عناصر الخطبة
1/فضائل القرآن العظيم 2/ هدى ونور وشفاء 3/تلاوة القرآن عبادة وطاعة 4/تدبر القرآن والعمل بما فيه.اقتباس
علينا أن نغتنم الفرصة بالإكثار من التلاوة مع التدبر للمعاني ومجاهدة النفس بتطبيق ما فيه من أوامر والكفّ عن ما فيه من نواهٍ، وكذا نجاهد النفس بما فيه من مستحبَّات وترك مكروهات، وسائر ما فيه من آداب وهدى ونور.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي امتن علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فهو الإله العظيم الذي كلامه نور يهدي به من يشاء.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أُوتي القرآن ومثله معه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير من تلا كتابه واتبع سنة نبيه، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فلا يخفى أن القرآن العظيم من أولى ما يُعتَنى به، وأكمل ما يهدف إليه من غاية، فهو كتاب الله الذي لا ريب فيه، وتنزيله الذي لا مرية فيه، والنور المبين والصراط المستقيم، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[سورة فصلت:42]، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[سورة الإسراء:9]، فهو يرشد العبد لأقوم الطرق وأوضح السبل لشؤون الحياة وما بعد الممات، ومن القرآن ما هو شفاء لأمراض القلوب والأبدان، قال -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[سورة الإسراء:82]، فالقرآن يذهب ما في القلوب من شك ونفاق، وشرك وزيغ.
وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدَّقه، فإنه يكون في حقه هدًى وشفاءً، وأما الكافر الظالم نفسه، فلا يزيده سماع القرآن إلا بُعْدًا وكفرًا؛ قال -تعالى-: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)[سورة فصلت:44].
ولقد امتدح الله كتابه العزيز وبيَّن أثره حال سماع مَن يخشى ربه؛ فقال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[سورة الزمر:23]، وقال -تعالى-: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[سورة الحشر:21].
أيها المسلمون: ومع ما في القرآن الكريم من هدى ونور وشفاء فتلاوته عبادة وطاعة وتقرُّب إلى الله؛ ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها"، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "الم" حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".
عباد الله: وإذا كان هذا الثواب العظيم قد أعدَّه الله لمن يتلو كتابه، فعلينا أن نغتنم الفرصة بالإكثار من التلاوة مع التدبر للمعاني ومجاهدة النفس بتطبيق ما فيه من أوامر والكفّ عن ما فيه من نواهٍ، وكذا نجاهد النفس بما فيه من مستحبَّات وترك مكروهات، وسائر ما فيه من آداب وهدى ونور.
ولنتأثر أيضًا بما فيه من وعد ووعيد، ونعتبر بما فيه من قصص الرسل مع أُمَمها، وبما فيه من أخبار عن الصديقين والشهداء والصالحين، وكذا ما فيه من أخبار عن الملوك والرؤساء والوزراء وغير ذلك.
فهو الكتاب الشريف الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّ بكثرة التكرار، والمعجزة الخالدة، ولما سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق محمد -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خُلقه القرآن".
أعوذ بالله من الشيطان؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[سورة فاطر:30]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا)[الكهف: 1-3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنعم على عباده بنزول أشرف كتبه على أفضل رسله؛ ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله مُبلِّغ الرسالة، ومُؤدِّي الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- باحترام كتابه العزيز والعمل بما فيه، والذي منه التعبد بتلاوته، فهو كلامه -تعالى- المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل -عليه السلام-، منه -تعالى- بدأ وإليه يعود.
ومما يدل على فضله على سائر الكلام ما أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه".
ومما يدل على فضل تلاوته ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم ذكِّرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وآناء النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اجعلنا ممن يُحِل حلاله ويُحرِّم حرامه، ويعمل بمُحكَمه ويؤمن بمتشابهه، ويتلوه حق تلاوته يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات