اقتباس
وعلى هذا فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخروجا من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية، وأن فيها سعة، فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله، ولا سيما مع العذر، كالعذر الذي ذكره السائل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم..
س1: هل تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة لضرورة دخول العمل في فرنسا مع العلم أننا إذا لم نصلها قبل الدخول إلى العمل وذلك قبل الزوال بساعة لم نصل الجمعة، فهل للضرورة إباحة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
ج1: في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل، ولا تجزئ؛ لقول سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: كنا نجمع مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفيء (رواه البخاري ومسلم)، ولقول أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة حين تميل الشمس (رواه البخاري).
وقال جماعة: لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة، وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر -رضي الله عنه-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي -يعني الجمعة- ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس (رواه مسلم). ولقول سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء (رواه أبو داود).
ويجمع بين الأحاديث: بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان، ويصليها قبل الزوال قريبا منه أحيانا. وعلى هذا فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخروجا من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية، وأن فيها سعة، فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله، ولا سيما مع العذر، كالعذر الذي ذكره السائل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
س2: ما حكم الدعاء لمن بنى مسجدًا على نفقته؟ علمًا بأن الإمام يدعو له بذلك يوم الجمعة بقوله: اللهم اغفر لمن بني هذا المسجد على اسمه؟ راجيًا لكم التوفيق والنفع للإسلام والمسلمين.
ج2: دعاء الخطيب لمن بنى مسجدا في كل جمعة واتخاذ ذلك عادة - بدعة لا أصل له شرعا، ولم يكن من عادة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا السلف الصالح ذكر أعمال الإنسان الخيرية على الملأ، ولم يتعبدنا الله بذلك، بل قد يدخل في ذلك الرياء وتفاخر كل قبيلة أو جهة من الجهات بمكارمها وأعمالها الصالحة، ولا بأس أن يرغب الخطيب الناس ببناء المساجد وغيرها من الأعمال الصالحة، ويبين فضل ذلك وثوابه عند الله، وأن يدعو كل إنسان لأخيه بظهر الغيب على ما قدمه من أعمال صالحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
س3: يوم الجمعة حين يصعد الإمام على المنبر هل يضرب ثلاث ضربات بالعصا ثم بعد ذلك يؤذن المؤذن؟ هل هذا فعله الحبيب -عليه الصلاة والسلام- أم لا؟ وهل فعله الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا أم لا؟
ج3: لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من خلفائه الراشدين ولا عن أحد من أصحابه -رضي الله عنهم- أجمعين أنه فعل ذلك فيما نعلم بل هو بدعة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي لفظ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (متفق على صحته)، واللفظ الأخير لمسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
س4: هل يجوز أن يكون الإمام غير الذي يقوم بخطبة الجمعة؟ مع العلم أن الإمام قارئ ومرتل للقرآن، والخطيب ليس قارئًا مثل الإمام.
ج4: السنة أن يصلي بالناس صلاة الجمعة من تولى خطبتها؛ لمداومة النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وقد حافظ عليه الخلفاء الراشدون من بعده -رضي الله عنهم-، فكان كل منهم في عهده إذا خطب صلى بالناس بنفسه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
لكن إن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز وصحت الصلاة، وإن فعل ذلك بغير عذر كان خلاف السنة، وصحت الصلاة على الصحيح من قولي العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
س5: بلدة فيها نحو من خمسة وثلاثين مسجدًا تؤدى فيها صلاة الجمعة فإذا فرغ المصلون من الجمعة صلوا بعدها الظهر، فهل هذا الفعل جائز أم لا؟
ج5: قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة، ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (رواه البخاري ومسلم).
ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره -صلى الله عليه وسلم- فيكون مردودا ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد نبه أهل العلم على ذلك وممن نبه عليه الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه: (إصلاح المساجد من البدع والعوائد) والشيخ العلامة محمد أحمد عبد السلام في كتابه: (السنن والمبتدعات).
فإن قال قائل: إنما نفعل ذلك احتياطا وخوفا من عدم صحة الجمعة. فالجواب أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلا منها ولا مضموما إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله.
وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه؛ بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم دينا لم يأذن به الله كما زين لبعضهم الاحتياط في الوضوء حتى عذبه في الطهارة وجعله لا يستطيع الفراغ منها كلما كاد أن يفرغ منها وسوس له أنها لم تصح وأنه لم يفعل كذا ولم يفعل كذا، وهكذا فعل ببعضهم في الصلاة إذا كبر للصلاة وسوس إليه أنه لم يكبر فلا يزال يوسوس له أنه لم يكبر ولا يزال الرجل يكبر التكبيرة بعد التكبيرة حتى تفوت الركعة الأولى أو القراءة فيها أو غالبها وهذا من كيد الشيطان ومكره وحرصه على إبطال عمل المسلم وتلبيس دينه عليه.
نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين والعافية من مكائده ووساوسه إنه سميع قريب.
والخلاصة: أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بعده والتابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها). وهكذا قال الأئمة بعده وقبله. والله الموفق.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ع. ج. وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به الحق آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصلتني رسالتكم المتضمنة الإفادة بأن جماعة من شعب تنزانيا المنتسبين إلى مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- قد انشقوا عن إخوانهم في إقامتهم صلاة الظهر بعد الجمعة والمتضمنة أيضا رغبتكم في إصدار الفتوى في ذلك وبناء على ذلك فقد تأملت الموضوع وراجعت الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في ذلك فاتضح من ذلك ما يلي:
لا ريب أن الله -عز وجل وله الحمد والمنة- قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها نعمته على يد رسوله وحبيبه وخليله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه كما قال الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا..) [المائدة: 3].
وقد أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة عشر سنين يجمع بأصحابه في مسجده الشريف ويصلي معه سكان المدينة من المسلمين، وليس هناك جمعة أخرى، وهكذا خلفاؤه الراشدون ساروا على نهجه القويم يصلون جمعة واحدة، ثم لما كثر المسلمون وانتشروا في الجزيرة العربية وغيرها دعت الحاجة إلى تعدد الجمع في المدن والعواصم فرأى جمهور أهل العلم أنه لا حرج في ذلك عند دعاء الحاجة إليه، وأجاز بعض أهل العلم تعددها مطلقا.
والصواب قول الجمهور؛ لما في توحيد الجمعة من جمع الكلمة على الحق، فإذا دعت الحاجة إلى تعددها لضيق مسجد البلد عن السكان أو تباعد أطرافها أو وجود شحناء بين السكان يخشى من جمعهم في مسجد واحد أن تقع بينهم فتنة جاز التعدد لهذه الحاجات وأشباهها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. ومتى جاز التعدد لمسوغه الشرعي صحت جميع الجمع ولم يجز أن يقام مع شيء منها صلاة الظهر؛ لأن في ذلك إيجاب صلاة سادسة ما أنزل الله بها من سلطان، بل ذلك مخالف للنص والإجماع ومن البدع المحدثة.
وقد مضت القرون المفضلة وقرون بعدها والمسلمون لا يعرفون هذه الصلاة المحدثة، وإنما أحدثها بعض المتأخرين من الشافعية وبعض الحنفية لشبه وقعت لهم لا يجوز أن تكون مستندا لهذه البدعة؛ لأنها كلها عند التمحيص لا وجه لها وليست مسوغة لإحداث هذه البدعة.
وقد أنكر هذه البدعة -لما حدثت- جم غفير من العلماء من الشافعية وغيرهم وأوضحوا أن الواجب على علماء الإسلام إنكارها والتحذير منها، كما أن الواجب على من أحدثها أو استحسن فعلها أن يتهم رأيه وأن يرجع إلى الحق لأن الرجوع إلى الحق هو الواجب وهو خير من التمادي في الخطأ، وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق على صحته من حديث عائشة -رضي الله عنها-)، ورواه مسلم في صحيحه بلفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وخرج مسلم أيضا عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبة الجمعة: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". وفي السنن بإسناد حسن عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة..
وقد قال الله في كتابه الكريم ذاما أهل البدع ومحذرا من سبيلهم: (أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لم يَأذَن بِهِ اللهُ..) [الشورى:21]. والآيات والأحاديث في ذم البدع والتحذير منها كثيرة معلومة وأرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية ومقنع لطالب الحق.
وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا وأن يجمع كلمتهم على الحق أينما كانوا، وأن يبارك في أعمالكم وأن يجزيكم عن اهتمامكم بأحوال إخوانكم وحرصكم على جمع الكلمة وإبطال البدعة جزاء حسنا وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من دعاة الهدى وأنصار الحق إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
فتاوى ابن باز
س6: إذا كان الإمام في الجمعة وصلى الركعة الأولى وقام للركعة الثانية واقتدى به مسبوق في الركعة الثانية، وقام المسبوق ليقضي الركعة بعد سلام الإمام، فاقتدى به مسبوق آخر، فهل تصح لهذا المسبوق الأخير جمعة أم لا؟
ج6: لا يصح للمسبوق الثاني جمعة؛ لأنه لم يدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فيها، وعليه أن يصلي الظهر. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
س7: يوجد في بلدتنا مسجد لكنه لا تقام فيه صلاة الفجر والعشاء بزعم أن الظروف الأمنية لا تسمح بذلك، لكن الواقع خلاف تلك المزاعم، فالأمور على أحسن ما يرام، فهل تجوز صلاة الجمعة في هذا المسجد؟
ج7: تجب عليكم صلاة الجماعة في المسجد إذا أمكن ذلك، وأما صلاة الجمعة فإنكم تصلونها مع المسلمين في أحد المساجد الموجودة التي تقام فيها صلاة الجمعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو عضو عضو عضو الرئيس بكر أبو زيد عبد العزيز آل الشيخ صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز بن عبد الله بن باز
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
التعليقات