ذَنْبٍ!

 

20- الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَهَا آثَارُهَا الْجَمِيلَةُ عَلَى أَصْحَابِهَا، وَقَبُولُ الْعَمَلِ، وَظُهُورُ أَثَرِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهِ خَالِصًا لِلَّهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

21- إِثْبَاتُ الْكَرَامَةِ لِلصَّالِحِينَ، وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يُونُسَ: 62-64].

 

22- جَوَازُ الْإِجَارَةِ بِالطَّعَامِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الْمُتَآجِرَيْن.

23- وُجُوبُ أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَالْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَاسْتِحْبَابُ تَثْمِيرِهَا لَهُمْ؛ ففِي رِوَايَةٍ: "قَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ تَرَكَ الَّذِي لَهُ، وَذَهَبَ. فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ؛ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ. فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ؛ فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي"، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ؛ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! لا تَسْتَهْزِئْ بِي"، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

24- فَضْلُ ‌التَّاجِرِ ‌الْأَمِينِ ‌الصَّدُوقِ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(حَسَنٌ صَحِيحٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

25- تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ يَمْحُو مُقَدِّمَاتِ طَلَبِهَا، وَالتَّوْبَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا.

 

26- لَا يُجْزَمُ بِقَبُولِ الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ"؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْزِمُوا بِقَبُولِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِخْلَاصِهَا لِلَّهِ -سُبْحَانَهُ-. وَهَكَذَا الْمُؤْمِنُ يُكْثِرُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَخْشَى أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُ.

 

27- الْإِكْثَارُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ مَعَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَانْظُرْ إِلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْأَوَّلُ كَانَ بَارًّا، وَالثَّانِي كَانَ عَفِيفًا، وَالثَّالِثُ كَانَ أَمِينًا.

 

28- إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ لِلَّهِ -تَعَالَى-؛ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[غَافِر: 20]؛ فَإِنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَانَ سَمِيعًا لِدُعَائِهِمْ، عَلِيمًا بِحَالِهِمْ، قَدِيرًا عَلَى إِنْجَائِهِمْ؛ حَيْثُ أَزَالَ عَنْهُمُ الصَّخْرَةَ؛ (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الدُّخَان: 6]؛ (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَة: 106].

 

وَالسُّؤَالُ هُنَا: لَوْ كُنْتَ رَابِعَهُمْ؛ هَلْ كَانَ لَدَيْكَ عَمَلٌ صَالِحٌ خَالِصٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَذْكُرُهُ؟

فَاحْرِصْ -يَا رَعَاكَ اللَّهُ- عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُنَجِّيكَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life