عناصر الخطبة
1/الإسلام دين الطهارة الحسية والمعنوية 2/فضائل الوضوء وثمراته 3/تنبيهات في الوضوء 4/المواطن التي يُشرع لها الوضوء 5/خطر الإسراف في ماء الوضوء.

اقتباس

الوضوء -أيها المؤمنون- طاعةٌ وعبادةٌ؛ سببٌ لمحوِ الذنوب وكفَّارةٌ؛ رفعةٌ في الدرجات، وسببٌ لدخول الجنات، إنه حِرْزٌ من الشيطان، وسببٌ للنشاط ومُذْهِب للأدران؛ وفيه منافعُ كثيرة للقلوب والأبدان.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

       

عباد الله.. دين الإسلام دين الطهارة والنقاء، والنظافة والصفاء، أمرَ بتطهير البواطن من الشرك والحقد والحسد والشحناء، وأمرَ بتطهير الظواهر بالوضوء والاغتسال بالماء؛ وضوءٌ يكفِّر الخطايا ويطهِّر الأعضاء.

 

إنه مَعْلَم من معالم يسر الدين، ونعمةٌ عظيمة من رب العالمين، قال -تعالى- في آخر آية الوضوء (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة:6]، إنه وضوء ووَضاءة، وحُسن وضِياء ونظافة، وجمال وبهاء ونزاهة، يُطهِّر المتوضئ ظاهره كما طهَّر باطنه.

 

الوضوء -أيها المؤمنون- طاعةٌ وعبادةٌ؛ سببٌ لمحوِ الذنوب وكفَّارةٌ؛ رفعةٌ في الدرجات، وسببٌ لدخول الجنات، إنه حِرْزٌ من الشيطان، وسببٌ للنشاط ومُذْهِب للأدران؛ وفيه منافعُ كثيرة للقلوب والأبدان.

 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الطُهور شَطرُ الإيمان"

الله أكبر! عبادةٌ ما أيسرَها، وقربةٌ ما أعظمَ بركتها وأثرَها.

 

أيها المتوضئون: تأمَّلوا قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو قال مع آخر قطر الماء. فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئةٍ كانت بطشتها يداه مع الماء، أو قال مع آخر قطر الماء. فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئةٍ مشتها رِجْلاه مع الماء أو قال مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب".

 

فالحمد لله ثم الحمد لله.. إنها فضائلُ وأجور، ونظافة وطُهور، وسببٌ لنَيْل محبَّة الرب الشكور: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222]؛ عملٌ يسيرٌ، وأجرٌ جزيل كبير. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره".

 

هنيئًا لكم أيها المتوضئون ما بشركم به نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".

 

وإذا جاء يومُ القيامةِ، واختَلَطَتِ الأُمَمُ: امْتَازَتْ أُمَّةُ نبينا -صلى الله عليه وسلم- بعلامة ليست لغيرها؛ يعرفها بها نبيها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا"، قالوا: أولسنا إخوانَك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد"، فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعدُ من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خَيل غُرٌّ محجَّلةٌ، بين ظهري خيل دُهْم بُهْم، ألا يعرف خيله؟"، قالوا: بلى يا رسول الله! قال:  "فإنهم يأتون غُرّاً محجلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض". الله أكبر.

 

الوضوء -أيها المتوضئون- سيماء المؤمنين، وشعار هذه الأمة من بين العالمين، فإنهم يُدعون يوم القيامة غرًّا محجلين، فيا لَخسارةِ من لا يعرف الوضوء ولا الصلوات، ولا يشهد الجُمَع والجماعات.

 

عباد الله: الوضوءُ بعد الحدث، ثم الصلاة بهذا الوضوء، من أسباب المسابقة إلى الجنة. فقد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- خشخشةً أمامه، فقال: "من هذا؟"، قالوا: بلال، فأخبره وقال: "بم سبقتني إلى الجنة؟"، فقال: ما أحدثتُ إلا توضَّأت، ولا توضأت إلا رأيت أن لله عليَّ ركعتين أصليهما، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بهما".

 

وفي الجنة "تبلغ الحِلية من المؤمن حيث يبلُغ الوضوء"؛ كما أخبر به نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.

 

عباد الله: الصلاةُ مِفتاحُ الجنةِ، ومفتاح الصلاةِ الوضوءُ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، يجب على المسلم أن يتم وُضوءه بلا إهمال أو وَسواس؛ فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعجَّل في الوضوء فبقي في عقِبِه شيءٌ لم يصله الماء فقال: "ويلٌ للأعقاب من النار.. أسبغوا الوضوء".

 

وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضَّأ وغسل أعضاءه مرةً مرةً، وتوضأ أخرى فغسلها مرتين مرتين، وتوضأ أخرى فغسلها ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم".

 

أيها المسلمون: وإذا توضَّأ المؤمن، فقد أدَّى طهارة بدنه، فيختم وُضوءه بكلِمة التوحيد؛ ليؤكد طهارةَ قلبِه، فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"؛ فإذا قال ذلك بعد وُضوئه: "فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء".

 

الله أكبر: مَن حَافَظَ على الوضوءِ تُفتَّح له أبواب الجِنان، ويكون جديرًا بوصف الإيمان؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ".

 

عباد الله: إن الوضوء مشروعٌ في مواطن كثيرة؛ فهو مشروعٌ عند النوم فـ"من بات طاهرًا بات في شعاره مَلَكٌ، فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرًا".

 

ومشروعٌ عند الغضب لإخماد ثوران النفس وإطفاء حرارتها ودحْر الشيطان. ويُشرع عند الأكل لمن كان جنبًا، وكذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتى أحدُكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".

 

اللهم فقّهنا في ديننا، وتقبّل وُضوءَنا وصلاتَنا وسائر أعمالنا، اللهم اجعلنا من التوَّابين واجعلنا من المتطهِّرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الكريم المنان؛ جعل الطّهور شطر الإيمان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

 

أما بعد -عباد الله- فإن الوضوء الذي يتكرر في كل يوم وليلة، يُذَكِّرنا بنعمة من الله عظيمة، هي نعمة الماء الطَهور؛ تلكم النعمة التي نسي كثيرٌ من الناس شكرَها، ولم يقدروا لها قدرها.

 

فاشكروا نعمة الله عليكم بتيسير الماء، ولا تقابلوا هذه النعمة بالإسراف؛ فقد كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- مَن أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذّر أمته من الإسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمته من يتعدَّى في الطُهور.

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمُدَّ ويغتسل بالصاع. ولما قال رجل لجابر -رضي الله عنه- عن الغُسْل بالصاع: ما يكفيني، قال له جابر: "كان يكفي مَن هو خيرًا منك وأوفى منك شَعرًا".

 

وقال الإمام أحمد: "من فِقْه الرجل قلةُ ولوعه بالماء". وكان الإمام أحمد يتوضأ فلا يكاد يبُل الثرى. وإذا كان يُنهَى عن الإسراف و صَبّ المياه في العبادات، ففي غيرها من باب أولى.

 

فاستدِيموا نِعَم الله بشكرها؛ فإنكم إنْ شكرتم النعم قرَّت وزادت؛ وإن كفرتم وأسرفتم ذهبتْ وبادت؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].

 

وبعدُ: فاتقوا الله عباد الله، وأحسِنوا الوضوء كما أمركم الله؛ وتفقّهوا في الدين، وتعوَّذوا بالله من وَسواس الشياطين، ولا تسرفوا؛ فإن الله لا يحب المسرفين.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

المرفقات
haJwqKc1Rfh9scMRknmOfS6JF1XiPPrz13TEzlCB.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life