عناصر الخطبة
1/ما هو بيت المقدس؟ 2/فضائل بيت المقدساقتباس
وسمي الأقصى بمعنى البعيد لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، فلم يكن وراءه مسجد آخر في الأرض، ويسمى بيت المقدس؛ أي المطهِّر من الذنوب، والمطهَّر من الأصنام ونحوها...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله الولي الحميد، الكريم المجيد، يبدأ الخلق ويعيد، من أطاعه فهو السعيد، ومن كفر به فهو الطريد البعيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق والنهج السديد أما بعد
عباد الله: اتقوا الله
أيها الناس: إنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو المنفردُ بالخلق والاختيار من المخلوقات؛ كما قال -تعالى- (وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ما كان لهم الخيرة)؛ فمن ذلك أنه فضل بعض الأمكنة على بعض كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وكل هذا بعلمه وحكمته -جل وعلا-.
ونظرا لما يعانيه أهلنا في أرض الإسراء من خطب عظيم وكرب أليم، ولعدم علم البعض بفضل تلك البقعة المباركة المغتصبة المدنسة؛ فلعلي أتحدث إليكم هذا اليوم عن فضائل بيت المقدس.
بيت المقدس هو المسجد الأقصى في مدينة القدس، قال -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) وسمي الأقصى بمعنى البعيد لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، فلم يكن وراءه مسجد آخر في الأرض، ويسمى بيت المقدس؛ أي المطهِّر من الذنوب، والمطهَّر من الأصنام ونحوها.
فمن تلك الفضائل:
أولا: أنه ثاني مسجد وضع في الأرض؛ فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: “المسجد الحرام”. قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”، قلت: كم كان بينهما؟ قال: “أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله، فإن الفضل فيه”(رواه البخاري ومسلم).
والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار، ثم جدده سليمان بن داود -عليه السلام-.
ثانيا: أنه قبلة المسلمين الأُولى؛ فقد كانت القبلة إلى المسجد الأقصى لمدة ستة أو سبعة عشر شهراً قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة ببلد الله الحرام، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفنا إلى القبلة. وأشار القرآن إلى ذلك بقوله -تعالى-: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ..)، بل ذكر بعض أهل العلم أن المسجد الأقصى كان قبلة ومتوجهاً لعدد من الأنبياء السابقين قبل الإسلام في الصلاة.
ثالثا: البشرى بفتحه؛ وذلك من أعلام النبوة أن بَشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتحه قبل أن يُفتح ببضع عشرة سنة، كما جاء عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدم، فقال: “اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس ..” الحديث (رواه البخاري).
وإنما فتح بيت المقدس في عهد عمر -رضي الله عنه- سنة 15 هـ - وقيل 16هـ - بعد موته -صلى الله عليه وسلم- بأربع سنين.
رابعا: البركة حوله؛ فهي أرض القداسة والبركة، لا تكاد تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال -تعالى- عن المسجد الأقصى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، وقال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ..) وهي “بيت المقدس” وما حولها، وقال -تعالى- حكاية عن الخليل إبراهيم -عليه السلام- في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)، وقال -تعالى-: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)؛ أي: وأورثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة مشارق الأرض ومغاربها وهي بلاد الشام التي باركنا فيها. وفي قصة سليمان -عليه السلام- يقول سبحانه وتعالى: (وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا)، وعند حديث القرآن عن هناءة ورغد عيش أهل سبأ يقول سبحانه: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً)، وهي قرى بيت المقدس كما رُوي عن ابن عباس.
ومن بركته: أن أفضل المساجد بعد الحرمين الشريفين. وأنبه على خطأ شائع بين الناس وهو تسمية المسجد الأقصى بثالث الحرمين، وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة. فالمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأرض المباركة.
ومما يدل على بركته وشرفه: ما جاء عن أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعا: “ليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه -أي حبل فرسه- من الأرض حيث يَرى منه بيتَ المقدس خير له من الدنيا جميعاً”(أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني).
ويدل على بركته أيضا أن موسى -عليه السلام- سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها، كما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن موسى لما جاءه الموت سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال -صلى الله عليه وسلم-: “فلو كنت ثمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر”(رواه البخاري ومسلم).
وقال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، قال الضحاك وقتادة: هو بيت المقدس، قال ابن كثير: وهو الأظهر. وقوله: (رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)؛ أي: مكان مرتفع من الأرض، مستوٍ للاستقرار عليه، فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون.
خامسا: فضل الصلاة ومضاعفتها
وقد وردت في ذلك أحاديث منها: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: تذاكرنا - ونحن عند رسول الله- أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً”. قال: أو قال: “خير له من الدنيا وما فيها”(أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني).
وفي الحديث أن صلاةً في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاةً فيما سواه عدا مسجدي مكة والمدينة.
وعن عطاء الخراساني قال: “بيت المقدس بنته الأنبياء، ووالله ما فيه موضع شبر إلى وقد سجد فيه نبي”.
ومما يدل على فضل الصلاة فيه ما رواه عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألاّ يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصلاة فيه إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة”(أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني). ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يأتي من الحجاز، فيدخل فيصلي فيه، ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها، لتصيبه دعوة سليمان -عليه السلام-.
سادسا: استحباب زيارته وشد الرحال إليه؛ فقد اتفق أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا”(متفق عليه).
سابعا: الحث على المقام فيه؛ فعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم”(رواه أبو داود وصححه الألباني).
ثامنا: نزول عيسى ومقتل الدجال؛ ففي صحيح مسلم عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثهم عن الدَّجَّالَ بحديث طويل، إلى أن قال: “.. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين - قال النووي: معناه لابس مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران- واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله”.
واللد مدينة معروفة في فلسطين، قال النووي: “وَهُوَ بَلْدَة قَرِيبَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس”. فنهاية الدجال في ذلك المكان حول بيت المقدس.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
تاسعا: الإسراء والمعراج؛ فقد أسري به -صلى الله عليه وسلم- بجسده وروحه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بنص القرآن، ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ أُتيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبت حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل -عليه السلام- بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل -عليه السلام-: أصبت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء”(متفق عليه).
وجاء في بعض الروايات أنه صلى إماما بالأنبياء في بيت المقدس.
ومن فضائل بيت المقدس: أن الله بشر زكريا بيحيى عليهما السلام فيه، وسخر الله لداود الجبال والطير في بيت المقدس، ويهلك الله يأجوج ومأجوج في بيت المقدس، وولد عيسى -عليه السلام- في المهد في بيت المقدس، ورفعه الله إلى السماء منها، وينزل من السماء فيها ليقتل المسيح الدجال.
ولقد حرص السلف من الصحابة فمن بعدهم على شد الرحال إلى تلك البقعة المباركة، حتى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سار من المدينة إلى بيت المقدس وهو خليفة المسلمين، فنسأل الله أن يطهر تلك الأرض المباركة المقدسة من رجس اليهود الذين دنسوها قبل أكثر من ستين سنة، وعاثوا فيها فسادا وخرابا، بمحاولة إحراقه وهدم أساساته ومنع المصلين منه.
فنسأله أن يخلصها من شرهم وبغيهم، وأن يرزقنا فيه صلاة قبل الممات.
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو حوالة الأزدي -رضي الله عنه- قال: وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: “يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك”(صححه الألباني).
اللهم ..
التعليقات