عناصر الخطبة
1/منزلة عشر ذي الحجة وفضل يوم عرفة واغتنامه 2/سنية الأضحية وشروطهااقتباس
عِبَادَ اللهِ: بَيْنَ أَيْدِينَا الآنَ مِنْحَةٌ وَغَنِيمَةٌ، وَفُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ، هِيَ أَيامُ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَعْظُمُ هذه الأَيَّام قَدْرًا، وَأَعْلاهَا شَأْنًا، هُوَ يَوْمُ عَرَفَة، مَحَطُّ أَنْظَارِ الْعَابِدِينَ، وَقُرَّةُ عَينِ الموَحِّدِينَ، تَتَضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَتُجَابُ فيهِ الدَّعَوَاتُ، وَيَتَحَيَّنهُ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أَنْزَلَ الشَّرْعَ فَيَسَّرَهُ، وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ، الْخَلَائِقُ فِي أَرْضِهِ يَسِيحُونَ، وَوفْقَ إِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَسِيرُونَ (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس: 40]، وأشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْشَادًا لِلتَّائِهِينَ، ونَذِيرًا لِلْعَاصِينَ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيُّهَا المُؤمنونَ: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لَمْ يَخْلُقْكُم عَبَثًا، وَلَنْ يَتْرُكَكُمْ هَمَلًا، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رُسُلَهُ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَقَضَى بِضَعْفِكُمْ وَقِصَرِ أعْمَارِكُم، فَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِمَوَاسِمَ غَالِيَة، وَأَزْمِنَة فَاضِلَة، تَجْبُرُونَ بِهَا كَسْرَكُمْ، وَتُدْرِكُونَ بِهَا مَا فَاتَكُمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
عِبَادَ اللهِ: بَيْنَ أَيْدِينَا الآنَ مِنْحَةٌ وَغَنِيمَةٌ، وَفُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ، هِيَ أَيامُ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَعْظُمُ هذه الأَيَّام قَدْرًا، وَأَعْلاهَا شَأْنًا، هُوَ يَوْمُ عَرَفَة، مَحَطُّ أَنْظَارِ الْعَابِدِينَ، وَقُرَّةُ عَينِ الموَحِّدِينَ، تَتَضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَتُجَابُ فيهِ الدَّعَوَاتُ، وَيَتَحَيَّنهُ أَصْحَابُ الْحَاجَاتِ، فَيُدْرِكُونَ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ، مَا لا يَجِدُونَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
أيُّهَا المؤمنونَ: يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، قَالَ تَعَالَى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[البروج:1-3]، وقالَ ﷺ: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
عِبَادَ اللهِ: وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ فِيهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ فِيهِ النِّعْمَةَ، يَتَنَزَّلُ سُبْحَانَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نُزُولًا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَكَمَالِهِ، قَالَ ﷺ: "مَا مِن يَومٍ أكْثَرَ مِن أنْ يُعْتِقَ اللهُ فيه عَبْدًا مِنَ النّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنّه لَيَدْنُو ثُمَّ يُباهِي بهِمِ المَلائِكَةَ، فيَقولُ: ما أرادَ هَؤُلاءِ؟"(رواه مسلم).
أيُّهَا المؤمنُونَ: وَمِنَ الْغَنَائِمِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ: الصِّيَامُ لِغَيْرِ الْحَاج فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ -ﷺ- عَن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ فَقالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"(رواه مسلم)، وَمِنَ الْغَنَائِمِ في يوم عرفة: الدُّعَاءُ، قالَ ﷺ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ"(رواه الترمذي، وحسّنه الألباني).
عِبَادَ اللهِ: شَمِّرُوا وَجِدُّوا وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ -جَلَّ وَعَلا-، فَقَدْ دَعَاكُمْ وَأَدْنَاكُمْ وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْكُمْ، فَانْقَطِعُوا فِي هَذا الْيَوم خَاصَّةً عَمَا سِوَاهُ وَلا يَشْغَلَنَّكُم شَاغِلٌ عَن الدُّعَاءِ اطْرَحُوا مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الشَّوَاغِلِ، وَمَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ، وَانْطَرِحُوا بِبَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].
أقولُ قَوْلِي هَذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الحمدُ للهِ على إِحْسَانِهِ والشُّكْرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وَاعْلَمُوا أنّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَقَدْ "ضَحَّى النَّبِيُّ -ﷺ- بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ"، فَيُسَنُّ لِلْقَادِرِ أَنْ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَام، وَأَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ المطْلُوبَة شَرْعًا، جَذْعًا مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّة أَشْهُر، أَوْ ثَنِيًّا مِنَ الْبَقَرِ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، أَوْ ثَنِيًّا مِنَ الإِبِلِ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ خَمْس سَنَوَات، وأَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَأَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلْمُضَحِّي، وَأَن لا يَتَعَلَّق بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَأَنْ تَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَهَا شَرْعًا، وَتُجْزِئُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ عَن سَبْعِ أَضَاحِي، ومن كان عنده وصايا، فليدفع ثمنها من مال الموصي وليس من ماله.
أيُّهَا المؤمنونَ: عَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، قَالَ تعالَى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 36-37].
وهنا يحسن تنبيه من عزموا على الحج وقاية أنفسهم من ضربات الشمس حفظًا للنفس التي أمر الله بحفظها، وهي إحدى الضروريات الخمس، لا سيما أن حج هذا العام يأتي في وقت الصيف، وشدة ارتفاع درجات الحرارة، ويمكن توقي ذلك بعدم التعرض للشمس، وعدم كشف الرأس إلا في النسك، واستقبال المظلة عند كشفه.
اللَّهُمَّ اقْبَلْنَا بِكَرَمِكَ، وَاشْمَلْنَا بِعَفْوِكَ، وَنَجِّنَا بِفَضْلِكَ، وَارْزُقْنَا شُكْرَ نِعَمِكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِنا لكلِّ خيْرٍ، واصْرِفْ عنهُم كُلَّ شَرٍّ، واجْعَلْهُمْ ذُخْرًا للإسلامِ والمسلمينَ، واجْعَلْهُمْ سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ، وَحَرْبًا عَلى أَعْدَائِكَ وارْزُقْهُم البِطَانَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ رجالَ الأمنِ، والمُرَابِطِينَ على الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بينِ أيديهِم ومِنْ خَلْفِهِمْ وعنْ أيمانِهِمْ وعنْ شمائِلِهِمْ ومِنْ فَوْقِهِمْ، ونعوذُ بعظَمَتِكَ أنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَ الْحَجِيجِ حَجَّهُمْ، وَاخْلُفْ نَفَقَتَهُمْ، وَاغْفِر ذُنُوبَهُمْ، وَرُدَّهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ سَالِمِينَ مَجْبُورِينَ، فَرِحِينَ مُطْمَئِنِّينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَات، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وأُمَّهَاتِهِم، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا، وأزواجًنا، وجيرانَنَا، وَمَشَايِخنَا، ومَنْ لهُ حقٌّ علينَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
التعليقات