عناصر الخطبة
1/ حث الشريعة على نظافة البيئة والمجتمع 2/ واقع مجتمعاتنا في قضية النظافة والتلوث 3/ سلوكيات بيئية سيئةاهداف الخطبة
اقتباس
ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن الإفساد في الأرض أو تلويثها، ومن ذلك أنه حرّم التبول أو التغوط في الطرقات والأماكن العامة التي يرتادها الناس ويجلسون فيها، ونهى عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري حتى لا يتلوث الماء بالبول مع أنه ماء كثير؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ"، ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ".
الخطبة الأولى:
عباد الله: لقد حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على النظافة والعناية بالبيئة، والاهتمام بالمظهر العام للأرض ليبقى الكون محافظًا على جماله ورونقه، بعيدًا كل البعد عن مظاهر الفساد والخراب والتخريب.
يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة: 27] ويقول: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة: 60]، وقال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف: 56]، (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205].
ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن الإفساد في الأرض أو تلويثها، ومن ذلك أنه حرّم التبول أو التغوط في الطرقات والأماكن العامة التي يرتادها الناس ويجلسون فيها، ونهى عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري حتى لا يتلوث الماء بالبول مع أنه ماء كثير؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ"، ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ".
كما نهى عن إلقاء القاذورات والزبالات عند بيوت الناس أو في شوارعهم أو تحت محلاتهم أو وضعها في أي مكان غير مكانها المخصص، وتعلمون جميعًا قول الله -سبحانه وتعالى- في امرأة أبي لهب: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
لأنها كانت تؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتضع الأشواك على طريقه، وترمي بالأذى عند بيته، وتتعاون مع زوجها الآثم على الإثم والعدوان وأذية المسلمين، وهذا كله مما يناقض الإيمان ويخالف الدين.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ".
ويقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "من سمّى الله، ورفع حجرًا أو شجرًا أو عظمًا من طريق الناس مشى وقد زحزح نفسه عن النار"، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين رجلًا يَمْشِي في الطَرِيقٍ فوَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ".
وعندما ودع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجيش الإسلامي في غزوة مؤتة قال لهم -وهم متأهبون للرحيل والخروج للجهاد في سبيل الله- أوصاهم بوصايا نبوية عظيمة يرتكز معظمها على أمر الحفاظ على الأرض والبيئة، فكان مما قال: "لا تحرقوا نخلًا، ولا تقلعوا شجرًا، ولا تهدموا بيتًا، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرًا ولا رضيعًا ولا كبيرًا فانيًا".
بل كان -صلى الله عليه وسلم- يشجع الناس على إظهار البيئة بمظهرها اللائق، ويحث الناس على الاهتمام بها لتظهر في أجمل مظهر وأحسن منظر؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-" "ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له صدقة"، وقال: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، -يعني نخلة صغيرة- فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ".
وعند البخاري ومسلم يقول -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَتَأْكُلُ مِنْهُ بَهِيمَةٌ، أَوْ سَبْعٌ، أَوْ طَيْرٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً".
فأين نحن من هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟! وأين مجتمعنا الإسلامي من أمر المحافظة على البيئة ونحن نرى المجاري تجري بقوة وغزارة في شوارعنا حتى الرسمية منها، والقمائم والقاذورات -أكرمكم الله- متناثرة في كل مكان وعند كل بيت، حتى أصبح هواؤنا ملوثًا، وماؤنا ملوثًا، ومناخنا متغيرًا، والنتن والأوساخ في بيئتنا ظاهرة وبكثرة، والحرارة تزداد ارتفاعًا وسخونة من عام إلى عام بسبب فساد البيئة.
حتى خضرواتنا وفواكهنا وطيباتنا لوثت بالمسمدات والمواد الكيماوية والهرمونات والمواد المسرطنة والمبيدات التي يستخدمها من يعرف ومن لا يعرف، وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).
إن ديننا الإسلامي الحنيف اهتم بموضوع البيئة قولًا وعملًا ونظريًا وواقعيًا بخلاف الأديان الباطلة الأخرى التي تزعم شيئًا وهي تناقضه، وتقول قولًا وهي تخالفه، فتتغنى بحقوق الإنسان وهي تقتل الإنسان وتنحره من الوريد إلى الوريد، وتتبجح بالاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها وهي تلوث الأجواء وتفسد طبقة الأوزون وتدمر البحار بالإشعاعات النووية، وتبيد الأشجار وتجرفها باسم مصلحة الأراضي والمساحة.
أما ديننا الإسلامي فإنه قد اهتم بهذا الموضوع واعتنى بهذه المحاسن البيئية، وأعطى كل شيء حقه، واعتنى به خير العناية، فيا له من دين لو أن له رجالًا يطبقونه ويقومون به.
تأملوا قول الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات العظيمة التي ذكرت كل محتويات البيئة وكل الظواهر الطبيعية الموجودة فيها؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
عباد الله: إننا نأسف الأسف الشديد حينما يشتكي بعض الجيران من أذية جيرانهم بوضع القمائم تحت بيوتهم، أو جلبها إليهم، أو تعليقها على جدرانهم، أو وضعها عند منازلهم، بحجة أن بيوتهم أقرب مكان لعمال البلدية للمجيء لأخذها، وربما أتوا وربما لم يأتوا، ومن هنا تبدأ المشاكل بين الجيران، وتثور بينهم ثائرة الشيطان، وتفسد بينهم الحقوق، وتضيع بسبب قمامة -أجلكم الله-.
والواجب أن يحترم كل جار نفسه، فكما لا يرضى لنفسه أن تبقى هذه القمائم في بيته، ولا يرضاها عند داره، فكذلك جاره فإنه لا يرضى بذلك، ولا يريد أن يكون بيته مجمعًا للزبالات والأوساخ.
وبعض الناس يأتي فيعلق القمامة على مكان منخفض من الجدار، فتأتي الأغنام فتصل إليها وتنهشها، فتترامى هنا وهناك، وتفسد على الناس طريقهم وممراتهم بأقذارها وتناثراتها أو بروائحها ونتنها.
وأفضل من هذا أن يرفعها بحيث لا تصل المواشي إليها إن كان متأكدًا فعلًا من مجيء عمال البلدية لأخذها، أما إذا كانوا لا يأتون في الغالب لأخذها فلا داعي لتعليقها، وعليه أن يأخذها معه ليضعها في الأماكن التي خصصت لها.
كما يجب علينا أن نرشد أهلنا -ونساءنا خاصة- بضرورة المحافظة على المظهر العام للبيئة، فلا ينبغي للواحدة منهن أن ترمي بقذاراتها وعفائص حيضها داخل المجاري؛ ما يتسبب في سدها وإغلاقها.
وبعضهن لا تبالي ترمي بأي شيء معها من النافذة مباشرة دون مبالاة برميه ومكان وقوعه بعد الرمي، فترمي بحفاضات الأطفال مثلًا، فتصل إلى الشارع فتلوثه وتتسبب في إفساده ونجاسته.
وبعض الأطفال -بل حتى بعض الكبار- يبول في أي مكان؛ ما يتسبب في فوح الروائح الكريهة بين البيوت وإزكام الأنوف، خاصة عند المرور في الشوارع الضيقة والمنعطفات الصغيرة بين البيوت.
كما ينبغي لأصحاب المنازل أن يضعوا شبابيك أو حواجز على فتحات المجاري في المطابخ لكي لا يتسرب منها شيء، فيتسبب في سد المجاري.
ومما يؤسف له أن بعض أطفالنا إذا رأى المجاري انسدت والأغطية ارتفعت وطفح الماء قاموا بوضع الأحجار والحصى والتراب والقوارير داخل المجاري؛ ما يعطلها أكثر، ويزيد من تعقد إمكانية تصليحها، ومن هنا تبقى المجاري في الشوارع أيامًا وهي تسيل بسبب هذه التصرفات العابثة التي يعجز معها أصحاب البلدية من إصلاح الخلل وحل مشاكل الصرف الصحي، مع أننا لا ننكر أحيانًا غفلتهم وتقصيرهم في أداء عملهم والقيام بمهامهم.
إن الخطر كبير على الجميع؛ لأن هذه المجاري حينما تسيل في الشوارع تكون سببًا في تلويث البيئة وإفسادها، فتتلوث الأرض وتتنجس وتنتشر الأمراض والحميات، ويكثر البعوض وتنتقل العدوى والجراثيم بكل سهولة.
والسبب هو نحن عندما نضر أنفسنا بأنفسنا، أو نسكت عن أخطاء بعضنا، فيتضرر الجميع ويصاب الكل، فيكون حالنا -والعياذ بالله- كحال عاقر الناقة: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا)، فنزل العذاب على الجميع حينما سمحوا لها بعقرها.
إن الواجب علينا جميعًا أن نتكاتف حول هذا الأمر ونتعاون فيه ونتحرك سريعًا في حال وقوع الأذى أو الانسداد، ولا يبقى كل واحد منا ينظر إلى الآخر لينتظر منه أن يتصل بالبلدية أو يتواصل معهم، مع أن الأمر لن يكلفه مجرد اتصال أو ذهاب.
أو نرمي بالمسؤولية على شخص ونتركه يتابع لوحده ويذهب لحاله في كل مرة، فيتضجر منه عمال البلدية، ويشمئزون من مجرد قدومه عليهم.
علينا جميعًا أن نعتني ببيئتنا وجمال منطقتنا وصلاح وضعنا، وأن لا يضر بعضنا بعضًا أو يمس أحدنا أخاه بسوء يؤذيه أو يتسبب في ازعاجه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضرر ولا ضرار".
التعليقات