عناصر الخطبة
1/البشارة برمضان 2/ الصيام من أفضل الأعمال 3/ اجتماع الخير في رمضان 4/ خصائص شهر رمضان وفضائله.اهداف الخطبة
التحفيز لاستغلال شهر رمضان ببيان فضائله.اقتباس
إن من الغنائم التي تعمر بها الحياة وتكون بها النجاة غنيمة الصيام والقيام شرعهما الله في رمضان، حفظ بهما الزمان وثقل بهما الميزان وأزال بهما الران وطهر الجنان. شهر رمضان هو سيد الشهور ضاعف الله فيه الأجر وسد أبواب الشر، وخصه بفضائل ليست لغيره
الحمد لله الكريم المنان، فرض صيام رمضان وحبب إلينا الإيمان وكرّه الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن، علم القرآن جعله للعالمين بيان، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد بني الإنسان وصاحب الإحسان وإمام البيان، صلى الله عليه وآله وسلم كلما زاد الإيمان ونقص العصيان.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله دائم الإحسان امتن علينا برمضان، أنزل فيه القرآن ونوع فيه أسباب للغفران، وفتح فيه أبواب الجنان وأغلق أبواب النيران وصفد فيه الشيطان، وكرم الإنسان. فيا باغي الخير أقبل ويا صاحب العقل اعمل ويا صاحب الصحة لا تكسل ويا صاحب المال لا تبخل، ويا باغي الشر أقلع عن الوزر وازدد من الأجر واغتنم العمر واستعد للقبر واعمل ليوم الحشر، فإن العمر قصير والحساب عسير والسفر طويل والعقبة كؤود والزاد قليل.
وإن من الغنائم التي تعمر بها الحياة وتكون بها النجاة غنيمة الصيام والقيام شرعهما الله في رمضان، حفظ بهما الزمان وثقل بهما الميزان وأزال بهما الران وطهر الجنان، وشهر رمضان هو سيد الشهور ضاعف الله فيه الأجر وسد أبواب الشر، وخصه بفضائل ليست لغيره، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبشر به أصحابه فيقول: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم" وهذه البشارة لأصحاب القلوب السليمة التي لا تشبع من الطاعات ولا تقبل السيئات. وهي لأهل الآخرة الذين يصعد عملهم إلى السماء فيجد أبوابها مفتوحة ويقفلون به من النار ويتسلحون به ضد عدوهم الذين أقسم أن يغويهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين. وقد أثمرت هذه البشارة إذ أحب السلف رمضان وكانوا يتشوّقون لدخوله، بل لا يغيب عن قلوبهم إذ يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم، فذكره على ألسنتهم ومحبته في قلوبهم.
ومن فضائله: أن صيامه أحد أركان الإسلام لا يتم إسلام العبد إلا به، وهذا يدلُ على شرف زمانه، إذ عمر الله نهاره بالصيام وعمر ليله بالقيام، وبصيام هذا الشهر ينتصر الإنسان على نفسه ويُلزمها بأمر الله تعالى وينهاها عن نهيه ويطوعها لأعمال البر، وقد وعد الله من انتصر على نفسه بالجنة، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعـات:41]، ووعد من صام في الدنيا عن الطعام والشراب أن يأكل ويشرب في الآخرة من النعيم الذي يدوم، قال تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24]. ومن فضائله: أن فيه العمل الذي لا عدل له إذ فيه إرضاء الله تعالى واتباع السنة ومجاهدة النفس والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا وكثرة الخير وقلة الشر والتحرر من عبودية البطن وعبودية الفجر، والإيمان بالغيب والتقوى الإخلاص والمراقبة، قال أبو أمامة: يا رسول الله! أيّ العمل أفضل؟ وفي رواية: مرني بعمل ينفعني الله به، قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" أي: لا يعدله شيء ولا يساويه شيء، وفي رواية: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له" أي: لا يماثله شيء، وقد كان أبو أمامة يكثر الصوم فلا يرون في بيته ناراً إلا إذا كان عنده ضيف.
ومن فضائله: أنه العمل الوحيد الذي أضافه الله إليه، قال تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، وإضافته إلى الله إضافة تشريف لأن كل عمل يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فمضاعفته لا تتقيد بعدد، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: من الآية10]، ومظالم العباد تؤخذ من جميع أعمال العبد لا الصوم فلا تؤخذ منها المظالم بل يبقى ذخراً لصاحبه ويقضي الله عنه.. والصوم إلى القبول أقرب لأنه لله، وأما غيره فقد يكون لغير الله.
ومن فضائله: أنه سياحة هذه الأمة كما أن سياحة الملائكة الذكر، قال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة:112]، والسائحون هم الصائمون، وسياحتهم لأرواحهم إذ يغذونها بالصيام والقيام والذكر والقرآن والصدقة وفعل الطاعات وترك السيئات، وإذا كان سياح الأبدان يتنقلون من بلد إلى بلد لأبدانهم فإن الصوام يتنقلون من طاعة إلى طاعة لأرواحهم، قالت عائشة: "سياحة هذه الأمة الصيام" , وقال ابن عباس: "كل سياحة في القرآن فهي بالصيام"، وهكذا قال الكثير من المفسرين.
ومن فضائله: أن أبواب الخير تجتمع فيه، فهو شهر خير وشهر بركة وشهر عفو وشهر عتق من النار، وأبواب الخير وردت في حديث معاذ عندما قال له: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل" وكل هذه الأبواب الثلاثة في رمضان، إذ الصوم واجب والقيام في الليل مشروع، والصدقة فيه مضاعفة، إذ كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة. وإذا فُتحت أبواب الخير أغلقت أبواب الشر، وفي الحديث: "ينادي مناد كل ليلة من رمضان: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة".
ومن فضائله: فتح أبواب الجنة الثمانية فيه، وما علمناها تفتح جميعها في غيره، وفي فتحها تشويق إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها الحياة الدائمة والشباب الدائم والصحة والغنى الدائم، وفي فتحها اشتغال بالعمل الصالح الذي يوصل إليها ودعوة إلى الدخول مع كل باب بعمله، فبالذكر يدخل العبد من باب الذكر، وبالصلاة من باب الصلاة، وبالصوم من باب الريان، وبالصدقة من باب الصدقة، وبالبر من باب البر، وبكظم الغيظ من باب كظم الغيظ، وبالعمرة في رمضان يدخل من باب الحج لأن عمرة في رمضان تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبجهاد النفس بترك المألوفات والعمل بالطاعات وبذل المال يدخل من باب الجهاد، والعاقل اللبيب هو الذي يبقي هذه الأبواب مفتحة بأعمالها الصالحة من يدخلها يدخلها بلا خروج وينعم فيها بلا بأس.
ومن فضائله: إغلاق أبواب النار فيه لأنه شهر التقوى وشهر الإحسان لتخلق الصائمين بخلق التقوى، والتقوى وقاية من النار، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) [مريم:71]، وتخلقهم بالإحسان، وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) [يونس: من الآية26] وإتيانهم بالصوم والذي هو خير وقاية من النار، ففي الحديث: "الصوم جنة يستجنّ بها العبد من النار" والعاقل هو الذي لا يطرق منها باباً وإنما يحرص على بقاء إغلاقها ليسلم منها، وإذا كنا لا نصبر على أنفاسها من الحر والبرد فكيف نصبر على زقومها الذي لو سقطت منه قطرة لأفسدت على أهل الأرض شرابهم، وكيف نصبر على جحيمها الذي يقطع الأمعاء وتسقط منه فروة الوجه، وكيف نصبر على جمرها وسجنها نسأل الله السلامة منها.
ومن فضائله: تصفيد الشياطين فيه وسلسلتهم، فلا يخلصون إليه في غيره والشيطان عدو بيّن -وهو الذي وقف للإنسان في طريقه إلى الله، وقف من على يمينه ومن على شماله- وهو الذي أوقعه في المعصية وأوقعه في سخط الله وقاد إلى النار وزين الباطل وثبط عن العمل وجعل الإنسان عبداً لهواه وشهوته وبطنه وفرجه، وهو في رمضان هزيل حقير مقيد، ففي الحديث: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين... ". وتصفيده بالعمل الصالح الذي يُضعفه ويُبعده ويحفظ منه، فهو مفلس في النهار من الصيام، ومفلس في الليل من القيام، ومفلس في المجالس من القرآن، ومفلس في الأموال من الصدقة، فزادنا الله برمضان إيماناً وقوة، وزاد الشيطان به بعداً وإفلاساً وضعفاً.
ومن فضائله: أنه ستر ووقاية من الشهوات، ووقاية للجميع من الشر والفساد، وإذا ضاقت مجاري الدم فيقل إغواء الشيطان وتقل الشهوة عند الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". ولو أن الشباب تداووا بهذا الداء لعاشوا في عافية من الشهوات ولانتصروا على شيطانهم ولحفظوا أعراضهم.
ومن فضائله: أنه ستر ووقاية من الشهوات، ووقاية للجميع من الشر والفساد، وإذا ضاقت مجاري الدم فيقل إغواء الشيطان وتقل الشهوة عند الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". ولو أن الشباب تداووا بهذا الدواء لعاشوا في عافية من الشهوات ولانتصروا على شيطانهم ولحفظوا أعراضهم.
ومن فضائله: أنه شفاعة لأهل القيامة، يقول: يا رب منعت الصائم من الطعام والشراب فشفعني فيه، فيشفع فيه، ويوم القيامة يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.. ويعتذر الأنبياء عن الشفاعة العظمى كل يقول: نفسي نفسي إلا رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويأتي الصيام شفيعاً لأصحابه فهو خير رفيق وهو الصديق عند الضيق، وهو الفرج عند الكرب وهو اليسر عند العسر.
ومن فضائله: مغفرة الذنوب، فيخرج الصائم منه كيوم ولدته أمه لكثرة أسباب المغفرة، فصيامه إيمان واحتساب وغفران لما تقدم من الذنوب، وقيامه كذلك، وقيام ليلة القدر وتعظيم الصوام والتوبة والاستغفار وكثرة العمل.
ومن فضائله: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وبهذه الرائحة يُعرف الصائمون يوم القيامة كما يعرف الشهيد برائحة المسك من دمه. والخلوف هي الرائحة التي تخرج من المعدة عند خلوها، وهي مستكرهة عند الناس ولكنها محبوبة عند الله لأنها ناتجة عن عمل صالح، وفي الحديث: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
ومن فضائله: أنه شهر القرآن إذ نزل القرآن فيه، يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) [البقرة: من الآية185] وكان صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان، ولذا ينبغي الإكثار من قراءة القرآن في رمضان ومن العمل به وتدبره، فقد جعله الله هداية وجعله بركة وجعله عظمة وشفاء ورحمة، وميز مجالسه بأربع كرامات: تغشاها الرحمة وتتنزل عليها السكينة وتحفها الملائكة ويذكر الله أهلها فيمن عنده. وقد كان السلف يهتمون بالقرآن في رمضان، فمنهم من يختمه في اليوم مرتين ومنهم في اليوم مرة ومنهم في اليومين مرة.. وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، والله يرفع بهذا القرآن أقواماً، وللقارئ بكل حرف حسنة ويقال له: اقرأ وارتق، "بل ونزلت الكتب كلها في رمضان، إذ نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة، والتوراة في سادس ليلة، والإنجيل في الثالث عشر، والزبور في الثامن عشر، والقرآن في الرابع والعشرون".
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
ومن فضائل هذا الشهر المبارك: أنه شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وقد مدح الله الصابرين فقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: من الآية155] وميزهم بصبرهم، فقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: من الآية10]، والصوم صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله من تحمل الجوع والعطش.
ومن فضائله: أن فيه ليلة خير من ألف شهر، وهي الليلة التي فيها كل شيء له قدر، ونزل فيها القرآن، وهي خير من ألف شهر وتتنزل فيها الملائكة والروح، من حُرم خيرها فقد حُرم، ومن قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، وهي أفضل من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وهي في العشر الأواخر من رمضان، بل هي في أوتاره آكد، وليست هذه الليلة في غير رمضان، والمشروع قيامها وليس المشروع رؤيتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر....".
ومن فضائله: استجابة الدعاء فيه، إذ للصائم دعوة لا ترد، فينبغي الإكثار من الدعاء، وقد وعد به بالإجابة، ففي الحديث: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ودعوة المظلوم ودعوة المسافر"، وفضائله لا تعد ولا تحصى فليفرح المؤمنون بهذا الخير العميم وليعرفوا وليجتهدوا فيه وليغتنموه ويسابقوا إلى الخيرات.
ومن فضائله: أنه الشهر الذي ذكر في القرآن ولم يذكر غيره. يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) [البقرة: من الآية185].
ومن فضائله: أنه الشهر الذي أوحى إلى رسوله فيه.
قال عز وجل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1] .
التعليقات