عناصر الخطبة
1/ إفساد النصارى لما استولوا عليه من بلاد الشام 2/ التقاء الجيشين في حطين 3/ وقائع المعركة 4/ نتائج المعركة 5/ غيرة السلطان صلاح الدين لدين الله 6/ العزم على فتح بيت المقدس 7/ وقائع معركة فتح البيت المقدس 8/ فتح بيت المقدس وما جرى فيه من أحداث 9/ خطبة محيي الدين زنكي 10/ معاناة المسلمين في فلسطيناهداف الخطبة
اقتباس
هكذا كانت مواقف سلاطين المسلمين، مع ملوك النصارى، عندما كانوا يتعرضون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو للدين. وهرب كثير من النصارى في ذلك اليوم وهم جرحى فمات أغلبهم ببلادهم، وكان ممن مات ملك طرابلس الذي انهزم جريحًا فمات بها بعد مرجعه، ثم أُرسل الصليب الكبير إلى دمشق ليودع في قلعتها، فأُدخل الصليب منكوسًا ..
أما بعد: استولى النصارى على بلاد الشام، وذلك في القرن السادس الهجري، وعاثوا فيها فسادًا، وهذا شأن النصارى، كلما حلوا بأرض، فإنهم ينشرون فسادهم، ويبثون سمومهم.
ومن أقبح ما فعله النصارى -قبَّحهم الله- إضافة إلى مضايقتهم المسلمين أنهم لم يتركوا المسلمين يعيشون في بلادهم بحرية وإن كانوا دائمًا يرفعون شعار الحرية، وحقوق الإنسان كذبًا وزورًا، إضافة إلى هذا، مُنع الأذان في كثير من بلاد الشام نحو تسعين سنة، بما في ذلك المسجد الأقصى، ووضعت الصلبان في كل مكان، حتى قبة الصخرة، رفعوا عليه صليبًا كبيرًا، وأدخلوا الخنـزير في مساجد المسلمين وفعلوا وفعلوا أعظم من هذا.
لكن هذه الغشاوة انقشعت عن المسلمين -ولله الحمد- في معركة حطين، وذلك بعدما زادت جرائم النصارى، وبلغ الظلم والقهر حده، عزم السلطان صلاح الدين على غزو النصارى، وتطهير البلاد منهم، وتخليص المسلمين من جرائمهم، فبرز السلطان من دمشق وسار بجيشه، لكنه انتظر قدوم ورجوع الحجاج؛ لأن النصارى كانوا يتعرضون لقوافل الحجاج أحيانًا، وهم راجعون إلى الشام، فلما جاز الحجيج سالمين نزل الجيش في منطقة، وانتظروا اكتمال الجيوش الإسلامية، فجاءت العساكر المصرية وتوافدت الجيوش المشرقية، فاجتمعوا حوالي اثني عشر ألفًا، فرَتب الجيش وسار قاصدًا بلاد الساحل، حيث تجمع النصارى، فسمع النصارى بتجمع المسلمين، فجهزوا جيوشهم وجاؤوا بحدِّهم وحديدهم، واستصحبوا معهم الصليب، يحمله عباد الطاغوت في خلق لا يعلم عدتهم إلا الله -عز وجل-، حتى قيل: إن عددهم كانوا قرابة الستين ألفًا، فتقدم المسلمون، وأول ما استولوا عليه بحيرة طبرية، واستفاد المسلمون بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك، وصارت البحيرة في حوزة المسلمين، ومنع الله الكفرة أن يصلوا منها إلى قطرة ماء، حتى صار النصارى في عطش عظيم، فتقدم المسلمون إلى سطح الجبل الغربي من طبرية عند قرية يقال لها: حطين.
وجاء النصارى وقد اجتمع ملوكهم من كل نواحي بلاد الشام، فتواجه الفريقان، وتقابل الجيشان، وأسفر وجه الإيمان، وأظلم وجه الكفر والطغيان، ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان، وذلك عشية يوم الجمعة، فبات الناس على مصافِّهم، وأصبح صباح يوم السبت، الذي كان يومًا عسيرًا على الكافرين، فطلعت الشمس على وجوه النصارى واشتد الحر وقوي بهم العطش وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيمًا من كثرة الدك، فصار ذلك شؤمًا عليهم، فأمر قائد المسلمين صلاح الدين الأيوبي، أن يرمي عليهم بشظايا من النار، فتأجج الهشيم تحت سنابك خيول النصارى، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال، وتبارز الشجعان، ثم أمر السلطان بالتكبير والحملة الصادقة على النصارى، فحملوا عليهم، وكان النصر من الله -جل وعلا-، فمنحهم الله أكتافهم، فقتل منهم ثلاثون ألفًا في ذلك اليوم، وأسر ثلاثون ألفًا من شجعانهم وفرسانهم وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم، سوى ملك طرابلس، فإنه انهزم في أول المعركة، وسلب المسلمون صليبهم الأعظم وقد غلّفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عزّ الإسلام وأهله ودفع الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفًا وثلاثين أسيرًا من النصارى قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيرًا بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يُسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين.
أيها المسلمون: فلما تمت هذه المعركة ووضعت الحرب أوزارها أمر السلطان بضرب مخيم عظيم، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه ويساره الأسرى، تتهاوى بقيودها، فأمر بضرب أعناق جماعة منهم كان يذكر الناس عنهم شرًّا، ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم، فأجلس ملكهم الكبير عن يمينه وبقيتهم عن شماله، ثم جيء السلطان بشراب طيب فشرب منه ثم ناوله الملك فشرب، فتكلم أحد ملوك النصارى، وتعرض للرسول -صلى الله عليه وسلم- غضبًا منه لقومه الذين هزموا وقتلوا، فغضب السلطان وقام من مكانه وتحوّل إلى خيمة داخل تلك الخيام واستدعى ذلك الملك، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام فامتنع، فقال له: نعم أنا أنوب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الانتصار لأمته، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة، وقال لهم: إن هذا تعرض لسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
هكذا كانت مواقف سلاطين المسلمين، مع ملوك النصارى، عندما كانوا يتعرضون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو للدين. وهرب كثير من النصارى في ذلك اليوم وهم جرحى فمات أغلبهم ببلادهم، وكان ممن مات ملك طرابلس الذي انهزم جريحًا فمات بها بعد مرجعه، ثم أُرسل الصليب الكبير إلى دمشق ليودع في قلعتها، فأُدخل الصليب منكوسًا.
ثم تحرك السلطان، واسترجع كثيرًا من بلاد الشام يأخذها بلدًا بلدًا، إقليم الأردن ثم سار إلى عكا ثم صيدا ثم بيروت ثم رجع نحو غزة وعسقلان ونابلس وبيسان وأراضي الغور، فملك ذلك كله، وغنم الجيش من هذه الأماكن شيئًا كثيرًا، ثم إن السلطان أمر جيوشه أن ترتاح في هذه الأماكن عدة أشهر، لكي تتجهز لفتح بيت المقدس، فانتشر الخبر على عزم المسلمين فتح بيت المقدس، فطار الناس بهذا الخبر، فجاء العلماء والصالحون تطوعًا، فاجتمع من عباد الله ومن الجيوش شيء كثير جدًا، فعند ذلك قصد السلطان صلاح الدين القدس بمن معه، فنـزل غربي بيت المقدس فوجد البلد قد حصنت غاية التحصين وكانوا ستين ألف مقاتل والتحق بهم من فر ونجا يوم حطين، فأقام صلاح الدين خمسة أيام وسلم إلى كل طائفة من الجيش ناحية من السور وأبراجه، ثم تحول هو إلى ناحية الشام لأنه رآها أوسع للمجال والجلاد والنـزال وقاتل النصارى دون البلد قتالاً هائلاً وبذلوا أنفسهم وأموالهم، ولكن في سبيل الشيطان، واستشهد في الحصار بعض أمراء المسلمين، فحنق عند ذلك كثير من الأمراء والصالحين واجتهدوا في القتال ونصب المجانيق، وغنّت السيوف، والعيون تنظر إلى الصلبان منصوبة فوق الجدران وفوق قبة الصخرة صليب كبير، فزاد ذلك أهل الإيمان شدة في التشمير، وكان ذلك اليوم يومًا عسيرًا، على الكافرين غير يسير، فبادر صلاح الدين بأصحابه إلى الزاوية الشرقية الشمالية من السور فنقبها وحشاها وأحرقها فسقط ذلك الجانب وخرّ البرج برمته، فلما شاهد النصارى ذلك الحادث الفظيع والخطب المؤلم الوجيع، طلبوا الأمان والصلح، فرأى صلاح الدين أن ذلك أصلح وإن كان في البداية امتنع ورأى قتل كل النصارى، فرضي بالصلح على أن يبذل كل رجل منهم عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن كل صغير وصغيرة دينارين، ومن عجز عن ذلك كان أسيرًا للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدور للمسلمين، وأنهم يخرجون كلهم من بيت المقدس، فكتب الصلح بذلك. فكان جملة من أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال ونساء وولدان.
ودخل صلاح الدين بيت المقدس يوم الجمعة قبل وقت الصلاة، ولم يتمكن المسلمون من إقامة صلاة الجمعة في تلك الجمعة لضيق الوقت، وأقيمت في الجمعة التي بعدها، وكان الخطيب محيي الدين بن الزكي، فدخل المسلمون المسجد الأقصى، ونظفوا المسجد مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وأعيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، وغسلت الصخرة بالماء الطاهر، وأعيد غسلها بماء الورد والمسك، وأبرزت للناظرين، وقد كان النصارى قلعوا منها قطعًا فباعوها بوزنها ذهبًا، فتعذر استعادة ما قطع منها. ثم قبض من النصارى ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق صلاح الدين خلقًا منهم، بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير فعفا عنهم، وفرق صلاح الدين جميع ما قَبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئًا، وكان -رحمه الله- حليمًا كريمًا مقدامًا شجاعًا رحيمًا.
أيها المسلمون: ولما تطهر بيت المقدس مما كان فيه من الصلبان والنواقيس والرهبان والقسس، ودخل أهله الإيمان ونودي بالأذان، وقرئ القرآن، ووحد الرحمن، كانت أول جمعة صلاها المسلمون بعد يوم الفتح بثمانية أيام، وذلك بعد توقفت الصلاة تسعين سنة والله المستعان، وأُتي بالمنبر، وهذا المنبر له قصة، وهي أن نور الدين وكان هذا قبل صلاح الدين -رحمهما الله أجمعين- كان قد عزم على فتح بيت المقدس وطرد النصارى وإرجاع الأذان والصلاة والجمعة فيه، فلما عزم على جهاد النصارى، صنع المنبر الذي سوف يوضع هناك، قبل الجهاد، وذلك لقوة يقينه بنصر الله -عز وجل-، فتوفي -رحمه الله- قبل أن يتم الله له ما أراده، فأكمل المشوار بعده صلاح الدين، فلما كانت الجمعة أُحضر ذلك المنبر ونصب إلى جانب المحراب ثم بسطت البسط وعلقت القناديل وتلي التنـزيل وجاء الحق وبطلت الأباطيل وصفت السجادات وكثرت السجدات وتنوعت العبادات وارتفعت الدعوات ونزلت البركات وانجلت الكربات وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون وخرس القسيسون، وعُبد الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وكبره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع وسالت لرقة القلوب المدامع، فلما أذن المؤذن للصلاة قبل الزوال، كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال؛ لأن الأذان لم يرفع في ذلك المسجد ثنتين وتسعين سنة.
فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يحقق آمالنا في القدس مرة أخرى، وأن يخلصها من وطأة يهود، كما خلصها من النصارى، وأن يهيئ لهذه الأمة، أمثال صلاح الدين ونور الدين، فيقفوا مواقف الحكام الصادقين المخلصين، الحريصين على دينهم وأمتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
لحـى الله اليهود فمـا أقامـوا *** لعهد الله في المحـراب وزنًا
بـلادي كـل أرضٍ ضح فيها *** نـداء الحق صبّاحـًا مغنّـى
ودوى ثـم بالسـبع المثانـي*** شباب كان للإسلام حصنًا
تـرى القدس الحزين لنا ينادي *** وما من سامع قد هبّ منّـا
ينادي المغـرب المقدام مصرًا *** ويدعو قُـدسُ لبـان المعنّى
ويهـوى القلب شهباء المعالي *** وفي بغـداد للإسـلام معنى
إلـى الصومـال آذتها جراح *** ففي صنعـاء إخوان المثنـى
نفعني الله وإياكم ..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فكم كانت نفوس المسلمين مشتاقة لأن تسمع أول خطبة تقام في بيت المقدس بعد هذا الانقطاع الطويل، ولم يكن قد عُيِّن الخطيب الرسمي، فأمر صلاح الدين أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي خطيبًا، فلبس -رحمه الله- عباءته وخطب في الناس في ذلك اليوم خطبة سنية فصيحة بليغة، وذكر فيها شرف بيت المقدس وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات وما فيه من الدلائل والأمارات، وكان أول ما قال -رحمه الله- أن قرأ هذه الآية: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ) [الأنعام:45]، ثم أورد تحميدات القـرآن كلها ثم قال: "الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طله وهطله الذي أظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فلا يدافع، أحمده على إظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصرة أنصاره، ومطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه وأرضى به ربه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رافع الشكر، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى، صلى الله عليه وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ذي النورين جامِع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
ثم ذكر الموعظة وهي مشتملة على تغبيط الحاضرين بما يسّره الله على أيديهم من فتح بيت المقدس، فذكر فضائله ومآثره وأنه أول القبلتين، وثاني المسجدين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه، ولا تقعد الخماصر بعد الموطنين إلا عليه، وإليه أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام، وصلى فيه بالأنبياء والرسل الكرام، ومنه كان المعراج إلى السماوات ثم عاد إليه ثم سار منه إلى المسجد الحرام على البراق، وهو أرض المحشر والمنشر يوم التلاق، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، وقد أسس على التقوى من أول يوم... إلى آخر تلك الخطبة البليغة الجامعة.
فنسأل الله -عز وجل- أن يحقق للمسلمين آمالهم، وأن يُرجع لهم قدسهم، وأن لا ينسوا القدس كما نسوا الأندلس من قبل، وذلك في وسط ما يُضلل به المسلمون.
خلت فلسـطين من أبنائهـا النجب *** وأقفرت مـن بني أبنائها الشهب
طارت على الشاطئ الخالي حمائمـه *** واطلعت سفن الإسـلام والعرب
يـا أخـت أندلسٍ صـبرًا وتضحية *** وطول صبر على الأرزاء والنوب
ذهبـت فـي لجـة الأيام ضـائعةً *** ضيـاع أندلس من قبل في الحقب
وطوحـت ببنـيك السيـف نازلة *** بمثلهـا أمـة الإسـلام لم تُصبِ
أيها المسلمون: إن لكم إخوانًا على أرض فلسطين، يواجهون هذه الأيام أبشع صور المجازر الوحشية، يقتل منهم كل يوم بالعشرات، وما تشاهدون وتسمعون عبر وسائل الإعلام لا يعد شيئًا لما هو على الحقيقة، وما لا يعرض ولا يذاع أضعاف أضعاف ما يعرض ويذاع، فإلى الله المشتكى، لكن أملنا كبير بالله -عز وجل-، وكما حصل الفتح الأول وسمعتم بعض أخباره، فإنّا على يقين بالفتح الثاني، وستعود القدس لأهلها إن شاء الله تعالى، هذا الأمل -أيها الأحبة- لم يأت من فراغ، بل هو خبر صادق ووعد يقين، أمل منبعه كتاب الله ومشربه سنة رسول الله. وإن الأمة في انتظار هذا الأمل على أحر من الجمر.
أمل يخـاطب خلسةً وجدانـي *** والطيـر يثقـل كـاهل الأغصان
أمل أحس به إذا انهار الظـلام *** وقـام صـرح الصـبح كالبنيـان
وأحسـه والطفل يبتـدئ الخطى *** يهـوي فينهض واهـي الأركـان
أمــل يـراودني وإن قيـدت بالـ*** أغـلال أو عذبـت بالإحسـان
أمـل يـراودني وإن ألجمـت *** قلة حيلتي فكتمـت سـحر بيانـي
ويظل يحـدونـي على رغـم *** الجراح تفتني وتغـوص في وجـداني
أمـل يحدثنـي بعـودة عزتي *** وكرامتـي وجحـافـل الإيمــان
شمّاء لا تحني الرؤوس لغاصـب *** كلا ولا تخشـى سـوى الرحمـن
تنفَضُّ من غفواتهـا مشحونةً *** بالثـأر يدفعهــا إلـى الميـدان
ترمي العدو بحارقٍ من نارهـا *** وتعـود تحمـل رايـة السلطـان
حلم أراه حقيقة تغزو الوجود *** وتسـتخف بسـطـوة الأحـزان
فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحقق للأمة آمالها، وأن يرجع إليها قدسها.
التعليقات